شرب السوائل ضروري
باسكال هبر
الصيف فصل الإجازات والبحر والشمس. ولأنه، كذلك، فإن كلاً منا يستعد له حسب امكاناته: رحلة قصيرة، أو استراحة في مصيف أو التنزّه على شاطئ البحر، أو البقاء في معمعة العمل تحت شدّة الحرارة ووطأة التعب المضني والمُرهق. لكن ونحن على أبواب الصيف ننسى أمراً مهماً وهو أن هذا الفصل يحمل معه إلى جانب المتعة والإنشراح والجمال، أمراضاً موسمية عديدة تُعرف طبيّاً تحت اسم “أمراض الصيف”.
ما أن يمدّ طفل يده إلى الخضار في فصل الصيف حتى ترتسم في عيون ذويه صورته ممسكاً بطنه يبكي من ألم ويشكو من إسهال. ولا عجب في ذلك فالصيف هو فصل الحرارة والرطوبة، وفي مثل هذه البيئة تعيش وتنمو فيها الجراثيم، ثم تزدهر وتنتشر!
ومن المعروف علمياً أن الظروف البيئية تشجّع على ظهور ما تعارف على تسميته “أمراض الصيف” والتي تنقسم إلى فئتَيْن: أمراض اليرقان والأمراض المعوية أو أمراض الجهاز الهضمي التي تتراوح بين أمراض شائعة تُسبّب الإسهال والتقيؤ من جهة، وبين مرض التيفوئيد.
فماذا، أولاً، عن الأمراض الشائعة؟
يقول طبيب أمراض داخلية في لبنان أن العارض الأساسي للأمراض الشائعة هو الإسهال دائماً مترافقاً أحياناً مع وجع رأس وتقيؤ وحرارة ومغص في البطن، وأصابع الإتهام توجه إلى فيروس. لكن اللافت في تلك الأمراض أنها تأتي بشكل مفاجئ ولا تسبقها أية أعراض تمهيدية.
ويدوم مفعول هذا الفيروس من 48 ساعة إلى 3 أو 4 أيام من دون أن تتعدى حرارة المصاب 38 درجة ونصف الدرجة في الحد الأقصى، ولذلك فإن حالات الإسهال لا تستدعي كلّها الهرولة إلى الصيدلية وتناول حبوب المضادات الحيوية (الأنتي بيوتيك). ذلك أن الجسم قادر على مقارعة الفيروسات من هذا النوع والقضاء عليها في خلال المهلة المذكورة، خصوصاً أن هذه المضادات لا تؤثر في الفيروس اطلاقاً. وهنا، يقول الطبيب اللبناني، قد يخالفني الرأي أولئك الذين جرّبوا المضادات الحيوية، فحصلوا على الشفاء في يومين أو ثلاثة. والواقع أن الشفاء حاصل من دون تلك الأدوية التي تلحق الضرر بالمرضى اذا اعتادوا عليها، عندما لا تعود تؤثر فيهم وقت هم يحتاجون اليها فعلاً.
فكيف نواجه، اذاً، هذا النوع من الفيروسات؟
ثمة اجراءات لا بدّ من اللجوء اليها يتابع الطبيب، للقضاء على الفيروس، منها ما هو مرتبط بعناية المريض، ومنها مواجهة الأضرار التي أصيب بها، كاعطائه كثيراً من السوائل مثل الشوربة والماء وعصير الليمون للتعويض عن الجسم كميات الماء التي فقدها بالإسهال والتقيؤ والتعرّق، مع كمية كافية من الملح، لأن المريض يُفقد هذه المادة من جسمه في مثل هذه الأعراض المذكورة.
ويُنصح كطعام بـ: البطاطا المسلوقة والأرز واللبن ولحم الدجاج والقليل من اللحم المشوي والخبز المحمّص. ومن السوائل: الليموناضة (سكر قليل)، الشاي مع الحامض والمرطبات المحتوية على كربونات الصودا. ومن الفاكهة: التفاح والموز والجزر (أو عصيره)، والإمتناع تماماً عن بقية الفاكهة لأنها ضارة. الكثيرون يعتقدون أن عصير البرتقال مفيد. والواقع أنه يُسبب الإسهال، أو يقوّيه اذا وُجد.
