وباء فيروس كورونا (Covid-19) المستجدّ الذي ملأ الدنيا وشَغَل النّاس، يصيب الجهاز التنفّسي بالدّرجة الأولى، كما بات معروفًا، بحسب التقارير الطبيّة التي أعدّت مع انتشار هذه الجائحة. ومن هنا ارتأيت، في هذه الزاوية، التوقّف عند دواء يعالج أحد الأمراض التي تصيب هذا الجهاز، وإن كان لا يرتبط بفيروس كورونا، لا من قريب أو بعيد. إنّه مرض الانسداد الرئوي المزمن Chronic Obstructive Pulmonary Disease المعروف بــ COPD.
وقبل الحديث عن الدواء الذي يعالج هذا المرض الرئوي، وجدتُ من المناسب إعطاء لمحة عامة عنه. فقد أصاب COPD في العام 2010 حوالي ثلاثمئة وتسعة وعشرين مليون شخص، أي ما يقارب الخمسة بالمئة من سكّان العالم. ويتميّز هذا الداء بأنّه يسدّ الشُعب الهوائيّة، وبالتالي يقلّل تسرّب الهواء إلى الرئتَيْن، ما يؤدّي إلى قصورهما. وثمة نوعان من هذا الداء: الأوّل هو الالتهاب المزمن للشُعب الهوائيّة Chronic Bronchitis وامتلاؤها بمخاط يسدّ المسالك الهوائيّة ويجعل التنفّس صعبًا، في حين أنّ النوع الثاني يجعل المسالك الهوائيّة الكبيرة والصغيرة (Emphysema) منتفخة بحيث لا تسمح بدخول الاوكسيجين وثاني أوكسيد الكاربون.
في الحالتَيْن تظهر الأعراض التّالية: سعال مستمرّ مع مخاط أو بدونه، صوت أزيز عند التنفّس، والشعور بضيق في الصدر يزداد سوءًا مع أيّ نشاط يمارسه المريض، إلى غير ذلك من الأعراض.
وتكمن الأسباب الرئيسة لهذا المرض في تعاطي التدخين على أنواعه، وكذلك العمل ضمن بيئة ملوّثة بالغبار والدخان. ويبدو أنّ التدخين السلبي الناتج عن المدخّنين، كما استنشاق الملوّثات، من أسباب التلف والقصور الرئوي أيضًا.
وبالعودة إلى الدواء الذي يسوّق باسم “ANORO Ellipta”، فهو مكوّن من مادّتَيْن: Umeclidinium وVilanterol، وهو بشكل Inhaler، أي إنّه عبارة عن جهاز تنشّق أو بخّاح عبر الفم. فماذا عن هاتَيْن المادتَيْن، وما هي طريقة عملهما؟
تنتمي مادة Umeclidinium إلى فئة من الأدوية تسمّى Anticholinergic، أي الأدوية المضادة للــ Acetylcholine. وهذه الأخيرة من نوع “Neuro-Transmitter” التي تنتجها الخلايا العصبيّة وترسلها إلى خلايا أخرى، منها خلايا العضلات وخلايا الغدد وغيرها لتنفيذ مهمّات محدّدة يتطلّبها عمل الجسم. وبين المهمّات الكثيرة التي تقوم بها Acetylcholine حَمْل العضلات على الانقباض (أو انكماشها) (muscle contraction). ويُعتبر هذا الانقباض ضروريًا لتقوم العضلات بدورها في كافة أنحاء الجسم. لكن في حالة الانسداد الرئوي، فالعلاج يكون بتوسيع المسالك الهوائيّة المسدودة للسماح للهواء بالمرور Bronchodilation، كما هي التسمية الطبيّة. وإحدى الطرق المؤدّية إلى هذا التوسّع تكمن في التخفيف من تشنّج عضلات هذه المسالك الذي هو نوع من الانقباض. وبما أنّ هذا الانقباض ناتج عن نشاط الـ Acetylcholine، فالحلّ هو بالتخفيف من هذا النشاط، وهو ما تقوم به المواد المسمّاة Anticholinergic، ومنها مادة Umeclidinium الموجودة في هذا المستحضر.
أمّا مادة Vilanterol فتنتمي إلى عائلة المواد المسمّاة Beta 2 adrenergic agonist. ولن أخوض في تفاصيل أدوار هذه المواد في الجسم لتعدّدها وحاجتها إلى مقال خاص. لذا سأركّز على دورها في موضوعنا هنا، إذ تساعد على توسيع المسالك الهوائيّة Bronchodilation، كما هي الحال بالنّسبة للـ Anticholinergic التي تنتمي إليها المادة الأولى، ولو بطريقة عمل مختلفة.
