النيران ولهيبها
تشهد غابات كاليفورنيا أسوأ كارثة بتاريخ البلاد ،حيث اشتعلت النيران في مناطق مثل “باليسيدز”، “إيتون”، “كينيث”، و”هيرست“، مخلفة دماراً هائلاً. اندلعت الحرائق يوم الثلاثاء الموافق 7 يناير 2025 في منطقة تقع على مسافة 40 كيلومترا شمال و وسط مدينة لوس أنجليس، وتوسع نطاقها تدريجيا بفعل الرياح القوية.
لماذا اندلعت العديد من حرائق الغابات في نفس الوقت تقريبًا؟
حذّر خبراء الأرصاد الجوية لأيام قبل اندلاع الحرائق الأولى في بداية هذا العام من أن خطر الحرائق سيكون مرتفعًا للغاية. وتحول الغطاء النباتي إلى مادة قابلة للاشتعال بعد أشهر من الجفاف هذا العام.
ويتزامن الطقس البارد مع وصول رياح سانتا آنا، وهي هبات قوية وجافة تهب من الجنوب الغربي من نيفادا ويوتا إلى جنوب كاليفورنيا وترتبط بالحرائق الأكثر تدميراً في المنطقة.
ووفق دراسة أعدها الإتحاد المصري لشركات التأمين وأظهرها في نشرته الأسبوعية ذات الرقم 364، ان الخسائر المبدئية الناجمة عن حرائق كاليفورنيا ، هي التالية:
- بلغ عدد القتلى جراء حريقَيْن من الحرائق الأربعة التي مازالت مشتعلة في لوس أنجليس 25 قتيلا، 17 منهم قضوا في حريق إيتون، فيما قضى 8 في حريق باليسايديز.
- بلغ عدد المفقودين 16 شخصا .
- إجمالي الخسائر الناجمة عن الحرائق في ولاية كاليفورنيا بلغت نحو 275 مليار دولار.
- احتراق أكثر من 40 ألف فدان.
- تدمير أكثر من 12 ألف مبنى.
- تهجير أكثر من 180 ألف شخص .
- تحذير حوالي 85 ألف شخص من أنهم قد يواجهون أوامر بالإجلاء وذلك مع توقع أن تخلق الرياح القوية على مدار اليومين القادمين ظروفا خطيرة مع استمرار اشتعال العديد من حرائق الغابات الكبرى في منطقة لوس أنجليس.
- تضرر قطاع السياحة بعد تدمير واختفاء العديد من القصور والمعالم الشهيرة، حيث تعد كاليفورنيا وجهة سياحية هامة في الولايات المتحدة. ففي عام 2024 استقبلت الولاية أكثر من 17 مليون سائح، وذلك بسبب المعالم الفاخرة الشهيرة .
- وتسبب الحريق في وقف موسم الجوائز في هوليوود مؤقتا، كما تم تأجيل ترشيحات الأوسكار مرتين و تم إرجاء موعد بعض الأحداث دون إعادة تحديد مواعيد جديدة.
والى هذه الخسائر، ثمة أخطاء أخرى صاحبتها، من ذلك:
-انتشار أعمال السلب و النهب التي انتشرت أعمال السلب و النهب في المناطق المنكوبة أو التي أخليت من سكانها، مما اضطر السلطات إلى فرض حظر تجول صارم يسري بين السادسة مساء والسادسة صباحا، في منطقتي باسيفيك باليسايدس وألتادينا الأكثر تضررا. وبهذا الصدد، أفاد عمدة مقاطعة لوس أنجليس، أنه تمّ القبض على ما لا يقل عن 39 شخصًا في المناطق المتضررة من الحرائق . وشملت التهم النهب وسرقة الهوية وحيازة المخدرات وحيازة أدوات السطو.
-تأثير الحرائق على سوق الإسكان. يمكن أن يؤدي الانسحاب الواسع لشركات التأمين الخاصة إلى انهيار سوق الإسكان، حيث تصبح الممتلكات التي لا يمكن تأمينها غير قابلة للرهن العقاري، مما يؤدي إلى انكماش اقتصادي مشابه للأزمة المالية لعام 2008. وفي هذا المجال، تتحرك السلطات أيضا لاحتواء الارتفاع الهائل في أسعار الإيجارات الذي يواجهه بعض النازحين. كذلك، حذر المدعي العام للولاية من أن تضخيم الأسعار بشكل اصطناعي “يعاقَب عليه بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها 10 آلاف دولار”.
