نجيب شوفاني
خبر فرار 69 سجينًا من سجن بعبدا في ضواحي بيروت بعد تحطيم باب الزنزانة وهروبهم، شَغَل الدوائر المعنيّة والناس في آن، لأنّ ما حدث كان سابقة في لبنان وربما في العالم، نتيجة خطّة الهرب المُحكمة والعدد الكبير من الفارين. وبسرعة، تمكّنت القوى الأمنية من إلقاء القبض على عدد منهم، فيما قتل 5 آخرين وجُرِح اثنان في حادث سيارة كان قد استولى عليها هؤلاء خلال مطاردتهم من عناصر لقوى الأمن. ولدى وصولهم إلى قرب المجلس الدستوري في منطقة الحدث، اصطدمت السيارة بشجرة، وتوفي من فيها.
الاهتمام بهذا الحادث الأمني لم يحجب الأنظار عن مشكلة تأمينيّة طرأت عقب هذا الحادث، إذ طرح صاحب السيارة المسروقة، كما سواه من المتهمين، موضوع يتعلّق بالجهة التي ستعوّض عليه وتسدّد الخسارة: الدولة، شركة التأمين، ذوو الضحايا… وكان الجواب البديهي: حتمًا شركة التأمين إذا كان مالك المركبة يملك بوليصة تأمين إلزاميّة تتضمّن البنود المطلوب إدراجها في الحالات المشابهة. ولأنّ التفاصيل كانت قليلة جدّا مع كتابة هذه السطور، فقد لجأنا إلى نقيب خبراء السَيْر الأسبق نجيب شوفاني، وإلى أمين عام جمعية الثواني ابراهيم أبو حيدر، للوقوف على رأيَيْهما لمعرفة كيفيّة تعاطي شركات التأمين في الحالات المشابهة.
في الإجابة عن سؤالنا، انطلق النقيب الأسبق نجيب شوفاني من المادة 131 من قانون الموجبات والعقود التي تنصّ على أن “حارس الجوامد يكون مسؤولا” عن السيارة. فإذا سرقت لا يعود مسؤولا” عنها حتى لو كانت بوليصة التأمين من نوع الشامل لكلّ الأخطار Tous risques، لأن الحراسة انتقلت إلى شخص آخر، وبالتالي فشركة التأمين لا تغطي”.
سألناه: إذًا كيف يمكن الاستفادة من هذه البوليصة التي يعتبرها كثيرون “طوق نجاة”، إذ تُسدّد عنهم أضرار الحوادث المروريّة؟ ردّ النقيب عن السؤال بالقول: “إذا كان أحدهم يقود سيارة وتعرّضت لحادث ما، أو أن سيارته تعرّضت لحادث وهي مركونة جانبًا، فإنّ شركة التأمين تغطّي الحادث إذا كان بحوزته بوليصة شاملة لكلّ الأخطار. لكن إذا كان في طريقه إلى منطقة ما، وتعرّض للسرقة من قبل مسلحين وكانت البوليصة تتضمّن بند تغطية ما يُعرف بالـ Hold up (السرقة بعد التهديد)، فإن شركة التأمين تغطي الحادث، إذ أن بند الـ Hold up مهم جدًا كشرط لتقوم شركة التأمين بتغطية الحادث. لكن إذا انتقلت الحراسة إلى شخص آخر، فإن الشركة لا تغطي الحادث”. ومن الأمثلة على ذلك، هؤلاء المساجين الذين فرّوا من زنزانة بعبدا. لقد كان صاحب السيارة مارًا بالصدفة من هناك، فقام 10 إلى 15 شخصًا من الفارّين بالهجوم عليه، سرقوا سيارته واستعملوها وانتقلوا بها نحو المجلس الدستوري في منطقة الحدث وهناك اصطدموا بشجرة، وسقط خمسة قتلى. في هذه الحالة، شركة التأمين لا تغطي الحادث. فلو كان صاحب السيارة هو الذي يقودها، لغطّت شركة التأمين الحادث، لكن بما أن السيارة سُرقت، فالشركة لا تعترف بنتائج ما حصل، علمًا أنّ السرقة لم تكن من نوع الـ Hold up، أيّ لم يتمّ سرقتها بقوة السلاح، بل انتزعتْ بالقوّة من مالكها الذي رُميَ أرضًا”.
وماذا عن الذين ماتوا بداخل السيارة؟ ردّ النقيب شوفاني بالقول: “إذا كان هنالك جريح، فإن شركة التأمين مُلزمة أن تأخذ الحادث بعين الإعتبار وتغطّي الاستشفاء بإرسالها عبارة Prise en charge إلى المستشفى، أي هلمّوا إلى التنفيذ”. أضاف: “في حالة الإستشفاء، فإن شركة التأمين ملزمة بالتغطية حتى ولو كان السائق يسير عكس السير أو يقود في الاتجاه الممنوع، أو يتابع سيره فيما إشارة المرور حمراء. وتصل التغطية إلى حدّها الأقصى، أي 750 مليون ليرة لبنانية”.