والمادتان Umeclidinium و Vilanterol تعملان ببطء وعلى المدى الطويل، أي أنّ الجرعة الواحدة منهما تستمرّ مفاعيلها مدّة أربع وعشرين ساعة، وهو ما يحتاجه هذا المرض، نظرًا لكونه مزمنًا، فضلاً عن أنّهما تؤمّنان الاستمراريّة في العلاج، على عكس مواد أخرى من نفس العائلَتَيْن، ولكنّها تعمل بشكل سريع وتنتهي مفاعيلها بسرعة أيضًا. وهذه الفئة الأخيرة يلجأ إليها الأطباء والمرضى في الأزمات الحادة التي تحتاج إلى السرعة في المعالجة والانقاذ. ونذكر من هذه المواد، على سبيل المثال، مادة Salbutamol الموجودة في بخاخ Ventolin الشهير الذي يلعب بشكل من الأشكال دور المسعف في الأزمات الحادّة لضيق التنفّس التي تشكّل خطرًا على الحياة في بعض الأحيان. وهذا الــ Salbutamol ينتمي أيضًا إلى نفس العائلة التي ينتمي إليها Vilanterol أي Beta 2 agonist، ولكنّه يتميّز بسرعة المفعول بداية ونهاية.
يُشار هنا إلى أنّ هناك ثلاث من المواد الكيميائيّة التي يلجأ إليها الأطبّاء في حالات الانسداد الرئوي: العائلتان الموجودتان في هذا المنتج، بالإضافة إلى عائلة ثالثة من المواد مشتقّة من مادة Cortisone وتُسمّى Steroïds. وتعتبر هذه الأخيرة (أي Steroïds)، بشكل عام، ملاذًا في الحالات الطارئة التي تستوجب العلاجات السريعة بفضل مفعولها المضاد للالتهابات Anti-inflamatory، علمًا أنّ المستحضرات المستعملة في المشاكل الرئويّة تحتوي على واحدة أو أكثر من هذه الأنواع الثلاثة.
والدواء موضوع بحثنا هنا يُستعمل في جميع حالات مرض COPD، سواء أكان ناتجًا عن التهاب رئوي أو Emphysema أو الاثنين معًا. ويستطيع بفعاليته المستمرّة 24 ساعة، السيطرة، قدر الامكان، على العوارض. ولكن برغم أنّ امتصاصه من قبل الجهاز التنفسي يتمّ بسرعة، أي خلال عشر إلى خمس عشرة دقيقة بعد الاستنشاق، إلاّ أنّه في بعض الأحيان قد لا يستطيع وحيدًا السيطرة على بعض الأعراض إذا ما اندلعت بشكل مفاجئ مشكلة خطرة على الحياة في حالات كثيرة. وبمعنى آخر، فإنّ هذا الدواء لا يستطيع وحده الحلول مكان ما يُسمّى بـRescue Inhaler، أي بخّاخ الانقاذ الذي يحتوي عادة، إمّا على مادة Salbutamol أو على إحدى مواد Steroïds، وهو ما أشرت إليه سابقًا.
لذا يُنصح الذين يعانون مرض الانسداد الرئوي المزمن ويتناولون Anoro Ellipta أو أي دواء مماثل في طريقة عمله الطويلة المدى، أن يكونوا دائمًا مزوّدين بما يُسمّى Rescue Inhaler أي بخّاخ إنقاذ لاستعماله في حالات الطوارئ. من هنا نفهم موافقة منظمة الغذاء والدواء FDA استعمال الدواء، موضوع المقال، في حالات الانسداد الرئوي المزمن وليس في حالة الربو لأنّ هذه الأخيرة تترافق مع اشتعال مفاجئ للأعراض أحيانًا ما يستلزم استعمال مواد سريعة المفاعيل ولو اضطرّ المريض إلى استخدامها عدّة مرّات في اليوم الواحد وهي مخصّصة لذلك.
