لقطات من لقاء قرطاج
بعد ثلاثة أيّام من المحاضرات والمناقشات وتبادل الآراء وعقد لقاءات عمل بين المشاركين الذين زاد عددهم عن الـ 500 شخص، انتهى لقاء قرطاج الخامس عشر للتأمين وإعادة التأمين الذي عُقد في جزيرة جربة، جنوب شرق تونس، تحت عنوان “الهجمات السيبرانية، الأوبئة والكوارث الطبيعيّة.. الحلول التأمينيّة”. ومن يتمعّن بهذه العناوين الثلاثة، يُدرك تمامًا مدى أهميّة هذا اللقاء الذي طرح قضايا تهمّ شركات التأمين والإعادة عمومًا، بل أيضًا من ليس له علاقة بمهنة التأمين، باعتبار أنّها من مواضيع الساعة .. الساخنة، التي لا بدّ من معالجتها. وبالفعل، فإنّ كلاً من رئيس الاتّحاد العام العربي للتأمين بشخص الرئيس الأسعد زروق، والأمين العام شكيب أبو زيد، قد استفاضا شرحًا في كلمتيْهما اللتَيْن ألقيتا عند الافتتاح وأضاء مضمونهما على عناوين هذا اللقاء الذي يشكّل واحدًا من مؤتمرات التأمين العديدة هذا العام، بعد انحسار الخوف الكبير من جائحة كورونا، والذي يأتي بعد أيّام على انعقاد المؤتمر السابع للتأمين الطبّي والرعاية الصحيّة (وقد انعقد في القاهرة)، وقبل مؤتمر العقبة الثامن للتأمين الذي يُعقد في أيار المقبل، علمًا أنّ المؤتمر الثالث والثلاثين للاتحاد العام العربي للتأمين سيلتئم في حزيران في وهران (الجزائر) في السنة الحالية تحت شعار “تحدي عصرنة صناعة التأمين العربية”. ومن يتعمّق في عناوين هذه المؤتمرات كافة، يتبيّن له تنوّع المواضيع المثارة، ما يشكّل غنى لقطاع التأمين العربي بشكل عام وحتّى الأجنبي.
في العودة إلى كلمتَيْ زروق وأبو زيد، نجد أنّ لقاء قرطاج دار حول فحواهما وكأنّ الكلمتَيْن مهّدنا للتوصيات التي صدرت في ختام هذا الحدث المهمّ، ليس في المواضيع التي أثارها، وإنّما في مكان انعقاده تونس التي تجمع بين الشرق والغرب بحكم موقع ها الاستراتيجي.
نشير هنا وقبل الدخول في تفاصيل كلمتَيْ زروق وأبو زيد ، إلى أنّ هذا اللقاء انطلق بالتعاون بين الاتحاد العام العربي للتأمين والجامعة التونسية لشركات التأمين والشركة التونسية لإعادة التأمين «الإعادة التونسية» Tunis Re وبرعاية وزارة المالية التونسيّة.
بالنسبة لكلمة الأسعد زروق، فقد أكّد فيها “التزام الاتحاد بمزيد من العمل لتطوير صناعة التأمين في الدول العربية وتوثيق أواصر التعاون بين شركات التأمين وإعادة التأمين العربية وأسواقها، داعيًا إلى مضاعفة الجهد والتنسيق لمجابهة التحديات المتعددة التي تعيشها المنطقة العربية، والاستغلال الأمثل للإمكانيات الكبيرة التي تتيحها الطفرة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات لتطوير قطاع التأمين من خلال توفير الحلول التأمينية المناسبة”. كذلك أشار إلى “أهمية تطوير أساليب العمل وتحسين الخدمات للصناعة التأمينيّة ومجابهة تنامي الأخطار الصحية، والهجمات التي تتعرّض لها المنظومات المعلوماتية وتنوّع المخاطر بشتى أنواعه، والتي ينبغي على العاملين بقطاع التأمين وإعادة التأمين والمستثمرين والمشرفين والمراقبين، على حد سواء، العمل جنبا إلى جنب لإدارة هذه المخاطر وتوفير التغطيات التأمينية المطلوبة”. وأوصى، أخيرًا، بــ “إقامة مؤتمر سنوي عن التحوّل الرقمي بالتعاون بين الجامعة التونسية لشركات التأمين والاتحاد العام العربي للتأمين، بعدما شهدت الفترة انتشارًا لوباء كوفيد 19 وتعدّد الهجمات السيبرانية والكوارث الطبيعية والتغيّرات المناخية المتسارعة بالتوازي مع التحوّل الرقمي، أو ما يطلق عليه بالثورة الصناعية الرابعة التي أصبحت واقعا ملموسا للأفراد والمؤسسات وباتت تتطلب نقلة فكرية وثقافية تفرض علينا تغيير طريقة تعاملنا، إلى جانب الاعتماد على التكنولوجيا في الاستعمالات والحاجيات الجديدة ومنها اللجوء إلى business model الذي يعتمد بالأساس على التطوّر التكنولوجي المتسارع الذي يحسّن المردودية الفنية من أجل توفير الموارد الضرورية للاستثمار المتزايد في التجديد التكنولوجي والرقمي والذكاء الاصطناعي، سواء داخل المؤسسة أو في المؤسسات الناشئة”.
