لا نعرف اذا كان علينا أن نترحّم على عالم الكيمياء الحيوي الياباني أكيرا أندو الذي غادر هذا العالم عن عمر ناهز الـ 90 عاماً قبل يومَيْن، ام لا. ذلك أن أكيرا هو مبتكر دواء الستاتين الخاص بخفض الكوليسترول الضار. دواء لم يسلم من آثاره السلبية الا قلّة قليلة من الناس ولكن في مقابل حماية القلب والحؤول دون تراكم الدهون على جدار الأوعية والشرايين وبالتالي تكوّن خثرات تقود الة نوبات قلبية مميتة في كثير من الأحيان.
ولم يسلم دواء الستاتين حتى من أطباء كبار معروفين في دول العالم المتقدم، انتقدوا هذا العقار واعتبروه مصيدة لكسب المال. إذ أن شركات الأدوية جنت الملايين من الأرباح، ولا يُعرف إذا كانت محقّة أم لا، ودائماً بسبب الإختلاف في وجهات النظر بين القائلين بأن هذا الدواء مفيد ولا يُمكن الإستغناء عنه وبين من يقول أنه من جملة الأدوية التجارية التي لا معنى لها سوى تكديس أموال الشركات المنتجة له بسبب الدعايات المنظّمة له خصوصاً في صفوف الأطباء. فهل كان أكيرا أندو عالماً كيميائياً منقذاً للبشرية أم هو “دجال” كما يصفه البعض؟ والجواب طبعاً متروك للأشهر بل السنوات المقبلة عندما تبدأ روائح “فضائح” الأدوية بالإنتشار، وآخرها كان لقاحات كوفيد والشركات المصنّعة لها…

فمن هو أكيرا أندو الذي كان، كما وصفه أحد مساعديه السابقين كيجي هاسومي بـ “الصارم والقاسي وصاحب القدرة على رؤية الجوهر الكامن وراء الأشياء”.
ولد في 14 تشرين الثاني من العام 1933 في أكيتا الواقعة شمال اليابان لعائلة من المزارعين، اهتم بتأثيرات الفطر وأنواع أخرى من العفن على الكائنات الحية منذ صغره وبات شغوفاً بذلك.
وخلال مساره الدراسي في الجامعة، ركّز على سيرة ألكسندر فليمنغ، الطبيب وعالم الأحياء البريطاني الذي اكتشف عام 1928 أول مضاد حيوي، هو البنسلين، من أحد الفطريات. في العام 1957، انضمّ إلى شركة الأدوية اليابانية «سانكيو» كعالم ميكروبيولوجي، وكان مهتماً بالتمثيل الغذائي للدهون والتركيب الحيوي للكوليسترول. وبين عامي 1966 و1968 أجرى أبحاثاً في كلية ألبرت أينشتاين للطب في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية حيث أدرك أهمية ابتكار دواء لخفض الكوليسترول بعدما تفاجأ بالعدد الكبير من كبار السن والأشخاص الذين يعانون زيادة في الوزن في أميركا.
استأنف العالم أكيرا دراسة الفطر والعفن، عقب عودته إلى اليابان، مقتنعاً بأن الأخيرَيْن يحملان سراً بمنع الإنزيمات المشارِكة في التركيب الحيوي للكوليسترول. فأمضى عامين في فحص المركبات الكيميائية لستة آلاف سلالة فطرية سعياً إلى تأكيد فرضيته، حتى اكتشاف الميفاستاتين في العام 1973، الممثل الأول لفئة الستاتينات التي تمّ لاحقاً إثبات قدرتها على خفض مستوى LdL، أو ما يُعرف بـ«الكوليسترول السيئ»، في الدم.
لكن شركة «سانكيو» (المعروفة اليوم باسم «دايتشي سانكيو») فوّتت فرصة جيّدة في هذا الخصوص، اذ في عام 1987 ، أطلقت المختبرات الأميركية Merck&CO .أول عقار ستاتين تجاري هو “لوفاستاتين” الذي تناوله أكثر من مائتي مليون شخص في العالم هذا النوع من الأدوية تبلغ قيمة سوقه نحو 15 مليار دولار سنوياً.
وعقب الوصفات الطبية الهائلة لهذه العلاجات، تضاعف الجدل بشأن ما قد يحمله من أضرار أو عدم فاعلية في بلدان كثيرة، ما أدى إلى انخفاض عدد المرضى الذين يتناولونه هذه العلاجات.
وبيّن تحليل تَلَوي نُشر عام 2022 في مجلة «يوروبيين هارت جورنال» واستند إلى 176 دراسة بشأن هذا الموضوع وبيانات لأربعة ملايين مريض، أن الأطباء لم يتمكّنوا من الوصول الى حقيقة ثابتة، ربما بانتظار مرور المزيد من السنوات عندما يخرج من صفوف الأطباء من يحمل أدلة جازمة على منافع الستاتين أو مضاره. يُذكر أن الآثار السلبية لهذا الدواء عديدة منها: الإسهال، التهاب البلعوم الأنفي، ألم المفاصل، الأرق، التهاب المسالك البولية، الغثيان، النفخة، ارتفاع أنزيمات الكبد، ألم في العضلات والعظام والأطراف، الإغماء، ضيق التنفس وغير ذلك…
للأبحاث أن أكيرا إندو حصد جوائز كثيرة عن عمله الرائد، من ضمنها جائزة Albert Lasker- De Bakery (لاسكر-دبغي) للأبحاث الطبية الأساسية عام 2008.