باخرة محملة بضائع، فهل هي مستوفية الشروط تمامًا؟
“الاحتيال في التأمين البحري” هو الموضوع الجديد الذي تناولته النشرة ذات الرقم 262 الصادرة عن الاتّحاد المصري للتأمين. وكما في النشرات السابقة، فإنّ القيّمين عليها، أحاطوا هذا الموضوع بالاهتمام الذي يستحقّ بدليل معالجته من جميع الجوانب وبإسهاب.
ونفهم من الخاتمة التي أنهى به الاتّحاد نشرته لهذا الأسبوع، أنّ سبب اختيار هذه القضيّة للحديث عنها، هو لإمداد قطاعَيْ التأمين المصري والعربي بأحدث المستجدّات والتطوّرات التي تطرأ على هذه الصّناعة أو الصّناعات المرتبطة بها على مستوى العالم، خصوصًا أنّ فرع التأمين البحري هو برنامج رئيسي، ولا بدّ من إلقاء الضوء على أحد المشاكل التي تواجهه وهو الاحتيال في التأمين البحري وأفضل السُبُل لمواجهته، لأنّ هذه المواجهة ستنعكس إيجابًا لجهة تقليل الخسائر. وكشفت النشرة أنّ الاتّحاد المصري، ولمكافحة الاحتيال، أسّس منصّة لتسجيل المطالبات والسلوكيّات الاحتياليّة، باعتبارها قاعدة بيانات مجمّعة للمطالبات الاحتياليّة لمساعدة الشركات على اكتشاف ومنع الاحتيال والتي يجري حاليًا تطويرها وتوسيع نطاقها لمواكبة التطوّرات الحديثة ونمو سوق التأمين المصري.
والاحتيال، على ما تذكر النشرة، ظاهرة قديمة قِدَم التأمين ذاته. وبما أنّ التأمين البحري هو أقدم البرامج، فيمكن الإستنتاج أن الاحتيال البحري هو الأقدم، تاريخياً على الأقلّ، بدليل أن أول حالة من هذا النوع قد تمّ رصدها في العام 360 ق.م، عندما قام مالك السفينةHetestratos ويُدعي Xenothemis، بإيهام أحد التجار، أنها محمّلة بالقمح، فقام الأخير بتحويل مبلغ من المال لشراء الحمولة لتسلّمها في ميناء Siracusa بعدما تمّ التأمين عليها بموجب عقد مشارطة قرض بحري Bottomry contract (الشكل القديم لعقد التأمين). وبعد ثلاثة أيام، حاول ربان السفينة إغراقها لولا تصدّي طاقمها لهذه المحاولة.
![](http://taminwamasaref.com/wp-content/uploads/2022/11/باخرة-تحترق..-هل-الحريق-مُفتعل؟.jpg)
كذلك، تمّ رصد بعض حالات الاحتيال التأميني البحري في العصور الوسطى، اذ قام ربان إحدى السفن بشراء مشارطة قرض بحري بضعف قيمة السفينة على أساس أنها محمّلة بالزيت، وكانت محمّلة ببراميل من الشحم الحيواني ومغطاة بطبقة من الزيت فقط، وتمّ إغراق السفينة أمام السواحل الفرنسية، بعد تقديم رشىً لأفراد الطاقم للشهادة زورًا أمام المحكمة.
وفي العصر الحديث، أصبح الاحتيال البحري التأميني ظاهرة معقّدة. ففي الوقت الذي ساعد التقدّم التكنولوجي فيه على اكتشاف ومكافحة أنواع من الاحتيال، ساهم في ظهور أنواع أخرى أيضاً مثل قرصنة الحاسبات الآلية، وأنظمة مرور السفن وغيرها من التقنيات المستخدمة في الملاحة الحديثة، حتى أن الذراع البحثي لأحد أشهر وأعرق نوادي الحماية والتعويض وأعرقهاSkuld P&I قد وصف نمو ظاهرة الاحتيال البحري بالنمو الحاد والمتطوّر بسبب ابتكار العديد من الأساليب الاحتيالية التي لم تكن معروفة سابقاً.
والسؤال المطروح: ما هو تعريف الاحتيال البحري التأميني؟
بحسب المكتب البحري الدولي International Maritime Bureau، فإنّ قيام أي طرف من الأطراف المشتركة في صفقة تجارية منقولة بحراً، وحصوله بشكل غير عادل أو قانوني على أموال أو سلع من طرف آخر، يكون قد أخلّ بإلتزاماته.
وثمة أشكالات للإحتيال البحري، منها:
– إبرام عقد تأمين بحري أو تعديله بناء على بيانات خاطئة أو إخفاء بيانات.
– الإيهام بأن عقد التأمين البحري ينطوي على منافع غير حقيقة.
– تضخيم قيمة مطالبة حقيقية أو مطالبة تتعلق بحادث وهمي.
– تقديم مطالبة تتعلق بحادث عمدي مدبّر.
