اتفاق حول اندماج أو استحواذ
مواكبة لعمليّات الاندماج والاستحواذ التي شهدتها وتشهدها دول عدّة بسبب الظروف الاقتصاديّة الصّعبة التي تجتاح العالم، خصّص الاتّحاد المصري نشرته ذات الرقم 261 للحديث عن الاندماج والاستحواذ في قطاع التأمين تحديدًا، باعتبار أنّ هذَيْن الاندماج والاستحواذ يطاولان كافة القطاعات. ومع أنّ النشرة لم تتوقّف عند ما يجري على صعيد الدول العربية، ومثل هذه العمليّات ليست قليلة، وقد يكون السبب غياب الاحصاء العلمي والواضح من حيث الأرقام، إلاّ أنّها تناولت ما جرى ويجري في دول كبرى في العالم مثل الولايات المتّحدة، استراليا، فرنسا، اليابان، الصين كما ألمانيا وغيرها، مع التركيز على إيجابيات وسلبيات هذَيْن الاندماج والاستحواذ. والتفاصيل في ما يلي…
عمليات الاندماج أو الاستحواذ شهدت نمواً كبيراً على المستوى العالمي خـلال العقدَيْـن الأخـيرَيْن، ووصلت إلـى مـستويات غيـر مــسبوقة، نتيجة الأزمـة الماليـة العالميـة، والحاجـة إلـى استيلاد كيانات كبيرة تـستطيع المنافـسة وتحقيق النمـو والـربح، فضلاً عن خفض التكلفة وتوزيع المخاطر.
ويندرج الاستحواذ والاندماج في إطار الإستراتيجيات التي توسّع بها الشركات أسواقها ونشاطاتها ومنتجاتها لزيادة إيراداتها وأرباحها، عن طريق شراء شركات أخرى في مجال أعمالها أو في مجالات متنوّعة أخرى ترى فيها فرصة لنموها وربحيتها. وثمّة حالات كثيرة تستحوذ فيها الشركات على شركات أخرى الاختصاص نفسه، لزيادة حصتها في السوق وتقليص عدد المنافسين، وهو ما يُسمّى بــ ” النمو غير العضوي” للشركة inorganic growth، أيّ الناتج عن شراء أعمال أخرى أو فتح مواقع جديدة، لعلّ هذا الاستحواذ يساعد في تعزيز أرباح الشركة على الفور وزيادة حصتها في السوق.
ويتمّ الاندماج إما عن طريق الضمّ بحلّ الشركة ونقل أموالها إلى شركة أخرى قائمة، أو عبر المَزْج، وهو حلّ شركتَيْن قائمتَيْن أو أكثر وتأسيس شركة جديدة تنتقل إليها حقوق والتزامات كل من الشركات التي تمّ حلّها.
أمّا الاستحواذ فيحصل عندما تسيطر إحدى الشركات ماليًا وإداريًا على نشاط شركة أخرى عن طريق شراء كلّ أو نسبة من الأسهم العادية التي تمنحها حقّ التصويت في الجمعية العامة للشركة المستَحْوَذ عليها، سواء تمّ شراء الأسهم بالاتفاق مع الإدارة الحالية أو بدون. المهمّ أن تسمح النسبة المشتراة للشركة المستحوذة بالهيمنة على مجلس الإدارة.
ولا شكّ أنّ للاندماج والاستحواذ فوائد عدّة، منها: التقليل من المصاريف التشغيلية، تعزيز قدرة الشركة الاستيعابية، تخفيف تكاليف الإنتاج والخدمات، تحسين جودة التقديمات التأمينية وتمكين الشركة من تقديم عروض أفضل للعملاء وبأسعار أفضل، القدرة على التمويل من المؤسسات المصرفية بشروط مؤاتية، الحؤول دون تعثّر الشركات أو الإفلاس، زيادة تنوّع المنتجات لدى الشركتَيْن المندمجتَيْن، وزيادة القدرة على مواجهة الاخطار، المساعدة على مواجهة المنافسة والصمود أمامها وتلبية احتياجات السوق المتزايدة.
