التطوّر من الحرف المسماري إلى الكتابة الورقية فإلى التكنولوجيا
“صناعة التأمين العالمية على مفترق طُرق لتحقيق النجاح على المدى الطويل”. هذا هو عنوان النشرة الجديدة ذات الرقم 277 التي أصدرها الإتحاد المصري لشركات التأمين وعالج فيها هذا الموضوع في تحقيق موسّع لم تَغِب عنه الأرقام ولا التوقّعات ولا النتائج ولا التحدّيات التي تواجه شركات التأمين، اقتصادياً وأخطاراً جيوسياسية، والتي من المحتمل أن تعيق النمو والربحية، بما في ذلك التهديد الذي يلوح في الأفق نتيجة الركود العالمي والتداعيات المستمرة للغزو الروسي لأوكرانيا والمخاوف المستمرة من فيروس كورونا. ومن المتوقّع استمرار ظروف السوق الصعبة فيها لبضع سنين كانت النشرة الأسبوعية الـــ 252 قد ألقت الضوء عليها.
بداية، جرى التركيز فيها على تأمينات الممتلكات التي أظهرت أقساطها الحقيقية لعام 2022 نمواً ضعيفاً من الممكن أن يقوى في 2023 و2024، كما ورد فيها، نتيجة الانخفاض المتوقّع للتضخّم. أما في التأمين على الحياة، فالتوقعات تشير، وفق الاتّحاد، الى انخفاض الأقساط الحقيقية في 2023 بسبب أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة التي أدّت إلى قلّة الدخل المتاح للإنفاق، فضلاً عن التوّقّع بارتفاع أسعار الفائدة والاعتماد على التحوّل الرقمي لإعادة الأقساط إلى النمو. ويُعدّ ارتفاع أسعار الفائدة إيجابياً بالنسبة لعائدات استثمارات شركات التأمين وربحيتها.

والى ذلك، تذهب توقعات النشرة لصناعة التأمين، الى ثلاثة احتمالات:
1- مزيد من التشدّد بأسعار تأمينات الممتلكات بسبب التضخّم المرتفع والخسائر الكبيرة نتيجة إعصار إيان ( Hurricane Ian ، في شبه جزيرة فلوريدا)، وكذلك نتيجة الحرب الأوكرانية-الروسية.
2- الدعم المالي المتوقّع لتخفيف أزمة غلاء المعيشة للمستهلكين.
3- زيادة في أسعار التأمين ستؤدي إلى زيادة في نمو الأقساط بالقيمة الاسمية، وكذلك الربحية لجميع شركات التأمين في العام 2023.
وتأسيساً على ما تقدّم، هناك ثلاثة اتجاهات يمكن أن تواجه صناعة التأمين في العام 2023، هي:
1- عالم جديد من المخاطر الناشئة والمتطوّرة، منها: أنماط المناخ المتغيّرة، الكوارث الطبيعية، نقاط ضعف الأعمال. وثمة خطر جديد يتطوّر باستمرار، هو الإنترنت. وعلى رغم أنه ليس تهديدًا جديدًا تمامًا، إلا أن هناك تصاعداً في وتيرة وشدّة هجمات برامج الفدية، و لم يعد أمن المعلومات Cybersecurity يمثّل خطرًا تقنيًا فقط، بل أصبح خطراً على الأعمال المؤمّنة أيضاً.
إن كلّ هذه التهديدات تتطلّب من شركات التأمين التحرّك بسرعة وأن تكون في صدارة المنافسة وتقديم دعم أفضل للمؤمّن عليهم.
