عماد مرعب يرفع البطاقة الحمراء
وسط الظلمة التي يعيشها لبنان على كلّ الأصعدة، ثمة نور يتسرّب هذه المرّة من قطر. صحيح أنّ هذا النّور لا يُمحي “العَتْمات” الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والتربويّة، ولا سيّما العتمة الفعليّة، عتمة الكهرباء التي بشّرنا بها وزير الطّاقة ريمون غجر ابتداءً من نهاية آذار الحالي، إلاّ أنّ بصيص نور اخترق هذه الظلمة، كما كان يخترقها في السّابق في مناسبات مماثلة. ومَن كان يتولّى هذا الاختراق ولا يزالون، هم أصحاب الكفايات المنتشرين في العالم أجمع، كما في لبنان.
هذه المرّة حصل الاختراق في الرّياضة على يد الحَكَم الدولي في لعبة كرة الطّاولة السيد عماد مرعب الذي كان في عداد حكّام دوليّين اختيروا للإشراف على بطولة تقيمها مؤسّسة WTT المنبثقة عن الاتّحاد الدولي لكرة الطّاولة ITTF والتي يعود تأسيسها إلى العام 2020، وذلك بهدف تطوير اللعبة والترويج لها لعلّهما يساهمان في زيادة العائدات وعلى غرار ألعاب بطوليّة أخرى عديدة، باعتبار أن لعبة كرة الطّاولة لا تحظى باستقطاب هواة جدد بأعداد كبيرة، ولا يُقام لها بطولات متتالية كتلك التي تُقام للعبة كرة القدم على سبيل المثال لا الحصر. ومن المعروف أنّ الاتّحاد الدوليّ لكرة الطّاولة يعود إنشاؤه إلى العام 1926.
وهذه البطولة هي الأولى منذ إنشاء WTT، ما يعني أنّ قطر سجّلت ريادتها في احتضان هذا الحدث الذي أقيم بين 28 شباط و13 آذار، علمًا أنّ الدوحة ستشهد أيضًا بين 13 الحالي ولغاية 21 منه بطولتَيْن في اللعبة نفسها ولكن تحت إشراف الاتّحاد الدوليّ لهذه اللعبة ITTF والتي ستتمّ خلالها إقامة مباراة وتصفيات لتأهيل فائزين للألعاب الآسيويّة وللألعاب الأولمبيّة، علمًا أنّ هاتَيْن البطولتَيْن تُعقد كلّ منهما مرّة كلّ أربع سنوات.
المشاركون في هذه البطولة يمثّلون، في المبدأ، أكثريّة بلدان العالم، مع تسجيل غياب الصّين التي كانت قد أعلنت عزمها على المشاركة، ولكن بسبب Covid-19، واضطرار اللاعبين للخضوع إلى الحَجِر الصحّي 21 يومًا لدى عودتهم من المباراة، احترازيًا، وكما تتطلّب الإجراءات الصحيّة، فقد ارتأت إدارة الفريق الانسحاب وعدم المشاركة، وهكذا كان.
ما يعنينا في هذه البطولة هو قَبَس النور الذي تسرّب من وسط العتمة التي تظلّل لبنان. وتمثّل هذا القَبَس باعتماد اللبناني عماد مرعب حَكَمًا دوليًا، إلى جانب آخرين يشكّل مجموعهم عشرة حكّام من أصل مئة ترشّحوا لتوالي المناصب. وعماد، بالمناسبة، هو أحد الخبراء التأمينيّين العاملين في شركة “ليبانو-سويس” للضمان، وكان دائمًا مجليًّا في هذه اللعبة. بدأ ممارسًا لها في “نادي الآداب والرياضة” وهو في الثانية عشرة من عمره، ثمّ عندما بلغ الرابعة عشرة، ونظرًا لكفاءاته، بدأ الاتّحاد اللبناني يستعين به لمساعدة الحكّام. وفي عمر السابعة عشرة، كان يُشارك كمساعد حَكَم في المباريات الدوليّة التي تُقام في لبنان، إلى أن بَلَغ الواحدة والعشرين من عمره، وعندها أصبح حَكَمًا دوليًا، بعد الاستعانة به حَكَمًا في دورات تدريبيّة على مستوى دولي: في الأردن أوّلاً مع مايكل اندرسون (وهو سويدي الجنسيّة من الاتّحاد الدولي)، وقد تمّت هذه الدورة التدريبيّة بالتعاون مع اللجنة الأولمبيّة الأردنيّة في العام 1996. ثمّ في لبنان، إذ شارك في دورتَيْن مع مدرّب فرنسي، أُقيمتا عقب توأمة جرت بين فرنسا ولبنان، وقد حلّ أوّلاً.
