عندما يحصل التكامل بين المصرف وشركة التأمين
مع أن “التأمين البنكي” أو ما يُعرف بالـ Bancassurance ليس حديث العهد، كفكرة وممارسة، اذ تعود انطلاقته الى سنوات غابرة خصوصاً في دول مثل لبنان الذي كان رائداً في هذا المجال، على رغم أن هذا التأمين مخالف لقانون “النقد والتسليف” اللبناني الذي يمنع المصارف من التعامل مع التأمين، ومع ذلك، فقد شقّ “التأمين البنكي” طريقه غير آبه بالإعتراضات المتكّررة والدائمة لجمعية شركات الضمان في لبنان، كما لنقابة الوسطاء، اللتين تتهمان بعض المصارف بتجاوز القوانين بـ “السطو” على زبائنها.
طبعاً، فإن هذه الإشكالية لا وجود لها، على الأرجح في مصر، بفضل القوانين التي تُحترم وتُنفّذ، ومن هنا الإهتمام بهذا النوع من التأمينات الذي يُعزّز المحافظ التأمينية، أقساطاً وأرباحاً، ويوسّع قاعدة الراغبين في برامج تأمينية. ولعلّ المهم في خطوة الإتحاد المصري للتأمين في تخصيص نشرتها الأسبوعية ذات الرقم 238 للحديث بالتفصيل عن “التأمين البنكي”، هو الحاجة ماسة لشركات التأمين نفسها اذ أن المصارف تبقى أفضل داعم لها في توفير شبكة من الإتصالات في أرجاء البلاد عبر فروعها، ما يُخفّف عنها الأعباء والمصاريف.
لنعدّ الى النشرة ذات الرقم 238 ولنرى ما يَرِد فيها…
بداية، مقدّمة تعرّف مصطلح التأمين البنكي الذي هو عبارة عن اتفاقية بين المصرف وشركة التأمين تمكّن الأخيرة من استخدام قنوات التوزيع التابعة للأول لبيع منتجاتهاـ على أن تحصل المصارف، في المقابل، على عوائد معينة منها. ويُمكن تعريف هذا التعاون بين الفريقَيْن بأنه مجهود مشترك بين البنك وشركة التأمين بهدف تقديم المنتجات التأمينية إلى قاعدة عملاء البنوك.
ويعود ظهور التأمين البنكي Bancassurance كمصطلح للمرة الأولى، الى فرنسا في الثمانينيات من القرن الماضي، لتنتقل الفكرة إلى مصر في العام 1998. في البداية، تقول النشرة اعتقد العديد من الدول أن ممارسة التأمين البنكي ستمنح البنوك سيطرة كبيرة على المنتجات المالية في السوق، ونتيجة لذلك، تمّ تقييدها. ولكن اليوم، تسمح العديد من الدول بهذه الممارسة، ما أدى إلى نمو ملحوظ في جميع أنحاء العالم.
في التأمين البنكي توفّر البنوك قناة التوزيع وتظلّ شركات التأمين الطرف المسؤول عن تطوير المنتجات، ما يتيح للقطاعين الاستفادة من شبكة العملاء التي تمتلكها البنوك والتي تلعب الدور الرئيسي في العلاقة بين البنك وشركة التأمين. وبالنسبة للبنوك فيمكنها الحصول على فرصة لتقديم المزيد من المنتجات للعملاء، علماً ان التأمين البنكي يوفّر إمكانية الوصول إلى خدمتَيْن ماليَتَيْن مختلفَتَيْن في وقت واحد.
تتساءل النشرة عن فوائد هذا التعاون بين الطرفين، وتجيب بشكل مفصّل: بالنسبة لشركة التأمين، فانها توصل منتجاتها الى أسواق جديدة بسبب إمكانية الوصول إلى قاعدة عملاء البنك، تنشر الوعي التأميني، تزيد مبيعات وثائق التأمين، تُخفّض التكاليف المتكبدة مقارنة ببيع المنتجات من خلال قنوات البيع التقليدية لشركات التأمين. أخيراً وليس آخراً، تستفيد من الانتشار الجعرافي بفضل توافر فروع للبنوك في معظم المناطق الريفية والحضرية، ما يسهل تسويق منتجات التأمين.
