الأرض تحترق وشركات الإعادة تنوء تحت الخسائر
نشرة “الإتحاد المصري للتأمين” ذات الرقم 284، خُصّصت لعراض وتحليل تقرير أعدّته شركة Gallagher Re عن النتائج المالية لشركات إعادة التأمين العالمية خلال العام 2022، إضافة إلى نظرة عامة على تجديدات إعادة التأمين عالمياً في كانون الثاني (يناير) 2023. وقد بيّن التقرير المذكور أن النِسَب المركبة Combination Ratio ، ظلّت بشكل عام قوية في العام 2022 مع انخفاض عوائد الاستثمارات، ما أدّى الى انخفاض العائد على حقوق الملكية وكذلك حقوق المساهمينReturn on Equity.
في ما خصّ النتائج المالية لشركات إعادة التأمين عالمياً للعام 2022، نقرأ ما يلي:
– بلغ متوسط نمو الأقساط على أساس سنوي 12.1٪ للعام المالي 2022 ، مصاحِباً ارتفاع في أسعار الفروع التأمينية التجارية وأعمال إعادة التأمين.
– انخفاض متوسط النسبة المركبة بشكل طفيف إلى 95.7٪ مقارنة بعام 2021 الذي بلغت فيه 94.7٪. ويرجع سبب هذا الإنخفاض إلى الزيادة الناتجة في معدل الخسارة الناتج عن التضخم.
– أثرّت خسائر الاستثمار على متوسط العائد على حقوق الملكية خلال العام، والذي انخفض إلى 10٪، مقارنة بـ 12،6% في العام 2021.
– انخفضت حقوق المساهمين بمتوسط 27٪ ويعود هذا الإنخفاض الى الخسائر غير المحقّقة من الاستثمارات، وكذلك انخفاض عائد رأس المال.
– على رغم انخفاض حقوق المساهمين، ظلّت الملاءة الأوروبية قوية عند 235٪، مقارنة بـ 225% في عام 2021 ويعود السبب الى ارتفاع معدلات الفائدة الثابتة والأرباح المحتجزة.
– كما ظلّ تقدير متوسط ربحية السهم لعام 2023 دون تغيير تقريبًا بعد نتائج السنة المالية 2022.
لم تكتفِ النشرة في استعراض هذه النقاط، بل ذهبت الى تحليل اتجاهات الأسعار عام 2022، استناداً الى تقرير Gallagher Re الذي أوضح ان متوسط نمو إجمالي أقساط تأمين الممتلكات والمسؤوليات بلغ نسبة 12.1٪ للعام السابق، و10.2٪ للربع الرابع منه، مع وجود زيادة قوية في السنة المالية ايّاها اتت من شركات إعادة التأمين العالمية بنسبة (+ 16.7٪). وقد بلغ معدل التضخّم أعلى مستوى له في العام 2023، مقارنة بآخر 40 عاماً في العديد من الاقتصادات العالمية، ولا يزال يؤثر في اتجاهات الاقساط في التأمين. وقد أبلغت الشركات المشاركة في التقرير، عن زيادة في الأقساط على أساس سنوي عدا احدى الشركات. من ذلك أنّ 16 شركة من أصل 26 مشمولة في الدراسة، أبلغت عن زيادة معدل النمو في أقساطها، منها خمس ارتفع معدّل النمو عندها الى ما يزيد عن 20٪. وقد واصلت هذه الشركات محاولاتها من أجل زيادة الأسعار تحسباً للاقتصاد المتقلّب وتضخم الاسعار.
ومن الجدير بالذكر هنا، تابعت نشرة الإتحاد المصري، ان هناك اتجاهاً عاماً باستمرار نمو أقساط التأمين بقوة طوال العام 2023، استناداً الى التوقعات…
وفي تحليل إتجاهات نتائج الاكتتاب خلال العام الفائت، أبلغت الشركات التي زوّدت Gallagher Re بالمعلومات عن متوسط نسبة مركبة تساوي 95.7٪ للسنة المالية 2022، بينما وصل متوسط النسبة المركبة في السنة المالية السابقة الى 94.7٪، بسبب ارتفاع معدل التضخم. وقد أسفر تحليل اتجاه معدلات الخسائر الطبيعية باستبعاد الخسائر الجسيمة attritional losses، عن ارتفاع طفيف في النسبة المركبة للربع الرابع من 2022، إلى 93.2٪ ،مقارنة بنسبة 93.0٪ في الربع الرابع من 2021. وقد سجلّت “هانوفر ري” انخفاضاً عن النسبة السوقية بمقدار 4% عن الربع الرابع 2021. ولقد تبيّن أنّ اثر التضخّم هذا العام كان اكبر، مقارنة بالعام السابق، ما أدّى الى تدهور نسبة معدّل الخسارة في 12 مقارنة بـــ 9 شركات في 2021.
