نازحون يفترشون الكورنيش بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة
د. الياس ميشال الشويري
على مدار العقود الماضية، دخل لبنان في صراعات متكررة مع إسرائيل، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة. من حرب 1948 إلى حرب تموز 2006، مرَّ لبنان بمراحل متعددة من النزاعات التي أثرت بشكل مباشر على بنيته التحتية، اقتصاده، نسيجه الاجتماعي، ومستقبله. في حين أن الهدف الظاهري لهذه الصراعات كان حماية سيادة لبنان ودعمه للقضية الفلسطينية، فإن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبلاد تثير تساؤلات حول ما جناه لبنان حقًا من هذه المواجهات. هذا البحث يستعرض الآثار المتعددة لهذه الصراعات على لبنان ويحاول الإجابة عن سؤال: هل كانت تلك الحروب تستحق التكلفة البشرية والمادية؟
-
الجذور التاريخية للصراع اللبناني-الإسرائيلي.
-
العلاقة المعقدة بين لبنان وإسرائيل. بدأت التوترات بين لبنان وإسرائيل منذ نشأة الدولة الإسرائيلية عام 1948. ومع اندلاع الحروب العربية الإسرائيلية، ورغم أن لبنان لم يكن لاعبًا رئيسيًا في تلك الحروب، إلا أنه تأثّر بشدة نتيجة لتدفق اللاجئين الفلسطينيين واستخدام الفصائل الفلسطينية الأراضي اللبنانية كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل. كان ذلك بداية التورّط اللبناني في صراع طويل مع إسرائيل.
-
مرحلة الاجتياح الإسرائيلي للبنان. في عام 1982، شنّت إسرائيل اجتياحًا واسعًا للبنان بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وقوات المقاومة التي كانت متمركزة في جنوب لبنان وبيروت. هذا الاجتياح ترك أثارًا مدمرة على لبنان، إذ تضررت أحياء كاملة وأجبرت آلاف اللبنانيين على النزوح. كما أدى إلى تعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي في لبنان لسنوات، ما أضاف مزيدًا من التوتر والمعاناة للشعب اللبناني.
-
حرب تموز 2006. حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل كانت أحدأبرز المحطات في الصراع. الهجمات الجوية والبرية الإسرائيلية على لبنان أسفرت عن مقتل المئات، وتدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك الطرق، الجسور، المنازل، والمرافق العامة. رغم أن حزب الله أعلن عن “نصر إلهي” في نهاية الحرب، إلا أن الثمن الذي دفعه لبنان كان باهظًا.
-
التكاليف البشرية والمادية للصراع.
-
الخسائر البشرية. خلال كل الحروب والمواجهات التي خاضها لبنان مع إسرائيل، كانت الخسائر البشرية كبيرة. قتل الآلاف من المدنيين والعسكريين، وتعرّض آخرون لإصابات جسدية ونفسية دائمة. هذه الخسائر لا تقتصر على ضحايا الحروب المباشرة، بل تشمل أيضًا التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تركت ندوبًا عميقة على الأجيال اللبنانية.
-
الدمار الهائل للبنية التحتية. إحدى أكثر نتائج الصراع وضوحًا هو تدمير البنية التحتية في لبنان. خلال الاجتياح الإسرائيلي وحرب تموز، تم تدمير الجسور، الطرق، والمطارات، فضلًا عن المرافق العامة مثل المدارس والمستشفيات. هذه الخسائر كانت تعني أن البلاد تحتاج إلى سنوات طويلة ومبالغ طائلة لإعادة البناء.
-
الأثر الاقتصادي. كلّ نزاع جديد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان. الدمار الذي يلحق بالبنية التحتية يثقل كاهل الاقتصاد المتعثر أساسًا. إضافة إلى ذلك، فإن تدهور الأوضاع الأمنية يؤدي إلى هروب الاستثمارات الأجنبية وركود في القطاعات الحيوية مثل السياحة والخدمات. خسائر لبنان الاقتصادية من هذه الحروب تقدّر بمليارات الدولارات.
-
الأثر الاجتماعي والسياسي للصراع.