2- النظم البيئية للتكنولوجيا Technology Ecosystemsستصبح حقيقة واقعة، لذا يركّز صنّاع القرار على خَفْض تكاليف التشغيل مع التركيز على النمو طويل الأجل. ذلك أن شركات التأمين التي اعتمدت، تاريخياً، على أنظمة عمل بيروقراطية، تعمل على تبسيط هذه الأنظمة بينما تقوم في الوقت نفسه، ببناء تقنية جديدة وحديثة، في حين تقوم الشركات الأخرى التي تقدّمت رقمياً، برحلة التحديث بدمج التقنيات والقدرات الناشئة من التكنولوجيا الداخلية مع مزيج الحلول.
ما تشترك فيه هذه الشركات هو بناء نظام بيئي تكنولوجي مدعوم بعروض أساسية مرنة وقابلة للتطوير، مع ادراكها أن هذا الحلّ مناسب لزيادة الربحية وتكوين الأنظمة التي تتسع حسب الحاجة. وعلى سبيل المثال، هل هناك فرص لمكننة أجزاء من عملية المطالبات لتخفيف حدة العمل؟ أو: هل هناك طرق لملء البيانات من جهات خارجية لتأمين المخاطر؟ وبشكل أكثر دقة: هل هناك حالات يُمكن الروبوتات تولّي المحادثة مكان الإنسان، أو هل بإمكان أدوات الخدمة الرقمية الأخرى القيام بخدمات مماثلة، ترضي العملاء؟

كل هذه الاحتمالات واردة التطبيق شرط الإنطلاق من أساس صحيح.
3– اضفاء الطابع الإنساني على تجربة عملاء التأمين. فعلى رغم صعوبة هذه الأوقات بالنسبة لشركات التأمين، يجب ألا ننسى البُعد الأنساني الذي يلحقونه بالمؤمَّن لهم. فقد وجدت شركة Duck Creek Technologies ، أن التفاعلات والتعامل مع وكيل – خاصة عندما يتعلق الأمر بالطلبات عالية اللمس – تجعل العملاء يشعرون بأنهم مسموعون ، ولديهم إمكانية الوصول إلى تحديثات دقيقة ويشعرون بالارتباط مع شركة التأمين طوال عملية تقديم الخدمة .
ولأن العملاء لم يعودوا محصورين في منصّة واحدة، مع تعدّد المنصّات: من مواقع الويب، إلى تطبيقات الهواتف الذكية، إلى المحادثات المباشرة، بدأ هؤلاء يميلون إلى اختيار القناة التي تناسب احتياجاتهم على أفضل وجه. إنهم يتوقون إلى تجارب بسيطة وسلسة. و قد وجدت دراسة أجرتها Price Waterhouse Cooper أن ثلث المستهلكين يُمكن أن يبتعدوا عن علامة تجارية موثوق بها بعد تجربة سيئة واحدة، ما قد يتسبّب في تحوّل شركات التأمين من نموذج أعمال يركّز على الوثيقة، إلى نموذج يركّز على العملاء.
في العودة الى تأمينات الممتلكات، لا بدّ من طرح هذا السؤال التالي: هل لشركات التأمين المعنية فِرَص مؤاتية لاختراق الاسواق؟
نعم، تقول النشرة التي تعتقد بوجود فرص متعدّدة لتحسين النتائج الرئيسة والأساسية من خلال تعزيز الكفاءات التشغيلية. على سبيل المثال: يُعدّ سوق التأمين متناهي الصغر مهيأ لإعادة الابتكار، نتيجة استطلاع أجرته شركة Deloitte Global للعديد من العملاء، بحثًا عن أنواع جديدة من الوثائق ذات مرونة من حيث الأسعار وخيارات الدفع، فضلاً عن خدمات أكثر شمولاً للتحكّم في الخسائر. كذلك فالطلب على التأمين الإلكتروني، على وجه الخصوص، يزداد، وعلى شركات التأمين أن تتابع بحذر هذا النوع من التغطيات مع ارتفاع معدل وطلب الفدية بنسبة 235٪ في العام 2021، مقارنة بعام 2019 ، فضلاً عن ارتفاع متوسط مدفوعات الفدية بنسبة 370٪ خلال العامين المذكورَيْن. كذلك من المتوقع أن يتضاعف حجم سوق التأمين في لندن فقط من خلال تغطية التحوّل العالمي إلى الطاقة الخضراء لحَمَلَة وثائق التأمين الذين يتطلعون إلى تحقيق صافي صفر من انبعاثات الكربون ، وفقًا لجمعية لندن وسماسرة التأمين الدولية (LIIBA).

