خلال المؤتمر الصحفي، النقيب جوزف القصيفي يلقي كلمته
اتّحاد صناديق التعاضد الصحيّة أطلق صرخته الموجعة في مؤتمر صحفي عقده رئيس الاتّحاد السيد غسان ضو في نقابة المحرّرين بحضور نقيب محرّري الصّحافة اللبنانيّة الزميل جوزف القصيفي وأعضاء من الاتّحاد وشخصيّات معنيّة، فضلاً عن وسائل الإعلام المتنوّعة. وكان الهدف من هذه الصرخة، كما لا يُخفى على أحد، طرح المشكلة التي يواجهها هذا القطاع، وعلى غرار مشاكل القطاعات الأخرى: التربويّة والاستشفائيّة والتمريضيّة وغيرها وغيرها. والمشكلة معروفة: ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة وعدم تمكّن المستشفيات من استيفاء الأسعار على اساس الدولار الرّسمي، وذلك ابتداءً من الأول من أيلول الحالي، كما ورد في رسالة موجّهة من نقابة المستشفيات إلى المؤسّسات الضامنة والتّي مُدّد توقيتها إلى منتصف الشهر، إي بعد أيّامٍ معدودة، ما يعني أنّ ما يقرب من 360 ألف لبناني مضمون عبر هذه الصناديق، سيموتون في منازلهم. وما المطلوب؟ دفع 30 بالمئة من قيمة الفاتورة بالدولار الـ Fresh واحتساب الباقي على أساس السعر المعمول به في البنك وهو 3900 ليرة للدولار الواحد. ولو أدركَت نقابة المستشفيات القيمة المستوفاة من كلّ مضمون من تلك الصناديق لما أقدمت حتمًا على توجيه هذه الرسالة. ولو اطّلعت المؤسّسات الضامنة على الأكلاف الاستشفائيّة المتزايدة يومًا بعد يوم، لما بادر أحدٌ إلى انتقاد المستشفيات!
ويبقى السؤال: كيف يُمكن صناديق التعاضد التي أخذت على عاتقها إنقاذ حياة عدد كبير من اللبنانيّين، أن تستمرّ وتتابع رسالتها وتتمكّن من مواجهة المطبّات العديدة التي تعترض طريقها، وما أكثرها؟ وهل هناك حلول يمكن رئيس الاتّحاد السيد غسان ضو وأعضاء مجلس الإدارة أن يطرحوها لتفادي هذه “المجزرة” الجماعيّة التي ستطاول العدد الأكبر من المضمونين؟
رئيس الاتّحاد، وفي حوار مقتضب معه، قبل انعقاد المؤتمر، لم يشأ البَوْح بحلٍّ من تلك الحلول، وقد قال لنا أنّها موجودة، ولكنّه ذكّرنا بما أعلنه رئيس الجمهوريّة قبل أيّام عندما زاره وفدٌ من القطاع التربوي وشكَوا له خلالها عدم القدرة على متابعة التعليم وتسديد الكلفة التشغيليّة ودفع الزيادات على الرواتب، في وقتٍ يئنّ الأهالي من وجع تسديد الأقساط المدرسيّة، والبعض من هؤلاء لم يسدّد بعد أقساط السنتَيْن المنصرمتَيْن. في ذلك الاجتماع، طرح رئيس الجمهوريّة حلاً نظريًا – عمليًا هو تكثيف المساعي للحصول على مساعدات ماليّة وعينيّة من الخارج، وقد يأتي البعض منها من مبلغ يُقتطع من الـ 850 مليون دولار المخصّصة للبنان من صندوق النقد الدولي. فما المانع أن ينسحب هذا الحلّ على صناديق التعاضد؟
رئيس الاتّحاد السيد غسان ضو وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده ظهر الأربعاء (8 الجاري) تناول الموضوع من جوانب عدّة. بداية، أضاء أمام الحضور على خريطة التوزيع السكاني الصحي في لبنان التي تظهر ان حوالي 1.5 مليون مواطن (32 % من السكان تقريبًا) يستفيدون من تغطية الضمان الاجتماعي، وحوالي 800 الف مواطن (18%) يستفيدون من تغطية تعاونية موظفي الدولة والهيئات العسكرية، وحوالي 500 الف مواطن (11%) يستفيدون من تغطية شركات التأمين الخاصة وما يقرب من 350 الف مواطن (8%) يستفيدون من تغطية صناديق التعاضد الصحية. أمّا الباقي من المواطنين فلا ضامن لهم وهؤلاء يشكّلون تقريبًا 30%، أو ما يعادل مليون ومئة ألف مواطن غالبًا ما يقصدون وزارة الصحة.
وإلى هذه الأرقام، فإنّ الجهات الضامنة تسدّد للمستشفيات وسائر مقدّمي الخدمات الطبيّة فواتيرها عن الاعضاء المستفيدين، وبحسب العقود الموقّعة بينها على اساس سعر الصرف الرسمي للدولار بقيمة 1507.50ل.ل. ولكن في الفترة الأخيرة، أي منذ حوالي السنة، وبسب الاوضاع الاقتصادية والسياسية والمالية، يقول السيد ضو، “بدأت قيمة العملة الوطنية تنخفض تدريجيًا والدولار يتصاعد حتى دخلنا مرحلة الانهيار، إذ اصبحت قيمة الدولار تجاه الليرة الواحدة 20 ألفًا”.
