رجال الإسعاف يُسابقون الوقت
نجح مستشفى «الملك فيصل التخصصي» ومركز الأبحاث، في إعادة الأمل إلى ثلاثة مرضى (رجلين وطفلة)، في أعمار مختلفة، بنقل قلوب تنبض بالحياة اليهم من متبرعين في أبو ظبي وجدة والرياض، الى مقر المستشفى لزرعها للمرضى الثلاثة خلال 24 ساعة. وكان هؤلاء المرضى يعانون ضعفاً وفشلاً في عضلة القلب.
بدأت رحلة عودة الأمل إلى المرضى الثلاثة، بانتقال الفرق الطبية من مركز القلب في «التخصصي» إلى أبوظبي وجدة، لإزالة القلب من متبرعين متوفَيْن دماغياً (موت سريري)، ونقلها جواً عبر الطيران الخاص إلى العاصمة الرياض، وانتقال فريق طبي من «التخصصي» إلى مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض لإزالة القلب الثالث، لتنقل بعد ذلك بمركبات الإسعاف وبالتعاون مع مرور منطقة الرياض الذي أسهم في تسريع وصول القلوب الثلاثة خلال فترة زمنية وجيزة، وذلك عبر مرافقة دوريات المرور لمركبات الإسعاف من مطار الملك خالد الدولي ومدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض إلى «التخصصي»، حيث تمّ إجراء عمليات الزراعة الثلاث في أقل من 24 ساعة.
وكانت المريضة الأولى طفلة ذات تسعة أعوام تعاني ضعفاً في عضلة القلب، وتم إنقاذ حياتها عبر زراعة مضخة اصطناعية لها في آذار الماضي، وبقيت منوّمة في المستشفى لعدم إمكانية اعتمادها على المضخة، وانتظارها حتى توفر متبرع. وبالتنسيق بين المركز السعودي لزراعة الأعضاء، والبرنامج الوطني للتبرع وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية (حياة) في دولة الإمارات، توفر متبرع مطابق، وعلى أثر ذلك، سافر فريق «التخصصي» الطبي من الرياض إلى أبوظبي، وأجرى عملية إزالة القلب من المتبرع المتوفى دماغياً في مستشفى «كليفلاند أبوظبي».
بعد ذلك، نُقل القلب جواً إلى مطار الملك خالد الدولي، ثم بالإسعاف إلى مقر المستشفى بالرياض، وتمت زراعته للطفلة من قبل فريق طبي بقيادة الدكتور زهير الهليس، كبير استشاريي جراحة القلب. وتخضع الطفلة حالياً للمتابعة الطبية المستمرة.
وفي نفس التوقيت، انتقل فريق طبي آخر إلى مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بجدة، لإزالة القلب من متبرع متوفى دماغياً، ونقله إلى الرياض، وتمت بنجاح زراعة القلب للمريض الأربعيني من قبل فريق طبي يقوده استشاري جراحة القلب ورئيس برنامج زراعة القلب في «التخصصي»، الدكتور فراس خليل.
وعانى المريض الثالث البالغ من العمر 41 عاماً، من فشل في عضلة القلب من الدرجة الرابعة، وعلى أثره تمت زراعة مضخة اصطناعية له قبل سنة، وعند توفّر متبرع متوفى دماغياً مطابق للمريض في مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني في الرياض، توجّه الفريق الطبي لإزالة القلب من المتبرع، ونقله إلى مقر المستشفى، حيث قام فريق طبي بقيادة الدكتور فراس خليل بزراعته للمريض، وقد نجحت العملية ويخضع المريض حالياً للمتابعة الطبية.
ويعد الوقت عاملاً حاسماً في نجاح عمليات زراعة القلب. فوفقاً للمعايير الطبية، يجب ألا تتجاوز الفترة الزمنية بين استئصال القلب من المتبرّع وزراعته للمريض خمس ساعات، وذلك لضمان نجاح عملية زراعة القلب، ما يمثل تحدياً لوجستياً إضافياً إلى جانب تعقيدات الإجراء الطبي في الحالات التي يكون فيها المتبرع المتوفى دماغياً في مناطق أخرى داخل المملكة أو خارجها، ما يجعل كل دقيقة تأخير ذات تأثير حاسم على نجاح العملية.