هذه الدورات التدريبيّة قادته إلى أن يكون حَكَمًا دوليًا، وكان ذلك في العام 2000. بداية، نال الشارة البيضاء White Badge، ثمّ الشارة الزرقاء Blue Badge التي بدأ التداول بها في العام 2007 لينالها بعد عام. وتعتبر هذه الشارة أعلى رتبة في التحكيم الدولي. ووفق ما قال لنا السيد عماد مرعب، فإنّ شارة ثالثة ستُطلق قريبًا هي الشارة الذهبيّة Gold Badge ، وقد خضع لامتحان لنيْلها، وكان في مقدّم الطامحين إليها، وما يتمنّاه أن يفوز بها، وبذلك يكون من بين الأوائل الحاصلين عليها.
ولكن لماذا وقع الخيار عليه؟ ألا يوجد في لبنان حكّام دوليّون آخرون؟
عن هذا السؤال، أجاب بالقول:
– لقد رشّحني الاتّحاد اللبناني مع حَكَم زميل آخر، إثر دعوة مفتوحة وجّهها الاتّحاد الدولي. لكن زميلي لم يُقبل، فمثّلتُ لبنان بمفردي وكنت بين عشرة حكّام فقط من دول العالم أجمع الذين وقع الاختيار عليهم. أمّا لماذا هذا العدد الضّئيل، فبسبب Covid-19 والخوف من انتشار الإصابات. ولهذا بدا عملنا شاقًا، بحيث كنّا نمضي طوال النّهار امتدادًا إلى الليل في عملنا التحكيمي، ومن دون حكّام مساعدين، كما جرت العادة. أكثر من ذلك، كنّا كحكّام، نتولّى تنظيف الطاولات والطابات في ظلّ إجراءات معيّنة (كوضع الكمامات)، كما كنّا نحتسب النتائج من دون أيّ مساعدة.
وإلى ذلك، كنّا كحكّام، في شبه حجر صحّي يُعرف بالفقّاعة Buble، أي أنّ حريّة تنقّلنا كانت محصورة بين الملعب والفقّاعة. ولدى وصولنا إلى قطر، حُجرنا في الفندق وخضعنا لفحص الـ PCR الذي تكرّر دوريًا، ولم يكن مسموحًا لنا التقاء أحد.
س: ماذا عن خبرتك في التحكيم؟
ج: لقد شاركت في الألعاب الأولمبيّة في البرازيل كحكم دوليّ. في فرنسا (ثلاث بطولات عالميّة في العام 2013)، في المانيا (2012)، في كرواتيا (2002)، في زغرب وغيرها. وفي الألعاب الآسيويّة، تولّيت التحكيم في دورات عديدة ومنها دورة في كوريا في العام 2014، إلى جانب دورات بطوليّة أخرى. في قطر (4 مرات)، في تونس، في مصر (4 مرّات)، في النمسا، البرازيل، فضلاً عن تحكيمي بطولات حصلت في لبنان. وفي مرّات عدّة، كان يقع الاختيار عليّ للتحكيم في النهائيّات.
س: هل حصل معك حادث ما خلال التحكيم؟
ج: نعم. لقد كان غير مسموح للاعبين النفخ على الطابة ولمس طاولة “البينغ بونغ” ضمن بروتوكول أدخلناه إلى هذه البطولة عنوانه “بروتوكول Covid”. لكن للاّعبين عادة متأصّلة فيهم، وهي مَسْح العرق بأيديهم ومحاولة إزالته عبر سطح الطاولة، وكي لا ينتقل الفيروس إذا وُجد، طُلب إليهم استعمال Towel Box خاصة بكلٍّ منهم، لكي لا يكون هناك تبادل بالعلب. ففي العادة، كان اللاعب ينتقل من جهة أماميّة إلى جهة مقابلة، ومعه منشفة لإزالة العرق، ولكنّ البروتوكول المذكور، ألزمه وضع هذه المنشفة داخل العلبة.
اللاعب الالماني ديمتري اوفتشاروف، وعلى رغم علمه بهذا البروتوكول، نَفَخَ على الطّابة فوجّهتُ إليه تحذيرًا شفهيًا، لكنّه أعاد الكرّة ثانية وأكمل النفخ، فوجّهت إليه إنذارات عدّة، ولم يَرْعَوِ، ثمّ لَمَس الطّاولة بيده لإزالة العرق، فرفعت بوجهه بطاقة صفراء ولكنّه لم يرْتَدع فرفعت البطاقة الحمراء التي تسمح بزيادة نقطة للخصم، فاعترض على ما قُمت به وطلب منّي أن آتي بالحَكَم العام (وهي يونانيّة اسمها تينا كروتا) التي أيّدت ما فعلته بعدما استمعت إلى توضيحاتي، وأشادت بقراري الصائب، فرضخ اللاعب للأمر ولم يعد ينفخ على الطّابة!