سؤال كبير بدأ يُطرح، هذه الأيام، على مستوى العالم أجمع، بخاصة بعد الضربات الإيرانية الموجعة: كم من الوقت لا تزال اسرائيل قادرة على الصمود بعد أشهر من المعارك على 7 جبهات،كما تقول، أبرزها جبهة غزة التي كلفتها 85 مليار دولار، ما أثقل كاهل الموازنة العامة وتسبّب في تفاقم العجز المالي وارتفاع النفقات، وتالياً تحمّل الحرب مع ايران، وهي الأقسى، بخاصة اذا طال أمدها؟
وفق الأرقام شبه الرسمية المتداولة و الصادرة عن جهات اسرائيلية معنية، فإن التكلفة اليومية المباشرة لحرب إسرائيل ضد إيران نحو 2.75 مليار شيقل (ما يعادل 725 مليون دولار)، وهو رقم ضخم يغطي فقط نفقات الهجوم والدفاع ، ولا يشمل حتماً الأضرار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي تُنهك الدولة العبرية. ولا شك أن
التكاليف اليومية الهائلة بدأت تثير مخاوف جدية، وخاصة أن موازنة إسرائيل لعام 2025 لم تُدرج فيها أي مبالغ مخصصة لهذه الحرب المحتملة، ما يضع شكوكاً حول الاستعداد المالي الرسمي للدولة.
ورغم تصريحات وزير المالية بأن «الاقتصاد الإسرائيلي قوي ومستقر ومتين»، وأن «الاستعدادات كانت جارية منذ أشهر»، يرى محللون أن هذه التصريحات لا تعكس الواقع المالي المأزوم.
واذا ذهبنا الى التفاصيل، فإن الأرقام الرسمية تعكس ارتفاعاً حاداً في الإنفاق العسكري؛ إذ قفزت موازنة الدفاع بنسبة 65 في المئة في العام 2024 لتصل إلى 46.5 مليار دولار، بما يعادل 8.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أكبر زيادة سنوية منذ حرب عام 1967. ومن المؤكد أن هذا الارتفاع المفاجئ في الإنفاق سيُسهم بشكل مباشر في زيادة العجز المالي المتوقع أن يبلغ 4.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الحالية. ومن المؤكد أن استمرار المواجهة بين إسرائيل وإيران سيرفع من وتيرة الإنفاق ويزيد من عجز الموازنة، ما يضع الاقتصاد في موقف مالي هشّ.
والخسائر لا تقف عن هذا الحد، اذ أدت تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط وتعليق التصاريح العائدة الى العمالة الفلسطينية، إلى نقص حاد في اليد العاملة، خصوصاً في قطاعات البناء والزراعة. ولسدّ هذه الفجوة استقدمت تل أبيب عمالة من دول مثل الهند وسريلانكا، لكن ذلك لا يوقف الخسائر الناتجة عن توقّف أجزاء مهمة من النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يضعف بدوره قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على التعافي السريع.

الى ذلك، تشير آخر الأرقام ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 61.3 في المئة في 2023 إلى نحو 69 في المئة في 2024، في مؤشر على تزايد الأعباء المالية التي ستثقل كاهل الاقتصاد لفترة طويلة. ومن المتوقع أن يؤدي استمرار الصراع إلى تراجع الاستثمار والسياحة وتباطؤ كبير في نمو الإنتاجية. وضمن هذا الإطار، رسم موقع «كالكاليست» الاقتصادي الإسرائيلي سيناريوهَينْ للاقتصاد الإسرائيلي بعد المواجهة الحالية مع إيران: إذا نجحت إسرائيل في تحقيق انتصار عبر ضربة نوعية، أو من خلال تحولات إقليمية مفاجئة. وفي الحالتَيْن قد تفتح أمامها مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحققا من دون المساعدة المادية الأميركية والأوروبية.
وفي المحصلة، لا يرى كثيرون من المحايدين أن هذين السيناروهيْن سيأتيان بالترياق الشافي. ذلك أن تداعيات هذه الحروب المتتالية، ولا سيما مع إيران، لا يُمكن أن تنتهي بأشهر ولا في سنوات، وكأن هذا الكيان المصطنع بدأ يهتز وللمرة الأولى منذ إنشائه..