حزمة واحدة
في نشرته الأسبوعية ذات الرقم 237، تناول الإتحاد المصري للتأمين موضوعاً لا يقلّ أهمية عن المواضيع التي دأب على معالجتها والتي تهمّ القطاع التأميني المصري، كما كلّ القطاعات التأمينية العربية. والموضوع المُشار إليه هو “التأمين المدمج” الذي يفيد شركات التأمين لناحية زيادة عائداتها وأقساطها، كما يُفيد وبالقدر نفسه، الراغبين بالتغطة، أفرادًا وشركات، اذ أن المنتج المعروض للشراء قد تُباع معه “أو تقدّم له مجانًا” تغطية تأمينية تعود لهذا المنتج. ومن هنا أتت التسمية “التأمين المدمج”.
والواقع أن التحقيق الموسّع المنشور في النشرة 237، جاء شاملاً من حيث التثقيف الارشادي والإعلامي. ففي المقدّمة، مثلاً، أوضحت النشرة كيف كانت تتمّ التغطيات التأمينية وكيف هي الحال مع ظهور الإقتصاد الرقمي والتغييرات التي حصلت على مستوى التركيبة السكانية والتنمية الإقتصادية، خصوصاً في منطقة آسيا والمحيط الهادي. واللافت أنّه كان لجائحة كوفيد الفضل في شراء المنتجات والخدمات التأمينية وغيرها طبعاً، عبر الإنترنت، ما دفع شركات التأمين الى تبَنّي هذا المسار لتسويق منتجاتها، وكان منها بطبيعة الحال ما يُعرف بالتأمين المدمج Embedded Insurance الذي يعني دمج التغطية التأمينية على المنتج المُراد شراؤه. ومن ذلك مثلاً: عند حجز تذكرة طيران، يُمنح العميل خيارًا لشراء بوليصة لتغطية السفر. كذلك عند شراء جهاز الكتروني، يُعطى العميل خيارًا لشراء بوليصة ضد تلف هذا الجهاز وإمكانيّة تعرّضه لحوادث السرقة من باب الحماية. ولعلّ أبلغ مثال على ذلك هو بيع السيارة مع بوليصة تأمين ضد كل المخاطر Tout risque.
وبحسب النشرة، فإن “للتأمين المدمج” أنواعًا: الأوّل، الدمج ذو صلة Related Embedding، وأفضل مثال يُعطى هو ذاك الذي أشرنا اليه عن السيارة والتأمين الشامل. الثاني هو الدمج المرتبط أو الدمج السلس Linked Embedding، ومن الأمثلة التي توضح هذا النوع من أنواع التأمين المدمج، شراء تذكرة سفر تتضمن تغطية تأمينية. الثالث: الدمج المجمّع أو القوي Bundled Embedding ويقضي بإدراج قيمة التغطية التأمينية ضمن تكلفة المنتج غير التأميني وتكون هذه التغطية من دون سعر منفصل، بل هي ضمن “حزمة” Package لا قدرة للعميل على رفضها.
وكما أسلفنا في الأسطر السابقة، فالتأمين المدمج يعود بالفائدة الى أطراف عدة تتشارك في بيع وشراء منتجات غير تأمينية، ولكن من ضمنها البوليصة التأمينيّة، ما يحمي رأس المال الإستثماري من المخاطر. وبديهي القول أن شركات التأمين التي تستفيد في زيادة أقساطها (وأرباحها) تستقطب أيضًا شريحة إضافية من العملاء الجدد، وفق نظرية “الوضع السوقي المميّز” .Value Proposition
من هنا أصبحت الحاجة الى “التأمين المدمج” أكبر من أي وقت مضى خصوصًا لجهة سدّ ثغرة فجوة الحماية من المخاطر. وفي تقرير صدر عن معهد شركة SWISS RE Institute، تبيّن أن الحماية التأمينية (المدمجة) زادت أكثر من الضعف بين 2000 و2020، ولكن هذا التطوّر لم يسدّ بعد ثغرة إضافية مرتبطة بعدم القدرة على التوفيق بين العرض والطلب بشكل فعّال، اذ أن ثمة منتجات تأمينية تكون أحياناً معقدّة وغير مرنة، والى ذلك مكلفة وتحتاج الى الكثير من الدراسات، خوفاً من حدوث خسائر غير متوقّعة. بكلام آخر، فإن هذا النوع من التأمينيات تكتنفها صعوبات في التسعير لعدم توافر البيانات الدقيقة اللازمة للإكتتاب، ومن هنا السؤال المهمّ: هل هناك طريقة أمام شركات التأمين للخروج من هذا الوضع الذي يُعيق سير أعمالها؟
نعم، تقول النشرة، فالتأمين المدمج، باعتباره طريقة جديدة لتوزيع خدمات التأمين، قد يأتي بالحل المنشود لأنه يعالج العديد من مشكلات العرض والطلب ويكون محفِّزاً لتحويل نموذج الأعمال على نطاق أوسع في الصناعة. ولنا في الأمثلة المرفقة ما يُفيد في ابتكار الحلول:
– المثال الأول مأخوذ من المنصة العالمية CHUBB StudioSM التي تعمل على تبسيط توزيع منتجات التأمين الخاصة بالشركة من خلال القنوات الرقمية لشركائها في جميع أنحاء العالم ، إذ تتيح تأمين مدمج للمنتجات أو الخدمات في التجارة الإلكترونية والبنوك والتكنولوجيا المالية وشركات الطيران والاتصالات وتجارة التجزئة وغيرها من الصناعات، فضلاً عن أنّها توصل الشركاء رقمياً بمنتجاتها المعروفة بمجموعة CHUBB بما في ذلك تغطية الحوادث الشخصية والتأمين الطبي وتأمينات الحياة وتأمين المنازل والهاتف المحمول وتأمين السفر والتأمين على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بالإضافة إلى خدمات العملاء وإدارة المطالبات.
