محاربة التلوّث تقتضي البحث عن حلول لوقود الطائرات والسيارات، اعتماد الطاقة الشمسية، وقف الإنبعاثات من المصانع، والإعتناء بالأرض
في إطار مسعاه لإغناء قطاع التأمين العربي بكل ما هو جديد وله مردود ايجابي على الأفراد، كما الشركات، كما الدول، خصّص الإتحاد المصري للتأمين نشرته الأخيرة (282) للحديث عن البصمة الكربونية، ومعدّل انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون على مختلف المستويات: أفراد، مصانع، منتجات وحتى دول، من زاوية تأمينية بهدف مساعدة قطاع التأمين على تطوير فهم أعمق لهذا الموضوع الذي يأتي على رأس القضايا التأمينية المعاصرة، من منطلق أن قياس البصمة الكربونية لمحافظ التأمين هو عنصر حاسم في فهم المخاطر وادارتها.
فماذا في هذه النشرة المهمة، وما هي الإجراءات المطلوبة من شركات التأمين للمشاركة في هذا التحدي المناخي والمساهمة في المساعي الدولية للوصول الى صفر ابعاثات؟
هذا ما سنتعرّف اليه في الأسطر التالية…
يلعب قطاع التأمين دوراً مهمّاً في القضايا المناخية ولا سيما منها قضية الانبعاثات الكربونية. لهذا، ودعماً للجهود الدولية للحدّ من انبعاثات الكربون بما يتماشى وأهداف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 للوصول الى نسبة أقل من 2 درجة مئوية ومتابعة الجهود للوصول الى 1،5 درجة، فقد بدأت شركات التأمين تركّز بالفعل على حساب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) وتقليلها عبر محافِظهم الاستثمارية. وعادة ما تكون تلك الانبعاثات المموّلة -أي الانبعاثات الناتجة عن المنتجات المؤمن عليها- أكبر بكثير من الانبعاثات الناتجة من العمليات المباشرة للشركة.
وتتمثل الفكرة بشكل أساسي في أنه من خلال تحليل الانبعاثات المموّلة، تقرّر الشركة كيفية مشاركتها في تغيّر المناخ، وفي هذا الإطار يقوم بعض شركات التأمين بتحليل انبعاثاتها المؤّمنة أو البصمة الكربونية للشركات التي تقدّم لها التأمين، وهو ما يُعتبر اتجاهاً ناشئاً في صناعة التأمين، بعدما باتت الشركات تركّز على توجيه محافظها الاستثمارية الضخمة بعيدًا من الأعمال التجارية الملوثة.
وينعكس هذا التحوّل في التطورات الأخيرة في صناعة التأمين والتي تمثلت في تأسيس تحالف من أجل الانبعاثات الصفرية Net-Zero Insurance Alliance (NZIA) ، مؤلف من ثماني شركات تأمين وإعادة تأمين رائدة ، تلتزم تحويل محافظ التأمين وإعادة التأمين الخاصة بها إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول العام 2050.
وكانت شراكة من أجل المحاسبة المالية للكربون (PCAF) The Partnership for Carbon Accounting Financials ، قد أعلنت في أيلول (سبتمبر) 2021، بالتعاون مع NZIA ، عن إطلاق مجموعة أعمال لتطوير أول معيار عالمي لقياس الانبعاثات المؤمّنة والكشف عنها. وفي تشرين الثاني (أكتوبر) 2021، نشرت فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ Task Force on Climate-related Financial Disclosures (TCFD)، تحديثًا لدليل التنفيذ الخاص بها، أوصوا فيه ما يلي: “على شركات التأمين الإفصاح عن المتوسط المرجّح لكثافة الكربون أو انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالممتلكات التجارية وفروع التأمين ذات العلاقة، وبما تسمح به البيانات والمنهجيات.
فما هي آليات تقليل البصمة الكربونية؟
انها بنود خمسة يمكن الأفراد عموما تقليل البصمة الكربونية الخاصة بهم عن طريق استخدام وسائل نقل أكثر استدامة، والتقليل من استهلاك اللحوم، وبدلاً منها استهلاك المنتجات المحلية والموسمية وشراء الأشياء المستعملة، والملابس المصنوعة بطريقة مسؤولة بيئياً (مُعاد تدويرها أو تحمل ملصقً بيئياً) وغيرها من الممارسات، أما على مستوى الشركات فيمكن الشركات اتخاذ العديد من الاجراءات، ومن أبرزها:
-إعادة التدوير، لأنها تحدّ من عدد المواد الخام اللازمة لإنشاء منتج من الصفر.
–استخدام الموارد المُعاد تدويرها، وعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد استخدام المنتجات الورقية المعاد تدويرها في الحدّ من إزالة الغابات والحفاظ على التوازن البيئي.
–التعامل مع المورّدين المستدامين الذين يتمتعون بشهادات تساعد على اختيار الموردين المستدامين كشهادة الأيزو 14001 (ISO 14001).