لكن في مقابل هذه الإيجابيّات، هناك سلبيّات قد تقع، منها عدم التقييم العادل للكيانات المندمجة أو تقييم الأصول بأقل من قيمتها لغياب الشفافية والإفصاح، التخلّي عن جزء من العمالة بحجة التوفير، عدم توافق البيئة الجديدة مع العاملين من كلتا الشركتين، ولهذا قد تنشب صراعات ناجمة عن اختلاف الثقافات وغيرها، عدم التوافق بين نظم المعلومات IT Systems المستخدمة في كلتا الشركتين، وأخيرًا عدم إمكانية إدامة عنصر ثقة المتعاملين في الشركات المدمجة، حيث إن شركات التأمين قد تكون بذلت جهودا كبيرة في بناء سمعة طيبة لخدماتها ولعلامتها التجارية على مدار سنوات على نحو يمتّن جسور الثقة بينها وبين العملاء، إلا أنه قد تندثر هذه الثقة عقب الاندماج مع كيان أكبر بما له من غلبة تجارية على الكيان الأصغر. فهذه المخاطرة يجب أن تكون مدروسة جيداً للحفاظ على هذه الثقة والتي تُعدّ من أهم أصول الشركة .
في ما يلي أهم عمليات الاندماج والاستحواذ التي تمّت خلال الفترة 2020-2021.
أوّلاً، في الولايات المتحدة التي تعرّض سوق التأمين فيها للعديد من الاثار الناتجة عن وباء كوفيد 19 مقارنة بالأسواق الأخرى، إذ ارتفع إجمالي حجم صفقات الاندماج والاستحواذ في ما بين شركات التأمين وشركات الوساطة بنسبة 40% مقارنة بعام 2021. وثمّة زيادة مستمرة في نشاط الاندماج والاستحواذ في معظم قطاعات التأمين للاستفادة من فرص السوق نظراً للدور الذي تلعبه عمليات الاندماج والاستحواذ في مساعدة المؤسسات على تحقيق أهداف النمو والربحية. كذلك، ارتفع إجمالي حجم الصفقات عبر شركات التأمين والوساطة إذ بلغ عدد الصفقات 869 صفقة مقابل 620 صفقة في العام 2020، كما ارتفعت القيمة الإجمالية للصفقات بنسبة 165 ٪ على أساس سنوي، وبذلك بلغت 57.5 مليار دولار في العام 2021 مقارنة بـــ 21.6 مليار دولار في العام 2020.
هذا في الولايات المتّحدة، أمّا في استراليا، فقد أدّى الوباء إلى انخفاض حادّ في نشاط الاندماج والاستحواذ في صناعة التأمين الأسترالية في العام 2020، ليحصل إنتعاش كبير في العام 2021 مع بلوغ قيمة الصفقات الـ 16 لعام 2021 حوالى 3.5 مليار دولار، مقارنة بثماني صفقات بقيمة إجمالية 1.1 مليار دولار في العام 2020.
تنتقل نشرة الاتّحاد المصري إلى كندا لتشير إلى أنّ صناعة التأمين فيها شهدت عددًا قليلاً من صفقات الاندماج والاستحواذ البارزة خلال عام 2021، أمّا أكبر صفقتَيْن تمّ الإعلان عنهما عام 2020 فهما استحواذ Intact Financial Corporation على شركة RSA التي أغلقت في 1 حزيران (يونيو) من العام نفسه بقيمة 3 مليار جنيه إسترليني (5.2 مليار دولار). وقد أدّى الاستحواذ إلى تعزيز مكانة شركة RSA كأحد أكبر شركات تأمين الممتلكات في كندا. أمّا الاستحواذ الثّاني فتمّ بين شركة بروكفيلد لإدارة الأصول على شركة التأمين على الرهن العقاري الكندية Genworth التي تمتلك Brookfield حصة تبلغ 57 ٪ من أسهم الشركة.
بالانتقال إلى الصين، فقد كان 2021 عامًا هادئًا لعمليات الاندماج والاستحواذ في صناعة التأمين، إذ تفوّق قطاع تأمين الممتلكات والحوادث من حيث حجم الصفقات، كما تفوّق قطاع الحياة والصحة من حيث قيمة الصفقات. وتضمّنت المعاملات المعلنة البارزة استحواذ مجموعة AIA على 25٪ من شركة China Post لتأمينات الحياة مقابل 1.8 مليار دولار أميركي، ما أتاح لهذه المجموعة من الوصول إلى قنوات توزيع شركة China Post لتأمينات الحياة وقطاعات العملاء، وزيادة تعرضها لفرص النمو في سوق التأمين على الحياة الصيني. ومن المرجح أن تزداد عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاع التأمين الصيني إذ يُعتبر سوق التأمين جذابًا لشركات التأمين متعددة الجنسيات، كما يتّضح من استثمار AIA في China Post Life ودخول شركة ERGO إلى قطاع تأمين الممتلكات والحوادث في الصين.
