أحمد صباغ يتوسّط د. محمد أبو حمود ود. مؤيد الكلوب
منتدى الفكر العربي برئاسة أمينه العام د. محمد أبو حمور، نظّم لقاءً في مقرّه في عمّان بعنوان “التأمين التكافلي الإسلامي من التكييف الشرعي إلى التطبيق العملي” حاضر فيه مؤسّس ومدير عام شركة التأمين الإسلامية منذ العام 1996 ولغاية التقاعد عام 2019، ومؤسّس وعضو مجلس إدارة الشركة السعودية لإعادة التأمين التعاونية السيد أحمد محمّد صبّاغ، وذلك بحضور عدد من الشخصيات والمداخلين المتخصّصين في التأمين التكافلي الإسلامي وثلّة من المختصّين في الإقتصاد الإسلامي. ومن أبرزهم أمين عام الإتحاد العام العربي للتامين السيد شكيب أبو زيد الذي قدّم مداخلة حول “حجم التأمين التكافلي في الوطن العربي وأبرز التحديات التي تواجه هذه الصناعة وتجارب التامين التكافلي في دول الخليج العربي والمغرب العربي والدول الإسلامية التي توّفر هذا النوع من التأمين”. كذلك اتّسم اللقاء بمشاركة مدير الإتّحاد الأردني لشركات التامين د. مؤيد الكلوب الذي تناول “التامين التكافلي في الإردن والتشريعات الناظمة له ودور الإتحاد في نشر التوعية التأمينية في هذا النوع من التأمين والبرامج التدريبية التي ينظّمها حول تامين التكافل الإسلامي”.
ونظرًا لأهميّة محاضرة السيد أحمد محمد صبّاغ، وكذلك أهميّة الموضوع الذي تطرّق إليه، ننشر في الأسطر التالية أبرز ما ورد في المحاضرة…
عرّف السيد أحمد صبّاغ، بداية، التأمين كوسيلة استخدمها الناس منذ القدم لمعالجة آثار الأضرار والمخاطر والمصائب التي تحلُّ بهم، وذلك بالتخفيف منها وإزالتها تماماً، ذلك أنّ كلُّ إنسان مُعرَّض دائماً لأنواعٍ من المخاطر والأضرار التي قد تُذهِب بمالِه أو بحياته، ما قد يحمِّلُهُ من الأعباءِ ما لا يستطيع، أو يُعرِّض أهلَهُ للمعاناة. وقد اتسعت دائرة التعامل في التأمين لتشمل معظم أوجه النشاط الاقتصادي من تجارة وصناعة وزراعة، حتى أصبح التعامل به، إن لم يكن إجبارياً بحكم القانون، فهو إجباري أيضاً بحكم الواقع لأن الأفراد لا يجدون في غيره وسيلة فعّالة للتأمين ضد المخاطر التي يتعرّضون لها، خاصة بعدما ضعف الوازع الديني عند الناس وما أعقب ذلك من تراجع في مجال التعاون بينهم .
تابع: “ولمّا كانت هناك فئة في المجتمع تتحرج من الدخول في معاملات مع شركات التأمين التجارية وخصوصاً بعدما استقر الأمر على جواز التأمين الإسلامي واعتباره البديل الشرعي للتأمين التجاري، وذلك بقرار خاص صادر عن المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية إذ قرّر المجمع الفقهي الإسلامي، وبالإجماع، في دورته بتاريخ 10 شعبان 1398هـ المنعقدة بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي، الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 51 بتاريخ 4/4/1397هـ الموافق 1978 الذي أجاز التأمين التعاوني الإسلامي بديلا من التأمين التجاري”.
إذًا، “فإن كلّ ما وصلنا إليه من تقدّم وتطور في مستوى صناعة التأمين التعاوني الإسلامي، يتابع أحمد صبّاغ، كان الفضل فيه للشريعة الإسلامية التي أكرمنا الله بها، نحمده ونشكره، هدانا لهذا الدين وجعلنا من أتباع نبيّه الكريم الذي تركنا على المحجة البيضاء والصراط المستقيم، فما من شأن من شؤون الحياة الدنيا والمعاد في الدار الآخرة إلا بيَّنه لنا. (كما أكرمنا)، سبحانه وتعالى، بثلة من الفقهاء الأجلاء الذين أعانونا على التفقّه في ديننا وإيجاد الحلول الشرعية لكل ما يطرأ من مشاكل معاصرة. ولن يغيب عن ذهننا ما بذلوه من جهد ووقت لإيجاد البديل الشرعي للتأمين التجاري بوضعهم أسس ولبنات التأمين التعاوني الإسلامي القائم على أساس التبرّع الملزّم والقائم على مبدأ التكافل والتعاون على البرِّ والتقوى امتثالاً لقوله تعالى: وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمّ والعدوان صدق الله العظيم”.
