حرائق في غابات أميركا
في تقرير لـ AON ، شركة الخدمات المهنية والإستشارات الإدارية البريطانية الأميركية، حمل عنوان Climate and Catastrophe Insight 2024، أن المخاطر المناخية باتت أمراً مؤكداً وليس احتمالا. فطوال العام 2023، أظهرت حرائق الغابات في جميع أنحاء أوروبا وأميركا فضلاً عن الفيضانات في آسيا، وموجات الحرّ غير المسبوقة في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، أن المخاطر المرتبطة بالطقس والمناخ القاسي أصبحت تُشكّل تهديدًا وجوديًا للطريقة التي نعيش ونعمل بها إذ أن حصيلة 66 كارثة طبيعية تسببّت في أضرار، وصلت الى قيمة مليار دولار أو أكثر، 63 منها بسبب الطقس، ومع ذلك، لم تتم تغطية سوى 40 % من الخسائر المرتبطة بالطقس والمناخ . ورغم أن العديد من المنظمات قد شهدت هذا التهديد، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء بعد لمجابهة هذا الخطر.
فكيف يمكن شركات التأمين اغتنام الفرص المناخية ؟
سؤال طرحته النشرة ذات الرقم 325 التي يُصدرها للإتحاد المصري للتأمين، وكان جوابها التالي:
إن صناعة التأمينى تلعب دورًا حاسمًا في مساعدة الأفراد والشركات والحكومات على التكيّف مع تغيّر المناخ والتخفيف من تأثيره وتمكين الانتقال من الطاقة البنية إلى الطاقة الخضراء. و خلال هذا التحوّل، هناك الكثير من المخاطر و كذلك من فرص النمو. ففي التحليل الذي أجرته مجموعة Aon للاستراتيجية والتكنولوجيا (STG) أن هناك نمواً محتملاً في حجم الأقساط بحلول العام 2030 يتجاوز 20 مليار دولار نتيجة لظهور العديد من الاتجاهات البيئية الكبرى، وهي الاتجاهات التي تُشكل المشهد المستقبلي وتحفّز الطلب المحتمل على التأمين، إذ يرتبط حوالي ربع الاتجاهات التي حددتها مجموعة Aon للاستراتيجية والتكنولوجيا بالعوامل البيئية، بما في ذلك التكيّف مع تغيّر المناخ والتخفيف من آثاره والانتقال إلى الطاقة الخضراء والتنوّع البيولوجي. ومن الممكن أن يؤدي التأمين للحد من انبعاثاته، تقول نشرة الإتحاد المصري للتأمين، الى تطوير بنية تحتية مرنة، والتوسّع في استخدام الكهرباء كمصدر للطاقة، واحتجاز الكربون وتخزينه، وإيقاف تشغيل الأصول كثيفة الكربون، إلى توليد إجمالي أقساط تأمين مكتتبة بما يتراوح بين 8 مليارات دولار إلى 25 ملياراً . وتُمثّل هذه الاتجاهات التحويلية، إمكانات نمو فورية يُمكن معالجتها اليوم، على رغم احتجاز الكربون وتخزينه والذي يتطلب بعض الابتكار ات و الاستثمارات الإضافية ومن هنا. إطلاق العنان للاستثمار في تحوّل الطاقة بالتوسّع في مصادر الطاقة المتجدّدة، إلى تطوير التكنولوجيات الناشئة، علماً أن هذا الاستثمار السنوي يحتاج إلى زيادة أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 ليصل إلى حوالي 4 تريليون دولار للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
ورغم أن الحاجة إلى توسيع قدرات الطاقة المستدامة واضحة، فإن الاستثمارات لا تتدفق دائما بالسلاسة و السرعة المطلوبة. على سبيل المثال، أدت المخاوف بشأن التعرّض للكوارث الطبيعية والمخاطر السياسية إلى إعاقة الاستثمار في بعض مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية. ومع ذلك، يمكن التأمين أن يُعالج مجموعة من التحديات السياسية والفنية والائتمانية والتشغيلية التي من شأنها أن تُعيق الاستثمار أو تزيد تكاليف تمويل مشاريع الطاقة المتجدّدة.
