قبل أسابيع قليلة، عيّنت جمهوريّة مدغشقر، نائب رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم السيد محمد الجوزو قنصلاً فخريًا لها لدى لبنان. ومع أنّ هذا التعيين يُعتبر، في العادة، إجراء عاديًا تقوم به دولة أجنبيّة (أو عربية) لمتابعة شؤون جاليتها في الدولة التي تمّ فيها التعيين، إلاّ أنّ ما لفت في موضوع مدغشقر أنّ القنصل المعيّن لم يشبه أيّ قنصل آخر، إذ ما أن تسلّم مهماته حتّى بادر، وبسرعة قياسيّة، إلى الاهتمام بالجالية المدغشقرية المتروكة. ولعدم توافر ملف جاهز وواضح عن أفراد هذه الجالية المتروكة، سواء من حيث العدد أو لناحية أوضاعهم الاجتماعيّة، اكبّ أولاً، على تجهيز هذا الملف، بالاستعانة بأرقام موجودة ومتطابقة الى حدّ كبير في وزارة العمل ومديريّة الأمن العام. وبما أنّ هذا الإجراء لم يكن كافيًا، فقد خصّص يومًا كاملاً في الأسبوع هو يوم السبت، للتعرّف إلى أعضاء هذه الجالية الذين لا يستطيعون أخذ إجازة الا في هذا اليوم، وذلك للاستماع إلى مشاكلهم وهمومهم وصولاً إلى تكوين هذا الملف الكامل والموثّق ليتصرّف على أساسه. ولكن مهمّات محمد الجوزو لا تقتصر على هذه الناحية فقط، وهو العضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي منذ العام 2017، فنائبًا لرئيس الجامعة الثقافيّة في العالم منذ العام 2000. ما يسعى إليه، في ظلّ ميزان تجاري شبه معدوم بين لبنان ومدغشقر، تشجيع الاستثمار وإقامة تبادل تجاري بينهما ينعش اقتصاد البلدَيْن، لا سيما في القطاع السياحي.
مع القنصل محمد الجوزو، كان الحوار التالي…
س: لماذا وقع عليكم الاختيار قنصلاً لجمهورية مدغشقر في لبنان. هل أقمتَم سابقًا علاقات مع هذه الدولة؟ هل دخل طرف ثالث على الخطّ للتنويه بقدراتكم، أم أنّ هناك أسبابًا أخرى؟
ج: أنا موجود في غرب أفريقيا منذ العام 2000. فإلى جانب عملي الخاص هناك، شغلت مركز نائب رئيس المجلس القاري العائد للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم قبل ان أتولى منصب نائب رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، الممثلة الحصرية والوحيدة لنادي الاغتراب. وكجامعة، نحن تحت وصاية وزارة الخارجية، وتاليًا نُعتبر الكيان المسؤول عن الاغتراب. وبحكم دوري في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وكوني متواجدًا في القارة الافريقية، أقمت علاقات عمل في مدغشقر وفي كافة الدول الأفريقية،
ما سمح لي أن أتعرّف إلى كثيرين أصبح البعض منهم مع الأيام من أصدقائي. وهؤلاء الأصدقاء طلبوا مني تقديم سيرتي الذاتية، عندما علموا حاجة جمهورية مدغشقر الى قنصل جديد… وهكذا كان. أجريت معي مقابلة هاتفية ثم مقابلة في مدغشقر على أثر دعوة وجهت اليّ، ثمّ وافق على هذا التعيين كلّ من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية.
س: هل لديكم عمل في مدغشقر أم تمّ تعيينكم لكفاءاتكم، إذ جرت العادة أن يتمّ اختيار القنصل بحسب حجم أعماله في البلد، فضلاً عن أنّ السياسة والطائفيّة تلعب دورًا في هذا الموضوع؟
ج: في العادة يتمّ اختيار القنصل على أساس أنّ لديه وجودًا في البلد المعيّن فيه ليسهّل خدمة الجالية العاملة فيه، أو أنّه نَسَجَ علاقات مع القيّمين على هذا البلد. ونظرًا إلى دوري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفي الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وحضوري في لبنان، وجدوا أنني قادر على تجيير علاقاتي لخدمة الجالية، وعلى هذا الأساس، تمّ اختياري لهذا المنصب.
