قفران النحل
على رغم أنها مهمّة معقّدة تتطلّب معرفة واسعة ومهارة مكتسبة، الا أن الملايين من المزارعين يبذلون جهداً ويصرفون وقتاً لتربية النحل ورعاية هذه الحشرة لبيع عسله. لكن ما يُفكّر به المزارع البسيط وهو العائدات من تصريف العسل، يرقى اهتمام الدولة والمؤسسات المعنية الى ما يفوق هذه الفائدة المادية. فالنحل يلعب دوراً رئيساً في حماية التنوّع البيولوجي، وضمان بقاء النباتات وتكاثرها، ودعم تجديد الغابات، وتعزيز الاستدامة والتكيّف مع تغير المناخ، وتحسين كمية الإنتاج الزراعي وجودته.
من هنا الإهتمام بمزارع النحل، وبخاصة أن هذه الصناعة معرّضة للعديد من المخاطر، وأهمّها لتغيّر المناخ الذي يهدّد أيضاً قفران النحل بالإبادة. ففي بعض الأماكن، تسبّبت درجات الحرارة القصوى والفيضانات والجفاف وغيرها من المخاطر المناخية في قتل الآلاف من هذه الحشرة بحيث انخفض عددها وتالياً تراجع مخزون العسل منذ العام 2015، بمعدل 30% سنوياً في بعض الأماكن، لذلك يلعب التأمين على النحل دوراً بالغ الأهمية في توفير الحماية المتكاملة لها، وكذلك حماية مربوها كما الغفران من التلف، اضافة الى تأمين المسؤولية عن المنتج، والمسؤولية عن الإصابة.
الإتحاد المصري للتأمين، وكما عوّدنا في نشراته الأسبوعية، تناول في الأخيرة منها، نماذج التأمين المكبقة دولياً لحماية هذه الحشرات.
تبدأ النشرة بالقول: عند التعامل مع مئات أو آلاف النحل، فإنه من المتوقّع أن ينتج عن ذلك العديد من المخاطر، التي من الممكن أن تتسبّب بحدوث إصابات غير متوقّعة أو ظهور عيوب في منتجات العسل. وهنا يلعب التأمين دوراً في مساعدة المربّين لها في التخفيف من آثار تلك المخاطر، لذلك قامت شركات تأمين بتصميم منتجات مخصّصة لمؤسسات تربية النحل، علماً أنها في العادة لا ترحب بتقديم هذا المنتج للأشخاص الذين يقومون بتربية النحل في حديقة منازلهم، بل يكشفون بتقديم تغطيات محدودة للإصابات غير المتوقعة مرة واحدة فقط، لكنهم قد لا يغطون الحوادث المستقبلية بسبب المخاطر العالية صعبة التنبوء. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغطيات هذه الشركات ليست شاملة بحيث لا تغطي مسؤولية المنتج أو أنشطة تربية النحل بأكملها.
فما هي هذه التغطيات التأمينية؟ جواباً عن هذا السؤال، تقول نشرة الإتحاد المصري أن تغطية النحل يوفّر خيارات تغطية لأنشطة تربية النحل أكثر من التي يقدّمها للأشخاص الذين يقومون بتربية النحل في حديقة منازلهم، اذ يضمن الالتزامات المتعلقة بالإصابات والأضرار التي تُلحق بالنحل وخلايا النحل. كما أنه يغطي المسؤولية اللازمة لبيع المنتجات في الأسواق والمعارض الحِرفية والمسؤولية عن المنتجات المباعة.
ومن أجل ذلك، تمّ إنشاء اتحاد لتأمين مربي النحل بالولايات المتحدة والذي يضم شركات تأمين متخصّصة للمربين وفر لهم خصماً على قسط التأمين، علماً أنها تتميز عن شركات التأمين الأخرى التي تصنف تربية النحل ضمن التأمين الزراعي أو تأمين المحاصيل، والتي لا تحمي مربي النحل بشكل كامل. وتغطي تلك الشركات خطر حدوث انخفاض في هطول الأمطار يؤثر على الأنشطة، بالإضافة إلى تأمين مسؤولية المنتج، وتأمين المسؤولية العامة، والتأمين على الممتلكات التجارية. تُعدّ شركتا BeeInsure وBeekeeping Insurance Services من أهم شركات التأمين المتخصّصة في تأمين النحل في الولايات المتحدة.