يُذكر أن مستشفى «الملك فيصل التخصصي» ومركز الأبحاث صُنف الأول في الشرق الأوسط وأفريقيا والـ20 عالمياً، للسنة الثانية على التوالي، ضمن قائمة أفضل 250 مؤسسة رعاية صحية أكاديمية حول العالم، وأعلى علامة تجارية صحية قيمةً في المملكة والشرق الأوسط، وذلك بحسب «براند فاينانس» لعام 2024، كما صُنف في ذات العام من بين أفضل 250 مستشفى في العالم من قبل «مجلة نيوزويك”.
ضمن هذا الإطار نشير الى أن عدد الراغبين بالتبرع بعد الوفاة بأعضائهم، بلغ أكثر من 533 ألف متبرع، وفقاً للمركز السعودي لزراعة الأعضاء وقد قُسّموا إلى فئات استناداً إلى المناطق الإدارية الـ13، ونوع العضو المطروح للتبرع، وجاءت العاصمة الرياض في صدارة عدد الراغبين بالتبرع، بواقع 142280 متبرعاً، ومن ثم منطقة مكة المكرمة بـ115669، فالمنطقة الشرقية 65230 شخصاً، وحلّت المدينة المنوّرة وعسير على التوالي بواقع 23095 للأولى، و23068 للأخيرة، تليهم بقيّة المناطق. ففي عام 2023 وحده، حقّق المركز السعودي لزراعة الأعضاء نمواً ملحوظاً بنسبة 30 في المئة بعدد عمليات زراعة الأعضاء، حيث بلغ إجمالي الأعضاء المزروعة من الأحياء والمتوفين في البلاد نحو 2091 عضواً، من إجمالي المرضى الزارعين من الأحياء وبعد الوفاة، البالغ 2037، في زيادة وصلت 19 في المئة عن العام الذي قبله.
تقرير جديد صادر عن المركز أظهر أن زيادة العام الماضي في نسبة عدد الحالات المبلّغ عنها سنويّاً بلغت 31 في المئة، و210 حالات موافقة على التبرع بعد الوفاة الدماغية، بينما بلغ عدد البرامج المعتمدة لزراعة الأعضاء في السعودية 29 برنامجاً.
أما على صعيد التصنيفات الدّولية، فحقّقت المملكة المرتبة الثانية عالميّاً بالنسبة للمتبرعين «الأحياء» لكل مليون نسمة، والثلاثين على مستوى العالم بالنسبة «للمتوفين”.
ويحظى المركز وقطاع التبرّع بالأعضاء بقصة خاصة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، فما هي؟
يُعدّ الملك سلمان بن عبد العزيز صاحب المبادرة في إنشاء المركز السعودي لزراعة الأعضاء قبل 4 عقود، وتكشف المصادر أنه بعد ملاحظة زيادة عدد مرضى الفشل الكلوي الراغبين في السفر إلى خارج البلاد لتلقي العلاج وزرع الكلى، وبالنظر للعناء والمشقة والتكاليف الباهظة عليهم وعلى ومرافقيهم، فضلاً عن التكاليف الباهظة التي تنفقها الدولة على العلاج، رأى الأمير سلمان، آنذاك، أن يُنشئ مركزاً وطنياً تكون مهمّته الأساسية متابعة مرضى الفشل الكلوي، وتطوير برنامج وطني لزراعة الكلى والأعضاء الأخرى، لتلقى مبادرته النجاح من خلال إنشاء المركز الوطني للكلى بأمر ساميّ عام 1984.
وفي العام 1992، أصبح مسمّاه «المركز السعودي لزراعة الأعضاء»، وصولاً إلى أيار 2021، حيث سُجّل الملك سلمان وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، في برنامج التبرّع بالأعضاء.
وكانت باكورة عمليات زراعة الأعضاء في السعودية، في تشرين الثاني عام 1979، لعديلة الجهني التي تبرّعت بكلية لشقيقتها جمالات في مستشفى القوات المسلحة (مدينة الأمير سلطان الطّبية العسكرية) بالرياض.