وهكذا، ويمضي أحمد صبّاغ قائلاً: “اسْتُكْمِلتْ حلقة الاقتصاد الإسلامي التي بدأت، بانبثاق البنوك الإسلامية بعد انتشار شركات التأمين الإسلامي والتي أصبح عدد شركاتها على المستوى العربي ما يزيد عن خمسة وسبعين شركة وعلى مستوى العالم الإسلامي ما يزيد عن مئتَيْ شركة. كما وفّق الله تعالى شركات التأمين الإسلامي، وخلال مدة لا تزيد عن ثلاثة عقود من استكمال حلقة التأمين بإنشاء شركات إعادة التأمين الإسلامية التي انتشرت على المستوى العربي والإسلامي، وتمّ تأسيس اتحادات خاصة بشركات التأمين الإسلامي بجانب اتحادات التأمين التقليدي. ولما كانت الحاجة داعية على مستوى العالم الإسلامي إلى تطوير معايير وأسس شرعية لإعداد قوانين التأمين الإسلامي ، بحيث يستعين بها المسؤولون في العالم الإسلامي عند إعداد القوانين المنظمة لأعمال شركات التأمين الإسلامي ، وذلك أسوة بظاهرة إقرار قوانين البنوك الإسلامية في أكثر من خمسة عشرة دولة في العالم الإسلامي، فقد حرصتُ في إعداد هذا البحث رجاء النفع والبركة وعم الفائدة على المستويين العلمي والعملي”.
بعد هذا العرض التاريخي لنشأة التأمين الإسلامي، تناول أحمد صبّاغ أصل كلمة التكافل في اللغة، فقال أنّها تأتي من “الكفالة”، وهي ضمان للديون أو الالتزام بالحفظ والرعاية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا – وأشار بإصبعيه السبّابة والوسطى وفرّق بينهما”. ومقتضى صيغة التكافل التي هي صيغة للمشاركة بين طرفين أو أكثر، أن كلاًّ منهم ضامن للآخر ، وهذا برأيي، يقول صبّاغ، هو “الأساس الذي إعتمدناه في شركة التأمين الإسلامية في الأردن بأن التأمين التكافلي الاجتماعي هو البديل الشرعي عن ما يسمى بـــــــ” تأمين الحياة ” لأن به كفالة وضمانة لليتيم بعد فقدان الحياة”.
ويُعرَّف التأمين الإسلامي كما ورد في المعيار الشرعي الرقم 26 الصادر عن هيئة المحاسبه والمراجعه للمؤسسات الماليه الإسلامية، يقول أحمد صبّاغ: “هو اتفاق أشخاص يتعرّضون لأخطار مُعينة على تلافي الأضرار الناشئة عن هذه الأخطار وذلك بِدفع اشتراكات على أساس الالتزام بالتبرع، ويتكون من ذلك صندوق تأمين له حكم الشخصية الاعتبارية، وله ذمة مالية مستقلة يسمى صندوق التأمين التعاوني يتم منه التعويض عن الأضرار التي تلحق أحد المشتركين من جراء وقوع الأخطار المؤمن منها، وذلك طبقاً للوائح والوثائق، وتُديَرهُ شركة مساهمة بأجرة معلومة تقوم بإدارة أعمال التأمين واستثمار موجودات هذا الصندوق”.
وماذا عن دور شركات التأمين الإسلاميّة التي تطبق التأمين الإسلامي، يجيب: “هو إدارة العمليات التأمينية اكتتاباً وتنفيذاً فتقوم الشركة بصفتها مديراً بالوكالة بالتعاقد مع المستأمنين حيث تستوفي منهم أقساط التأمين “لإشتراكات” وتدفع للمتضررين منهم ما يستحقونه من تعويضات، وفق معايير وأسس فنية خاصة بذلك، بالإضافة إلى جميع الأعمال التي تتطلبها العمليات التأمينية وتلتزم في عقودها بتعويض الأضرار والمخاطر التي تُصيبهم، فهي تُباشر ذلك باسم المستأمنين أنفسِهم ولِحسابِهم.