بالإنتقال الى نماذج من البرامج التأمينية المعتمدة، تذكر نشرة الإتحاد المصري، برامج لوزارة الزراعة في الولايات المتحدة وهدفه حماية مزارعي النحل وتربية النحل وهذا البرنامج الذي أطلق عليه اسم برنامج “التأمين التجريبي لتربية النحل” والتابع لوكالة إدارة المخاطر، يوفّر شبكة أمان لحماية مصادر الدخل الأولية لمرّبي نحل العسل. ذلك أن أنظمة تربية النحل تتطلب أنواعاً مختلفة من النباتات أو المحاصيل، وغالباً ما تحتوي على مزيج من أنواع مختلفة من الزهور، لكل منها مواسم نمو مختلفة، بالإضافة إلى وجود متطلبات مناخية مثل مستوى هطول الأمطار، وبعض الظروف الأخرى الضرورية للحفاظ على نمو النبات على مدى فترات طويلة من الزمن. لذلك تمّ تصميم هذا البرنامج لتوفير أقصى قدر من المرونة لتغطية المخاطر التي قد تؤثر في هذه العوامل. ويعتمد هذا البرنامج على بيانات مؤشر هطول الأمطار الواردة عن مركز التنبؤ بالمناخ التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA CPC). ويتمّ تطبيق هذا البرنامج في 48 ولاية متجاورة باستثناء الولايات التي تعبر الحدود الدولية.
أما قسط التأمين لهذا البرنامج فيعتمد على اختيار مستوى التغطية (عادة ماتكون بين 70 إلى 90%) وفترة قراءة المؤشر وعامل الإنتاجية. وتمثل فترة قراءة بيانات هذا المؤشر، حوالى شهرين وتساوي (مستوى التغطية x مؤشر قراءة الشبكة المتوقع)، وفي حال وجود اختلاف في قراءته عن قراءة المؤشر المتوقعة، يتمّ صرف التعويض، اذ تستند تعويضات التأمين على نقص هطول الأمطار بدلاً من موت النحل أو انهيار الخلية.
وتُعد آليه التوزيع الأكثر انتشاراً لهذا النوع من التأمين عن طريق وسطاء متخصصين بالتأمين الزراعي، وردت أسماؤهم في جميع مراكز خدمة وزارة الزراعة الأميركية وعلى بعض المواقع الالكترونية الخاصة بمنظمات إدراة الخطر. الى ذلك، تقدّم وزارة الزراعة الأميركية (USDA) برامج لإدارة تلك المخاطر، وقد يكون بعضها من نوع متناهي الصغر مناسب للعديد من عمليات تربية النحل بإيرادات تصل إلى 350 ألف دولار. ويمكن هذا البرنامج المدعوم، ان يساعد صغار مزارعي النحل على التخفيف من آثار المخاطر، خاصة في الحوادث التي يمكن أن تؤثر فيها ظروف الطقس أو تقلّبات السوق على الإنتاج والإيرادات. فكيف ذلك؟
ان البرنامج المشار اليه، يحمي المزارعين من خسائر الإيرادات الناتجة عن أسباب طبيعية لا يمكن تجنبها أو انخفاض أسعار السوق المحلية. على سبيل المثال، فقد يكون مزارعو النحل الذين يفقدون الإنتاج والإيرادات بسبب الجفاف أو تُطرّف أحوال الطقس أو هطول الأمطار الغزيرة مؤهلين للإبلاغ عن مطالبة، كما بإمكانهم الإبلاغ عن مطالبة في حالة فقد الإيراد بسبب آفات وأمراض نحل العسل إذا تمكنوا من إثبات أنهم اتخذوا الخطوات الصحيحة لإدارة المشكلة. ويستثنى من التأمين الخسائر الناجمة عن تعطل المعدات أو التخريب أو التعرّض لمبيدات الآفات.
ان يسمح البرنامج أيضاً لجميع ممتلكات المزرعة بأن تكون تحت وثيقة تأمين واحدة، بالإضافة إلى القيمة المضافة من أنشطة ما بعد الإنتاج مثل التعبئة والتغليف. على سبيل المثال، يمكن التأمين على العسل بسعر بيعه في السوق، وليس فقط بسعر العسل بالجملة بعد استخراجه. يمكن أيضاً التأمين على عائدات مبيعات منتجات العسل، مثل الأدوية والشموع أو مرطب الشفاه أو المستحضرات التجميلية.
ان هذا البرنامج لا يزال في مرحلته التجريبية، ومن هنا وصفه بالبرنامج التجريبي، اذ يُمكن أن يتغير في السنوات المقبلة، مع وصول الأنشطة المعتمدة التي تصل إيرادتها إلى 350 ألف دولار كحد أقصى، مؤهلة لدخول البرنامج، علماً أن الحد الأقصى لهذه الإيرادات في العام الماضي وصلت الى 250 ألف دولار.