-الأخطار الصحية. أعلنت العديد من شركات المرافق العامة أن مياه الشرب التي تقدمها غير آمنة حتى تثبت الاختبارات المكثفة العكس، فقد تتسرب المواد الكيميائية السامة الناتجة عن الحرائق إلى أنظمة مياه الشرب التالفة، كما أفادت أن الترشيح أو الغليان لن يساعد في تنقية المياه. وللوقاية، أعلنت السلطات المحلية في مدينة لوس أنجليس ، عن توزيع كمامات مجانية من نوع “N95” للمساعدة في الحد من الآثار الصحية الضارة الناجمة عن تصاعد كميات الرماد والغبار الناعم في الهواء، جراء حرائق الغابات المستمرة منذ أسبوعين.
وقد أثارت الحرائق مخاوف من تأثيرها على الفئات الأكثر عرضة للخطر، خصوصًا الذين يعانون حالات صحية حرجة. أما الكمامات الموزعة فمصنفة من قبل معهد السلامة والصحة المهنية الأميركي كوسيلة فعالة لمنع استنشاق 95% على الأقل من الجزيئات الدقيقة والميكروبات العالقة في الهواء حتى في الظروف السيئة، وهي الخطوة التي تأتي ضمن جهود السلطات لتقليل التعرض للمخاطر الصحية المرتبطة. وبناء على كل ذلك، أعلنت مدينة لوس أنجليس حالة الطوارئ الصحية الجمعة الماضية، مؤكدة أن مستويات التلوث الجوي بلغت مستويات غير مسبوقة بسبب الدخان والغبار. ودعت المواطنين إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة، بما في ذلك البقاء في المنازل وإغلاق النوافذ والأبواب، وتجنب الأنشطة البدنية الشاقة، كما أوصت باستخدام أجهزة تكييف الهواء أو مرشحات الهواء لتحسين جودة الهواء داخل المنازل.
-انقطاع الكهرباء. لا تزال شركات المرافق تعمل على استعادة الطاقة لعشرات الآلاف من العملاء، حيث تشهد العديد من المناطق انقطاعات متعمدة للكهرباء لأسباب تتعلق بالسلامة. فحتى مساء الأحد 12 يناير، لا يزال حوالي 18500 عميل في مدينة لوس أنجليس بدون كهرباء. ويرجع ذلك في الغالب إلى عمليات الإغلاق المتعمدة “التي تم تنفيذها استجابة للظروف الجوية”.
-نقص المياه. تعد انقطاعات التيار الكهربائي مهمة لحماية رجال الإطفاء من خطوط الكهرباء المتساقطة، لكنها شكلت مشكلة الأسبوع الماضي عندما واجهت فرق الإطفاء نقصاً في المياه من صنابير الإطفاء.
في ألتادينا، حيث اندلع حريق إيتون، تبين أن مشاكل صنابير الإطفاء الجافة تعود إلى نقص الكهرباء. حيث أنه في المجتمعات الجبلية مثل ألتادينا، يجب ضخ المياه إلى خزانات تقع على ارتفاعات أعلى حتى تتدفق المياه إلى الأسفل عند الحاجة بالاعتماد على الجاذبية. ولكن بعد أن استنفدت تلك الخزانات بواسطة رجال الإطفاء، لم يكن بالإمكان إعادة ملئها بسبب انقطاعات الكهرباء، حيث لم يكن من الممكن ضخ المياه إلى المناطق التي تحتاجها.
-تأثير الحرائق على الاقتصاد الأميركي. من المتوقع أن تؤثر الخسائر الاقتصادية المباشرة على الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة تتراوح بين 2% إلى 4%، كما تشير التقديرات إلى أن التكلفة السنوية الإجمالية لحرائق الغابات في أميركا قد تتراوح بين 394 إلى 893 مليار دولار، ما يشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الأميركي، وفقًا لتقديرات الكونغرس.
–التأثيرات الاقتصادية على المستوى العالمي. تشكل حرائق كاليفورنيا تهديدا على إمدادات النفط، حيث تعد الولاية المتضررة مركز حيوي لصناعة النفط، ففي كاليفورنيا، توجد أكبر مصفاة نفط في الساحل الغربي بسعة إنتاج 365 ألف برميل يومياً، مما يمثل تهديدًا لإمدادات النفط الأمريكي والعالمي، مع ارتفاع أسعار النفط نتيجة لتوقف بعض المصافي، ما قد يؤثر على الأسواق العالمية. ومن المحتمل أن يؤدي تدمير البنية التحتية الزراعية والصناعية إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يمثل أزمة أمام الأسواق العالمية، خاصةً في الدول النامية التي تعتمد على الإنتاج الأميركي.
