– من ثريا حمدي (بنت جبيل): أعاني سنويًا مع قدوم الربيع نوبات من العطاس والحكاك باتت الأدوية لا تنفع في شفائها أو على الأقل من وطأتها. هل أجد لديك حلاًّ؟
ج: من الواضح أن الهروب من الحساسية هو من أصعب الأمور، لأن العوامل المسبِّبة لها آخذة في التزايد في ظلّ الحياة العصرية، حتى صار يُطلق عليها اسم “المرض ذو الألف وجه”. والحساسية أو الأرجية في معناها الأساسي، هي عبارة عن إفراط في ردود أفعال الجملة المناعية بالجسم.
إن النَسَمات الأولى من الربيع هي مصدر سعادة لأكثر الناس، ولكنّها لبعضهم فاتحة عهد لاحتقان الأنف وسيلانه والعطاس واحمرار العينَيْن وضيق الأنفاس، أيّ الأعراض المصاحبة عادة للحمى الربيعية أو حمى الكلأ، وهذا غَيْضٌ من فَيْض من الأعراض المزعجة التي يسبّبها هذا الداء.
وخلال العشرين سنة الماضية، سجَّل العلماء في الأقطار المتطوِّرة من العالم زيادة ملحوظة في الإصابات تراوحت بين حمى الكلأ والحساسية الغذائية، مرورًا بالربو والتهاب الجيوب الوجهية.
وقد برزت القوة الغامضة للحساسية في مقال نشرته في الآونة الأخيرة إحدى المجلات الطبّية الكبرى في الولايات المتحدة، روتْ فيه قصة ذلك الرجل الذي أجريت له عملية نَقْل كلية وكبد من شخص آخر، فَوَرِث عنه من دون أن يدري حساسية صارت تسبِّب له حالات من الشرى وتضخّم الحنجرة عند تناوله طعامًا فيه فستق العبيد، الأمر الذي دفع الباحثين إلى التعمّق في توضيح التفاعل المتبادل بين العناصر البيئية المسبّبة للحساسية وبين العوامل الوراثية وسواها.
وإلى ذلك، فإن الجملة المناعية عند الشخص التحسسي، تعمل عمل الحارس الدائم التوتر واليقظة الواقف على امتداد حدود سريع الالتهاب. فعندما تكتشف الجملة المناعية “عدوا” يحاول الاعتداء على حدود الجسم، فإنها توجّه كلّ أسلحتها إليه وتبالغ أحيانًا في صدِّه. فالجسيمات الأضداد ذوات الخبرة الدفاعية المكتسبة سابقًا، لمثل هذا العدو، وهي عبارة عن جيش جرّار من الغلوبلولين المناعي (IgE)، يلتحم بالخلايا البدنية (خلايا ماست) التي تكثر في المسالك التنفسية والهضمية والتي تفرز مواد كيميائية التهابية، بما في ذلك مادة الهيستامين. وهذه المواد الكيميائية هي التي تسبِّب الأعراض التحسسية المألوفة: احمرار العينَيْن وسيلان الأنف والتقبُّض الرئوي والشرى بل والتأق (anaphylaxis) الذي يكون أحيانًا في غاية الخطورة!
ما سبب وصف بعضهم التحسّس بأنه “الحالة ذات الألف وجه”؟ يعود السبب إلى أن المادة التحسّسية قد تسبِّب لأحد الأشخاص نوبة من العطاس، ولشخص آخر حالة من الشرى. وإذا كان الإنسان مؤهّبًا للإصابة بالحساسية، فإن جسمه قد يتفاعل مع العديد من مسبّبات الحساسية. وهذه القائمة قد تتزايد بمرور الوقت. فقد يشفي أحد الأشخاص من اكزيما الطفولة فلا يلبث أن يصاب بحمى الكلأ مثلاً، وهلم جرّا. كما أن الشدة أو الضغط العاطفي، يلعب كلّ منهما دورًا في إثارة حالات معيّنة من الحساسية. وأخيرًا، فإن أعراض الحساسية يمكنها أن تكون مخاتلة، فالمصاب بها قد لا يعاني صداعًا فحسب، وإنما قد يصاب بانحطاط أو نوبة سعال أو إحساس بالنعاس.
ولا عجب في أن يخطىء الكثيرون، حتى الأطباء الأكْفاء منهم، في التيقّن من أسباب التحسّس. لكن هذا لا يمنع من أن يَعْرُض الشخص نفسه على الطبيب إذا ما أحس بأعراض تزيد على أن تكون حالات خفيفة. فكلّ الأطباء يستطيعون معالجة الحالات المعتدلة من الحساسيات. وطبيب العائلة قد يحيل المريض إلى اختصاصي.
فإذا احتار الإنسان في أمر الأعراض التي يشكو منها، هل هي زكام أم حالة تحسسية، فإن الاختصاصي يستطيع إجراء اختبارات جلدية وزرعية بحثًا عن الخلايا البيض المناعية.