– الحصول على أي منافع من عقد التأمين دون وجه حق.
– التواطؤ مع أي طرف من أطراف الصفقة التجارية أو الرحلة البحرية في الحصول على أي منافع بشكل غير قانوني او غير عادل.
ووفقا لنموذج (Wolfe and Hermanson, 2004)والذي عُرِف بالنموذج رباعي الأضلاع، يمكن فهم عملية الاحتيال من خلال أربعة أركان رئيسة هي:
- فرصة Opportunity، وتتمثل في نقاط ضعف يمكن للمحتالين استغلالها مثل ضعف الرقابة، إساءة استخدام السلطة، عدم تحديد المسؤوليات بدقة.
- حافز أو ضغوط Incentive or Pressure، وهي مجموعة من الدوافع نحو الاحتيال مثل الديون الشخصية، الضغوط المالية، الميول والعادات الشخصية، والرغبة في تكوين ثروة.
- التبريرRationalization ، ويشمل أفكاراً مثل “التعويض التأميني غير العادل”، “القسط المسدّد غير العادل”، “الجميع يفعل ذلك”، “لم أستفِد من التأمين لمدة طويلة”، “مرتبي لا يناسب عملي”…الخ…
- القدرةCapacity ، ويُقصد بها المعارف والخبرات التي يستخدمها المحتالون، السلطة والمنصب، الذكاء والقدرة على الابتكار.
وثمة أنواع من الاحتيال البحري، استعرضتها النشرة، منها:
– الاحتيال المستندي Documentary Fraud، ويُقصد به عمليات الاحتيال التي تتّم عن طريق تزوير المستندات الخاصة بالشحن مثل الفواتير وشهادات المنشأ وسندات الشحن أو المستندات الجمركية لمحاولة الاستفادة غير المشروعة من الاختلاف بين الحقائق والإثباتات المستندية.
ووفقاً للمكتب البحري الدولي، أمكن تحديد أهم أشكال الاحتيال المستندي على النحو التالي:
– بضائع وهمية على متن سفينة وهمية.
– بضائع وهمية على سفينة حقيقية لكنها لم تشحن هذه البضائع أصلاً.
– سفن ذات هوية وأسم منتحل Ghost Ship.
– استخدام تاريخ شحن خاطئ للإيهام بأن البضائع شُحنت في غضون فترة العقد لتلبية متطلبات الاعتماد المستندي.
– شحن بضائع تالفة واستصدار سند شحن نظيف مقابل إصدار الشاحن خطاب ضمان للناقل يتعهد فيه بعدم مطالبة الناقل بأي تلفيات في البضائع.
– تقديم المشتري سند شحن مزوّراً إلى الناقل لتسلّم البضائع دون دفع ثمنها للبنك الذي يحتجز أصول مستندات الشحن.
– إصدار مجموعتين من سندات الشحن للبضائع ذاتها لاستخدام أحدها بشكل احتيالي.
– استخدام اعتمادات مستنديه مزوّرة للاحتيال على البنك بالاتفاق بين المستورد والمصدر.
– استصدار فواتير أو مستندات بقِيَم خاطئة لتقليل قيمة الضريبة الجمركية.
– استصدار فواتير بوصف خاطئ للبضائع للتحايل على قوانين حظر بعض السلع أو الحصول على دعم حكومي.
– وهناك أيضًا الاحتيال المتعلق بمشارطات الإيجار Charter party Fraud، عن طريق التواطؤ بين المالك والمستأجر قبل اصطحاب البضائع. وقد نبّه المكتب البحري الدولي إلى تنامي هذا النوع من الاحتيال، اذ رصدت حالات لمستأجرين بموجب مشارطة تأجير لرحلة Voyage Charter Party لم يقوموا بتوريدها لملاك السفينة الذين رفضوا بدورهم تسليم البضائع التي كانت عبارة عن شحنة ضخمة من المواد الخاصة بمشروعات بنية أساسية منقولة من إحدى موانئ البحر الأسود إلي جنوب شرق آسيا.
– وثمة احتيال يتجسّد بالانحراف عن المسار وبيع الحمولة Deviation and Disposal of Cargoes. ويحدث هذا النوع من الاحتيال مقترناً بسرقة البضاعة وبيعها بطريق غير مشروع. وغالباً ما يرتبط هذا الاحتيال بإغراق السفينة Scuttling أو إحراقها عمداً Arson وهو ما يُعرف باحتيال “Rust Bucket”.
وإلى هذه الأنواع، هناك طُرُق احتياليّة عدّة يمكن الاطّلاع عليها بالدخول إلى موقع الاتحاد المصري، كما أنّ هناك معلومات لا تهمّ إلاّ أصحاب الشأن ولهذا، ارتأينا، لضيق المجال، استبعادها عن هذا الملخّص الذي يُعطي فكرة عن الاحتيال في فرع التأمين لا الغَوْص في شؤونه وشجونه، وخصوصًا أنّ قراءة البحث والتعمّق به متوافران…