نُشير هنا الى أن العام 2022 شهدَ أدنى فجوة حماية على الإطلاق مع وقوع أحداث كبرى في الأسواق المتقدمة. أمّا في العام 2023 فبلغ حجم خسائر الكوارث التي غطتها شركات التأمين بنسبة 31 % من إجمالي الخسائر الاقتصادية. ومع ذلك، ظلّت هناك اختلافات إقليمية كبيرة. ففي الولايات المتحدة، تمّتْ تغطية معظم الخسائر، كما هو الحال عادة، بينما لم يتّم التأمين على غالبية الخسائر في المناطق الأخرى. وكان هذا هو الحال في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، نظراً للزلازل التي ضربت تركيا وسوريا والمغرب، فضلاً عن أحداث الفيضانات في إيطاليا واليونان وليبيا. حيث اتسمت جميع هذه الدول بمستوى منخفض نسبيًا من التأمين على الفيضانات، علماً أن فجوة الحماية تُعتبر نقطة مرجعية حاسمة لصناعة التأمين والأسواق المالية والحكومات، لأنها توضح الضعف المالي للمجتمعات وتوفر الفرصة لتحديد الحاجة إلى حلول جديدة. بالإضافة إلى فجوات الحماية الخاصة بكل منطقة، هناك اختلافات رئيسية بين المخاطر.
و توضح المقارنة بين الدول، أن أعلى الخسائر المؤمّن عليها موجودة باستمرار في الولايات المتحدة، حيث وصلت إلى 80 مليار دولار في العام 2023. ومع ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من خسائر الكوارث يظلّ غير مؤمّن عليه حتى في هذا السوق.
وسُجّلت أكبر الخسائر غير المؤمّن عليها في العام 2023 في تركيا والصين. كذلك شهدت إيطاليا والمكسيك نحو 15 مليار دولار من الخسائر غير المغطاة تأمينياً، تليها البرازيل والأرجنتين بأقل من 10 مليارات دولار.
في المتوسط، فإن الحجم الأكبر من الخسائر التي لا يتمّ التأمين عليها ينجم عن الكوارث الطبيعية في الصين، حيث تبلغ قيمة الخسائر المُغطاة 54 مليار دولار سنويا في المتوسط، بينما بلغت الخسائر المؤمن عليها مليارَيْ دولار. تنتقل النشرة الى الخسائر العالمية المؤمنة التي حطمّت الأرقام القياسية والتي قُدّرت في العام 2023 بنحو 118 مليار دولار، وهو أعلى بكثير من المتوسطات قصيرة ومتوسطة و طويلة الأجل. والى ذلك لم تتم تغطية سوى نحو 31 % من الخسائر الاقتصادية العالمية عن طريق التأمين الخاص أو العام، وهو ما يقترب من المعدل الطبيعي على المدى الطويل. ويمثل هذا انخفاضًا ملحوظًا بعد عام 2022، حيث تمت تغطية أكثر من 42 % من إجمالي الخسائر وكانت فجوة الحماية هي الأدنى على الإطلاق. و تسببّت العديد من الكوارث الكبرى في جميع أنحاء العالم في أضرار كبيرة غير مؤمّن عليها، وكان لا بد من تغطية تَكاليفها من قبل الحكومات المحلية. الى أن أكبر خسارة هذا العام يعود إلى الجفاف الموسمي في الولايات المتحدة، حيث تجاوز إجمالي مدفوعات التأمين على المحاصيل 6.5 مليارات دولار. وجاءت سلسلة الزلازل في تركيا وسوريا في المرتبة الثانية، لكن الغالبية العظمى من الأحداث الكبرى تركزت في أميركا الشمالية وأوروبا. والجدير بالذكر أن نيوزيلندا سجّلت حدثين متتاليين بقيمة مليار دولار. ويُعزى ما يقرب من ربع إجمالي الخسائر الاقتصادية في عام 2023 إلى سلسلة الزلازل الكارثية التي ضربت تركيا وسوريا، والتي ضربت المنطقة في شباط ( فبراير). وأدى التأثير واسع النطاق على الممتلكات والبنية التحتية إلى أضرار مباشرة تزيد عن 90 مليار دولار، مما يجعلها الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة المسجلة في التاريخ الحديث في كل من تركيا وسوريا والشرق الأوسط ومنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بأكملها. كذلك تجاوزت أربعة أحداث أخرى على الأقل عتبة الأضرار الاقتصادية البالغة 10 مليارات دولار، حيث أبلغت الصين عن إجمالي أضرار الفيضانات التي تجاوزت 30 مليار دولار مرة أخرى، بعد خسارة أقل من المتوسط في العام 2022. وقد وصل إعصار “أوتيس” المدمّر إلى اليابسة بقوة الفئة 5 بالقرب من أكابولكو في المكسيك و سجل باعتباره أقوى إعصار يضرب اليابسة في شرق المحيط الهادئ. كما ساد الجفاف في أميركا الشمالية والجنوبية. في حين وقعت ثلاثة أحداث من عواصف الحمل الحراري الشديدة تم تصنيفها ضمن أكبر 10 خسائر اقتصادية فردية لعام 2023 ولم يتجاوز أي منها 10 مليارات دولار. ومع ذلك، فإن الكوارث الأكثر تكلفة من منظور التأمين كانت الجفاف في الولايات المتحدة وكذلك سلسلة الزلازل التي وقعت في شباط (فبراير) 2023، والتي أدت إلى خسائر كبيرة لشركات التأمين العامة والخاصة في تركيا. كذلك أدّى حريق الغابات المدمر الذي ضرب هاواي في آب ( أغسطس) إلى خسائر مؤمن عليها قدرها 3.5 مليار دولار، ما يجعلها واحدة من أكثر ثمانية حرائق غابات تكلفة على الإطلاق. كما سجلت العديد من البلدان أحداثا تسببّت في أكثر الأحداث تكلفة على الإطلاق، حتى لو لم تكن واردة في هذه المقارنة العالمية: في سلوفينيا والمغرب واليونان. بلغ إجمالي الخسائر المؤمن عليها من الكوارث الطبيعية في عام 2023 ما يُقدّر بـ 118 مليار دولار وكانت أعلى بكثير من متوسط القرن الحادي والعشرين (90 مليار دولار) والوسيط (80 مليار دولار)، ولكنها أقل بكثير من متوسط الفترة منذ عام 2017، والتي تتميز بست سنوات متتالية من الخسائر المؤمن عليها و التي تتجاوز – متوسط الخسائر. وكانت هذه هي المرة الرابعة على التوالي التي تتجاوز فيها الخسائر العالمية 100 مليار دولار.
وثمة سؤال تطرحه نشرة الاتحاد المصري للتأمين هو حول: هل يمكن تأمين البارامتري أن يساعد في سد فجوة الحماية؟ والجواب هو: مع وجود فجوة حماية تأمينية بنسبة 69 في المائة في عام 2023، يواجه العديد من المعرّضين للمخاطر تحديات في العثور على تغطية كافية لتعرضاتهم للكوارث الطبيعية. لذا يجب أن يكون القادة مستعدين لاتخاذ قرارات أفضل عند مواجهة الكوارث الطبيعية، بدءًا من استخدام التأمين البارامتري الذي يُعّد حلاً مبتكرًا ومباشرًا، ومناسبًا تمامًا للأحداث الكارثية ، بما في ذلك الفيضانات والزلازل والعواصف والأعاصير وحرائق الغابات، , و غيرها من المخاطر. ففي عام 2023، ساعدت تعويضات التأمين المعياري المتعددة الحكومات المحلية على التغلّب على آثار الكوارث الطبيعية. على سبيل المثال، قام مرفق التأمين ضد مخاطر الكوارث في منطقة البحر الكاريبي بتقديم مبلغ 2.9 مليون دولار لـ ” أنتيغوا وبربودا” و0.5 مِليون دولار لجزر ” فيرجِنْ” البريطانية استجابة للعاصفة الاستوائية فيليب؛ بالإضافة إلى 1.5 مليون دولار لسانت كيتس ونيفيس استجابة لإعصار تامي. كما أن مرونة التأمين البارامتري تجعله مناسبًا تمامًا للأحداث الخارجية الأخرى مثل انخفاض حجم السياحة والأوبئة وانقطاع خدمات الانترنت وغيرها من الأحداث.
