أفارقة يبحثون في جوف الأرض عن نفائس بالمليارات تسطو عليها الدول العظمى في ما هم لا يملكون ثمن لقمة العيش
في تعليق تهكّمي نُشر على مواقع التواصل الإجتماعي بعد الأحداث المتسارعة في القارة الإفريقية، ورد أن ذهب فرنسا من غينيا، والأثاث من خشب الكونغو، وكأس العالم من مواهب أفريقية، ووقودها من بترول الغابون واليورانيوم لتوليد الكهرباء من النيجر والكوبالت المستخدم في الإتصالات من الكونغو، والشوكولا من كاكاو ساحل العاج والسيارات من حديد موريتانيا، فكيف لهذه الدولة الأوروبية أن تتنازل عن مستعمراتها في افريقيا الا بالقوة؟
هذا التعليق التهكّمي يؤكد من جديد غنى هذه القارة التي تُعتبر “سلّة صناعية” تقدّمها للعالم، تحديداً لأوروبا وأكثر تحديداً لفرنسا، في مقابل الفقر والحاجة وسوء التغذية التي تُعانيها شعوب الدول الإفريقية. ومن الأمثلة على ذلك أنه مع تفشّي جائحة “كورونا” وتأثر سلاسل الإمدادات العالمية، زادت نسبة الجوع في القارة السوداء بنحو 20 بالمئة، وهو ما رفع عدد الجياع الى 250 مليون شخص، وفق إحصاء لبرنامج الغذاء العالمي. أكثر من ذلك، يرى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، أكبر شبكة إنسانية في العالم، أن أفريقيا تشهد واحدة من أكثر الأزمات الغذائية إثارة للقلق منذ عقود، اذ أن حوالي 146 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية طارئة، نظراً الى افتقارهم لأمنهم الغذائي. أما الأسباب فعديدة، منها ما يرتبط بالإستعمار، ومنها ما يعود الى انعدام الأمن والنزاع المسلّح، فضلاً عن التأثيرات المناخية القاسية وآثارها السلبية على الاقتصاد ككلّ، في ما هي تمتلك 60 في المئة من مساحة الأرض للزراعة التي يعمل فيها 80 في المئة من شعوب القارة، لكن الحصاد لا يكفي 1،3 مليار نسمة، 60 في المئة منهم في سن الشباب، ويتوزعون في 54 دولة أبرزها السودان وغانا وزامبيا ونيجيريا وزيمبابوي ومصر، وهذه جميعها تمتلك نحو نصف احتياطي الذهب في العالم، ونحو 12 إلى 15 في المئة من احتياطي النفط، بالإضافة إلى 32 في المئة من احتياطي الثروة المعدنية. اضافة الى أنها موطن لنحو 8 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي، كما تشير الأمم المتحدة، يُضاف الى كل ذلك امتلاكها ثلث جميع المعادن. ويُشار في هذا الصدد الى أنها أنتجت في العام 2019 ما يقرب من مليار طن من المعادن بقيمة 406 مليارات دولار. فكيف ينأى الإستعمار عنها؟ وهل بالإمكان وقف محاولات التدخّل الخارجي ومنها: أميركا وأوروبا والصين التي تتنافس لحجز نصيب لها من موارد القارة، مع العلم أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة كثيراً بوصفها لاعبا اقتصاديا في أفريقيا. فهي أكبر شريك تجاري ثنائي الاتجاه لأفريقيا مع بلوغ حجم التجارة بينهما 254 مليار دولار في العام 2021، أي أربعة أضعاف حجم التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا.
يُذكر أنه في المدة الأخيرة، حصلت تغيرات جيوسياسية في أفريقيا، في: السودان ثم مالي ثم النيجر فالغابون، وكلها ستؤثر على العالم الخارجي لا محالة، إذ إن أي تغيّرات داخلية من شأنها أن ترفع أسعار المعادن والموارد الطبيعية التي تصدرها هذه الدول بأسعار تحدّدها الدول الأجنبية مسبقاً، وتستوردها في شكلها الخام. وقد تساهم في إبقاء معدلات التضخم مرتفعة لفترة من الزمن حتى يعود الاستقرار من جديد.
الى ذلك، كشفت خرائط مناجم الذهب في أفريقيا عن صراعات محلية ودولية منذ العام 2012. وتمتد هذه المناجم من السودان إلى موريتانيا الى مالي التي شهدت انقلاباً عسكرياً مؤخراً، بسبب أنها ثالث منتج للذهب في أفريقيا، بعد جنوب أفريقيا وغانا. ووفقا لإحصاءات رسمية، فإن غالبية عمليات استخراج الذهب تقوم بها شركات متعددة الجنسيات.
واذا انتقلنا الى اليورانيوم، فلدى أفريقيا الكثير منه لا سيما في النيجر التي شهدت هي الأخرى، انقلاباً عسكرياً مؤخراً. ويُقال أنها سابع أكبر منتج له في العالم، وفقا للجمعية النووية العالمية. ومن المعروف أن المعدن المشعّ هو الوقود الأكثر استخداماً للطاقة النووية. كما أنه يُستخدم في علاج السرطان وفي الأسلحة النووية.
والى المعدن المشعّ، يتوافر الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية بكميات ضخمة، علماً أن هذا المعدن يحظى بأهمية كبيرة لاستخدامه في بطاريات الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية، كما يستعمل في اللوحات الرقمية. وقد بات محط اهتمام كبريات الشركات التقنية في العالم، إذ يرتبط به مستقبل قطاع الاتصالات.
أما معدن الكروم فمتوافر في جنوب أفريقيا التي أنتجت منه 18 مليون طن متري عام 2022، والكروم هو معدن رمادي صلب وهش مع نقطة انصهار عالية ومقاومة للتآكل، وهذه الخصائص تجعله عنصراً أساسياً في إنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ.
ننتقل الى المنغنيز لنشير الى أن جنوب أفريقيا يُعتبر أكبر منتج له في العالم، وهو موجود في صحراء كالاهاري، التي يعتقد أنها تمتلك أكثر من 70 في المائة من الاحتياطيات العالمية، علماً ان هذا المنغنيز، وهو مادة خام مهمة يُستخدم في صناعة الحديد والصلب، في تقوية الفولاذ ومنعه من الصدأ. كما يستخدم في بطاريات الخلايا الجافة، وفي تشكيل كثير من السبائك، وفي الصناعات الكيميائية والزجاجية والكهربائية.
والى ما تقدم فإن القارة السوداء هي الثانية في صناعة التعدين لوجود كميات كبيرة من المواد الخام. وفي ما يتعلق باجتياطي النفط العالمي، فإن القارة تنتج 12 الى 15% من هذا الإحتياط المتوافر في نيجيريا والغابون التي شهدت انقلابا عسكريا قبل أيام.
بإزاء ما تقدّم، هل للمرء أن يستغرب هجمة الغرب على القارة الإفريقية، لإستعمارها وتفقيرها وصولاً الى “سرقة” ثرواتها النفطية والمعدنية التي يختزنها جوف هذه القارة، وهي بالمليارات، فيما ملايين الإفريقيين ينامون على الطوى ليلاً…