أيّ دواء لا تزال صلاحيته قائمة؟
هل يُمكن استخدام الدواء بعد انتهاء صلاحيته؟ سؤال بدأ يُطرح حديثاً في أوساط الأطباء وليس المرضى فقط (ومنهم اللبنانيون على وجه التحديد في ظلّ هذه الأزمة)، وذلك استناداً الى معطيات عدّة قد يراها كثيرون بعيدة عن المنطق، خاصة ان إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، طَلَبت في العام 1979، من مصنعي الأدوية، إدراج تاريخ انتهاء الصلاحية، بذريعة ضمان كامل فاعلية الدواء وسلامته. لكنّ الأبحاث التي أجرتها هذه الإدارة، في ما بعد، بيّنت أن 90 % من أكثر من 100 دواء، سواء أُعطي بوصفة أو من دون وصفة طبية، جيدة للإستخدام حتى 15 سنة بعد تاريخ انتهاء الصلاحية، في ما عدا بعض الأنواع.
وفي تقرير لـ “Medscape”، الموقع الإلكتروني والمصدر العلمي والصحي للأطباء، فإن تواريخ انتهاء الصلاحية لا تُشير إلى المدة التي يكون فيها الدواء “جيّداً” أو “آمناً” للإستخدام، ونتيجة لذلك تقول السلطات الطبية بشكل موحدّ، انه من الآمن تجاهل معظم تواريخ انتهاء الصلاحية لفترة طويلة!
وفي دراسة نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأميركية (Jama)، فإن فعالية الدواء تمتد 15 سنة على الأقل بعد تواريخ انتهاء الصلاحية، مع بعض الإستثناءات، مثل المضادات الحيوية التي تفقد فعاليتها بعد انتهاء الصلاحية، على رغم أن العلماء لا يزالون يبحثون في هذا الأمر، كذلك أدوية القلب والأنسولين، وأخيراً المضادات الحيوية السائلة.
كيف بدأت القصة؟
تعود فكرة انتهاء صلاحية الأدوية في تواريخ محدّدة، إلى ما يقرب من نصف قرن على الأقل، عندما بدأت إدارة الغذاء والدواء FDA تُطالب الشركات المصنّعة بإضافة هذه المعلومات إلى المُلصق لضمان عمل الأدوية بأمان وفعالية للمرضى، ولتحديد العمر الإفتراضي للدواء الجديد. وعليه، بدأت الشركة المصنّعة تقوم باختباره تحت كافة الظروف والعوامل، مثل الحرارة والرطوبة والضغط، ثم تقترح تاريخ انتهاء الصلاحية على إدارة الغذاء والدواء التي كانت تقوم بمراجعة البيانات، وصولاً إلى دعم التاريخ والموافقة عليه، ولكن العجيب أنه على رغم الإختلاف الكبير في تركيب الأدوية، إلا أن مدّة الصلاحية لمعظمها كانت تنتهي بعد سنتَيْن أو ثلاث سنوات فقط، وهذا ما أثار الشك!
معروف أن فعالية الدواء تنخفض تدريجياً بشكل طفيف، بدءاً من لحظة تصنيعه، غير أن الأدوية المنتهية الصلاحية، لا تفقد بالضرورة فعاليتها، بل تستمر الى أمدّ أطول.
وفي العام 1985، انطلق سلاح الجو الأميركي في اعداد دراسة شملت، في ما بعد، خدمات عسكرية أخرى في أوائل التسعينات، اذ جمع مخزوناً كبيراً من الأدوية بقيمة تزيد عن مليار دولار كانت قريبة من تواريخ انتهاء صلاحيتها أو تجاوزتها، وكان التخلّص منها مكلفاً جداً، اذ كانت تلك الأدوية لا تزال آمنة وفعّالة، لذلك اختُبرت على نطاق واسع تحت إشراف إدارة FDA، فجاءت النتائج مذهلة وصادمة، اذ أن 90 في المئة منها كانت لا تزال جيدة وصالحة للإستخدام، على رغم انتهاء تاريخ الصلاحية المدوّن عليها.