كل هذا يجعل من هذه الحرائق ليست مجرد مأساة إنسانية فحسب، بل أزمة اقتصادية عميقة مثيرة للقلق بشأن التكاليف المتصاعدة للكوارث المرتبطة بالمناخ؛ وما ضاعف من هذه المعاناة أن العديد من شركات التأمين رفعت أياديها عن التأمين على الكثير من المنازل في هذه المنطقة بعد أن صارت تلك المنطقة معروفة بكونها عرضة للكوارث الطبيعية.
والآن ماذا عن قاع التأمين والأزمة الواقع فيها؟ تقول النشرة: ستكلف الحرائق المتعددة التي اندلعت في منطقة لوس أنجليس شركات التأمين بصورة مبدئية ما يصل إلى 30 مليار دولار، حسب تقديرات ويلز فارجو وجولدمان ساكس في تقرير بعد مرور أسبوع على اندلاع تلك الحرائق. ويرى المحللون أن الحرائق المستمرة “تبدو بالفعل وكأنها الحدث الأكثر تكلفة في تاريخ كاليفورنيا”. و أن التوقعات من شأنها أن تجعل الحرائق واحدة من أكثر 20 كارثة طبيعية تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، عند حسابها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. علماً أن سوق التأمين على الممتلكات في ولاية كاليفورنيا، واجه بعض التحديات لعدة سنوات، بسبب اللوائح التنظيمية القديمة في الولاية، والتي لم تسمح لشركات التأمين بفرض أسعار تتناسب مع المخاطر المتزايدة لتكرار حرائق الغابات وغيرها من الأحداث المتطرفة بسبب تغير المناخ.
و في السنوات الأخيرة شهد السوق تقليص نشاط سبعة من أكبر شركات التأمين في الولاية. فعلى سبيل المثال، توقفت إحدى شركات التأمين عن بيع الوثائق التأمينية الجديدة بشكل تام فى العام 2022، بينما قامت إحدى شركات التأمين الأخرى بإلغاء 30 ألف وثيقة في العام 2023، بما في ذلك 1600 وثيقة في حي “باسيفيك باليسيدز” وحده.
وماذا عن خطة FAIR في كاليفورنيا؟ تقول النشرة:
-تم إنشاء خطة FAIR بموجب قانون ولاية كاليفورنيا في عام 1968 وهي تهدف إلى المساعدة في تغطية أصحاب المنازل في كاليفورنيا الذين لا يستطيعون العثور على تأمين في السوق لأنهم يعتبرون من ذوي المخاطر العالية من وجهة نظر شركات التأمين الفردية.
إنها مجموعة مشتركة لتأمين الحرائق تتألف من جميع شركات التأمين المرخصة لممارسة نشاط الممتلكات-الحوادث في كاليفورنيا، وهي ليست وكالة حكومية، ولا هي كيان عام. ولا يوجد تمويل عام أو من دافعي الضرائب لها .
و تدعم المجموعة أصحاب المنازل بغض النظر عن مخاطر الحرائق في الممتلكات، على عكس شركات التأمين التقليدية، فهدفها هو تقليل الخسائر.
و تعد خطة FAIR بالنسبة لمعظم أصحاب المنازل، بمثابة شبكة أمان مؤقتة – موجودة لدعمهم حتى تصبح التغطية التي تقدمها شركة التأمين التقليدية متاحة.
تعتبر خطة FAIR خيار تأميني بالغ الأهمية لسكان كاليفورنيا والشركات التجارية وتتمثل مهمة هذه الخطة في حماية المواطنين. وتقوم وزارة التأمين، بممارسة الرقابة بموجب قانون كاليفورنيا للتأكد من أن الخطة تعالج الاحتياجات المتغيرة لسكان كاليفورنيا. واعتباراً من عام 2020، أصبحت الخطة تغطي أقل من 3% من السكان، مما يعني أن أكثر من 97% من سكان غير مغطين تأمينياً.
الى ذلك، وقد ارتفع تعرّض خطة FAIR بنسبة 85% في المناطق عالية الخطورة مثل “باسيفيك باليسيدز”، حيث تجاوزت المطالبات المحتملة حتى الآن 3 مليارات دولار، ومن ثم فإن القدرات المالية للخطة لا تزال غير كافية، إذ لا تمتلك سوى 200 مليون دولار احتياطات و2.5 مليار دولار لإعادة التأمين، مما يهدد بفشل النظام بأكمله حيث أن هذا يترك عدداً من أصحاب المنازل من دون تأمين كاف أو من دون تأمين على الإطلاق، خاصةً أولئك الذين تتجاوز ممتلكاتهم الحد الأقصى لتغطية ” FAIR ” البالغ 3 ملايين دولار.
