عادل خرّاط المطلوب تفعيل المراكز الصحيّة المتوسطة والصّغيرة الحجم
———————-
عندما نذكر اسم “فيدليتي”، شركة الضمان المتجذّرة في لبنان، نستعيد صورة مشرقة عن شركة لعِبت أدوارًا مجلّية في قطاع التأمين اللبناني، وصولاً إلى دولة الإمارات التي حقّقت فيها نجاحات عبر شركة “فيدليتي المتّحدة” وسجّلت نموًّا في فترة زمنيّة لا يُحسب لها حساب في عمر الشركات. صحيح أنّ هذه الشركة حصدَتْ، لبنانيًا، نجاحات في فروع التأمين كلّها، إلاّ أنّها في الفرع الاستشفائي كانت دائمًا مميّزة نظرًا إلى سمعتها الطيّبة ووفائها بالالتزامات، فضلاً عن ملاءتها التي تجعلها قادرة على أن تكون موضع ثقة. من هنا لم يكن مستغربًا أن تستقطب نقاباتٍ وأفرادًا في هذا الفرع الذي تعتبره شركات عدّة فرعًا لا يُسجّل أرباحًا في المطلق، على عكس فرع الحياة الذي اشتهرت به ايضًا والذي بوّأها مركزًا طليعيًا في لبنان وعلى المستوى العربي. هذا لا يعني أنّ هذه الشركة تُخاطر وتتجاوز السّقوف التي وضعتها لنفسها. الواقع أنّ تاريخها يُثبت أنّها شركة تحاذر الوقوع في الهاوية لإدراكها أنّ مَن يسقط فيها يصعُب عليه الخروج مجدّدًا.
ولمعرفة المخارج التي اعتمدتها وستعتمدها هذا العام لتجاوز الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان، ولا سيما الحالة الاستشفائيّة المربكة مع الضّغوط التي يتعرّض لها قطاع التأمين، لجأنا إلى نائب مدير عام الفرع الاستشفائي في الشركة السيّد عادل خرّاط للاطّلاع منه على آخر المستجدّات والمعالجات التي ابتكرتها الشركة في هذا الملف، “لعدم الوقوع في هاوية لا يمكن الخروج منها بسهولة”، كما قال لنا السيد خرّاط نفسه في هذا الحديث الذي أجريناه معه والذي ننشر نصّه الكامل في الأسطر التالية…
س: شركة “فيدليتي” رائدة في القطاع الاستشفائي، نقاباتٍ وأفرادًا. في ظلّ الأجواء الاقتصاديّة والماليّة التي نعيشها، كيف ستتعاملون مع هذا الواقع الصعب؟
ج: لا شكّ أن المشاكل عديدة وصعبة، وهذا لا يُخفى على أحد. نبدأ بتدهْوُر الوضعَيْن الاقتصادي والمالي والتضخّم غير المسبوق الذي انعكس ارتفاعًا في الأسعار وتدنّيًا في القيمة الشرائيّة لليرة. يُضاف إلى ذلك، انتشار جائحة كورونا والتداعيات التي فرضت نفسها مشكلة جديدة أُضيفت إلى “سلّة” المخاطر التي نغطّيها، في وقتٍ طلبت المستشفيات، زيادة على سعر صرف الدولار الرّسمي المعمول به حاليًا واعتماد سعر “اللولار”، أي على أساس 3900 ل.ل. هذا يعني زيادة تشكّل 160 بالمئة، بحجّة ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية وما رافق هذا الارتفاع من زيادات في الأسعار طاولت كلّ المرافق، يُضاف إلى ذلك، توقّف المصرف المركزي عن دعم المشتريات الطبيّة والأجهزة الحديثة المطلوب الاستعانة بها. وتأتي كلّ هذه المشاكل فيما القدرة الشرائيّة عند المواطنين تتدنّى يومًا بعد يوم، وبالتزامن مع ازدياد أعداد العاطلين عن العمل التي وصلت إلى حدود الأربعين أو الخمسين في المئة من مجموع العاملين في لبنان. هذا الوضع المأساوي والمُربك، بمجمله، حَمَل شركات تأمين عديدة، على البحث عن حلول ومخارج لمعالجة هذه المشكلة الكبيرة، علمًا أنّ الشركات لم تغيّر أسعارها منذ سنتَيْن، ما يدفعها في ظلّ هذه الأوضاع، إلى زيادة أسعار البوالص. لكن إزاء تدهور الوضعَيْن الاقتصادي والمالي، فضلاً عن التضخّم المالي غير المسبوق الذي نعيشه، والذي يترافق أيضًا مع تدنّي القدرة الشرائيّة عند المواطنين، كان لا بدّ من إيجاد حلول لنخرج من هذه الأزمة، أوّلها، رفع أسعار عقود التأمين بشكل مدروس، ثانيها إيجاد برامج تأمينيّة جديدة لتخفيف الكلفة على المستهلك. ثالثها تفعيل المراكز الصحيّة والاستشفائيّة المتوسّطة والصّغيرة الحجم وتعزيزها.
