علبة الدواء
سنتيا تبشراني
على غرار الضجّة التي أحدثها علاج هيدروكسيكلوروكوين Hydroxychloroquine الذي استخدمه الدكتور Didier Raoult لعلاج مرضى Covid-19، كذلك أثار عقار Ivermictin ضجّة مماثلة بعد استخدامه لوظيفة غير التي وُجِد من أجلها، هي علاج فيروس كورونا. والمفارقة أنّ كِلا الدواءيْن مُستخدمان في القارّة الافريقيّة، الأوّل لعلاج الملاريا وداء الذئبة الحماميّة (Lupus Erythemaposus) والتهاب المفاصل الرثاني، فيما الثاني استُخدِم كمضاد حيوي للطفيليّات لعلاج قمل الرأس، الجرب وحالات الورديّة الجلديّة. وإذا كان استخدام الدواء الأوّل لعلاج Covid-19 قد دفع العديد من الدوائر الصحيّة العالميّة إلى اعتبار هذا الدواء غير شافٍ للفيروس المستجد بدليل أنّ نسبة الذين أُنقِذت أرواحهم ضئيلة جدًّا، فإنّ اعتماد Ivermictin في أفريقيا الوسطى أحدث، هو الآخر، ضجّة لم تنتهِ بعد، على رغم أنّ نتائجه في مقاومة Covid-19 كانت ولا تزال مشجّعة. واللافت أنّ هذه الضجّة التي أحدثها الدواءان انتقلت إلى لبنان. وإذا كان الدواء الأوّل قد جُرِّب في مستشفى القدّيس جاورجيوس على يد أحد الأطبّاء المتخصّصين، ولكنّ التجربة لم تكن ناجحة كما كان مؤمّلاً، فإنّ الدواء الثاني بدأ يُستخدم ولو من دون إرشادات من قبل وزارة الصحّة ومن باب الانقاذ الرّحيم.
حصلت الضجّة بعد فيديو مصوّر نُشِر على شاشة MTV تحدّث فيه أحد الأطبّاء من داخل مستشفى يعمل فيه، وممّا قاله: “لقد أعطيتُ مريضًا متقدّمًا بالسنّ في حالة صحيّة متردّية حبّة من هذا العقار (وقد أبرزه على الشاشة) أملاً في شفائه”. ثمّ استرسل في كلامه ليقول: “إنّ حبّة هذا الدواء (ويقصد به Ivermictin) تُباع حاليًا في السوق السوداء بمئة دولار بينما علبة العقار الكاملة ثمنها لا يتعدّى العشر دولارات وفيها 500 حبّة”. وقد أُرسلت له من افريقيا مع أحد الأشخاص.
تزامنًا، أقيمت ندوة في تلفزيون “الجديد” سبقها اتّصال من مندوبة التلفزيون بطبيب لم يُكشف عن اسمه يبدو أنّه يتاجر بهذا الدواء، على حدّ ما ذُكر، مستعينًا بناطور المبنى الذي يقيم فيه لتسليم “الحبّة” أو “الحبّات”، وعلى أساس بَيْع الواحدة بـ 350 ألف ليرة لبنانيّة!
طبعًا موضوع المتاجرة بهذا الدواء وتحقيق أرباح ماديّة من قبل طبيب (أو أكثر)، أقسموا اليمين على مساعدة وعلاج المرضى، لا يعنينا مباشرة، بل أنّ التحقيق بما قام به هؤلاء يعود إلى نقابة الأطبّاء والجهات الرسميّة المعنيّة. ما يعنينا أنّ الدواء Ivermictin جُرّب واعتُمِد في دول وأعطى نتائج جيّدة، وفق دراسات علميّة وطبيّة عدّة اعتبرته عقارًا ثوريًا في علاج Covid-19 خلال 48 ساعة فقط!
وIvermictin هو مضاد للطفيليات، استُخدِم ولا يزال لعلاجات عدّة، للإنسان والحيوان أيضاً، لكنه غير مسجّل للإستعمال الإنساني في شمال أفريقيا، على رغم أنّ فوائده الكبيرة جعلته على رأس قائمة الأدوية لمعالجة كورونا.
