الحرب الاكترونية أمّ المعارك
إعداد أماني الماحي
رئيس قطاع الفروع الخارجية
في شركة مصر للتأمين
تداعيات الغزو الروسي لجارتها أوكرانيا كثيرة ومتنوّعة وتكاد تطاول كلّ القطاعات، وقد بدأت بالفعل، بدءًا من قطاع النفط والغاز، إلى التحويلات الماليّة، إلى الاقتصاد بشكل عام، إلى القمح وزراعات عدّة معروفة بها “كييف”، وقد بات تصديرها مستحيلاً، إلى قطاع الطيران الذي بدا يشهد أزمة لا تقتصر على الروس والأوكرانيّين فقط، بل شملت كلّ دول العالم، ما أثّر على السياحة العالميّة، وصولاً إلى قطاع التأمين الذي بدأ تشهد بوالصه ارتفاعًا في الأسعار، سواء من شركات الإعادة أو من شركات التأمين المباشر، لا سيما في فروع تأمينات البترول والطاقة. وغنيٌّ عن القول أنّ دولاً عربيّة عدّة ستتأثّر بهذه الحرب التي توقّع لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّها ستطول، منها مصر الذي تستورد القمح من أوكرانيا، وكذك دول الخليج التي تعتمد على هذه الدولة لتحقيق أمنها الغذائي.
ولأنّ موضوع التغطيات التأمينيّة هو الذي يهمّنا أكثر من غيره كون “تأمين ومصارف” تركّز عليه، فإنّ الخبراء في الأمن السيبراني يعتقدون أن هذا القطاع قد لا يغطي الخسائر الناجمة عن الهجمات الإلكترونية Cyber Attacks من القراصنة الإلكترونيين الروس (Russian Hackers)، إذ أنّ هذه القرصنة تقع في خانة العمل الحربي (المستثنى من التغطيات)، لذا لن يعوِّض التأمين عن الخسائرالناجمة عنه.
على أنّ الاتجاه المرجّح هو أن يتمّ وضع شروط إضافية بالوظائف تستثني الهجمات الإلكترونية الناجمة عن الحرب، وإلا سوف تكون العواقب المالية وخيمة على شركات التأمين وأعادة التأمين. وفي هذا المجال، حذّرت مجلة Le Big Data التكنولوجية الفرنسية من اندلاع حرب إلكترونية عالمية جرّاء التهديدات السيبرانية الروسية على أوكرانيا، مع الإشارة إلى أنّ مواقع الكرملين ومجلس الشيوخ في البرلمان الروسي، تعرّضت لهجمات قرصنة انسحبت إلى الموقع الإلكتروني لرئيس مجلس الفيدرالية الروسي.
يُذكر أنّ الاهتمام الروسي بالأبعاد السياسية للأمن الالكتروني بدأ في التسعينات من القرن الماضي بعد تأسيس مجلس الأمن الروسي عام ١٩٩٢. وبالاضافة إلى المؤسسات الأمنية الروسية، تمّ إنشاء مؤسسات تختص بالقضايا الالكترونية وحماية الأمن الألكتروني الروسي. على أنّ أهم المؤسسات المسؤولة عن الأمن الإلكتروني في روسيا هي: مجلس الأمن الروسي، جهاز الأمن السيبراني، الجهاز الفيدرالي للتحكّم التقني، وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ومن المعروف أنّ الحرب السيبرانية تعتمد على: تعطيل البنى التحتية المعلوماتية للخصم قبل البدء في العمليات العسكرية التقليديّة، كما على محاولة التأثير في الرأي العام لدولة الخصم عن طريق المعلومات والدعاية المطلوبة، وأخيرًا، تعطيل عمليات التداول المالية والائتمانية.
جدير بالذكر أنّ روسيا في حربها الحالية مع أوكرانيا لا تعتمد على إستراتيجيات الحرب التقليدية، بل على الهجمات الإلكترونية، ومن ذلك أنّها في بداية المعارك شنّت هجومًا إلكترونيًا ضد وزارة الدفاع الإوكرانية ومصرفًيْن هما: ” Private Bank” و””Uchad BanK، اللذان يعدّان من أكبر المؤسسات المصرفية في أوكرانيا، ما أدّى إلى عدم تمكّن العملاء من إستخدام بطاقات الدفع الخاصة بهم وتعطّلت الخدمات المصرفية والأنترنت. ومثل هذه الحرب الإلكترونية المقصودة، تهدف إلى تخويف المستثمرين.
يُشار هنا إلى أنّ أوكرانيا التي تبلغ مساحتها ٦٠٣.٥٥ الف كيلومتر مربع، تُعدّ أحد أهمّ المساحات الفاصلة بين وسط أوروبا وروسيا، فضلاً عن أنّها أكبر دولة أوروبية، (حتى أكبر من فرنسا)، فضلاً عن أنّ أراضي دونباس (٥٢.٣ الف كم مربع) أكبر حجمًا من سويسرا.
وإلى ذلك، فهي الأولى في أوروبا من حيث الاحتياطي في اليورانيوم، والثانية في أوروبا من حيث احتياطي خام التيتانيوم (والعاشرة في العالم)، كذلك هي في المركز الثاني عالميًا من حيث الاحتياطيات المستكشفة من خامات المنغنيز (2.3 مليار طن ، و12٪ من احتياطيات العالم). كما أنّها ثاني أكبر احتياطي لخام الحديد عالميًا (30 مليار طن)، والثاني في أوروبا من حيث احتياطيات خام الزئبق، والثالث أوروبيًا (الثالثة عشرة في العالم) في احتياطي الغاز الصخري (22 تريليون متر مكعب)، من حيث القيمة الإجمالية للموارد الطبيعية، والسابعة عالميا في احتياطي الفحم (33.9 مليار طن).
وإلى الموارد الطبيعيّة فهي الأولى أوروبيًا من حيث مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، والمصدر الأوّل عالميًا لزيت عباد الشمس والثانية في إنتاج الشعير والرابعة في تصديره، مع الإشارة إلى أنّها من أكبر المصدّرين للذرة والبطاطا والقمح وبيض الدجاج والأجبان. وبالمحصلة، فهي تلبّي الاحتياجات الغذائية لنحو 600 مليون شخص.
وبالانتقال إلى الصناعة، فهي الأولى أوروبيًا في إنتاج “الأمونيا” والغاز والعديد من المعدّات العسكريّة والحربيّة والحديد وتوربينات محطات الطاقة النووية وغير ذلك الكثير…