وللإنخراط بهذا البرنامج لا بدّ من اتخاذ عدة خطوات الأولى: قراءة الكتيب الخاص بالبرنامج لمراجعة الشروط. الثانية: استخدام أداة تحديد موقع وسيط وزارة الزراعة الأميركية (USDA RMA) للعثور على شخص مرخّص له من وزارة الزراعة لتحديد أهلية المزارع وجمع المستندات المطلوبة لتقديم طلب التأمين. الثالثة: تحديد موعد مع الوسيط لتقديم طلب التأمين قبل الموعد المحدد للتقديم خلال العام وانتظار عروض الأسعار.
أما الأخطار التي تتعرض لها مزارع النحل، فيمكن ذكرها على هذا النحو: الأمراض، الطفيليات، تعرض النحل للمبيدات الحشرية، النقل لمسافات طويلة للمستعمرات، انخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء، موارد الأزهار محدودة وتقلبات أسعار سوق العسل.
الى ما تقدّم، يُمكن القول ان للنحل دوراً في تحقيق أهداف الإستدامة، كيف؟
لقد تمّ تصميم أهداف الأمم المتحدة الـ 17 للتنمية المستدامة (SDGs) لتحقيق التوزان بين رفاهية الإنسان والحفاظ على الموارد البيئية بحلول عام 2030. ومع ذلك، لا يزال الحفاظ على التنوّع البيولوجي يمثل تحدياً عالمياً مستمراً. ورغم ذلك، يمكن مجموعة معينة من الحشرات كالنحل أن تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، اذ أنه يحيّل دوراً بيئياً مهماً كملّقحات لمجموعة كبيرة من أنواع النباتات المزهّرة. وعلى رغم أن النحل ليس المجموعة الأكثر تنوّعًا من الملقحات، إلا أنها المجموعة التصنيفية الأكثر شيوعًا بين الملقحات، ذلك أن النحل قدرة على نقل أعداد كبيرة من حبوب اللقاح على أجسامها، والاعتماد على موارد الأزهار، وبذلك، فهو أداة مهمة جداً وفعاّلة في حصول التلقيحات. وفي هذا المجال، يذكر أن من الخصائص التي تجعل للنحل هذا الدور هو اعتماد البشر على خمسين نوعاً من هذا النحل، بينها 12 نوعاً يتم الاعتماد عليه لتلقيح المحاصيل الزراعية، فمن بين 100 نوع من المحاصيل التي توفر 90% من غذاء العالم، يتمّ تلقيح أكثر من 70 نوعاً بواسطة النحل.
يُذكر أخيرًا أن المقر الرئيسي لمنظمة الأغذية والزراعة FAO احتفلت في 19 أيار (مايو)، فرصة للتوعية بأهمية اعتماد ممارسات تراعي التلقيحات من أجل حماية النحل والمساهمة في الوقت نفسه في قدرة النظم الزراعية والغذائية على الصمود واستدامتها وكفاءتها وبدا الإحتفال بهذا اليوم منذ العام 2018. أما لماذا وقع الاختيار على هذا التاريخ، فلأنه يصادف تاريخ ولادة السيد Anton Janša وهو مربّي نحل من سلوفينيا ورائد في مجال تربية النحل الحديثة. وكان ترعرع في عائلة من مربّي النحل في سلوفينيا تشكّل تربية النحل عندهم نشاطًا زراعياً مهماً.
يبقى رأي الاتحاد المصري للتأمين في هذا الموضوع، وبهذا الصدد يقول: يُعدّ النحل من أهم ثروات مصر حيث تستحوذ علي أكثر من 25% من صادرات النحل في العالم، وقد بلغت ثروتها من خلايا النحل مليونَيْ خلية سنويا. ونحن نسعى كإتحاد إلى دعم وتطوير سوق التأمين المصري وذلك بمحاولة إطلاع السوق على المستجدات العالمية والاتجاهات العالمية الحديثة فيما يتعلق بالمنتجات التأمينية، الحديثة غير المألوفة في جميع أنحاء العالم والتي من الممكن أن يتمّ تطبيق بعضها في السوق المصري ما يمثل عامل جذب مهمّ لبعض انواع العملاء، وانطلاقا من إيمان بعض شركات التأمين بأنه يجب الاستجابة لطلبات العميل وموافاته بالتغطية التي تلائم احتياجاته. هذا بالإضافة الي الدور الذي يقوم به الاتحاد المصري للتأمين في زيادة الوعي التأميني للعاملين بهذا القطاع وتشجيعهم نحو سلوك نفس المنهج العالمي في عملية الابتكار وتقديم التغطيات التأمينية المصممة خصيصا للعملاء.