وتتميز الحلول البارامترية بأنها:
- مستقلة: ” يتم قياس معلمات التشغيل والإبلاغ عنها بواسطة طرف ثالث. حيث يمكن لمديري المخاطر أن يحددوا بوضوح الأحداث التي ستؤدي أو لن تؤدي إلى سداد مطالبات ، بالإضافة إلى تحديد إجمالي تلك المطالبات.
- سريعة: نظرًا لوجود محفّز واضح للحدث، تكون تسوية المطالبات أسرع وأكثر شفافية. عادة ما يتمّ تأكيد التغطية خلال أيام وتصل الأموال في غضون أسابيع ، ما يؤدي إلى تجنب عملية تعديل الخسارة المعقدة.
- مرنة: أي خسارة مالية ناجمة عن حدث مسبّب لها يمكن أن تكون نفقات قابلة للتعويض بموجب التأمين المعياري.
وفي الخلاصة تسمح البيانات الحديثة بمزيد من الدقة فيما يتعلق بتحديد المحفّزات البارامترية. ومع تحسّنه بمرور الوقت، سيصبح الغطاء البارامتري أكثر كفاءة واقتصادية كمكمل للتغطية التقليدية للممتلكات، خاصة حيث تستمر مشكلات القدرة والتسعير في أسواق التعويض التقليدية، ما سيمكّن الشركات من إدارة المخاطر بشكل أكثر فعالية، وتحقيق مرونة تشغيلية أفضل في نهاية المطاف.
أخيراً ماذا عن رأي الاتحاد؟
يُعد تغير المناخ، وفق ما ذكرته النشرة، أحد أهم التحديات التي تواجه العالم اليوم، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على الأمن الغذائي وسبل العيش والنمو الاقتصادي في القارة. وتؤدي زيادة تواتر وشدة الأحداث المناخية القاسية مثل الجفاف الشديد والفيضانات والأعاصير المدارية إلى حالات مزعزعة للاستقرار وتسبب خسائر واسعة النطاق في سبل العيش والممتلكات في العديد من دول العالم، مما يؤدي إلى عكس مكاسب التنمية، ودفع المزيد من الأسر إلى الفقر، وزيادة الفجوات الاقتصادية بين الجنسين في هذا القطاع.
ويحرص الاتحاد من خلال النشرات الأسبوعية التي يصدرها على إطلاع سوق التأمين على الاتجاهات العالمية الحديثة فى كافة النواحى المتعلقة بصناعة التأمين والمخاطر المرتبطة بها وذلك حتى يتسنى للسادة العاملين في صناعة التأمين بحث تلك المخاطر ووضع الآليات الفنية اللازمة لمعالجتها بما يساهم فى نجاح سوق التأمين فى القيام بالدور المنوط به والمساهمة فى دعم الاقتصاد الوطني.
وإدراكاً من الاتحاد المصري للتأمين لأهمية تامين خسائر الاخطار الطبيعية يقوم الاتحاد المصري للتأمين حاليا بدراسة انشاء مجمّعة للأخطار الطبيعية ، وقد تمّ دراسة تجارب العديد من الدول و التشاور مع عدد من بيوت الخبرة ووسطاء اعادة التامين الدوليين ذوي الخبرة المميزة والجهات الحكومية والعلمية في هذا المجال. كذلك يقوم الاتحاد حاليا بتحديد النموذج الأمثل للعمل والذي يناسب السوق المصري من خلال لجنة متخصّصة، تمهيداً لبدء إجراءات تأسيس المجمعة.
ملاحظة: تستعرض نشرات الاتحاد المصري للتأمين الممارسات والبحوث العالمية والمحلية بهدف اطلاع قطاع التأمين المصري على اهم المستجدات مع ذكر المصادر وفقا لأساليب التوثيق العلمي المتعارف عليها. وبالتالي فإن العديد من الاراء والتجارب والاحصائيات قد لا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد كما أن الإتحاد غير مسؤول عن المعلومات والنتائج التي ترد بتلك الدراسات او البحوث ، وان ما يعبر عن رأي الأتحاد هو الجزء المعنون « رأي الاتحاد» فقط.