يعود النقيب الأسبق شوفاني قليلاً إلى الوراء ويسترجع الأحداث. قال لنا: “عندما أُقرّ التأمين الإلزامي في العام 2003، أتى ذلك بعد وقوع العديد من الجرحى جرّاء عدّة حوادث. كان يُنقل هؤلاء إلى الطوارىء ولا يخضعون للعلاج، وقد مات البعض منهم عدم تنفيذ الآلية التي تسمح بالاستشفاء، بانتظار تقرير الخبير ومعرفة على من تقع مسؤوليّة الحادث. وفي العام 2009، صدر مرسوم قانون الضمان الإلزامي للمركبات الذي ألزم شركة التأمين بالتغطية الإستشفائيّة مهما تكن الأسباب وبحيث تتقاسم شركتا تأمين السيارتَيْن أو الآليتَيْن الكلفة مناصفة (50 بالمئة). أما إذا كان مسبّب الحادث ثلاث مركبات، فإنّ كل شركة من الثلاث تغطي 35 بالمئة من كلفة حالة الإستشفاء، وهكذا دواليك. من جهة أخرى، فالأصول والفروع غير مشمولين بالتأمين الإلزامي، أي السائق والأب والأم (الأصول) والأولاد والزوجة (الفروع)، هؤلاء لا تشملهم تغطية الـتأمين الإلزامي، في حين أنّ أيّ شخص آخر تضرّر من جراء حادث يُعتبر مغطّى. هذا إذا كانت السيارة خصوصية سياحية. والتغطية، كما أسلفنا، في التأمين الإلزامي تصل إلى 750 مليون ليرة لبنانية. وإذا تخطّت الكلفة هذا الرقم، فعلى السائق أن يسدّد الفارق. وهنا أفتح هلالَيْن لأقول أنّ مبلغ الـ 750 مليون ليرة كان يساوي 500 ألف دولار أميركي، عندما كان يساوي سعر الصرف 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. أما اليوم فيجب زيادة مبلغ الإلزامي لأن هذه القيمة لم تعد كافية لتغطية حدث بهذا الحجم”.
من جهة أخرى أفادنا الخبير ابراهيم أبو حيدر في سؤالنا له عن حادث السيارة التي سُرقت وما إذا كان على شركة التأمين دفع التكاليف بالقول: “إذا كانت التغطية من النوع الشامل Tous risques، فيجب أن يكون بند الـ Hold up مذكورا” في البوليصة كي تقوم شركة التأمين بالتغطية، وإلاّ فالحادث لن يُغطّى”.
تابع: “إنّ المادة 131 من قانون الموجبات والعقود تنصّ على أن حارس الجوامد المنقولة وغير المنقولة يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تحدثها تلك الجوامد، سواء كانت تحت إدارته أو مراقبته الفعلية، كالسيارة وقت السير أو الطيارة وقت طيرانها أو المصعد وقت استعماله. وتلك التبعة الوضعية لا تزول إلا إذا أقام الحارس البرهان على وجود قوة قاهرة أو خطأ من المتضرر. ولا يكفي أن يثبت الحارس أنه لم يرتكب خطأ ما، علمًا أن وجود تعاقد سابق بين الحارس والمتضرّر لا يحول دون إجراء حكم التبعة الناشئة عن الأشياء إلا إذا كان في القانون نص معاكس. هذه المادّة جدّدت بنصّ آخر: إذا كان الجماد ليس تحت حراسة مالكه، فهذا الأخير غير مسؤول عن أعمالها. وهنالك ملحق لها بأنه إذا كان مالك الجماد مسؤولاً عنها، حتى ولو لم تكن ضمن حراسته أو حتى رغمًا عنه، فهو مسؤول عنها. إذا أخذنا على سبيل المثال طائرة وكانت هنالك قرصنة في الجوّ، فإن التأمين يغطي الحادث. أما إذا تكلمنا على السيارة، فإن شركة التأمين مضطرّة إلى إعادة السيارة، كما كانت إلى صاحبها. أما إذا كانت غير صالحة للسير، فإن الشركة ملزمة بتأمين بديلا” منها. وفي حالة الوفاة من جراء حادث، فإنّ شركة التأمين لا تدفع إلا بعد صدور قرار بسرقة السيارة، مع الإشارة إلى أنّ في حالات سابقة، قامت شركات التأمين بدفع ما عليها. إنّ شركة التأمين تغطّي البوليصة الإلزاميّة وترتد على الفاعل المخطئ وشركته الضامنة وتطالب بالدفع. وفي حال الوفاة لا تغطي السائق مهما تكن الأسباب”.
ختم كلامه إلينا بالقول: “نصيحة أخيرة أوجّهها للقرّاء بهذه المناسبة: لنحفظ معًا الشعار القائل: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، لتتفادى أية حوادث، بخاصة خلال فصل الشتاء وبالتالي لنتجنّب الإنزلاق. الرجاء القيادة بحذر وعدم السرعة”.