– المثال الثاني، وهذه المرة من الصين من مجموعة Ping An Insurance Group التي أنشأت عدة منصات في قطاعات عدّة مثل الاستشارات الطبية عن بُعد ومبيعات السيارات والخدمات المصرفية والعقارات، وقد باعت معها “التأمين المدمج”.
– المثال الثالث، منصة Uber، العائدة لشركة النقليات التي يعمل فيها 3 ملايين سائق حول العالم. ان هذه المنصة توفّر تغطيات للسائق خلال العمل وخارجه. ونظرًا لحجم قاعدة السائقين هذه، فان لديها القدرة على تقديم منتجات أكثر تعقيدًا مثل المعاشات التقاعدية والتأمين على الحياة والتأمين الصحي، فضلاً إلى الخدمات المالية الأخرى مثل الحسابات المصرفية والقروض.
وثمة سؤال آخر يحتاج الى اجابة: هل ستنمو صناعة “التأمين المدمج” في افريقيا والشرق الأوسط؟
نعم، بحسب النشرة، اذ ورده في تقريرٍ عن هذا النوع من التأمينات، وفي هاتين المنطقتَيْن تحديدًا. ان هذا النوع سينمو هذا العام بنسبة 40،2 بالمئة، أي ما يقدّر بـــ 325 مليار دولار أميركي، ليصل هذا المبلغ إلى 7763،3 مليون بحلول العام 2029، خصوصاً وأن هاتين المنطقتين شهدتا نمواً كبيراً في الطلب على “التأمين المدمج” من قبل برنامج المركبات والدراجات البخارية والكهربائية بعد الإرتفاع الكبير في متطلبات توصيل المستلزمات المنزلية Delivery. وفي تقرير صادر عن InsTech London ، فمن المتوقع أن ينمو سوق التأمين المدمج نمواً ملموساًمن إجمالي الأقساط المكتتبة بحلول عام 2030، أي أكثر من ستة أضعاف حجمه الحالي، وسيكون هذا النمو متصاعدًا إلى حدّ كبير في الصين وأميركا الشمالية اللتين ستمثلان أكثر من ثلثي السوق العالمية بعد عقدٍ من الزّمن.
يبقى أن نستمع إلى رأي الإتحاد المصري للتأمين، معدّ هذه النشرة، في ما خصّ “التأمين المدمج”، وقد ورد ما يلي:
– يظهر التأمين الضمني كطريقة جديدة وسلسة لتسويق خدمات التأمين وتقديم قيمة أكبر للسوق، ما سيمثل لشركات التأمين فرصة لزيادة الإيرادات وخفض تكاليف التسويق، وخاصة في المناطق الريفية والمحرومة من الخدمات ومنخفضة الدخل. ومن ناحية أخرى يوفر التأمين الضمني للعملاء ميزة الحصول على تأمين ميسور التكلفة ومناسب من حيث الزمان والمكان. وبفضل طرق توزيع التأمين الأكثر حداثة ومرونة والتي تبدو وكأنها جزء من الحياة اليومية للناس، سينتهي المبدأ القديم القائل بأنّ “التأمين سلعة تباع، ولا تًشترى”. لقد وصلنا إلى عصر جديد حيث يمكن شركات التأمين استهداف شرائح من العملاء لم تصل إليهم من قبل، وبالتالي يرى الاتحاد المصري للتأمين ضرورة تفعيل هذا النوع من التأمين ودراستة من كافة جوانبة واستغلال ما تشهده مصر من طفرة في التكنولوجيا المالية والتحوّل الرقمي في تقديم هذا النوع من التأمين.