هنا لا بدّ من أن يطرح سؤالان: الأول، هل الإختبارات على أدوية تلك الفترة يُمكن أن تنطبق على الأدوية الحالية؟
والثاني: لقد اختبر سلاح الجو الأميركي حوالي 100 دواء فقط، وكان الكثير منها عبارة عن عقاقير، نادراً ما تستخدم من قبل أشخاص ليسوا في الجيش، مثل الترياق للتسمّم الكيميائي والمضادات الحيوية للملاريا، فهل يجوز التعميم على سائر الأدوية؟
في التفسير العلمي أن فعالية الدواء تنخفض تدريجياً بشكل طفيف، بدءاً من لحظة تصنيعه، غير أن الأدوية المنتهية الصلاحية لا تفقُد بالضرورة فعاليتها، فتاريخ انتهاء الصلاحية هو فقط تأكيد على أن الفعالية المحدّدة سوف تستمر على الأقل حتى ذلك التاريخ. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أظهرت الأبحاث الجارية أن الأدوية التي يتّم تخزينها في الظروف المثالية، تحتفظ بنسبة 90 في المئة من فعاليتها، لمدة خمس سنوات على الأقل بعد تاريخ انتهاء الصلاحية المحدّد، وبالفعل قام الباحثون، مؤخراً، بفحص عيّنات من 8 أدوية انتهت صلاحيتها قبل 28 إلى 40 عاماً وتضمنّت 15 مكوّناً نشطاً مختلفاً هي: الأسبرين، الأمفيتامين، الفيناسيتين، الميثاكوالون، الكلورفينيرامين والأسيتامينوفين. وأظهرت النتائج أن 11 من المركبات الدوائيةـ كانت موجودة دائماً في تركيزات لا تقل عن 90 في المائة من فعاليتها.
مع ذلك، فالحذر واجب، اذ أن:
1-الأدوية السائلة مثل المحاليل، المعلقات، الشراب ليست مستقرة كالصلبة مثل الأقراص والحبيبات والكبسولات، وبالتالي فإن الأدوية التي يتمّ تحضيرها عن طريق إضافة مذيّب مثل المضادات الحيوية للإستخدام عن طريق الفم، يجب ألا تُستخدم بعد انتهاء تاريخها.
2-كذلك تبين أن أدوية العيون، لا يجوز أن تُستخدم بعد انتهاء الصلاحية.
3-الحقن التي أصبحت غائمة أو غير ملوّنة أو تظهر عليها علامات الترسيب، يجب أن لا تُعطى وتُستخدم، على أي حال.
4-أدوية لا ينبغي أبداً استخدامها بعد انتهاء صلاحيتها مثل: الفينوباربيتال، النتروغليسرين، الوارفارين، الثيوفيلين، الديغوكسين، التيتراسيكلين، وسائل منع الحمل عن طريق الفم،الإيبينيفرين، الإنسولين، نقط العين لأن العيون حساسة بشكل خاص لأي بكتيريا قد تنمو في المحلول بمجرّد أن تتحلّل المواد الحافظة. المضادات الحيوية مثل الأموكسيسيلين والأزيثروميسن والسيفالكسين والدوكسيسيكلين.
ولأن الأمور قد تكون اختلطت عليك بعض الشيء فلنطرح السؤال الصعب التالي ونُجيب عنه: هل يُمكن تناول الدواء بعد انتهاء صلاحيته؟
والإجابة، تقول الحكمة: إذا كانت حياتك تتوقف على دواء محدّد، ويجب أن تحصل على 100 في المئة من القوة الفعّالة، فمن الأفضل أن تتّبع المقولة الشهيرة “الصحة قبل المال”. فالأدوية التي تُعالج أمراض مزمنة خطرة، قد تؤثر على حياتك، ولا يجوز التهاون معها، والأفضل ألا تفكّر في تناولها ولو تجاوزت تاريخ صلاحيتها، لأنها إن لم تُعالج، فلن تضرّ، ما دمت تلتزم القواعد التي ذكرناها سابقاً، وتبتعد عن الخطر، ولا تقلق، فلن يتحوّل الدواء في هذه الحالة إلى سُمّ، وربما تكتشف أن هناك خدمة ما.