عميد الصناعيين جاك صراف توجّه إلى اللبنانيين في حديثه إلينا: أوقفوا الطرش الأسود!”.
لا شك أن نداءه ينمّ عن محبة لوطنه لبنان الذي أعطاه أكثر ممّا أخذ منه، خصوصًا في المجالَيْن الصناعي والاقتصادي، وفوق ذلك رَفعَ من شأنه عندما اختيرت مؤسسته Malia Group بين مئة مؤسسة صناعية وتجارية في منطقة الشرق الأوسط عامة.
لكن للطرش الأسود أسبابًا وأسبابًا يعرفها حتمًا، ولو هو تجاهلها عن قصد. وبالتأكيد إن نحن دخلنا إلى عقله ووجدانه وليس إلى عاطفته، لوجدنا أن لديه قناعة بأن هذا الطرش جائز ومبرّر ويلجأ إليه كثيرون، لا حبًّا باللون الأسود، ومن تراه يعشق الأسود، وإنما لأن جَمْر الوضع الاقتصادي وغير الاقتصادي المأزوم، أحرق الأجساد بالتقسيط وليس دفعة واحدة، كما تفعل النيران.
ولا شك أن البريزيدان “ليس غريبًا عن اورشليم”، كما يُقال، بل هو يعيش مشاكل القطاعات الانتاجية وأزماتها ومشاكلها وصعوبة تحصيل العائدات من الأسواق، كما تصريف الانتاج، سواء في الداخل أو في الخارج، ومع ذلك نراه يعضّ على الجرح ويقول للبنانيين تفاءلوا بل أبحثوا عن الكوّات الصغيرة التي يدخل منها نور الحياة وشعاع الأمل!
لا شك أن دعوة جاك صراف مجدية ومحبَّبة ولا أحد يعترض عليها، ولكن كيف لغالبية الناس أن تبحث عن كوّات النور والأمل وهي المنشغلة بأمورها الحياتية اليومية: كيف تؤمن لقمة العيش، ومن أين ستأتي بمال يسدّد لها الأقساط المدرسية والجامعية، وقبل الأقساط، ايجار المنزل، وماذا عليها أن تفعل لتتفادى المرض والمستشفى، ثم كيف ستسدّد فاتورتَيْ الكهرباء والمياه، واللائحة تطول..
وكان بالود أن لا نطرش بالأسود، ولكن الهيئات الاقتصادية كلّها، وأنت أحد أركانها، طرشت بالأسود الداكن، حتى بدا طرشنا رمادي اللون!
نفهم تمامًا ما رمى اليه جاك صراف: لقد أراد وسط هذه الغيوم الملبّدة أن ننتظر ونرى، لأنها زائلة لا محال، وهذه وجهة نظر صحيحة وسليمة من حيث المبدأ، ولكنها، بالتأكيد، دعوة وطنية بامتياز. لكن تجارب السنين الماضية وكثرة الوعود البرّاقة، وأكاد أقول المخادعة، أصبحت تمامًا كشيكات بلا رصيد ولا مؤونة، والمؤمن لا يُلدغ من جُحْرٍ مرتَيْن!
نأمل، ولو على مضض، أن نصدّق الوعود الأخيرة وأن تُترجم قراراتٍ للتنفيذ، وإن كان هذا الأمل الضئيل قد انطفأ تمامًا عند السواد الأعظم من اللبنانيين، بدليل هذا التهافت المخيف نحو الهجرة، ومهما يكن الثمن و.. النتائج!
لقد ذكرتَ في المقابلة، حضرة البريزيدان، أن حكومة التكنوقراط لن تكون مستقلّة لأن جذورها سياسية حتمًا، ومطرحك يا واقف!
فإلى هذا الحدّ أصبح متعذرًا ايجاد عشرة أو عشرين شخصية لبنانية من الاختصاصيين المستقلين لإدارة شؤون البلد وشجونه؟ ثم ماذا عنك وعمن يشبهك، فكرًا وأداء، ألا ينطبق عليك وعليهم وصف الشخصية الاختصاصيّة المحايدة التي تُصلح للمرحلة الحالية والمقبلة؟
إن اللبناني سيوقف حتمًا الطرش الأسود يوم تختفي غربان السلطة السود ويأتي إلى الحكم من يجعلنا ننام على أمل يوم جديد وقد سَطَعَ
فيه نور الرجاء مع شمس مضيئة تشعرنا بدفء الوطن!
فضلو هدايا