وبالنسبة لكلمة الأمين العام شكيب أبوزيد، فقد كانت أشمل وفيها أكثر من تفصيل. لقد أشار في بداية كلمته إلى أنّ لقاء قرطاج هذا العام ، بالعنوان الذي تصدّره، هو “حديث الساعة على الساحة التأمينية العالمية، إذ إن الهجمات السيبرانية، كما الأوبئة والكوارث الطبيعية تفاقمت بشكل ملحوظ في العقدَيْن الأخرَيْن وتسارعت وتيرتهما بشكل يفرض على الصناعة إيجاد الحلول التأمينية لهما، وبخاصة أن المنطقة العربية ليست في منأى عن هذه الكوارث الطبيعية أو الهجمات السيبرانية. ففي العام 2021، تعرّضت الجزائر والمغرب والسودان وعُـمان وسوريا والعراق واليمن ومصر للفيضانات، وفي السنة نفسها، تعرّضت عُـمان للعاصفة المدارية “شاهين” والتي ضربت شواطئ الإمارات، وخلال السنة الماضية، كذلك، تعرّضت الجزائر ولبنان والمغرب لحرائق الغابات”. وإضافة إلى الكوارث الطبيعيّة، تابع أبو زيد، “أصبحت الهجمات السيبرانية واقعاً يجب أن نتعايش معه في ظلّ موجة الرقمنةDizitalisation ، والتي شئنا أم أبينا، فرضت نفسها، وبخاصة أنّه مع التطوّر التكنولوجي ترتفع درجة التعرّض للهجمات الإلكترونية، وأمام ذلك كله تقف صناعة التأمين أمام مجموعة من التحديات، التحدي الأول: صياغة نماذج Nat-Cat Models تمكّننا من إستباق وقوع الكوارث والاستعداد لها، والتحدي الثاني: إيجاد تغطيات تأمينية للكوارث الطبيعية والبيئية والأوبئة، والتغطيات للهجمات الإلكترونية. أما التحدي الثالث فيكمن في إيجاد التمويلات اللازمة للوقاية ولجبر أضرار الكوارث والهجمات السيبرانية. ذلك أنّ الهجمات الإلكترونية إذا كانت مغطّاة، فشركات التأمين هي التي ستقوم بالتعويض، علمًا أنّ المشكلة تكمن في الكوارث الطبيعية وفي الأوبئة، وكلاهما صنع الإنسان. ولقد أثبتت جائحة الكورونا عدم الاستعداد على مستوى العالم، لذا فإنّ صناعة التأمين مطالبة بالعمل لتقليص الفجوة التأمينية وتوفير التغطيات بإيجاد حلول تأمينية، وبذلك تكون صناعة التأمين قد أوجدت فرصاً حقيقية للمساهمة في سد الفجوة التأمينية، والتخفيف من العبء على ميزانية الدول، وكذلك في رفع مستوى الأقساط”.
جدير بالذكر أنه تمّ توقيع ثلاثة بروتوكولات تعاون، على هامش حفل الافتتاح، بين الجامعة التونسية لشركات التأمين ممثلة برئيسها حبيب بن حسين وكلّ من الاتحاد الجزائري لشركات التأمين وإعادة التأمين، ممثلاً برئيسه يوسف بن ميسية، والاتحاد الليبي لشركات التأمين ممثلاً برئيسه أحمد محمد إنكيسة، ووزارة التربية والتعليم التونسية، ممثلة بالوزير فتحي السلاوتي.
وفي الختام يمكن القول أنّ لقاء قرطاج كان ناجحًا بكلّ المعايير، هو الذي ألقى الضوء على مقياس المخاطر من خلال جلسات عدّة تمّ فيها تناول موضوعات حول تغطية مخاطر الإنترنت، وبما يتماشى مع التحوّل الرقمي: التهديدات، فجوة التأمين في مواجهة التقلبات المتزايدة للأحداث المناخية، تطور مخاطر الأوبئة، كتحدٍّ جديد لصناعة التأمين!
بقي أن نشير إلى أنّ اختيار جزيرة جربة (التي تقع في جنوب شرق تونس في خليج قابس) مكانًا لانعقاد اللقاء، يُشبه اختيار مصر والأردن لكلٍّ من شرم الشيخ والعقبة مكانَيْن لمؤتمرات تأمينيّة وغير تأمينيّة، وفي الوقت نفسه لأهداف سياحية. فاختيار جزيرة جربة التي أضافتها السلطات التونسيّة معلمًا سياحيًا جديدًا، أصاب عصفورَيْن بحجرٍ واحد: لقاء تأميني و… سياحة ترفيهيّة.