زحمة هجرة في باحة مطار بيروت
فضلو هدايا
لا نعرف إذا كانت المقالات الداعية إلى اكتساب جنسيّة ثانية، والتي ازدادت في المدّة الأخيرة، هي مقالات مقصودة ومُوجّهة، خصوصًا للثلاثي سوريا، العراق ولبنان جرّاء ما تشهده من اضطرابات، أو أنّها كُتِبت لمجرّد تغطية حدث إعلامي لا يمكن تجاهله، أو أنّ الهدف الأبعد منها هو استقطاب رؤوس أموال في مقابل مَنْح هذه الجنسيّة الثانية من قبل عدّة دول ناشطة في هذا الاتّجاه، أهمّها ما هو موجود في منطقة بحر الكاريبي. وكنّا في “تأمين ومصارف” قد أشرنا، في مقالَيْن سابقَيْن، إلى أنّ وراء الترويج لهذه الدعوة مجموعة بريطانيّة معروفة باسم Savory & Partners تأسّست في العام 1797 بغرض الاهتمام بالمستحضرات الصيدلانيّة، ولكن سرعان ما انتقل هذا الاهتمام إلى هموم الأُسَر وإيجاد حلول لها، ما دفع هذه المجموعة إلى طرح أفكار ومعطيات لتطوير نمط الحياة بالحصول على جنسية ثانية عبر الاستثمار. وتتعاون هذه المجموعة مع فريق عمل محترف ومتعدّد الجنسيات مؤلّف من خبراء استشاريّين ساعدوا عملاء في اختيار برنامج الجنسية الثانية عبر الاستثمار الأنسب لهم، بمن فيهم ميسورون من شمال أفريقيا.
اللافت في هذه المقالات أنّ المروّجين للجنسية الثانية “فرشوا” الطّرقات أمام المتردّدين بالورود والرياحين، على أمل أن يحسموا أمورهم و… يبادروا!
ويقوم هذا الترويج على تذكير الراغبين بأنّ هذه الجنسية الثانية (أو ربما الثالثة والرابعة..) قد تسمح بالتنقّل العالمي، وبالحريّة المالية وبتجنّب الحالات الطارئة التي تحصل في بلاد الجنسية الأولى، إلى ما هنالك.
واللافت أيضًا أنّ التركيز خلال الترويج لهذه الجنسيّة الثانية، كان على دول في منطقة البحر الكاريبي مثل انتيغوا وبارمودا ودومينيكا وغرينادا وSt Kitts and Nevis وسانت لوسيا. لماذا؟ لأنّ هذه البلدان توفّر الجنسيّة عن طريق الاستثمار في العقارات أو المساهمة في صناديق التنمية الحكوميّة ابتداء من مئة ألف دولار أميركي، وهو مبلغ يستطيع دفعه كثيرون، علمًا أنّ في جنوب المحيط الهادي، تحديدًا في دولة فانواتو، عرضًا للحصول على الجنسيّة عن طريق الاستثمار العقاري أيضًا. وينسحب الأمر على تركيا التي أطلقت برنامج الجنسية الثانية منذ العام 2017 مقابل شراء الراغب عقارات موجودة في الأناضول بقيمة 250 ألف دولار أميركي. وآخر ما سُجّل في هذا المجال أنّ الدولة الاتّحاديّة St Kitts and Nevis (في منطقة البحر الكاريبي)، حازت على لقب أفضل دولة تمنح الجنسيّة الثانية لتحقيقها خمس من أصل تسع ركائز بينها: سهولة المعالجة، العناية الواجبة، الجدول الزمني للجنسيّة، الأسرة.. كما تبيّن أنّ هذه الدولة هي الوحيدة التي تقدّم هذه العمليّة السريعة للمتقدّمين الناجحين، إذ حصل هؤلاء على الجنسيّة في غضون 60 يومًا!
نعود إلى موضوعنا الأساسي لنقول أنّ دراسة حول الجنسيّة الثانية تمّت الإضاءة عليها قبل أيّام، وفيها ما يُشبه الدعوة لسوريّين وعراقيّين ولبنانيّين (على وجه الخصوص) للالتحاق بهذه الفرصة المتاحة، في ظلّ ما يعانيه مواطنو هذه الدول من أزمات معيشيّة وصحيّة ومن فقدان للحريّة بشكل عام، تحديدًا لحريّة الحركة والتحويلات الماليّة للخارج.