ونسأل الطبيب: أليس من سبب آخر للإسهال غير الفيروس؟ عن هذا السؤال يُجيب:
-هناك أسباب كثيرة جداً بالطبع. أما في اطار حديثنا عن أمراض الصيف، فهناك سبب ثانٍ للإسهال غير الفيروس، وهو جراثيم تُسمى Shigella و Salmonella وE.Coli. وأعراض الإسهال الناتج عن هذه الجراثيم تشبه، الى حد بعيد، أعراض الإسهال الأول بحيث يصعب على الطبيب أن يُفرّق بين النوعَيْن اذا لم يلجأ الى الفحوص المخبرية. ولكن في الإجمال، فإن هذه الجراثيم تُسبّب ارتفاعاً أكبر في الحرارة واسهالاً أقلّ حدّة. ومع هذه الجراثيم قد يظهر الدم في البراز أو شيء من التقيّح. ( وفي حال ظهور هذه الأعراض يتوجّب الإشتباه بميكروب Dysentery وهي حالة جيدة تستوجب مراجعة الطبيب فوراً).
وفي حالة الإصابة بالجراثيم المذكورة أعلاه، هناك علاج هو المضادات الحيوية. أما العناية فهي نفسها التي تحدثنا عنها في النوع الأول من الإسهال.
أما كيف نفرّق بين النوعَيْن الأول والثاني حتى نعرف ما اذا كان المريض بحاجة الى مضادات حيوية أم لا، فإن هذا يتوّقف على حالة المريض نفسه. ففي البدء، نوفّر له العناية اللازمة، فإذا تحسّن بعد مضي أربعة أيام كان به، والاّ فإن النوع الثاني من الإسهال هو المرجّح. ومع ذلك، لا يُستحسن الإسراع الى أول صيدلي وشراء أي دواء، بل يتوجّب مراجعة الطبيب، ولو هاتفياّ، والتصرّف بمقتضى ما ينصح به.
س: هذا بالنسبة للأمراض الشائعة، فماذا عن التيفوئيد؟
ج: التيفوئيد ناتج من جرثومة Salmonella التي جاء ذكرها مع الجراثيم التي تُسبب النوع الثاني من الإسهال. والفارق بين عمل الجرثومة في الحالتَيْن، انها في الأولى تنحصر داخل الجهاز الهضمي وتؤدي الى مرض بسيط نسبياً، أما في التيفوئيد فانها تدخل أولاً الى الإمعاء ثم تنتشر في أعضاء مختلفة من الجسم.
جدير بالذكر أن هناك فئات من جرثومة Salmonella، وكل فئة تعمل بشكل مختلف، واحدى هذه الفئات تؤدي الى التيفوئيد، علماً أن الإنسان يُعتبر الناقل الأساسي لهذا المرض، وان يكن الذباب والبعوض تنقل الينا التيفوئيد أيضاً ولكن في حالات محدودة.
اذا ان الإنتشار الأساسي لجرثومة التيفوئيد هو مسؤولية الإنسان المباشرة. فالجرثومة تعيش في البراز البشري، ومن أعراضها: ألم في الرأس وترفّع حروري والشعور باعياء عام، وفي بعض الحالات تُصاب المفاصل بآلام شبيهة بالإنفلونزا، كما يلاحظ الإمساك بدل الإسهال. وعند فحص المرضى يتضح لدى جزء كبير منهم ظهور تضخّم في الطحال. كما أن النبض قد لا يزيد عن 80 نبضة في الدقيقة، على رغم ارتفاع الحرارة. وهذه ملاحظة خاصة بمرض التيفوئيد وحده، لأن ارتفاع الحرارة في بقية الأمراض، لا بدّ ان ترافقه زيادة في سرعة النبض. كذلك فإن هناك ملاحظة أخرى خاصة بالتيفوئيد يمكن ملاحظتها باختبار الدم. ففي الأمراض الأخرى يزيد عدد الكريات البيض عندما ترتفع حرارة المريض. أما في مرض التيفوئيد فتبقى عدد هذه الكريات على حاله، على رغم ارتفاع الحرارة. وهاتان الظاهرتان الأخيرتان، لا تفسير لهما، لكنهما تُساعدان على تشخيص التيفوئيد. فالأطباء يستطيعون، مثلاً أن يزرعوا الدم أو يزرعوا البراز ليتأكدوا من وجود المرض من عدمه..
