مول خال من المستهلكين
“مؤشر جمعية تجار بيروت-فرنسبنك لتجارة التجزئة” للفصل الرابع من العام 2021، صدر قبل أيام، بعنوان يشي بالمضمون: “مزيد من الإنهيار… مزيد من التراجع..”
وفي متن النص، أن الأسواق شهدت تدهوراً متسارعاً لليرة اللبنانية في الفصل الأخير من 2021 لتلامس عتبة الـ 30 ألف ليرة للدولار الواحد، ما تسبّب تلقائياً بمزيد من التدهور في القدرة الشرائية للأُسر والأفراد، في حين لم تُطرح البطاقة التمويلية الموعودة، ولا صُرِفَت مساعدات اجتماعية خلال الفترة قيد الدرس. أما في الأسواق التجارية، فقد كان للغلاء الناتج عن تدهور قيمة الليرة أثرٌ كبير لجهة تقليص المصروف الإستهلاكي وحصره بالسلع والمواد المعيشية الأساسية، من غذاء ودواء ووقود، مع محاولة معظم الأُسر تغطية الحد الأدنى من المصاريف المتعلّقة بالعودة الى المدارس لجهة الأقساط والكتب والقرطاسية… وفي ما خصّ الوافدين خلال فترة الأعياد فكانت زيارتهم خاطفة ولم يكن ضخهّم للدولارات كافيّاً لإحداث تحسّن ملموس في أرقام الأعمال الحقيقية، اذْ كان الصرف بمعظمه بالليرة اللبنانية!
ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى الصعوبات التي ظلّ التجار يواجهونها في تسعير البضائع يومياً، تماشياً مع الإنخفاض المضطرد للعملة الوطنية، واصرار الجهات المختصة، ولا سيما وزارة الإقتصاد والتجارة، على عدم إعطاء الإذن للتجار بالتسعير بالدولار وإحتسابه عند البيع بالليرة اللبنانية حسب سعر السوق.
وبالتزامن مع كلّ تلك السلبيات، وكما ورد في التقرير، فقد “سجّل مؤشر غلاء المعيشة أرقاماً قياسية غير مشهودة على الصعيد المحلي (من الأعلى عالمياً)، وبالطبع لم يظهر أي مؤشر ايجابي يُبشّر بامكانية تعافٍ مالي قريب في الدولة، خصوصاً في ظلّ توقّف إجتماعات مجلس الوزراء، وعدم انطلاق المشاورات مع صندوق النقد الدولي، والمقاطعات التي فرضتها معظم دول الخليج مع ما سببته من شلل في الحركة التصديرية وإدخال العملة الصعبة إلى البلاد، الأمر الذي زاد من حجم الإنكماش وبالتالي أن يصل الناتج المحلي أقل من 22 مليار دولار بعدما وصل إلى 55 ملياراً في سنوات سابقة، يرافقه طبعاً انخفاض قياسي في حجم الإيرادات الحكومية ونسبة مديونية تكاد تكون الأعلى عالمياً، مع استمرار تفاقم العجز في ميزان المدفوعات رغم تقلّصه في الميزان التجاري”.
ويلفت التقرير الى ناحيَتَيْن: عد اقرار تخصيص اي جزء من المبلغ الذي حظي به لبنان من صندوق النقد الدولي، واستمرار البنك المركزي امتصاص ما أمكن من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية المتضخّمة جداً (والتي كان من المتوقّع أن تتخطى في نهاية الفصل الرابع من هذه السنة الـ 55 ألف مليار ليرة بالمقارنة مع أقل من 35 ألف مليار ليرة في نهاية السنة السابقة) عبر تعاميم وتدابير نقدية، ولا سيما تفعيل التداول من خلال منصّة صيرفة فيما بين العملة اللبنانية والدولار، لتقليص حجم التداول من خلال مكاتب الصيرفة ومحاولة ضبط سوق القطع.. فيما كانت كتلة الإحتياطي بالدولار تتقلّص دون وجود أي قناة مستحدثة لإستقطاب العملة الصعبة من الخارج أو الداخل. ولم يكن لأي ذلك بالطبع أي أثر ملحوظ على إستعداد أو امكانية غالبية الأسر اللبنانية على الإستهلاك أو حتى القيام بأي مصاريف غير الأساسية، وظلّ أصحاب النقود المخزّنة في البيوت يلجأون لها فقط في حالات الضرورة القصوى.
وبالتزامن مع كل تلك المعطيات، ودائماً حسب التقرير، “سجل مؤشر غلاء المعيشة الرسمي الصادر عن ادارة الإحصاء المركزي (CPI) إرتفاعاً شديداُ ما بين الفصل الرابع لسنة 2020 والفصل الرابع لسنة 2021، (بلغ نسة +224.39 % بعدما كانت تلك النسبة قد بلغت +144.12 % في الفصل السابق)، في حين بلغت النسبة +50.08% ما بين الفصلين الثالث والرابع لسنة 2021 (بعدما كانت قد سجّلت +47.95% في الفصل السابق له)، وبذلك تكون قد سجلت إستمراراً للتسارع في إرتفاع الأسعار، دون أن تكون الحكومة قد بادرت الى اتخاذ أي تدابير للجم هذا الإنهيار والإرتفاع الجنوني في الأسعار.
وفي ضوء أرقام التضخّم السابقة، المرافقة لإرتفاع مستمر لسعر صرف الدولار في الأسواق، ظهرت معدلات تضخّم قطاعية غير مسبوقة، في النقل، في المواد الغذائية والمخابز والمطاعم والملبوسات والتجهيزات المنزلية وغير ذلك.
وباختصار، فإن “مؤشر جمعية تجار بيروت- فرنسبنك لتجارة التجزئة” للفصل الرابع من سنة 2021، سجلّ، مرة أخرى، هبوطاً ملحوظاً يترجم حالة الكساد والركود السائدة، كما أظهر زيادات غير مسبوقة في نسبة التضخم، مع غياب تام لأي خطة تعافٍ للإقتصاد وعدم بروز أي قرارات تُنبئ بإقدام السلطات المختصة على تنفيذ برامج اصلاح ومحاربة للفساد والهدر المطلوبة من قبل الدول المانحة والمجتمع الدولي والتي، من دونها، لن يحصل لبنان على أي مساعدات إنقاذية!