بالنّسبة لفرنسا، فقد استمرّت إجراءات الدعم الاقتصادي الواسعة التي تقدّمها الحكومة الفرنسية، ما سمح لشركات التأمين بمتابعة استراتيجيات الاندماج والاستحواذ. من ذلك أنّ “أكسا” أعلنت تنازلها عن شركتها في سنغافورة، ثامن أكبر شركة تأمين على الحياة في هذا البلد لصالح شركة HSBC للتأمين مقابل 575 مليون دولار وتصفية نشاطها التأميني في ماليزيا لشركة Generali مقابل 262 مليون يورو.
كذلك باعت شركة Aviva أعمالها الفرنسية لشركة Aéma (التي نشأت عن اندماج شركتي Macif وAésio، وهما شركتا تأمين تبادلي)، مقابل 3.2 مليار يورو، والتي تضمّنت مجموعة كبيرة من التأمين على الحياة والتأمين ضد المخاطر. ومع الاستحواذ على شركة Aviva، ستصبح Aéma واحدة من أفضل خمس شركات في السوق الفرنسية.
إلى ذلك، أعلنت شركة Generali في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2021 أن مفاوضات الاستحواذ على La Médicale de France دخلت حيّز التنفيذ الحصري ، وهي شركة تأمين تركّز على المهنيين في مجال الصحّة، وتقدّر أقساطها السنوية بـــ 550 مليون يورو، وترتبط بها شبكة تتكوّن من 125 وكيل تأمين.
أمّا في ألمانيا، فقد شهد قطاع التأمين الألماني نشاطًا أقلّ بكثير لعمليات الاندماج والاستحواذ في العام 2021. ولم يتمّ الاستحواذ على مجموعة تأمين ألمانية واحدة في قطاعات تأمين الممتلكات والمسؤوليات وإعادة التأمين وتأمينات الحياة والتأمين الصحي. كانت جميع عمليات الاندماج والاستحواذ البارزة لعام 2021 بمشاركة ألمانية عبارة عن معاملات من قبل مجموعات تأمين ألمانية أكبر في الخارج (منتشرة في جميع أنحاء العالم) وعمليات تصفية منفصلة. وكذلك أعلنت إحدى كبرى شركات التأمين العالمية في ألمانيا أن محفظتها الاستثمارية في مجموعة Finanzen ، وهي شركة رائدة في تقديم الخدمات المالية والتأمين، سيتمّ دمجها في وسيط التأمين الرقمي CLARK كجزء من الصفقة، وبذلك ستصبح شركة التأمين العالمية أكبر مستثمر في CLARK ، وهي واحدة من أكبر شركات InsurTech في العالم من حيث الإيرادات.
تبقى اليابان التي سجّلت صناعة التأمين فيها سلسلة من عمليات الاستحواذ على نطاق واسع في العام 2021 مع بدء البلاد في التعافي من الأثر الاقتصادي للوباء.. ومن أمثلة الصفقات الصادرة:
- استحوذت شركة Dai-Ichi لتأمينات الحياة، على شركة Westpacلتأمينات الحياة.
- استحوذت شركة طوكيو مارين القابضة على شركةReliance Standard Security لتأمينات الحياة.
- استحوذت طوكيو مارين أيضًا على XS3 Seguros S.A.، وهي شركة تابعة لشركة Caixa Holding Securitaria S..
ومن المتوقّع أن يستمر نشاط الاندماج والاستحواذ في قطاع التأمين في اليابان في مساره التصاعدي. كذلك تسعى شركات التأمين اليابانية إلى تحقيق نجاحات في مجال نشاط تكنولوجيا التأمين في كل من الأسواق الأجنبية والمحلية.
فكيف يعلّق الاتّحاد المصري على شركات التأمين على استراتيجيّة الاندماج والاستحواذ؟
يقول: لقد أدّت التطورات الاقتصادية والتجارية التي ترتبط بنشاط شركات التأمين، وانعكاس آثارها التي قد تمسّ وجود تلك الشركات نفسها أو تتطلب إعادة هيكلتها للتأقلم مع آثار وتغيرات ظروف المنافسة حفاظاً على حصصها وأرباحها في السوق العاملة فيه، إلى اللجوء إلى عمليات الاندماج والاستحواذ كأحد الاتجاهات العالمية في سوق التأمين.
ويحرص الاتحاد المصري للتأمين على إطلاع السوق المصري على أحدث المستجدات والاتجاهات العالمية في ما يتعلق بصناعة التأمين.