وبعد تسلّمي المهمات، بدأت العمل على حلّ مشاكل الجالية التي كانت تشعر أنّها يتيمة، وفضلاً عن ذلك، كنت ولا أزال مصرًا على مقابلة جميع رعايا الجالية شخصيًا لحلّ مشاكلهم. كذلك وجدت أن هناك خادمات منازل ليست لديهنّ عقود عمل ولا أرباب عمل يتابعونهنّ، وخاصة في موضوع الطبابة في هذا الوضع، وكنّ قد طُردن من المستشفيات الحكومية. وبفضل علاقاتي الجيدة، تمكّنت من الاتفاق مع المستشفى المصري المتطوّر جدًّا لمساعدة المرضى في خدمات معيّنة من خمسة اختصاصات: الجراحة العامة البطنية، الأمراض النسائيّة، مشاكل الأطفال الصحيّة ومعالجة العيون، فضلاً عن الحصول على الأدوية مجانًا. لماذا المستشفى المصري؟ فلإنّ مصر كانت تترأّس الاتحاد الافريقي سابقًا ولديها اهتمام كبير جدًّا بدول هذه القارة، وبحكم علاقتي مع المسؤولين فيها، حصلت على هذه المساعدة المجانية للجالية المدغشقرية.
س: ذكرتم أنّكم بصدد تكوين ملف عن هذه الجالية في لبنان، فماذا تبيّن لكم؟ج: لا يوجد أي احصاء لبناني نهائي عن عدد العاملين الآتين من مدغشقر، إناثًا وذكورًا، ولكن عدد الحاصلين على إجازات عمل، بحسب السجلات الرسمية، هو ٧٠٠ شخص، علماً ان عدد العاملات أكثر بكثير. وقد كان لي لقاء مع وزيرة العمل السيدة لميا يمين بهذا الخصوص. ولهذا كانت أولى اهتماماتي التعرّف إلى أفراد الجالية، وعلى المشاكل التي يعانونها، إلى جانب معرفة العدد الحقيقي واصدار بطاقات قنصلية لأفراد هذه الجالية لإنجاز عملية الترحيل الطَوْعي عندما يصبح الأمر متاحًا.
ومن طموحاتي أيضًا، إقامة نوع من العلاقات المبنية على الاقتصاد والسياحة بين البلدين وخصوصًا أن مدغشقر تتمتّع بسهول زراعية وثروة سمكية كبيرة، فضلاً عن أنّها معروفة كبلد سياحي من طراز رفيع.
س: نعرف أنّ العلاقة بين لبنان ومدغشقر شبه مقطوعة على مستويات عدّة: سياحية، اقتصادية وتجارية، مع العلم أن في تلك الدولة خيرات زراعيّة وصناعيّة لا سيما في مجال صيد الأسماك، كما أسلفت، إضافة إلى السياحة. ما هو تصوّرك لتفعيل هذه العلاقة وخصوصًا أن ثمة قواسم مشتركة بين البلدين، منها أنهما خضعا لانتداب فرنسي، ومنها أن شعبيهما يجيدان الفرنسية ويعتبران من الدول الفرنكوفونيّة…
ج: الميزان التجاري شبه معدوم بين البلدين لناحيتَي التصدير والاستيراد، لذلك، وبعد الانتهاء من مشكلة فيروس كورونا، وعد رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم السيد عباس فواز، تشكيل وفد قوامه مستثمرون لبنانيون مغتربون، وخاصة من الدول الافريقية، لزيارة مدغشقر وتشجيع الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين. وخلال زيارتي القريبة لمدغشقر، سأقابل مسؤولين اداريين لتنظيم السياحة بين البلديْن وللتبادل التجاري. وفضلاً عن ذلك، سأنظّم عقد عمل يكون عادلاً لربّ العمل وكذلك للعاملات في مجال الخدمة المنزليّة، وعند الانتهاء من هذا الموضوع، سنقوم بتنشيط موضوع العمالة.