س: ولكن هذه الخيارات المطروحة مطلوبة من شركات الـ TPA التي تدير الملفّات الاستشفائيّة؟
ج: نعم ولكن لكلّ شركة تأمين تصوّر في كيفيّة إدارة تلك الملفّات، لتخفيض الكلفة، لأنّ هذا التخفيض ينعكس إيجابًا أيضًا على الزبائن، كما على الشركات والمستشفيات. ومن المعروف أنّ المواطنين كانوا يشترون البوالص المتعارف على تسميتها Full Network أي التي تتضمّن جميع التغطيات لقدرتهم، آنذاك، على الشراء والدفع. ولكنّ اليوم، وفي ظلّ زيادة الأسعار المتوقّعة على البوالص، سنشهد كثيرًا من الذين سيشترون عقودًا تأمينيّة محصورة في أمراض معيّنة وفي مستشفيات معيّنة.
س: دخلنا مرحلة تجديد البوالص.. فهل لا تزال عندكم خيارات مُتاحة لإيجاد الحلول المناسبة؟
ج: هذا السؤال مهمّ جدًّا. لقد مضت أشهر على التفاوض بين المستشفيات وشركات التأمين عبر شركات الـ TPA، وكنّا في سياق هذا التفاوض نطلب إعطاءنا مهلة إضافيّة لأنّ إدارة المستشفيات لا يمكنها أن تقرّر وتفرض أسعارًا جديدة وتطلب منّا التنفيذ في غضون عشرين يومًا أو شهر. للأسف، لم تلقَ المهلة المطلوبة أي تجاوب بل تفاجأنا بزيادات غير مسبوقة تعدّت الـ 160 بالمئة، كما ذكرنا، على أن يتمّ تطبيقها في الأولّ من آذار، وبهذا القرار، وَضَعَت نقابة المستشفيات قطاع التأمين في الزاوية! إنّ ما أقدمت عليه ليس من مصلحتها أبدًا، لأنّ توقّف شركات التأمين عن العمل يعني انهيارها! وبإزاء هذا التعنّت، طلبنا من شركات الـ TPA التي تمثّلنا، إكمال المفاوضات والحصول منها على مِهل زمنيّة قبل تطبيق هذه الزيادة. ولغاية إدلائي بهذا التصريح لم تصلنا توضيحات بعد!
س: تريدون مهلة ستّة أشهر، مثلاً حتى شهر حزيران ؟
ج: لا أبدًا، نتمنّى أن توافق نقابة المستشفيات على إعطائنا مهلة شهرَيْن لوضع تصوّرات للمنتجات الجديدة التي يمكن أن تقدّم الحدّ الأدنى المطلوب للمضمون من تغطيات، ومن دون إرهاقه ماديًا، وبالمقابل من دون إرهاقنا!
س: أمامهذاالواقعالصّعب،كيفستصدّر “فيدليتي” بوالصهاعندالاستحقاق؟
ج: بما يختصّ بالعقود الصادرة سابقًا، فلا يمكن تغييرها، ولسنا بصدد الاتصال بحامليها او إبلاغهم أننا رفعنا سقف الأسعار. إنّ هذا الاحتمال غير وارد. أمّا بالنسبة للبوالص التي ستجدّد بدءًا من آذار أو نيسان، فسنحاول أن نصل إلى اتفاق لتخفيض الزيادة التي وضعتها المستشفيات من ناحية، كما سنحاول ربح الوقت لإيجاد طرق جديدة لتلبية حاجات الزبائن دون إرهاقهم ماديًا من ناحية ثانية. إنّ الحياة تغيّرت ومستوى طريقة عيشنا تغيّر، لذلك علينا أن نتأقلم ونضحّي لكي نستمرّ، كما علينا إطلاق عدّة برامج استشفائيّة تلائم القدرة الشرائيّة لكلّ مضمون.