وبالنسبة للبنك، فان هذا التعاون يؤمّن مصدراً للدخل يأتي من رسوم إضافية، يُخفّض التكاليف للمنتجات المصرفية المرتبطة بالقوى البشرية (بسبب استخدام الموظفين الحاليين وتدريبهم)، تكوين محفظة للمنتجات المُحسنة (Enhanced product portfolio)، وتقديم خدمات جديدة للعملاء.
وبالنسبة للزبائن، فان هذا التعاون يوفّر حلاً ماليًا كاملاً من خلال فهم جميع احتياجاتهم ومتطلباتهم، يوصل إلى مجموعة واسعة من المنتجات المالية من خلال مكان واحد الذي هو المصرف، يوفّر المشورة المعتمدة على احتياج العملاء والخدمة الموثوقة، يتطلب التأمين البنكي وقتًا أقل لإصدار الوثيقة لأن للمصرف بيانات العميل بالفعل، ترتفع ثقة العملاء بما يقدمه البنك من خدمات، يُسهّل سداد الأقساط ( بعد ربطها بحسابات بنكية)، وقد تكون المنتجات، أخيراً، أرخص من قنوات البيع التقليدية لشركات التأمين.
في ما يخص أنواع منتجات التأمين البنكي، وفق نشرة الإتحاد المصري للتأمين، تنقسم إلى نوعَيْن: منتجات تأمين الحياة و منتجات تأمين الممتلكات والمسؤوليات، وقد أوضحت الدراسات أن النسبة الأكبر من منتجات التأمين البنكي تتمثل في منتجات تأمين الحياة لارتباطها بالقروض، و ما إلى ذلك، اما منتجات النوع الثاني فهي: التأمين الصحي، تأمين المنازل، تأمين السيارات والتي يطلبها البنك عند منح العميل قرضاً لشراء سيارة ويعتبر البنك هو المستفيد الأول في هذه الوثيقة، تأمين الاشخاص الرئيسيين (كبار المديرين التنفيذيين للشركات وشركات الشراكة، إلخ)، وثائق التأمين الهندسي حيث تطلب بعض البنوك وجود وثيقة تأمين هندسي منذ بداية المشروع وحتى تسليمه، وثائق التأمين المستندي والتي ترتبط بالإعتمادات المستندية.
ولتوضيح الصورة أكثر عن هذا التعاون تطرّقت النشرة الى نماذج لمزاولة التأمين البنكي عالمياً تنظم العلاقة بين الطرفَيْن، وهي أربعة:
1-نموذج الموزّع Pure distributer Model، والمثال على ذلك البنك الهندي Indian Overseas Bank الذي يوزّع منتجات التأمين على الحياة في الهند.
2-نموذج التحالف الاستراتيجي Strategic Alliance Model، وهو عبارة عن اتفاق بين البنك وشركة التأمين لتسويق المنتجات البنكية ، ولا يتمّ، في المقابل، تنفيذ وظائف التأمين الأخرى من قبل البنك. مثال: بنك HDFC مع شركة التأمين على الحياة HDFC وشركة التأمين العام HDFC ERGO.
3-نموذج المشروع المشترك Joint Venture، ويتم إنشاء شركة مشتركة جديدة يكون فيها للبنك وشركة التأمين حصص ملكية بنسبة متفق عليها.
4-نموذج شركة تأمين- بنك مملوكة بالكامل Wholly owned insurer / bank، وفي هذا النموذج، تمتلك الشركة القابضة شركة تأمين وبنكًا. تتمثل المزايا المحتملة لهذا النموذج في إمكانية تكامل العمليات والأنظمة بشكل كامل والقدرة على الاستفادة من عملاء البنك الحاليين وإمكانية الحصول على الخدمات المالية كلها من مكان واحد وإمكانية تطوير منتجات متكاملة تمامًا.