هنا تساءل رئيس الاتّحاد: ماذا يمكن المستشفيات ومستوردي اللوازم الطبية والادوية ان تفعل، فيما تسديد الاستيراد لصالح المصانع الاجنبية، هو بالدولار النقدي غير المتوافر، إذ أنّ المصارف عاجزة عن التحويل وتاليًا فالمستوردون مضطرون لشراء الدولار من السوق السوداء بكلفة تزيد عن عشرة اضعاف!
“الوضع صعب بل شديد الصعوبة” يعلّق غسان ضو ويشرح لماذا… “ففي الفترة الاخيرة، قال، بدأت الهيئات الضامنة تستلم تباعًا فواتير الاستشفاء بتكلفة متصاعدة وصلت الى عدّة اضعاف من الكلفة السابقة، ومنها ما يتطلب نسبة من الدولار النقدي المتعذّر الحصول عليه، وبتكلفة مرتفعة، علمًا أنّ الضمان الاجتماعي يغطي موافقته، بحسب العقود السابقة، ولذا على المضمون تغطية الفروق بملايين الليرات، وقت موازنة وزارة الصحة المتواضعة لا تكفي الا لأشهر معدودة فيما الفواتير تتراكم والهيئات الضامنة الخاصة (شركات تامين وصناديق تعاضد) لا يمكنها الطلب من المؤمّنين لديها زيادة اشتراكاتهم عدّة اضعاف بسب اوضاع الناس المالية المزرية وارتفاع كلفة غلاء المعيشة، في وقت تشير تقارير الامم المتحدة إلى ان نسبة 80% من العائلات في لبنان تكاد لا تصل الى شراء اللوازم الحياتية حتى نهاية كل شهر”. تابع: “الكلّ بيقبض لبناني وبيدفع عالدولار والدولار اللي كان سعرو1500 صار 20 الفًا، ومن بمقدوره أن يزيد مدخوله 13 مرة! نحن في حالة انهيار مالي يطاول نظام التقديمات الصحية الاستشفائية الذي بات في وضع مصيري خطر، وقت المواطن مهدّد في عدم قدرته على تحمّل فروق كلفة الاستشفاء او مضاعفة زيادة اشتراكاته رغم مسارعة الصناديق الى دعم اعضائها وحتى من مال الاحتياط، مع العلم ان الضامن الاكبر للنظام الصحي، وهو جهات رسمية، يتمثّل بالضمان الاجتماعي، بوزارة الصحة، بتعاونية موظفي الدولة وبالهيئات العسكرية، وهذه كلّها تشكّل 81% . ونتيجة لواقع الحال، فإنّ المراجع المسؤولة في الوطن وعن صحة المواطن، تواجه مصائب الدين العام المتفاقم وانخفاض الدخل والعجز المتراكم. لذا فإنّ عليها أخذ المسؤولية المباشرة لاعادة انتاج مراجع مسؤولة تعيد الثقة للعملة الوطنية وتاليًا خفض قيمة الدولار، ولو تدريجيًا، والانفتاح على دول العالم الصديقة والمانحة لانقاذ لبنان العاجز والمفلس” .
أنهى رئيس الاتّحاد كلامه بالقول: بكلّ موضوعيّة وتفاؤل ندعو الى عقد مؤتمر وطني يجمع مسؤولي هذا القطاع وعلى جدول اعماله:
- انقاذ نظام الرعاية الصحية والاستشفاء والطبابة في لبنان، حفاظا على أهله ووجوده.
- تأمين الرعاية الصحيّة لكل مواطن مريض و محتاج.
وكان نقيب محرّري الصحافة اللبنانيّة الزميل جوزف قصيبي قد استهلّ المؤتمر بكلمة رحّب فيها برئيس وأعضاء اتّحاد صناديق التعاضد الصحيّة، وممّا قال: “أن تخبط السياسة الصحيّة والعلاقات الملتبسة بين القطاعات المعنية، معطوفا على رفع الدعم عن الدواء، من دون التوقف عند الاحتكار والتخزين والتهريب لجني أرباح غير مشروعة، وضع صحة اللبنانيين في خطر محقق. أعجب كيف ان غضب اللبنانيين لم يتخط الحدود، وكيف ان المسؤولين الماضين في نهج المكاسرة يواصلون لعبة التحدي ولَيْ الأذرع، لعبة منعت ولادة حكومة مقتدرة على مواجهة الصعاب، فيما الشعب على أبواب مهلكة انسانية اجتماعية ستودي به إلى مكان لم يسبق لشعب في التاريخ أن بلغه. وهو حتما ليس المكان الذي يحلم به كل إنسان يسعى إلى العيش بحرية وكرامة وبحبوحة”.