س: بالنسبة لـ Covid-19، هل سترفضون إدخال هذا البند على بوليصة كلّ من لا يرغب بتلقّي اللقاح؟
ج: لا، ليس لدى “فيدليتي” هذا التوجّه، ولكن سنعمد إلى تشجيع من يتلقّح بتخصيصه بحسم يطاول ثمن البوليصة كعرض تشجيعي. ذلك أنّنا في النهاية لا يمكننا التدخلّ بحريّة الناس الشخصيّة وبخيارهم في أخذ اللقاح أو لا. لا يمكننا معاقبة من لا يريد أخذ اللقاح، لكنّنا سنشجّع من يُقدم على هذه الخطوة.
س: كيف اتخذتم هذا القرار وخاصة أنّ شركات التأمين ستدفع مبالغ طائلة لمعالجة مريض الكورونا المضمون لديها، خاصة أن هذا اللقاح سيكون إلزاميًا لكلّ من يريد السفر أو الحصول على جواز؟
ج: أنت على حقّ ولكن علينا أن لا ننسى أنه لا يزال الوقت مبكرًا على شركات التأمين للتفكير بهذا الاحتمال، والسبب واضح: عملية التلقيح بحاجة إلى ما لا يقلّ عن سنة للانتهاء منها، نحن اليوم نسجّل أسماءنا على المنصّة ولكن يجب الانتظار. لذلك، وكما أسلفت، لا يمكن تطبيق هذا الإجراء حاليًا، ، فالشباب الذين بعمر الثلاثين، مثلاً، عليهم أن ينتظروا بعد عدّة أشهر قبل أن يصل دورهم. أمّا عندما يحصل الجميع على هذا اللقاح، فيصبح بإمكاننا التطرّق إلى ما أشرت إليه. نحن، كشركة “فيدليتي”، أردنا أن تكون المقاربة إيجابيّة أكثر منها سلبيّة، فلم نرفض تأمين مَنْ لم يتلقَّ اللّقاح، ولكنّنا شجّعنا من تلقّاه. وشخصيًا، أقول أنّ مسؤوليّة جميع القطاعات، هي في تحفيز الناس على تلقّي الطّعم، في الأماكن السياحيّة والأسواق التجارية، وصولاً إلى صالات سينما، إلى آخره…
س: شركة “فيدليتي” خسرت بعض النقابات في العام 2020، هل ستسترجع في 2021 موقعها السابق، أو هي متخوّفة من النقابات الكبيرة التي تشكّل أحيانًا خسائر كبيرة؟
ج: شاركنا في استدراج عروض لنقابة المهندسين، ووضعنا السعر التقني الذي نعتقده كافيًا لتغطية الخسائر. نحن لا نريد الفَوْز بنقابة، وفي النهاية لا نفي بالتزاماتنا. إنّ لــ “فيدليتي”، والحمد لله، سمعة طيّبة في السوق. لذلك، لا يهمّنا الحصول على العمل أكثر ممّا يهمّنا الالتزام بخدماتنا، مع العلم أنّنا نجد اليوم صعوبة كبيرة في وضع الأسعار لأنّ المفاجآت في لبنان كثيرة. لقد كنّا متوقّعين، مثلاً، زيادة في أسعار المستشفيات، ولكن ليس بهذا الشكل!
“فيدليتي” مستمرّة على خطّها الثابت ولا تزال تستقطب المزيد من المضمونين، محافظة بذلك على رسالتها وسمعتها ودورها الثابت، ولكن بحذر وبكثير من التأنّي، لأن الهاوية عميقة ومن يسقط فيها يصعب عليه الصعود مجدّدًا. ويبقى الأهم: أن “فيدليتي” تحترم العقد الذي تصدره مهما تكن الخسائر كبيرة، وتاليًا لا تتهرّب من مسؤوليّاتها بتاتًا.