س: لننتقل إلى الشقّ الثاني.. هل أنت راضٍ على أداء المجلس الاقتصادي والاجتماعي بوصفك عضوًا فيه، ولماذا لا يمارس دوره الفعليّ وما هي المعوقات التي تحول دون لعب هذا الدور؟
ج: أودّ، أوّلاً، أن أوضح أنّني أمثّل قطاع الاغتراب في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وثانيًا أنّ دور هذا المجلس استشاري، بمعنى أنّ الاستعانة به مرهون برغبة الحكومة. ولا شكّ أن موقعه يتصدّر عندما يكون هناك اتّفاق سياسي أو رخاء في البلد، ولكن دوره يتراجع في حال وجود مشاحنات ومشاكل وأزمات سياسية. عند تشكيل المجلس، حصل توافق سياسي، ومنذ ذلك الحين، لم يُطلب منّا سوى موضوعَيْن فقط. وينسحب الأمر على مجلس النواب ومجلس الوزراء اللذين لم يأخذا دَورَيهما الكامل، لأنّ بعض السياسيّين يُمسكون بزمام الأمور ويديرون الدفّة في البلد بشكل عام. ففي أجواء مماثلة ونظام كالذي نعيشه، يخسر المجلس دوره الاستشاري. يضاف إلى ذلك أنّه، لكي نتمكّن من إعطاء رأينا إلى الحكومة بموضوع ما، كالكهرباء مثلاً، فنحن بحاجة إلى الثلثَيْن زائدًا واحدًا، وهناك صعوبة كبيرة جدًّا للتمكُّن من القيام بذلك، أمّا إذا حصلنا على رأي من الحكومة، فنحن بحاجة إلى نصف زائدًا واحدًا.
بدأنا مؤخّرًا العمل على مشروع تعديل نظام المجلس الاقتصادي الاجتماعي، لعلّ هذا التعديل يساعد على تحسين آدائنا، ومن أبرز ما نطالب إقراره، أن يصبح بإمكانه إيصال رأي أعضائه بأكثرية النصف زائدًا واحدًا.
وكما يعرف الجميع في ما خصّ موضوع الاصلاحات، فتوصيات صندوق النقد الدولي، كما مطالب الدول المانحة، أصبحت واضحة وهي ضبط الحدود الجمركية، إصلاح الكهرباء، وقف الهدر، ضبط العمالة، إلى غير ذلك.. إنّ هذه الاصلاحات ليست بحاجة إلى سحر ساحر لتنفّذ بل إلى إرادة من جميع اللبنانيين، وإلى مبادرة سريعة لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه. ولكن للأسف، وبالتزامن مع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لم نقم بأية خطوة باتجاه الاصلاح الحقيقي. فدورنا في المجلس الاقتصادي يكون إلى جانب الحكومة عند الحاجة حسب النظام الموضوع حاليًا. جرت محاولات عدّة لإسماع صوتنا للحكومة، ولكن من دون جدوى إلى أن تولّى زميل لنا في المجلس هو الدكتور منصور بطيش وزارة الاقتصاد، وكان من الطبيعي أن ينقل الورقة الاقتصادية التي كنّا قد وضعناها إلى المسؤولين، وأن يذكر اسمنا في بيان لمجلس الوزراء. ولكن ما كُتِب وقيل لم ينفّذ، وبقيت الأمور على حالها.
في النهاية أودّ أن أشير إلى أن موضوع الاغتراب والمغتربين موضوع أساسي ومهمّ ويجب ألاّ يُهمّش. فإدخال ستّة أعضاء من المغتربين إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي كانت ممتازة على أمل أن تستطيع الخطوة التالية تخصيص مقاعد في المجلس النيابي للمغتربين، لأن المغترب شريك في الإنماء ويجب أن يكون شريكًا في السياسة وفي بناء البلد.
س: يقولون أن التوجّه إلى الشرق ينقذ لبنان، ما رأيك؟
ج: إنّ طبيعة لبنان تجعله قادرًا على محاورة الشرق والغرب، بمعنى أن يتعاون مع الشرق وهذا ضروري، ولكن من دون أن يخسر الغرب!