من جهة أخرى، فإنه من المستبعد أن يتسبّب ظهور المركبات ذاتية القيادة في تحويل مليارات الأقساط لتغطية المسؤولية المهنية، لأن التكنولوجيا والبرامج هي التي تدير السيارة وليس السائق، وقد تكون هي المتسبّبة في الحوادث. فالتقارير تشير إلى أنّ تقنية القيادة الذاتية تظلّ تجريبية إلى حد كبير. لذا، على شركات التأمين أن تتطلع الى المزيد من الشراكات المحتملة للاستفادة من سوق التأمين المدمج المتنامي، مع بَيْع الوثائق في أماكن يُباع فيها بعض منتجات أو الخدمات الأخرى مثل الأسواق الكبرى او المجمّعات. من هنا، يُرجَّح الى أن تشهد إجمالي أقساط التأمين نموًّا، وصولاً الى 722 مليار دولار بحلول العام 2030 ، مع احتمال استحواذ الصين وأميركا الشمالية على أكثر من ثلثَيْ السوق العالمية.
وثمة توسّع أخر في عالم الأصول غير الملموسة: مثل العملات المشفرة والأنشطة الافتراضية على metaverse حيث أن 17% فقط من هذه الأصول مؤمّن عليها حاليًا، وفقًا لبحث أجراه Aon & Ponemon، وذلك بشرط أن يكون مسموح بها، وفقاً للإطارَيْن التشريعي والقانوني بالدول المعنية. بالإضافة إلى ابتكار المنتجات، يجب على شركات التأمين أيضًا تسريع مبادرات التحوّل إلى اعتماد التكنولوجيا لرفع الكفاءة التشغيلية ودقة التسعير و الإدارة الرقمية للمطالبات و تحسين تجربة العملاء، بالتوازي مع الجهود المبذولة لتعزيز قدرات الموظفين إلى مستويات هائلة في الاكتتاب والمطالبات.

لذا، يجب أن تكون شركات التأمين سبّاقة الى تقديم منتجات وخدمات وخيارات توزيع جديدة، كذلك البحث عن منافذ جديدة للعملاء.
في مجال آخر، ودائماً في سياق هذا التحقيق للإتحاد المصري لشركات التأمين، فإن الإتجاه يتزايــد حــول إدارة مخاطــر الحوكمــة البيئيــة والاجتماعية والمؤسســية منــذ ســنوات، وبالفعل، ازداد الاهتمام بهــا منــذ تفشــي جائحــة كوفيد 19، وأصبحــت قضايــا الحوكمــة البيئيــة والاجتماعية والمؤسســية مصــدر اهتمــام بالنسبة لكل مــن المســتثمرين والعملاء وأصحــاب المصلحــة والموظفيــن والمجتمعــات وهيئــات الاشراف والرقابــة أكثــر مــن أيّ وقــت مضــى، حيــث يــؤدي الأداء القــوي للحوكمــة البيئيــة والاجتماعية والمؤسسية، إلــى تســهيل الوصــول إلــى رأس المــال والخبــرات وفــرص العمــل، ولهــذه الأسباب، أصبــح مــن الضــروري للمؤسســات فــي الوقــت الحالــي، التركيــز علــى دمــج إدارة الحوكمــة البيئيــة والاجتماعية والمؤسســية فــي إطــار عمــل إدارة المخاطــر المؤسســية( risk management Enterprise ) .
