السلام الذي فتح أبواب الجنة الارضية للرئيس الشرع
في خطوة تمثّل تحوّلاً كبيراً في السياسة الاقتصادية الدولية تجاه دمشق، أنهت وزارة الخزانة الأميركية رسمياً برنامج العقوبات المفروضة على سوريا مع أزالة موقع «الخزانة» الأميركية اسمها من قائمة العقوبات، بحيث لم يعد هناك «برنامج عقوبات سوري» رسمي تحت إشراف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك). وتأتي هذه الخطوة عقب لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الأميركي دونالد ترمب واعلان الأخير رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها بأنها بداية جديدة تهدف إلى فتح صفحة من التعاون وتحقيق الاستقرار في البلاد.
ووفق محليين اقتصاديين، فإن هذه الخطوة تعني أن التعاملات المالية والتجارية مع الحكومة السورية ومؤسساتها لم تعد محظورة بل تسير بشكل تلقائي. وبموجب هذا الإجراء، أصبحت الشركات الأميركية الآن قادرة قانونياً على الاستثمار في سوريا، والمشاركة في أنشطة الاستيراد والتصدير، وتوقيع عقود مع الكيانات العامة والخاصة على حد سواء.
ومن أبرز نتائج هذا القرار، إزالة أكثر من 500 فرد وكيان من قائمة الرعايا المحددين بشكل خاص (SDN)، بما في ذلك مصرف سوريا المركزي. ونتيجة لذلك، يمكن للشركات والبنوك الدولية الآن إجراء معاملات مع هذه الكيانات دون خوف من العقوبات الأميركية الثانوية.
من الناحية العملية، يفتح هذا القرار الباب أمام إعادة التحويلات المالية بالدولار من وإلى سوريا، والوصول إلى نظام المدفوعات العالمي «سويفت»، وإعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع الشركات والبنوك الغربية.
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن بعض القيود لا تزال سارية؛ إذ تبقى القوانين الأميركية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والصادرات العسكرية، و«قانون قيصر»، سارية المفعول، على رغم أن الأخير قد تم التنازل عنه مؤقتاً، وليس إلغاؤه بشكل دائم.
وبالتزامن مع هذا التطور، بدأت أنظمة عدد من البنوك الدولية، من بينها مصارف في تركيا وإيطاليا والسعودية وألمانيا وسويسرا وهولندا، إظهار خيار «مصرف سوريا المركزي» عبر نظام التحويلات المالية العالمية «سويفت»، في خطوة تعكس بدء إعادة تفعيل القنوات المالية السورية رسمياً.

وكان مصرف سوريا المركزي قد نفّذ أول عملية تحويل عبر نظام «سويفت» في 19 حزيران 2025 من خلال بنك بيمو، في إطار العودة التدريجية للقطاع المصرفي السوري إلى النظام المالي العالمي.
ويعتبر ظهور مصرف سوريا المركزي في نظام «سويفت» خطوة بالغة الأهمية. فبعد سنوات من الاعتماد على وسطاء إقليميين، يمكن للبنوك السورية الآن إجراء تحويلات مالية مباشرة مع البنوك الدولية، مما سيسهل بشكل كبير التجارة الخارجية، ويقلل من التكاليف، ويحد من المخاطر المرتبطة بالتحويلات غير المباشرة. كما سيساعد على إعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي السوري المنهك.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا قد أعلنت في منتصف حزيران 2025 عن رفع عقوباتها الاقتصادية المفروضة على سوريا، بما في ذلك القيود على التحويلات المالية وتجميد الأصول، وذلك بعد مشاورات مطولة بين بروكسل ودمشق. كما لحقت كندا واليابان بالقرار، معلنتين رفع القيود المفروضة على التعاملات المصرفية والتجارية مع سوريا، في خطوة وُصفت بأنها «جزء من إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي».
يُذكر هنا، وضمن إطار الإنفتاح على سوريا بعد الإجراءات الأميركية الأخيرة، أن نائب المدير العام لهيئة الاستثمار السورية محمد سيف الدين، بحث مع وفد جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين التركية (موصياد)، سبل إقامة استثمارات تركية في سوريا، في المجالات والقطاعات الاستراتيجية والحيوية، خصوصاً إعادة الإعمار والتطوير العقاري والطاقة.
وأفادت وكالة الأنباء السورية (سانا)، بأنه قد تم عرض الخريطة الاستثمارية في سوريا التي شملت قطاعات التطوير العقاري والسياحة والخدمات، والمشاريع في المحافظات السورية، خلال الاجتماع الذي عُقد في مبنى هيئة الاستثمار بدمشق.
وفي تصريح لـ«سانا»، أكد سيف الدين، أن «سوريا تمتلك الكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة في العديد من القطاعات الخدمية الإنتاجية، وأن هذه الفرص متاحة أمام جميع رجال الأعمال والمستثمرين»، داعياً رجال الأعمال الأتراك إلى «إقامة مشاريعهم في مختلف القطاعات والمناطق السورية، والاستفادة من التسهيلات التي يوفرها مرسوم الاستثمار الجديد”.
وبيَّن سيف الدين أن «هيئة الاستثمار تعمل على تقديم كل التسهيلات الممكنة؛ لإقامة هذه المشاريع وتذليل كل العقبات، وتهيئة بيئة أكثر مرونة وجاذبية للاستثمار في سوريا، متوافقة مع البيئة التشريعية الجديدة والرؤية المتجددة لسوريا”.