وبلغة الأرقام والنِسَب، فإن آراء الأطباء والمرضى تختلف حول هذا الموضوع، إذْ أن 25% من الأشخاص يظنّون بأن عندهم تحسسًا من أنواع معيّنة من الأطعمة، ولكن الأطباء يقولون إن هذه النسبة لا تتعدى 6 إلى 8% بين الأطفال دون الثالثة من العمر، وإنها تبلغ 1 إلى 2% بين الكبار. الخلاف هنا عائد إلى الخلط بين شيئَيْن مختلفَيْن تمامًا: التحسّس الغذائي، وعدم التحمّل الغذائي لأنواع معيّنة. وهذا النوع الأخير هو حالة بسيطة عابرة. أما التحسّس الغذائي فأمره أخطر، لأن التأق، أو رد الفعل التحسسي العنيف، يمكن أن يكون محفوفاً بأفدح الأخطار.
وبالنسبة لمعظم الحساسيات، فإن الخطوة الأولى بوجه عام هي “الامتناع ثم الامتناع ثم الامتناع”. فإذا كان الإنسان يعرف أنه شديد الحساسية إزاء أنواع معيّنة من الأطعمة، فإن عليه الحرص كلّ الحرص على عدم أكلها.
وبالنسبة للأطفال الرضع، فإذا كان التاريخ الطبّي العائلي حاويًا لحالات وراثية من الحساسية، فخير السبل هو الارضاع من الثدي وترك الأطعمة الصلبة إلى حين بلوغ الطفل الشهر السادس من عمره. ولا حاجة لتعريض الطفل لأطعمة محتوية على فستق العبيد أو السمك، إلى أن يبلغ العام الثالث من عمره على الأقل.
إن مسبّبات التحسس لديك تقسَّم إلى فئتَيْن: “داخلية” و”خارجية”. أما فئة المستأرجات الداخلية: سوس، غبار الغرف، العفن وقشرة فراء الحيوانات والأليفة، فهذه تكثر وتتزايد بين ثنايا السجاد والسجف ووسائد الريش. وتفادي هذا العدو الكامن في داخل الغرف، يستدعي شن حملة شرسة لا هوادة فيها لإزالته. فإذا كنت تتحسّس من قشور فراء الحيوانات المنزلية، فلا تسمح لقطة أو كلب أو أي حيوان آخر، بأن ينام في غرفة نومك.
إيعازات أخرى لمقاومة هذا العدو الداخلي: نظّفي غرف منزلك باستمرار. اغسلي الشراشف والأحرمة بالماء الحامي مرة كلّ أسبوعَيْن. غيّري مصفاة مكيّف الهواء سنويًا. تجنّبي حمل المستأرجات (مسبّبات الحساسية) من خارج المنزل إلى داخله. بدّلي ثيابك وغسّلي شعرك كلّ يوم في أثناء موسم الحساسية قبل الذهاب إلى الفراش.
ويجب الحذر من النباتات المسبّبة للحساسية مثل البلوط واللبلاب وكلاهما سام، فضلاً عن شجر السماق وكذلك الابتعاد عن الحشرات السامة خصوصًا، وعدم التعرّض للسع النحل أو الدبابير.
إذا شعرت بعد لسع الحشرة بدوخة أو بإغماء أو بصداع أو بصعوبة في التنفس أو شرى جلدي، فراجع الطبيب فورًا لأن هذه حساسية سامة يمكن أن تودي إلى أوخم العواقب.
مع أن تجنّب المستأرجات مسبّبات التحسس، يمكن أن يُلغي 50 إلى 70% من ردود الفعل التحسسية، إلاّ أن حوالى 80% من الأشخاص يظلّون، مع ذلك، في حاجة إلى الأدوية. وخبراء مكافحة الحساسية متحمّسون للوصفات الدوائية المضادة للهستامين التي لا تُعطى إلاّ بموجب وصفة طبّية.
وبالنسبة لأولئك الذين تستمرّ الأعراض لديهم حتى مع تناولهم العقاقير الطبّية الموصوفة، والذين يكونون معرّضين لردود الفعل السمية العنيفة من لسع الحشرات، فإن عليهم عرض أنفسهم على اختصاصيي المناعة.
وإذا كانت الشدة والضغط العاطفي تستثيران نوبات ربو تحسّسية عند بعضهم، فإن دروسًا في طرق الاسترخاء قد تفيد بعض الأشخاص من هذا القبيل. ومن المهم من هذه الناحية الانتباه إلى القضايا النفسانية عند أولئك الأشخاص، ومدّهم بالطرق اللازمة للتصدي لعوامل الشدة. وإذا أراد الشخص المصاب، اللجوء إلى العلاجات غير التقليدية، فإن عليه أوّلاً أن يستشير طبيبه.