ويبقى سؤال مهم: هل يواجه التأمين البنكي، تحديات؟ نعم، تُجيب نشرة الإتحاد المصري للتأمين، وهذه بعضها:
-يتطلب التأمين البنكي من المصارف وشركات التأمين العمل معًا، ومع ذلك، ليس من السهل دمج العمليات التجارية للقطاعين.
-صعوبة سيطرة شركات التأمين المباشرة على بيع منتجاتها وكذلك إدارة استراتيجيات التسويق. وعلى سبيل المثال، قد يكون من الصعب على شركات التأمين استهداف العملاء المناسبين.
-من الصعب أيضاً تحديد من يجب أن يتحمّل المسؤولية القانونية في حالة نزاعات العملاء والتي عملت الهيئة العامة للرقابة المالية في قراراتها علي تنظيمها في نشاط التأمين البنكي.
-بالنسبة للبنوك، يحتاج موظفوه إلى التعرّف على منتجات التأمين وفهم نشاط التأمين، الأمر الذي يتطلب عبء عمل وتدريباً أكبر.
-في حالة وجود العديد من اتفاقيات التأمين البنكي، قد يكون لدى مستشاري البنوك تضارب في العوائد المالية حيث أنهم قد يوصون بمنتج على حساب آخر بدافع المصلحة الذاتية.
-ضرورة تنويع المنتجات التي ترغب شركات التأمين في تسويقها عبر البنوك (حيث تُعدّ هذه المنتجات وسيلة للحماية أكثر من كونها وسيلة للاستثمار والادخار، ما يجعل تسويقها أكثر صعوبة).
-عدم إقبال المستهلكين على التعامل مع الوسطاء حيث يمكن أن يفضّل العملاء التعامل والاتصال المباشر، ما يميل لصالح التأمين البنكي وقد يدعم ذلك بشكل أكبر قيام البنوك بتقديم الخدمات المصرفية عبر الانترنت كأدوات لتوزيع منتجات التأمين.
لحل تلك المشاكل، تحتاج البنوك وشركات التأمين إلى مواءمة أهدافها. كما يمكن لشركات التأمين توفير التدريب اللازم لموظفي البنوك، ما يساعد على تحقيق الأهداف المشتركة والحدّ من مشكلة صعوبة التواصل بين الطرفين.
تنتقل النشرة، في ما بعد، الى التجربة المصرية في التأمين البنكي وتقول: أن هذا النشاط بدأ في العام 1998 عن طريق شركات تأمين تتعاطى منتج الحياة، وذلك بعقدها اتفاقيات مع البنوك لتسويق منتجاتها من خلال فروعها المنتشرة والتي من المتوقع ان تفيد تلك المنتجات العملاء في التخطيط للمستقبل مثل تأمين التقاعد، تعليم الأطفال، الزواج، الحوادث الشخصية، التأمين الطبي، بطاقات الائتمان التي تشمل عدة اختيارات استثمارية مثل وثائق الوحدات الاستثمارية. لكن ممارسة التأمين البنكي فى مصر بمفهومه العام يعود إلى 2003 عندما أصدر البنك المركزى المصرى وقتئذ (قطاع الإشراف والرقابة) قرارا بالضوابط اللازمة لقيام البنوك بالإعلان للترويج للمنتجات التأمينية. وبعد ٤ سنوات من بدء العمل بهذا النشاط، قام البنك المركزى بإيقافه على أثر تجاوزات وممارسات سلبية أثارت منازعات بين العملاء وشركات التأمين. ومع تزايد الحاجة لتنشيط سوق المال، تمّ الاتفاق بين البنك المركزي وهيئة الرقابة المالية على شركات التأمين، على أن يصدر كلّ منهما قرارا للجهات التابعة بالضوابط والشروط التي يجب مراعاتها لتفعيل التأمين