-
الانقسامات الطائفية والسياسية. الصراع مع إسرائيل لم يكن مجرد صراع عسكري، بل ساهم أيضًا في تعميق الانقسامات الطائفية والسياسية داخل لبنان. حزب الله، الذي يعتبر نفسه حامي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، أصبح قوة رئيسية في السياسة اللبنانية. هذا الوضع أدى إلى توترات بين مختلف القوى السياسية والطوائف، حيث يرى البعض أن سياسات حزب الله تؤدي إلى مزيد من الحروب والمواجهات التي لا تصب في مصلحة لبنان.
-
النزوح الداخلي والخارجي. كلّ حرب أو مواجهة مسلحة تؤدي إلى نزوح داخلي وخارجي. آلاف الأسر اللبنانية أُجبرت على ترك منازلها، والنزوح إلى مناطق أكثر أمانًا داخل لبنان أو حتى الهجرة إلى الخارج. هذه الهجرات والنزوح الجماعي أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وترك أثرًا طويل الأمد على العائلات اللبنانية والمجتمع ككل.
-
تدهور الخدمات العامة. الحروب مع إسرائيل أثرت أيضًا على تقديم الخدمات العامة في لبنان. تدهورت جودة الخدمات الصحية والتعليمية بسبب استنزاف الموارد في الحروب وإعادة البناء. هذا الأمر ترك الأجيال الشابة تعاني من نقص في الفرص التعليمية والصحية، ما يؤثر على تطور لبنان على المدى البعيد.
-
.الفوائد المزعومة للصراع: النصر والمقاومة
-
مفهوم المقاومة. يرى البعض أن ما حققه لبنان من خلال صراعاته مع إسرائيل هو تعزيز لفكرة المقاومة. حزب الله، الذي يعتبر نفسه القوة الرادعة لإسرائيل، نجح في استعادة أجزاء من الأراضي اللبنانية المحتلة وإظهار أن لبنان ليس ضعيفًا أمام إسرائيل. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تستحق هذه المقاومة الكلفة الباهظة التي يدفعها لبنان؟
-
استعادة الأراضي اللبنانية. إحد أبرز الإنجازات التي يُشار إليها في الصراع اللبناني الإسرائيلي هي انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في عام 2000. هذا الانسحاب اعتبر نصرًا كبيرًا لحزب الله، إلا أن هذا “النصر” جاء بتكلفة عالية جدًا على لبنان من حيث الخسائر البشرية والمادية.
-
الحفاظ على السيادة اللبنانية. يعتبر بعض المحللين أن صمود لبنان أمام إسرائيل كان أمرًا ضروريًا للحفاظ على سيادة البلاد. لكن، في المقابل، فإن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: هل كان يمكن تحقيق هذا الهدف بطرق دبلوماسية دون الحاجة إلى الانخراط في حروب مدمرة؟
-
الفرص الضائعة: ما كان يمكن للبنان أن يحققه بغير الحرب.
-
الفرص الاقتصادية المهدورة. لو لم يدخل لبنان في تلك الصراعات المتكرّرة، كان بإمكانه أن يصبح مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا في المنطقة. الطبيعة الجغرافية للبنان، إضافة إلى موارده البشرية المؤهلة، كانت تتيح له فرصًا كبيرة للنمو الاقتصادي والاستثماري. لكن الحروب المتكرّرة أدت إلى تدمير هذه الفرص.
-
السلام كبديل. بدلاً من الانخراط في صراعات مسلحة، كان بإمكان لبنان أن يسلك طريق السلام من خلال المفاوضات الدبلوماسية، كما فعلت دول أخرى في المنطقة مثل مصر والأردن. تحقيق السلام مع إسرائيل ربما كان سيمكن لبنان من تجنّب الكثير من الدمار والبؤس الذي يعانيه اليوم.
-
تعزيز الاستقرار الداخلي. لو تمّ التركيز على تحقيق استقرار داخلي وتنمية الاقتصاد بدلاً من الانخراط في الصراعات، لكان لبنان اليوم في وضع أفضل بكثير. الحروب والصراعات أدت إلى تعميق الانقسامات السياسية والطائفية، وإلى استنزاف الموارد التي كان يمكن استخدامها لتحسين حياة المواطنين.