جانب من الجزيرة-المحمية بتربتها الحمراء
جزيرة “صير بونعير” التابعة لإمارة الشارقة والتي أُعلنت محمية طبيعية بموجب مرسوم أميري، باتت من أهم أمكنة تكاثر سلاحف “منقار الصقر” المهدّدة بالانقراض. ويصل عدد أعشاش هذه السلاحف الى أكثر من 300 عش منتشر على 27 شاطئ رملي في هذه الجزيرة التي تبعد عن سواحل الإمارة مسافة 110 كيلومترات شمالاً.
وتمتد هذه الجزيرة على مسافة 13 كيلومتراً مربعاً حيث تتواجد طيور النورس الأسخم (أبو صنين) وطيور الخرشنة التي صنعت بتربتها الحمراء آلاف الأعشاش وهي مطمئنة لاختيارها هذا الملاذ الآمن الذي وُضعت له قوانين صارمة لحماية الكائنات الحية الموجودة فيها، ووفق قوانين الإتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.
والى السلاحف البحرية الخضراء النادرة والغزلان والقنافذ والزواحف، سُجّل في الجزيرة وجود سمك المعطف الأحمر والذي لم يسبق اكتشافه في مياه الخليج من قبل.
جدير بالذكر أن جزيرة “صير بونعير” ارتبطت بالذاكرة الشارقية بسبب الأحداث المهمة التي شهدتها والتي تُشكّل قيمة تاريخية، اذ فيها أنشأ البريطانيون في فترة وجودهم بالمنطقة أول سكة حديد في الإمارات بقي منها بعض القطع الموجودة بجانب الشاطئ تحت سطح البحر.
ومن الشواهد التاريخية التي تحتفظ بها الجزيرة أيضاً “بئر” تميّزت بعذوبة مياهها التي تحكي الروايات عن قدرتها في شفاء الأمراض. والى ذلك، عثر في الجزيرة على أوان فخارية يعود بعضها إلى العصر الحديدي، أي إلى نحو 3500 عام مضت، في حين يعود بعضها الآخر إلى 1500 عام، ما يؤكد استمرار النشاط البحري للجزيرة خلال 35 قرناً. ويوجد في الجزيرة، كذلك، مقبرة تضمّ رفات عدد من الغواصين ومناجم التعدين التي تمثّل مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ تطوّر الشعوب القاطنة على ضفاف الخليج العربي.
وبسبب تربتها الحمراء، سُميّت “صير بونعير” بالجزيرة الحمراء، وهي تبدو بتضاريسها وتمازج ألوان تربتها وبوهجها الوردي مثل كوكب المريخ. وتُشير المعلومات إلى أنها غنية بالمعادن بما فيها الكبريت وأكسيد الحديد، لذلك تلونت تربتها بالأحمر، ولهذا بنت بريطانيا السكة الحديدية في الماضي لإستخدامها في نقل المعادن إلى السفن لتصديرها إلى الخارج. كذلك خصصت الجزيرة لاستخراج مناجم بقيت موجودة حتى اليوم على شكل كهوف. وهي تتميز بشواطئها الرملية وصفاء مياهها، ومحيطها الغني بالحياة المرجانية والسمكية التي تضمّ أكثر من 76 نوعًا من الأسماك و40 نوعًا من الشعاب المرجانية.
جزيرة صير بونعير التي وصفها أحد الشعراء بـ “الدمعة التي سقطت في مياه الخليج”، تمتزج فيها معاني البحر بالطبيعة البيئية النادرة لتروي قصة علاقة أبناء الشارقة الحميمية بالبحر التي لطالما شكّلت لهم مسرحاً للعمل والرزق والمغامرة في الوقت الذي كانت فيه الملجأ الآمن للسفن التي تواجه أعاصير البحر وكانت مقراً للغواصين والباحثين عن اللؤلؤ.
والى ذلك، تتميّز المحمية بأهميتها الدولية، إذ تمّ إدراجها في الاتفاقية الدولية للأراضي الرطبة (رامسار)، لما تتمتع به من صفات ومكونات غنية وزاخرة، وكذلك ضمن قائمة اليونيسكو التمهيدية لمواقع التراث العالمي، وقبولها أيضاً في مذكرة تفاهم حول حماية وإدارة السلاحف البحرية في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا.
سلحفاة “منقار الصقر” أتمت مهمتها بنجاح في وضع بيوضها بعدما حفرت عشّها دون قلق من عبث بشري لتترك ما بين 90 و110 بيضات في العشّ وتعود إلى البحر، في حين ستستغرق عملية تفقيس البيض ما بين 50 و70 يوماً.
وكان الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، نائب حاكم الشارقة، قد شهد فعاليات النسخة الثانية والعشرين من مهرجان “صير بونعير” السنوي الذي أقيم على مدار يومي 3 و 4 حزيران (يونيو) الجاري واستهدف إبراز القيمة والمكانة البيئية والسياحية والحضارية للجزيرة، وترسيخ علاقة الأجيال المتعاقبة ببيئتهم وتراثهم.