وككلّ دواء يُنتظر منه الكثير، قامت العديد من التحرّكات في مختلف البلدان من أجل الحثّ على استخدامه للحفاظ على أرواح الأشخاص الذين يعانون فيروس كورونا، في وقت أقرّ العديد من البيطريين في العالم أن هذا الدواء لم يعد موجوداً لديهم بسبب كثرة الطلب عليه، بعدما اعتمده كثيرون لعلاج مرضى الجائحة، إذ أنّه الوحيد المتوافر قبل انتشار اللقاحات لإنقاذ الأرواح. لكن كما أنّ هنالك العديد من الفوائد لهذا العقار فإن إستخدامه بجرعات أكبر من المسموح به قد يؤدي إلى التسمّم، وخصوصًا أنّ هذا الدواء يمكن الحصول عليه من دون وصفة طبيّة، ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة.
مع ذلك، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ Ivermictin يتمّ تسويقه من قبل أطباء معروفين في العالم. لكن منظمة الرعاية الصحية في شمال أفريقيا أصدرت موقفاً حازماً من أجل حظر إستخدامه، كما أقرّتْ إستخدامه فقط في الحالات الطارئة.
وفي هذا السياق، نشير إلى أنّ الدكتور Nathi Madladla الذي يعمل في العناية الفائقة في Dr George Mukhari Academic Hospital في جنوب افريقيا، أقرّ أن “هنالك أسبابًا طبيّة قويّة لجعل عقار Ivermictin يستعمل للإستخدام الرحيم”. وأضاف أن “هذا العقار إستُخدم أكثر من 3.5 بليون مرة منذ وجوده في السوق، كما أنّ آثاره الجانبية ضئيلة جداً. ولدينا العديد من العقارات الخطرة التي تستعمل دورياً غير Ivermictin من أجل إنقاذ حياة البشر”.
وللدلالة على صحّة ما يقول، استشهد بالنتائج التي حظي بها هذا الدواء، إذ تبيّن أنّ من حوالي 50 إختباراً على أكثر من 7100 شخص، تأكّد علميًّا أن هذا الدواء آمن، كما أنّه متوافر بكثرة في السوق وهو رخيص جدًّا. ويستخلص قائلاً: “ما هو تبريرنا لعدم وصفه لمرضى Covid-19 بعدما تبيّنت فعاليّته في محاربة الكورونا؟ هل لدينا عذر لجعل الأشخاص يموتون وهنالك عقار قد يُنقذ حياتهم؟”
يُذكر أنّ هذا الدواء اكتُشِف في ثمانينات القرن الماضي. وهو من فئة العقاقير المضادة للطفيليات لعلاج قمل الرأس، الجرب وحالات الوردية الجلدية، وذلك وفقاً للموقع الطبي العالمي “ويب ميد” الأميركي. وفضلاً عن ذلك، فقد أثبت فعالية كبرى في مقاومة الأمراض الفيروسية، وعلى رأسها نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، حمة الضنك وحتى الإنفلونزا. ومؤخراً تبيّن أنّه يقاوم فيروس كورونا ويرفع مناعة الجسم، وبذلك يصبح قادراً على هزيمة الفيروس خلال يومين. كما لا تزال الدراسات قائمة لفهم تأثيرات المادة الفعالة للدواء على الفيروس، وعلى الإنسان على المدى البعيد.
فهل تتحرّى وزارة الصحّة في لبنان عن هذا الدواء بِطَرْح السؤال على الدوائر الطبيّة العالميّة للاطّلاع على الدراسات الموضوعة عنه، وهي عديدة؟ ثمّ هل يبادر أطبّاء اختصاصيّون لبنانيّون في علوم الجراثيم والميكروبات، إلى القيام بمساعٍ، بما عندهم من اتّصالات ومتابعة، ليخرجوا برأي موحّد يعطي هذا الدواء صكّ براءة لاستخدامه في لبنان، وفي الحالات الشديدة الخطورة، نظرًا للوضع الصحّي والاستشفائي المزري الذي وصلنا إليه، ولتأخّر وصول اللقاحات حتّى منتصف شباط المقبل، هذا إذا صدقت الوعود؟
إنّ على القطاع الخاصّ، الطبّي والدوائي، أن يتحرّك سريعًا في اتّجاه استيراد دواء Ivermictin ذي السعر الرخيص (6 دولارات) في محاولة لإنقاذ المئات بل الآلاف من المرضى، هذا إذا كان فعّالاً في مواجهة Covid-19. ذلك أنّ الاعتماد على البيروقراطيّة الرسميّة قد يطول ويطول ومن دون أي نتيجة، وخصوصًا أنّ التجارب السابقة لم تكن مشجّعة دائمًا، إلاّ إذا كانت شركات تصنيع اللقاحات لا يوافقها هذا الدواء لأنّ حبّتَيْن أو ثلاث منه تقطع دابر الفيروس وتاليًا تقطع أرزاق المتاجرين بأرواح البشر.. وما أكثرهم؟