جورج وسوف… المجروح
ليست هي المرّة الأولى التي يتعرّض فيها من يلجأ لتكميم المعدة، إلى مصير مشابه للذي أصاب وديع نجل الفنان جورج وسوف. ومَنْ يفتح سجل العمليات المشابهة التي أُجريَت في لبنان وفي دول العالم، فلا بدّ أن يعثر على أسماء “ضحايا” سقطوا في أثناء خضوعهم لهذه العملية أو خلال تمضيتهم فترة النقاهة، والأسباب عديدة. ومن أبرز الضحايا اللبنانيّين، نذكر اسم حسّان، نجل النائب والوزير الراحل وصاحب قصر منصور حسين منصور، وكان ذلك في نهاية القرن الماضي.
خطورة هذه الجراحة تكمن في أنّ الشخص السمين الذي يخضع لهذه العملية يكون مخزّنًا الدهون في جسمه، وبالتالي فإنّ شرايينه والأوعية الدموية لا تكون نظيفة كفاية، بمعنى أنّ أي خثرة دموية، إذا لم تُعالج سريعًا بمميّع للدم، فإنّها تتسبّب بجلطة دماغيّة أو رئويّة أو قلبيّة أو في السّاق. وإذا لم يكن الطبيب الجرّاح بارعًا وصاحب خبرة وتجربة ومهارة، فإنّه قد يصف للمريض جرعات زائدة من المميّعات من باب الاحتياط، ما قد يتسبّب في نزف وتكوّن تخثّرات دمويّة تقوم بعضها بسدّ أوعية أو شرايين غير نظيفة أصلاً بسبب تراكم الكولستيرول والتريغليسريد، فضلاً عن آثار التدخين وربما السكّري أيضًا الناتج عن البدانة.
هذا باختصار ما يتعرّض له من يُقدم على هذه العملية قبل أن يراجع أكثر من طبيب وجرّاح لمعرفة المخاطر، وهي كبيرة. وبما أنّ جينات كلّ من الأب والأم تلعبان دورًا كبيرًا في توريثهما للإبن، فإنّ الخطر يتضاعف. وبطبيعة الحال، فإنّ والد وديع الفنان جورج وسوف مُصاب بجلطة دمويّة أدّت إلى إصابته بشلل نصفي، وكان على الجرّاح أن يتنبّه إلى هذا الأمر ويعدّ للمئة قبل أن يجري هذه العمليّة. هذا الكلام لا يعني أنّنا ندين الطبيب الذي هو أدرى بحالة وديع الصحيّة قبل إجراء هذه العمليّة. لكن ما قلناه في الأسطر السابقة هو من باب الإضاءة على المخاطر التي يمكن أن تحصل ودائمًا بمشيئة الله. من هنا استوقفنا في أثناء الجنازة تصريح لملكة جمال الكون السابقة جورجينا رزق التي نصحت بإلحاح وديع بعدم إجراء هذه العملية الخطرة، وكذلك فعل كثيرون من أصدقائه ومعارفه ومنهم النجم التلفزيوني هشام حداد الذي بكاه بحرقة، كما بكاه وبحرقة أيضًا كثيرون من الأصدقاء له ولوالده. إلاّ أنّ وديع أصرّ على الخضوع لهذه العملية رغم معارضة الفنان وسوف نفسه، وكلّ ذلك ليضع حدًّا لتعليقات بعض الأقارب والمعارف وتعييره دائمًا بأنّه سمين وأنّ عليه أن يخضع لجراحة سهلة هي تكميم المعدة، من باب التنظير لا أكثر ولا أقلّ. وبالتأكيد فإنّ الجرّاح الذي أجرى العملية لا بدّ أن يكون قد وضع وديع في صورة المخاطر، وربّما أيضًا نهاه عن عملية تكميم المعدة، ولكنّ الشاب وديع الذي لم يسمع حتى من أقرب المقرّبين إليه وهو والده، ومضى في اعتماد خيار العمليّة، وكان ما كان.
بتقدير بعض الأطبّاء، فإنّ هذه العملية تتطلّب حكمًا تناول مميّعات بنِسَبٍ يقدّرها الجرّاح، لكن خطأً ما حصل أدّى إلى النزف، وتاليًا إلى حصول جلطة أو أكثر في غير مكان أدّت إلى وفاته. ولو كان وديع في عمرٍ تجاوز الــ 55 عامًا، لكانت هذه الجلطات قد أحدثت له، في أصعب الحالات، نصف شلل، إنّما كونه شابًا في التاسعة والثلاثين من العمر، فإنّ الجلطات تكون قاضية ولنا هنا مثلٌ يمكن التشبّه به وهو لاعب كرة القدم الذي يُصاب في الملعب وهو يمارس الرياضة بنوبة قلبيّة فُجائيّة تقضي عليه سريعًا، بينما لو كان اللاعب نفسه في عمر متقدّم وأصيب بالحالة نفسها، فإنّه حتمًا سينجو ويعالج ويستعيد العافية.
مهما يكن من أمر، فإنّ ما أصاب وديع لا يدخل تحت باب الخطأ الطبّي على الأرجح، لأنّ النزف حصل بعد أسبوع أو عشرة أيّام على العملية. وبمعنى آخر، فإنّه لم يمت في أثناء الجراحة، وهذه قضيّة يعود أمر البتّ بها إلى القضاء. فهل ستُقدم عائلة الوسوف إلى التوغّل في هذا الموضوع وتقديم دعوى عنوانها الخطأ الطبّي؟ ثمّ ما دور المستشفى الذي أجريت فيه العملة وما دور طبيب التخدير وأطبّاء آخرين يرافقون عملية من هذا النوع يعتبرها البعض عملية بسيطة وسهلة، وهي ليست كذلك إطلاقًا.
في آخر المعلومات التي تناقلها بعض وسائل الإعلام، ولا ندري مدى صحّتها، فإنّ محامية الفنان وسوف السيدة مايا مطر (سعَيْد)، الزميلة الإعلامية ومحامية شركة تأمين كبيرة هي “ليبانو سويس”، أنّها بصدد إعداد ملف طبّي لمعرفة ما إذا كان هناك خطأ طبّي أم أنّ الوفاة حصلت قضاءً وقدرًا.