تقول الدراسة أنّ العالم مكان دائم الاضطراب، وقد كان كذلك منذ بداية الحياة ولا يزال، بل هو ازداد مع صعوبة منع المخاطر التي تهدّد حياة الأفراد، ومن هنا فالطّريقة الأنسب للتغلّب على هذا الواقع الذي يقضّ المضاجع هي في الحصول على الإقامة أو الجنسية عن طريق الاستثمار. وليس أدلّ على هذه الحاجة سوى الأحداث الأخيرة التي وقعت في لبنان وأفغانستان والتي بيّنت مدى ضعف الأفراد إزاء ما يحصل بين ليلة وضحاها بل بلمحة بصر!
هذه المخاوف التي بدأت تستوطن عقول الكثيرين، باتت الدافع الأساس وراء التخطيط المسبق للمستقبل في حال حدثت حالة طارئة، وأفضل وسيلة للتغلّب على الشكوك المتعلّقة بالأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة، بالإضافة إلى حماية أفراد العائلة والثروة التي تمتلكها، هو عبر وضع خطة بديلة احتياطية قوية، هي الجنسية عن طريق الاستثمار. فعند الحصول على الإقامة أو الجنسية عن طريق الاستثمار في إحدى الدول، سيكون لدى الشخص المعني منزلاً ثانياً، بالإضافة إلى دعم أمني في حال عدم استقرار البلد الأصلي. يُضاف إلى ذلك أنّ هذا الاستثمار سيمنح حريّة التنقّل من دون قيود، بالإضافة إلى كونه طريقاً فعّالاً لحماية الثروة الخاصة العائدة للراغب.
وتقول الدراسة، وهنا بيت القصيد، أنّ نَيْل هذه الجنسيّة تتوافق تمامًا مع الأوضاع الحالية الموجودة في لبنان إذ سمنح الجنسية من يسعى إلى الهجرة، حلاًّ أمثل قبل فوات الأوان. ولا تقتصر هذه النصيحة على لبنانيّين يرغبون في اكتساب جنسيّة ثانية، بل تطاول أفرادًا في دول منطقة الشرق الأوسط يواجهون تحديات قد تدفعهم إلى التحرّك بشكل سريع قبل أن تسوء الأحوال بشكل أكبر، مستفيدين من الدروس التي تعلمتها البلدان المجاورة الأخرى. فمواطنو العراق وسوريا، على سبيل المثال، ودائمًا حسب الدراسة، وجدوا أنفسهم عالقين في أماكن غير مألوفة بعد حدوث الصراعات الخارجية والداخلية في البلدَيْن بشكل متتابع، وقد كان بإمكانهم الحصول على الجنسية عن طريق الاستثمار في وقت حدوث هذه الكارثة.
وبحسب الإحصاءات التي تضمّنتها الدراسة، فإنّ الأفراد ذوي الملاءة المالية من العراق وسوريا استجابوا وقت حدوث الكارثة في بلادهم، وقد تبيّن أنّ غالبيّة الطلبات المقدّمة للحصول على الجنسية عن طريق الاستثمار، قد أتت من قبلهم.
وعلى سبيل المثال، يشكّل العراقيون نسبة ٧٪ من الطلبات المقدمة إلى تركيا التي تعتبر الجنسية العراقية هي الجنسية الأجنبية الأولى في شراء العقارات الموجودة داخل حدودها لكونها هي الطريقة الفعّالة للحصول على الجنسية التركية. وكما في تركيا، كذلك في دولة أنتيغوا وباربودا، فقد بلغت نسبة العراقيّين المقدّمين لنَيْل الجنسيّة (لقاء استثمار) ٥.٣٪. أمّا نسبة السوريّين فقد وصلت إلى ٥.٨٪، ما يعني أن نسبة الأفراد المتقدّمين على برنامج أنتيغوا وباربودا تشكّل تقريباً ١١٪ من كلا البلدين. ولم يشذّ اللبنانيّون عن هذا الواقع، إذ بلغت نسبة السّاعين إلى الجنسيّة الثانية ٥.٨٪، ما يعني أنّهم اتّخذوا خططًا بديلة للحالات الطارئة بشكل مستبق ومبكر.