البنكي، وفي ٢١/٥/٢٠١٣، أصدر مجلس إدارة البنك المركزي قرارا بإعادة تفعيل التأمين البنكي بمراعاة ضوابط جديدة لمزاولة هذا النشاط تهدف إلى تطوير وتفعيل التعاون فى هذا المجال بين القطاع المصرفى وقطاع التأمين (لما له من عوائد إيحابية على كل من البنوك وشركات التأمين)، وقد أودت هذه الضوابط الى تلاقي المخاطر المرتبطة بنشاط التأمين البنكي، من خلال الفصل التام بين نشاط شركة التأمين ونشاط البنك، بالإضافة إلى تأكيد متطلبات الإفصاح والشفافية. ومن هذه الضوابط أن كافة المسؤوليات تقع كاملة على شركة التأمين المتعاقد معها، وأن البنك لا يعتبر سوى قناة للتسويق وليس مسؤولا عن شروط وأحكام منتجات التأمين ولا عن سداد أى تعويضات، كما أنه يقع على عاتق شركة التأمين وحدها إصدار وثائق التأمين وتجديدها وتعديلها وإلغائها وتتحمل جميع المخاطر الناشئة عنها. وفي ضوء هذه الضوابط، أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية القرار الرقم 36 سنة 2013 الذي يطلب من الشركات الإلتزام بأحكام تسويق منتجات النمطية عن طريق البنوك المرخّص لها بمزاولة التأمين البنكي من البنك المركزي المصري، ويتضمن هذا القرار ايضاً الشروط اللازم توافرها والقواعد التنفيذية للترخيص لشركات التأمين لتسويق منتجاتها عن طريق البنوك، وعلى ان يتمّ إبرام عقد بين شركة التأمين والبنك لمزاولة نشاط تسويق منتجات التأمين النمطية.
وعقب صدور هذه القرارات والضوابط، حدثت طفرة في أنشطة التأمين البنكي، سواء من حيث حجم الأقساط التي قفزت إلى ٢.٥ مليار جنيه في العام ٢٠١٥، كما بلغ عدد التحالفات الاستراتيجية بين البنوك وشركات التأمين ١٩ تحالفاً بين شركات تأمين عالمية وإقليمية و محلية وبنوك حكومية وخاصة لعرض طيف واسع من المنتجات لا سيما تأمينات الحياة وتأمينات الافراد، ما يعني أن مرحلة الصعوبات قد تم التغلّب عليها من خلال تطوير الإطار التشريعي والتنظيمي للتأمين المصرفي من خلال اخذ كافة الدروس المستفادة في الاعتبار.
الى ذلك أوردت النشرة نماذج عالمية مثل التأمين البنكي بالهند، والتأمين البنكي في هونغ كونغ.
وفي آخر النشرة، وكما هي العادة، أعطى الإتحاد رأيه بالقول: أن التأمين البنكي يُعتبر من أقل قنوات البيع تكلفة بالنسبة لشركات التأمين، فيجب التوعية بأهميته، فضلاً عن تقديم الدعم والتدريب الكافي لموظفي البنوك، وإجراء اختبارات دورية لهم لتمكينهم من تقديم المشورة الصائبة للعملاء الراغبين في الحصول على بوليصة تأمين أو أكثر..
كذلك يجب توعية العملاء بالتأمين البنكي، وتذكيرهم بأنه نشاط يسهّل حصولهم على منتجات التأمين، كما يسهّل فرص حصولهم على بعض المنتجات البنكية مثل القروض. والى ما تقدّم، مواءمة أهداف كل من قطاعي التأمين والبنوك لتحقيق الاستفادة القصوى من التأمين البنكي للطرفين. أخيراً يجب بحث سُبُل التغلّب على ممارسات الاحتيال في نشاط التأمين البنكي.