س: كيف يحصل الموت بالتيفوئيد ولماذا؟
ج: ان التيفوئيد، في حد ذاته،ـ غير مميت. لكن مضاعفاته تستطيع قتل المريض، كظهور خروق في الإمعاء ينتج عنها التهاب في الغشاء الذي يُغلّف داخل البطن وخارج الإمعاء، والذي يجعل بعض اجزاء الإمعاء تنزلق على بعضها. وعلى أهل المريض أن يراقبوه ليعرفوا ما اذا كان يُعاني مضاعفات التيفوئيد، وأهم مظاهرها مزيد من ارتفاع الحرارة، حدوث نفخة في البطن وألم حاد في مكان معيّن منه، هبوط في الضغط أو ما يدلّ على هذا الهبوط مثل الدوخة وتلاشي القوى، وتدهور حالة المريض العامة.
وهناك مضاعفات أخرى أهمها حدوث نزف معوي بسبب تآكل الغشاء الداخلي للإمعاء، بفعل الجرثومة. ولهذا السبب يتوجّب على ذوي المريض أن يبلّغوا الطبيب حالما يلاحظون بعض الدم في البراز. وهناك اشتراكات أخرى مثل إمكان وصول الجرثومة الى الدماغ. ولكن هذه الإشتراكات نادرة الوقوع، ومحدودة الخطورة.
س: ما هي وسائل الوقاية من التيفوئيد؟
ج: بالنسبة للأفراد يتوجّب:
1-غَسْل اليدين بالصابون جيّداً قبل الطعام. وهذه ملاحظة مهمة جداً، لأن عشرة بالمئة فقط من الناس يهتمون بغسيل اليدين قبل الأكل، مع أن هذه عملية أهم من غسل اليدين بعد الأكل. كما أن الذين يأكلون سندويشات لا يهتمون بغسل أيديهم وهذا مصدر كبير للجراثيم.
2-غَسْل الخضراوات والفاكهة، خصوصاً الأولى، لأن الفاكهة تكون معلقة على شجرة عالية وتلوّثها أقل حدوثاً. أما الخضار فتعيش في التربة، وهي، اذن، معرضة كثيراً لأخذ الجرثومة، خاصة في مياه الري أو من السماد البشري.
3-عدم القاء القمامة أينما كان أو على الجيران، لأن القمامة مصدر حامل للجراثيم. وبوجه عام، فإنه يتوجب على الفرد أن يحافظ على نظافته الشخصية، وعلى النظافة العامة وأشدّد على الأخيرة.
أما بالنسبة للجماعة، فهناك اجراءات وقائية أيضاً أهمها:
1-التلقيح ضد التيفوئيد، لكن هذا التلقيح لسوء الحظ لا يُعطي قناعة كاملة ولا حتى قناعة فعّالة ضد المرض، لكنه يُساعد على التخفيف من وطأة انتشاره.
- الإستعانة بالمستوصفات واطلاق حملات اعلامية للتوعية.
- الطلب الى وزارات الصحة العربية بمراقبة مياه الشرب باستمرار، ايجاد أجهزة حديثة عند الدول غير المتقدمة لمعالجة شبكة القمامة ومشكلة المجاري.
وبالنسبة للعلاج، فعلى الطبيب أن يُحدد تفاصيله، أما المريض فيجب أن يكون متنبّهاً لنوع الطعام الذي يأكله. يجب أن يكون طعامه خفيفاً في الأيام العشرة الأولى مع التشديد على السوائل.
س: ماذا عن اليرقان؟
ج: هذا المرض المعروف شعبياً باسم “الصفيرة” يتأتى من فيروس يصيب الكبد بالدرجة الأولى، فيتسبب في خلل أو حتى موت خلايا هذا الكبد، ما يؤدي الى عدم امكانية تعريف مادة “الصفيرة”، وعليه يُصبح المريض أصفر اللون ويلاحظ الإصفرار، ويكون على أشدّه في بياض العين. ذلك أن الصفيرة عندما تزيد نسبتها في الدم، تتسرّب في خلايا سطحية كالجلد والعين.