وفي الثاني من يناير 2025 ، و قبل أيام قليلة من اندلاع أول حريق للغابات يوم الثلاثاء 7 يناير في حي باسيفيك باليساديس في لوس أنجليس، كشفت إدارة التأمين في كاليفورنيا عن لوائح جديدة ستلزم شركات التأمين قريبًا بزيادة تغطية المنازل في المناطق المعرضة لحرائق الغابات. لن تكون الوثيقة بأثر رجعي ولن تنطبق إلا على الوثائق الجديدة في المستقبل.
كجزء من حزمة إصلاح التأمين على المنازل، ستسمح القواعد أيضًا لشركات التأمين بتحصيل أقساط أعلى من أصحاب المنازل لحماية أنفسهم من مطالبات حرائق الغابات الكارثية، وفقًا للوثائق. ستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الولاية التي يمكن لشركات التأمين فيها تضمين تكلفة إعادة التأمين في أقساطها، على الرغم من أنها ممارسة شائعة في ولايات أخرى.
و يرى منتقدو القاعدة إنها قد ترفع أقساط التأمين بنسبة 40٪ ولا تتطلب إصدار وثائق جديدة بوتيرة سريعة بما فيه الكفاية. و من المقرر أن تدخل القواعد الجديدة حيز التنفيذ في نهاية يناير بعد فترة مراجعة مدتها 30 يومًا؛ ولكن بالنسبة للعديد من سكان كاليفورنيا، فإن هذه اللوائح تأتي متأخرة جداً .
في السابق، كانت كاليفورنيا هي الولاية الوحيدة التي منعت استخدام هذه العوامل في تسعير شركات التأمين، لكن ذلك تغير في يناير 2025، حيث سيُسمح لشركات التأمين الآن باستخدام نماذج مناخية مستقبلية ودمجها في أسعارها.
وأقرت موديز بأن الأمر سيستغرق بعض الوقت لتحديد كيف سيؤثر هذا التشريع والخسائر المتوقعة لحرائق الغابات على سوق التأمين على أصحاب المنازل في كاليفورنيا.
وماذا عن تأثير حرائق كاليفورنيا على إعادة التأمين؟ تقول النشرة: أعلنت ستاندرد آند بورز إن التأثير على شركات إعادة التأمين العالمية المصنفة لديها سيكون قابلاً للإدارة أيضًا دون تأثير كبير على الأرباح بسبب حجم الحدث وتوقيته. أضافت: “إن حرائق الغابات تمثل أول خسارة كبيرة بسبب الكوارث الطبيعية في العام للقطاع ومن المرجح أن تظل الخسائر ضمن ميزانيات شركات إعادة التأمين للكوارث الطبيعية للربع الأول من عام 2025. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف يمكن أن تتأثر تغطية إعادة التأمين الإجمالية، نظرًا لأن هذا سيعتمد على التطورات خلال بقية العام”. والى ذلك، ذكرت ستاندرد آند بورز إن “شركات إعادة التأمين تدخل العام 2025 برأس مال قوي مدعوم بأرباح قوية في عامي 2023 و2024، “مما ساعد عائدات الصناعة على تجاوز تكلفة رأس المال”.
رأي الاتحاد : يعتبر التأمين على المنازل أحد أشكال التأمين على الممتلكات الذي يغطّي الخسائر والأضرار التي لحقت بالمنزل والناتجة عن الحريق أو الانفجار أو السرقة أو الكوارث الطبيعية أو أية حوادث تؤدي إلى تلف المسكن أو تضرره، حسب الشروط والاستثناءات الموضحة في الوثيقة.
و قد ألقت حرائق كاليفورنيا الضوء على أهمية التأمين على المنازل لتوفير حماية للمباني السكنية ومحتوياتها وحمايتها من الأخطار المتوقع حدوثها، و رغم أهمية هذا النوع من التأمين فإن العديد من الأشخاص لا يبالون بمسألة التأمين على المنزل عند شراء أو استئجار العقارات، رغم أن تجاهله يعد مخاطرة غير مأمونة العواقب بالنسبة للملاك والمستأجرين على حد سواء، فعدم التأمين على العقار من الممكن أن يكلف المالك الكثير في حال حدوث مكروه. لذا يعد تأمين المنزل استثمارًا مهمًا يحمي الفرد و عائلته وممتلكاته من الخسائر المالية.
و يرى الاتحاد ضرورة تفعيل التأمين الإلزامي على المنازل كأحد الآليات الفعالة التي تهدف إلى تقليل العبء المالي عن الأفراد في حال وقوع أضرار جسيمة قد تكون مدمرة خاصة للطبقات المتوسطة والفقيرة التي تفتقر إلى التغطية التأمينية للمخاطر المحتملة.