وبالنسبة لتأثر العائد على حقوق الملكية بتغيّرات أسواق الأسهم، فقد تبيّن انخفاض متوسط هذا العائد إلى 10٪ في السنة المالية 2022، مقارنة بالسنة المالية 2021 التي سجّلت 12،6% ، ويُعزي السبب إلى انخفاض قيمة الاستثمار غير المحقّق نتيجة انخفاض أسواق الأسهم . وقد كان هذا هو المحرك الرئيسي في الانخفاض الملحوظ في العائد على حقوق حَمَلة الاسهم قبل الارتفاع الملحوظ الاستثنائي في شركتي Cincinnati وMarkel بنسبة 18،5 و 21.8% تواليًا. كذلك، ساهمت خسائر الكوارث الطبيعية في انخفاض العائد على حقوق حَمَلة الاسهم لشركات التأمين اليابانية الكبرى. كما شهدت شركة AIG أعلى عائد على حقوق حملة الاسهم بنسبة 21% للسنة المالية 2022، بارتفاع ملحوظ عن الفترة السابقة جرّاء انخفاض النسبة المركبة وارتفاع أرباح الاستثمار.
الى ذلك، انخفضت حقوق حَمَلة الاسهم بمتوسط 27٪ في السنة المالية 2022. وفي هذا المجال، شهدت أوروبا، بمفردها، انخفاضاً بمعدل (-36٪) في حين تعرّضت “غلوبال” لإعادة التأمين لأكبر انخفاض بمعدل (-33%)، وذلك بسبب الخسائر غير المحقّقة في المحافظ الاستثمارية للشركات والتي نتجت عن ارتفاع أسعار الفائدة، رغم آثاره الإيجابية على الملاءة المالية، كما سبقت الإشارة اليه، فضلاً عن الركود الاقتصادي، وهو ما أدّى إلى انخفاض القيمة السوقية للسندات والأسهم المملوكة لشركات التأمين وإعادة التأمين.
وعلى مدار عام 2022، كان الانخفاض الاكبر في حقوق حَمَلَة الاسهم خلال الأشهر التسع الأولى، لاسيما في الربعَيْن الثاني والثالث من العام.
وتنتقل نشرة الإتحاد المصري في تحقيقها الى الاتجاهات العامة في تجديدات إعادة التأمين لعام 2023 الحالي. وفي هذا الصدد ذكرت أن تجديدات إعادة التأمين للعام الحالي كانت من أكثر تجديدات السنوات السابقة رغم التحديات المعقّدة التي فرضتها الظروف الاقتصادية العالمية على أسواق إعادة التأمين. ان تجديد الإتفاقيات تمتّ في كانون الثاني (يناير) 2023 في ظلّ الظروف الصعبة بسبب الزيادات الحادة في الأسعار وانكماش الطاقة الإكتتابية المتاحة، ومع ذلك، كان هناك فائق طلب Excess of demand على أسواق إعادة التأمين، ما ضغط على أسعار الأقساط التي تدفعها شركات تأمين مباشر، ما اضطرها الى تعديل استراتيجياتها في إعادة التأمين، بالإضافة الى الاعتماد على الطرق البديلة لإعادة التأمين التقليدية لنقل المخاطر.
فما هي الصعوبات التي واجهت تجديدات العقود؟ عن هذا السؤال تردّ النشرة بالقول: لقد كان تجديدات كانون الثاني (يناير) 2023 معقّدة لجميع الأطراف لشركات التأمين والوسطاء وللمعيدين، الى درجة أن العديد من المقالات أشارت الى ان هذا التجديد كان غير مسبوق أو على الأقل لم يحصل لعدّة عقود مَضَت. ووفقًا لـ Standard & Poors، فمن المرجح أن تستمر اتجاهات الأسعار في الزيادة مع استمرار السوق غير التنافسية Hard Market. في ما يلي بعض هذه الصعوبات:
1– زيادة الظواهر المناخية والخسائر الكارثية. يُعدّ تغيّر المناخ وزيادة الظواهر الجوية السبَبَيْن الأكثر تأثيراً وما نتج عنهما من كوارث طبيعية. فعلى سبيل المثال، تشرح Swiss Re كيف تسبّبت الخسائر المؤّمن عليها من البَرَد الحاد في فرنسا في العام 2022 ، في قيام السوق بمراجعة تقديره لهذا الخطر، وبالتالي تعديل التسعير.
2– التضخم. من المهم النظر في العوامل الاقتصادية والجيوسياسية Geopolitical مثل ارتفاع التضخم والحرب الروسية الأوكرانية لما لهما من تأثير في الاقتصاد العالمي. فإذا أخذنا العقارات كمثال، فإن التضخم يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إعادة البناء بشكل ملحوظ وتكلفة المطالبات على هذا الفرع تعتمد بشكل أساسي على تكاليف إعادة البناء مما يؤثر على سعر إعادة التأمين.
3- ارتفاع أسعار إعادة التأمين. لم تكن الزيادات في الأسعار هي الخطر الوحيد الذي يواجه المشترين في هذا التجديد. فقد كان التحدّي الاكبر في العثور على طاقة إكتتابية كافية لحماية السعة الاستيعابية لبعض شركات التأمين، حيث انسحب بعض معيدي التأمين من عدة أسواق أو قيّدوا رغبتهم في تحمل المخاطر Risk Appetite ، على رغم ارتفاع الاسعار المعروضة.