س: ومن أين يأتي الفيروس؟
ج: مصدره وطرق انتقاله هي نفسها: البول والبراز وتلوّث المياه من جرّائهما. لكنّ هناك مصدراً آخر هو الإبرة التي تستطيع أن تنقل نوعاً من أنواع اليرقان. ان الإبرة التي تستعمل لحقن المريض بدواء أو لأخذ عينة من دمه أو لحقنه بالمخدّر تستطيع أن تنقل الفيروس في ما بعد الى انسان سليم. ذلك أن عليها بالماء لا يؤدي الى قتل فيروس اليرقان. ولهذا السبب بدأ الأطباء يستخدمون نوعاً من الإبر الطبية التي لا تخدم أكثر من مرة واحدة، ولو أن هذه الخطوة لم تُعتمد بعد في مناطق نائية ومغلقة على نفسها.
اما أعراض اليرقان فتظهر قبل بداية الإصفرار بمدة لا تقل عن أيام وقد تطول شهرين أو ثلاثة أشهر. فالمريض يشعر بانحطاط عام وانخفاض في القابلية على الأكل، وحتى انخفاض ملحوظ في القابلية على التدخين. ويجب أن تكون هذه الأعراض كافية لدفع المريض الى مراجعة الطبيب. فالتحاليل المخبرية تكشف المرض قبل ظهور الأصفرار، وهذا ما يساعد على التبكير بالعلاج، وبالتالي على تسهيل وتعجيل الشفاء. أما الأعراض في المرحلة المتقدمة فهي طبعاً الإصفرار ثم الألم في الكبد وحكّ الجسم ثم يُصبح لون البول قاتماً ولون البراز باهتاً (أصفر أو بيج).
س: والعلاج؟
ج: اللجؤ الى الراحة، لأنها جزء أساسي من العلاج، ثم التغذية. وفي مجال التغذية هناك مبدأ بسيط يجب تطبيقه: الإكثار من النشويات والسكاكر لأنها أخفّ المأكولات على الهضم وعلى الكبد. ويتوجب على المريض عند الشفاء ان يمتنع عن الكحول لأنها ترهق الكبد. كذلك يتوجب الإمتناع عن التبرع بالدم ثلاث سنوات، لأن الفيروس قد يظلّ كامناً ينتقل مع الدم الى من يأخذه.
س: ما هي النصائح التي تقدمها للقارئ العربي في فصل الصيف؟
ج: أولاً، أنصحه بعدم تعريض جسمه طويلاً لأشعة الجسم لأن لهذه الأخيرة تأثيراً ضاراً على الجلد كالتسبّب بالسرطانات الجلدية، اضافة الى ارتفاع الحرارة ثم البرودة المفاجئة التي تعقب السباحة، ما قد يؤدي الى بعض أمراض الرئة. لذلك أنصح بالحذر وعدم الإفراط في الجلوس ساعات في تيارات الهواء… وأنصح كذلك باستعمال بعض المراهم الملطّفة سواء في الوقاية من حروق الشمس أم في معالجتها.
ثانياً، انصح بالإكثار من السوائل، مضافاً اليها بعض الأحيان ملح الطعام. والنصيحة اتوجّه بها خصيصاً الى حجاج بيت الله الحرام، لأن درجة الحرارة في الأراضي المقدسة تصل إلى نحو 45 درجة مئوية.
ثالثاً، الإستحمام دائماً بالماء والصابون لمنع الأمراض الفطرية من نخر جلدنا.
رابعاً، حفظ الطعام في الثلاجة لأن تركه عرضة للحرارة قد يُسبب التسّممات الغذائية، إضافة الى ضرورة غسل اليدين قبل الطعام والإهتمام كذلك بنظافة الخضراوات، كما أسلفنا.
خامساً، ضرورة التأكد من جودة صنع “الأيس كريم” والمشروبات الغازية المعبأة والجاهزة وعدم الإكثار منها أيضاً لأنها تؤدي الى عملية هضمية “مختلّة” تتجلّى بانتفاخ البطن والمغص والإسهال أحياناً.
سادساً، الإهتمام بطعام الأطفال، ولا سيما الرضّع منهم وتعقيم المصاصات الهوائية التي توضع على فوهة الزجاجة لكي يمتص الرضيع منها حليبه. اذ أن كل الإهمال يؤدي إلى كثير من الإسهالات الصيفية. ولقد تبيّن أن 70 % من وفيات الأطفال في البلاد النامية تنجم من هذا النوع من الإسهالات. اذن النظافة ثم النظافة، سواء تعلق الأمر بالحليب أو المصاصة المطاطية، لأن النظافة ضرورية لحماية الأطفال!