وبخصوص أقساط التأمين التي تستوفى من المستأمنين، فإنها تكون من حيث المقدار بما يكفي عادة لتغطية التكاليف التشغيلية ، ودفع التعويضات ورصد ما يلزم من الاحتياطيات بأنواعها المتعددة وإذا لم تفِ الأقساط المستوفاة من المستأمنين فيتم تغطية العجز من أموال المساهمين على أساس القرض الحسن، من الرصيد الاحتياطي من أرباح الفائض التأميني إذا كان لدى الشركة هذا الرصيد فيُستوفى النقص منه.
وعن عقد التأمين التكافلي الإسلامي، قال المحاضر أنّه يشتمل على جملة من العقود تجمع المستامنين وتنشئ بينهم علاقة عَقديّة تقوم على اساس التعاون والتكافل وتبادل الإلتزام بالتبرع ومنها:- عقد المضاربة، عقد الوكالة، عقد الهبة وعقد الكفالة. أضاف: تلتزم شركات التامين الإسلامي في جميع معاملاتها باحكام الشريعة الإسلامية وممارسة العمليات التامينية على أساس التأمين الإسلامي المُقرّ شرعاً وإبرام اتفاقيات إعادة التامين وفق توجيهات هيئة الرقابة الشرعية للشركة التي تقوم بدورها بالإشراف والتدقيق على استثمارات اموال التامين وإيداع اموالها ونصوص عقودها وشمول وثائقها بالطرق المشروعة في صندوق التامين التعاوني للتاكد من:
- عدم شمول وثائق التامين على شروط باطلة شرعاً.
- الإلتزام بالفتاوى الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية.
- الإلتزام بمعايير المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية .
- تقديم التحكيم الشرعي على الإحتكام على القضاء.
- إدارة العمليات التأمينية وأموال التأمين على أساس الوكالة بأجر معلوم يحدّد قُبيل بداية كل سنة مالية وعلى أساس المضاربة.
- إعداد وتقديم التقرير الشرعي السنوي للهيئة العامة للشركة.
- نشر الوعي التأميني الإسلامي في الشركة من خلال الأبحاث والمحاضرات.
الجدير بالذكر، ودائمًا حسب أحمد الصبّاغ، ان تتوافر في أعضاء هيئات الرقابة حصولهم على درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية وأن يكون الواحد منهم متخصّصاً في فقه المعاملات الإسلامية وله مؤلفات وأبحاث في قضايا الإقتصاد الإسلامي.
ولا شك ان العمود الفقري الذي تقوم عليه آلية عمل شركات التأمين التكافلي الإسلامي هوتطبيق مفهوم الفائض التاميني المتمثّل في الرصيد المالي المتبقي في حساب صندوق التامين التعاوني من مجموع الإقساط ( الإشتراكات) التي قدموها واستثماراتها وعوائد عمليات إعادة التامين مخصوماً منه المطالبات والتفقات الأخرى وبذا يكون الناتج هو الفائض التاميني، بعد ذلك يتم تجنيب الإحتيّاطيات الفنية وبذا يكون الناتج النهائي هو الفائض التاميني القابل للتوزيع على حملة الوثائق وفق معايير توزيع الفائض التاميني الخمسة الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ولكل شركة اجتهادها في اختيار المعيار الذي يتوافق مع أنظمة وعمل كل شركة.
أما في الأردن فقد اجتهدنا في شركة التامين الإسلامية باعتماد المعيار الأول الذي ينص على: “شمول توزيع الفائض التاميني لجميع حملة الوثائق دون التفريق بين من حصل على تعويض ومن لم يحصل على تعويض” ويتم احتساب نصيب كل مشترك ( حامل الوثيقة ) من الفائض التاميني القابل للتوزيع وفق المعادلة التالية:
نصيب المشترك من الفائض= الفائض المخصّص للتوزيع× أقساط لكل مشترك إجمالي أقساط التامين.