الى ذلك، وفي النشرة 277، وفي مكان آخر، نقرأ أن عمليــات الاندماج والاستحواذ، شهدت نمــوا ً كبيــرا فــي جميــع أنحـــاء العـالم خلال العقدَيْــن الأخيرَيْن، اذ وصـلت هذه العمليات إلــى مــستويات قياســية غيــر مـــسبوقة . ويعود ذلـك للتوجـــه الـــسائد نحـــو العولمـــة وانخفـاض تكلفـة التمويـل، اضافة إلى الأزمة الماليــة العالميــة الحاليـة ومـن ثـم الحاجــة إلـى خلق كيانـات كبيـرة تــستطيع المنافــسة وتحقيق النمــو والــربح.
لقد ظلّ نشاط الاندماج والاستحواذ العالمي (M&A) قوياً، بحسب الإتحاد المصري، حتى العام 2021 ، مع 418 صفقة مكتملة في قطاع التأمين العالمي، بينما كان هذا الرقم 407 في عام 2020.
ومع ذلك ، وبسبب عدم اليقين الاقتصادي المستمر ، تباطأ نشاط شركات التأمين في الربع الأول من عام 2022 بإجمالي 30 صفقة بقيمة إجمالية قدرها 12.09 مليار دولار مقارنة بالمعاملات بقيمة مجمّعة قدرها 22.72 مليار دولار في الربع الأول من العام 2021.
وفي قطاع التأمين على الحياة، فمن المتوقّع أن تواصل الشركات في جميع البلدان تصفية بعض اعمالها غير الأساسية لإعادة توجيه الأموال وسدّ الفجوات في عروض المنتجات الأساسية أو تقوية وتحديث القدرات التكنولوجية.

وعلى رغم التباطؤ في الاستثمار، فمن المرجح أن تظل تطبيقات InsurTechs مطلوبة كأدوات استثمارية وشركاء في عمليات الاستحواذ. و قد تسعى شركات التأمين على الحياة التي تواجه تحديات من قبل التقنيات التقليدية إلى الاستحواذ على شركات تكنولوجيا التأمين InsurTech أو التوافق معها لتسريع عمليات التحوّل الرقمي.
واعتبارًا من هذا العام 2023، بات من الضروري لدى شركات التأمين، استراتيجية في تحديد الأسواق والمنتجات والعملاء الذين سيكونون أكثر فائدة لاستهداف المحافظ وإعادة توزيعها للتوسّع في رأس المال وإعادة توزيعه، لا سيما في الاسواق الاقتصادية المضطربة.
يبقى أن نشير الى رأي الإتحاد المصري لشركات التأمين، معدّ هذه النشرة، بشأن كل هذه التوقعات. وبهذا الصدد نقرأ: “نحن نؤمن بقدرة صناعة التأمين ومرونتها في مواجهة التغيير وكيفية الإستمرار في العثور على أفضل الطرق لممارسة الأعمال التجارية بمساعدة النظم البيئية التكنولوجية. ففي العام 2023، ستحتاج صناعة التأمين إلى استمرار الزخم. لن يكون الأمر سهلاً، لكن غالبية شركات التأمين في طريقها إلى مستقبل تأميني تطمح إليه حيث يكون العميل محور الإهتمام”. فضلاً عن ذلك، “يحــرص الاتحاد مــن خلال النشــرات التثقيفيــة التــي يصدرهــا، على إطلاع أســواق التأميــن علــى التوقّعات المستقبلية فــي كافــة النواحــي المتعلقــة بصناعــة التأميــن والمخاطــر المرتبطــة بهــا، حتــى يتســنّى للســادة العامليــن بتلــك الصناعــة العريقــة، بحــث تلــك المخاطــر ووضــع الآليات الفنيــة اللازمة لمعالجتهــا بمــا يســاهم فــي نجــاح ســوق التأميــن فــي القيــام بالــدور المنــوط بــه والمســاهمة فــي دعــم الاقتصاد الوطنــي.