ولأنّ هذا الدواء تستمرّ مفاعيله أربعًا وعشرين ساعة، فتناوله هو مرّة واحدة في اليوم على أن يؤخذ في الوقت نفسه دائمًا، ومن المفضّل بعد الطعام. ويُمنع بشكل قاطع تجاوز الجرعة الواحدة يوميًا. وإذا أحجم المريض عن تناول الجرعة أو تأخّر في تناولها، فلا يجوز مضاعفة الجرعة التالية بل أن يستأنف المريض تناول الدواء كالعادة مرّة واحدة في اليوم.
وعن طريقة استعمال البخّاخ، فلا يجوز البدء بالعلاج قبل أخذ كامل التفاصيل من الطبيب عن كيفيّة استعماله بشكل صحيح. ويُشار إلى وجوب غسل الفم بالماء بعناية بعد هذا الاستخدام، وعدم ابتلاع المياه. كذلك، يُمنع وقف الدواء بشكل مفاجئ ودون علم الطبيب في حال شعور المريض بالتحسّن، لأنّ من شأن ذلك عودة الأعراض مجدّدًا وبشكل أسوأ. كما لا يجوز اتّخاذ أيّ قرارات شخصيّة دون علم الطبيب الذي قد يبادر في بعض الأحوال إلى تبديل الدواء بآخر وليس إلى وقفه فجأة تبعًا لحالة المريض ووضعه الصحّي. وتحتوي علبة الدواء على ثلاثين جرعة صالحة لمدّة ثلاثين يومًا من العلاج.
يُذكر أنّ لا ضرورة لتعديل الجرعة بالنسبة للمرضى الذين تجاوزوا الخامسة والستّين من العمر، كما لا داعي لتعديلها بالنسبة للذين يعانون قصورًا معتدلاً في الكبد أو الكليتَيْن. وفي حالة القصور الشديد في الكبد ينبغي اتّخاذ الحذر في تناول الدواء، وهذا يحدّده الطبيب. ولا يجوز لمن هم دون الثامنة عشرة من العمر استخدامه.
وبالنسبة للمرأة الحامل فالأمر يعود للطبيب في اتّخاذ القرار بإعطاء الدواء أم لا، تبعًا للفوائد والمخاطر بالنسبة إليها وبالنسبة للجنين. وأمّا المرأة المرضعة فليس معروفًا بعد ما إذا كان الدواء يتسرّب إلى حليب الثّدي، وهنا أيضًا يعود القرار إلى الطبيب المعالج.
وكما هي الحال بالنسبة لجميع الأدوية، فهناك موانع للاستعمال وهناك تفاعل مع أدوية أخرى، كما هناك أعراض جانبيّة. ولن أخوض بهذه التفاصيل كلّها، إلا في بعض الأمور البارزة وفي طليعتها عدم جواز إعطاء هذا الدواء مع أدوية أخرى تحتوي أيضًا على فئة Anticholinergic أو على فئة Beta 2 agonists حتى ولو كانت المواد المستعملة من غير المادتين الموجودتَيْن في هذا الدواء. كما لا يجوز إعطاؤه لمن يعانون تضخّمًا في غدة البروستاتا أو ضغطًا في العين لأنّ هؤلاء لا يتحمّلون مواد من فئة Antichrolinergic. كما انّه من الضروري إبلاغ الطبيب في حال معاناة المريض من مشاكل في القلب أو ارتفاع في ضغط الدمّ، لأنّ هذه المشاكل قد لا تتناسب مع مواد من نوع Beta 2 agonists.
يتبيّن، إذًا، من كلّ ما تقدّم أنّ هذا الدواء الذي هو ضروري لمعالجة الانسداد الرئوي المزمن، لا يمكن التعامل معه بأيّ نوع من الخفّة، وبالتالي فإنّ تناوله يجب أن يخضع لشروط معيّنة أوّلها التقيّد بكلّ التعليمات والارشادات الصادرة عن الطبيب والأخذ بنصائحه منذ بداية العلاج وخلاله ولا أقول حتى نهاية العلاج، لأنّ الهدف من هذه العلاجات ليس الشفاء الكامل من المرض وإنما وقف تطوّره لتفادي ما هو أسوأ وأخطر.
ونتيجة لذلك، فإنّ هذا المنتج كغيره من المستحضرات التي تعالج هذا المرض لا يستطيع معالجة التلف الذي يصيب الرئتَيْن نتيجة الإصابة به. والهدف من استعماله، كما الأدوية الأخرى، الإبطاء في سرعة تطوّر المرض، تلافيًا للمزيد من المضاعفات التي يؤدّي تفاقمها إلى تشكيل الخطر على مستقبل المرضى وعلى حياتهم.