من هنا، فقد كانت نتيجة كلّ هذه العوامل المتزامنة، وصول السوق الى حالة عدم التنافسية Hard Market.ويُجسّد الأمر بشكل خاص بانخفاض رأس المال الذي تمّ ضخّه في سوق إعادة التأمين العالمي. وفي هذا الصدد، قدرّت Aon انخفاض رأس المال بنسبة 17٪. وهكذا، كان معيدو التأمين في موقع قوة وأكثر قدرة على فرض شروطهم في تجديدات الاتفاقيات، وذلك بسبب بُعدَيْن رئيسيَيْن:
1- الأسعار التي ارتفعت بالتزامن ذلك مع تأخر رد معيدي التأمين على شركات التأمين المباشر والوسطاء في ما يخصّ الشروط والتسعير، وما يحدّ الوقت المتاح للتفاوض، مع وجود فترة صلاحية قصيرة جدًا للعروض المقدمة من معيدي التأمين.
2- شروط الاتفاقيات، وفي هذا المجال لا بدّ من الإشارة الى أن شركات إعادة التأمين، استحوذت على المفاوضات من خلال تحقيق ربحية أفضل. وهكذا اضطرت شركات التأمين ووسطاء إعادة التأمين إلى التكيّف مع الوضع القائم والقبول بشروط متشددة وأسعار مرتفعة.
وتوضح تصريحات بعض كبار معيدي التأمين تلك الاتجاهات السابق تحليلها، وهذه هي:
1- Hannover Re صرّحت بأن متوسط الزيادة في الأسعار بلغت نسبة 8٪ في تجديدات اتفاقيات إعادة التأمين، بعد حالة التضخّم العالمية. وبهذا الصدد، صرح الرئيس التنفيذي للشركة بأنه “تم اتخاذ بعض القرارات المهمة بشأن توجيه المحفظة من أجل الاستجابة لتحديات السوق”.
2- Gallagher Re أعلنت ارتفاع أسعار تأمين الطيران بنسبة تصل إلى 200٪ في بعض أعمال الإعادة بسبب المعارك القانونية المستمرة والخاصة بمطالبات تبلغ 13 مليار دولار من الخسائر للطائرات التي احتجزت في روسيا ولم تتمكّن من مغادرة المجال الجوي الروسي منذ حرب روسيا مع أوكرانيا.
3- احد القادة المسؤولين بشركة Swiss Re ، أدلى بالاتي : “قبل التجديدات واستجابة للتحديات القوية، تمّت مراجعة صياغة وثائق إعادة التأمين، بالإضافة الى الأسعار أثناء تجديد 1/1 لعام 2023”. “وعلى رغم أن العديد من العملاء كانوا قادرين على إتمام برامج إعادة التأمين في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، إلا أن فترة التجديدات كانت غير مؤكدة للغاية حتى النهاية، وبطبيعة الحال، تسبّب هذا التأخير في ضائقة لشركات التأمين والوسطاء لأنهم لم يعرفوا ما إذا كان بإمكانهم إكمال توزيع المخاطر ام لا”.
4- ديفيد فلاندرو، رئيس قسم التحليلات في شبكة Howden، صرح قائلاً: “أن قطاع إعادة التأمين يعاني خسارة متزايدة، بالإضافة الى ارتفاع أسعار الفائدة وتقلّب أسعار الأصول. آخر مرة رأينا فيها هذا المستوى من اختلال رأس المال، كانت خلال الأزمة المالية العالمية 2008 و 2009. وفي الوقت نفسه، يشهد القطاع زيادة هي الأكثر حدّة في الأسعار منذ الفترة 2001 الى 2006، إن لم يكن قبل ذلك “. اضاف “أدى الطلب القويّ على حدود إضافية لمواجهة التضخم، إلى ايجاد بيئة مليئة بالتحديات لشركات التأمين والتي أدّت إلى شروط أكثر صرامة وزيادة كبيرة في الأسعار (بزيادة 30٪ في المتوسط)، ولكن أعلى بشكل ملحوظ بالنسبة للبرامج المتأثرة بالخسارة”.
وفي نهاية هذا التقرير، وكما هي العادة، عرضت النشرة رأي الإتحاد بما نُشر، انطلاقاً من أن شركات إعادة التأمين العالمية تتعاون معها شركات التأمين بالسوق المصري، ومن هنا، كان لا بدّ من أن يُسلّط الإتحاد الضوء على تلك النتائج واهم المعدلات، بعد الازمات الاقتصادية العالمية في الفترة الأخيرة، ما قد يساعد تلك الشركات (المصرية وغير المصريّة)، في تحديد شركات الإعادة التي قد تعتمد عليها في اتفاقيات إعادة التأمين الخاصة بها ونسب توزيع الاخطار، للإفادة منها..