وبالانتقال إلى أفغانستان، فقد تمّت الإطاحة بالحكومة الأفغانية في غضون أيام، في حين أن الحرب الأهلية في سوريا استغرقت شهوراً قبل أن تبدأ بشكل جدي! هذا يعني أنه لا يمكن التنبؤ بتوقيت حدوث الاضطرابات الغامضة، لكن على المرء الاستعداد لذلك في أي وقت.
ودائمًا حسب الدراسة، لذا فإنّ سهولة حصول الميسورين على الجنسية عن طريق الاستثمار، تُعتبر من القضايا المهمّة التي يجب أخذها بعين الاعتبار. وعلى سبيل المثال، فعند غزو داعش للعراق وبداية الحرب في سوريا، كانت سانت كيتس ونيفيس تطالب مقابل الجنسيّة، بمساهمة قدرها ٢٥٠ ألف دولار اميركي للفرد الواحد، لكن تمّ تخفيض المبلغ وأصبح في الوقت الحالي بتكلفة ١٥٠ ألفًا لكل فرد. إن الشيء المذهل والجذّاب الآن هو عرض قدّمته إحدى الدول الكاريبية الساري لفترة محدودة حتى نهاية السنة، حيث يمكن عائلة مكونة من ٤ أفراد الحصول على جنسية سانت كيتس ونيفيس عن طريق الاستثمار بمبلغ قدره ١٥٠ ألف دولار أميركي فقط.
بالإضافة إلى ذلك، كانت قيمة المساهمة المالية المطلوبة للحصول على جنسية أنتيغوا وباربودا عن طريق الاستثمار أثناء الحرب الأهلية في سوريا٢٠٠ ألف دولار للفرد الواحد أو الاستثمار العقاري بقيمة ٤٠٠ ألف، لكن في الوقت الحالي يبلغ قيمة الاستثمارَيْن كليْهما نصف المبلغ السابق.
ما يجدر ذكره، تقول الدراسة، أنّ إجراءات الحصول على الجنسية عن طريق الاستثمار أصبحت سريعة بدليل استغراق العملية بأكملها بضعة أشهر فقط لتغيير حياة الفرد بشكل جذري. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت هذه البرامج قليلة التكلفة إذ يوجد هناك العديد من برامج الجنسية التي لا تتعدى تكلفتها قيمة سيارة فاخرة، لذلك ليس من الصعب أن يستثمر بها الأشخاص الآن لتكون خطة بديلة مثالية لهم.
وفي المحصلة، فإنّ جواز السفر الثاني يوفّر لحامليه فرصة السفر بدون تأشيرة إلى العديد من الوجهات، بالإضافة إلى القدرة أيضاً على إنشاء حسابات مصرفية في موطن آخر لحماية ثرواتهم في حال حدوث الاضطرابات المصرفية في موطنهم الأصلي والتي قد تكون في الغالب نتيجة للاضطرابات السياسية في البلاد.
إن جواز السفر الثاني – تقول الدراسة – لا يساعد حامليه فقط، بل يمنحهم الإقامة في بلد آخر. من ذلك تأشيرة البرتغال الذهبية تتوافق تماماً مع هذا المثال، حيث أن برنامج الإقامة عن طريق الاستثمار يوفّر بطاقة إقامة في الاتحاد الأوروبي لحامليها في مقابل الاستثمار في عقارات البرتغال. بالإضافة إلى ذلك، سيتمّ تغيير بعض من اللوائح المتعلقة بالتأشيرة الذهبية في عام ٢٠٢٢، بحيث أصبح الاستثمار في العقارات الموجودة في لشبونة وبورتو (أكبر مدينتين في البرتغال) غير مدرجتَيْن على برنامج التأشيرة الذهبية. ومع ذلك، سوف لا يتأثر المستثمرون اللبنانيون في هذا القرار حيث بات بإمكانهم وضع خطة بديلة الآن والبدء بالاستثمار حيث لا يستغرق الأمر عاماً للقيام بذلك.
في الدراسة أيضًا أنّ وضع لبنان يُعتبر أفضل بمراحل من الأوضاع الموجودة في سوريا والعراق، لكنه لا يقدِّم للأفراد الذين هم من أصحاب الثروات العالية الحياة التي تناسبهم وتناسب أفراد عائلاتهم، لذا يبقى أمام أصحاب الرساميل المتواضعة (بين مئة وثلاثمئة ألف دولار) فرصة الحصول على الجنسيّة الثانية التي قد تنقلهم إلى أمكنة يتعشّقون إلى العيش فيها!