–حضور الاجتماعات عن بُعد عبر تطبيقات الشبكة الدولية للمعلومات، التي توفّر أوقات تنقل الموظفين ونفقات السفر، كما تقلل هذا التدبير من انبعاثات السفر للشركة.
-استخدام المواصلات العامة او مشاركة السيارات في رحلات العمل ، خاصة في ضوء انتشار ما بات يعرف بـ “اقتصاد المشاركة” sharing economy أو “الاستهلاك التشاركي” collaborative consumption .
أما المنافع المترتبة على تطبيق بروتوكول الغازات الدفينة A Greenhouse Gas Protocol (GHG or GhG) ، فهي:
-بالنسبة لانبعاثات الكربون الناتجة عن الشركة: تعد انبعاثات الكربون الخاصة بالشركة مقياسًا مهمًا لتأثيرها على البيئة، نظراَ الى أنه يُمثّل مؤشرًا غير مباشر لاستهلاك الطاقة والمنتجات والخدمات ويقيس كمية الانبعاثات الكربونية التي تتوافق مع أنشطة أو منتجات الشركة.
-بالنسبة لانبعاثات الكربون الناتجة عن المنتج، فالبصمة الكربونية للمنتج، تشمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة خلال دورة حياة المنتج، من استخراج المواد الخام حتى التخلّص من النفايات.
وبالإضافة الى ذلك، تتمثل فوائد تتبع بصمة الكربون بالنسبة للشركات في: تعزيز الميزة تنافسية، أي تحسين الصورة الذهنية للشركة Image من قبل العملاء و المستثمرين وأصحاب المصالح، تأكيد التزام الشركات بعدما الالتزام الأخضر بات جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الشركة بقطع النظر عن حجم الشركة، اذ يمكن أن يساعد تقرير البصمة الكربونية للشركة في تحسين الثقة بها وصحة البيانات المستخدمة في إعداد تقارير الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) والتي باتت مطلباً أساسياً لتعزيز الاستدامة في مجال الأعمال، مقابلة متطلبات العملاء والموردين، (اذ قد يطلب العملاء الذين يتلقون الخدمات أو المنتجات والموردين معلومات عن البصمة الكربونية)، تعزيز الجاذبية الاستثمارية، اذ تقدم هذه الجاذبية المزيد والمزيد من الشركات، بيانات عن بصمة الكربون في قاعدة بيانات مشروع الكشف عن الكربون العالمي والتي تجمع المعلومات للمستثمرين، مما يجعل الشركة أكثر جاذبية للمستثمرين، تدنية التكاليف، وهو ما يفيد في تحديد أي جزء من أنشطة الشركة يستهلك أكبر قدر من الطاقة والموارد في ظل وجود إمكانية لتخفيض التكاليف بناء على منهجية علمية دقيقة. يبقى أخيراً التسويق الأخضر الذي يهتم عدد متزايد من العملاء بتأثير المنتجات على المناخ والبيئة، ومن ثم يدعم تتبع البصمة الكربونية آلية التسويق الأخضر.
تجدر الإشارة إلى أن مبادرات عدة مثل مشروع الإفصاح عن الكربون Carbon Disclosure Project (CDP) ، المعروفة سابقًا باسم “مشروع الكشف عن الكربون” ، وبروتوكول غازات الاحتباس الحراري (GHG)، شجعت الشركات في جميع القطاعات على الافصاح عن البصمة الكربونية الخاصة بها لعدد من السنوات. ويلتزم الإفصاح عادةً بالنطاق 1 و 2 و 3 للانبعاثات الموصوفة في بروتوكول الغازات الدفيئة. وتصنّف النطاقات الثلاثة تلك الانبعاثات في بروتوكول غازات الاحتباس الحراري (GHG) كالتالي:
-النطاق الأول: الانبعاثات المباشرة من مصادر الشركة، مثل احتراق الوقود واستخدام مركّباتها.
-النطاق 2: الانبعاثات غير المباشرة للطاقة المشتراة للتشغيل (الكهرباء والتدفئة والتبريد) الناتجة عن شراء الكهرباء أو الحرارة أو البخار أو التبريد من مزود الطاقة.
-النطاق 3: جميع الانبعاثات غير المباشرة الأخرى من سلسلة القيمة، هي الأكثر تعقيدًا من انبعاثات المنظمة نظرًا لمدى اتساعها وكيفية اختلافها على نطاق واسع بين المنظمات، مما يقلل من احتمال إدراجها في قوائم جرد غازات الدفيئة في العديد من المنظمات.
وبما أن سلاسل الإمداد الخاصة بالشركات تتسّم بقدر كبير من التعقيد، فإن الإبلاغ عن هذه الانبعاثات يمثّل تحديًا، وبالتالي لا يزال توجد فجوات كبيرة حاليًا يتمّ الكشف عنه.
وتتمثّل صلة انبعاثات الكربون المباشرة بالمؤسسات المالية في أن النطاق 3 يشمل انبعاثات الغازات الدفيئة من داخل الأنشطة الاستثمارية للشركة، والمُعرَّفة على أنها انبعاثات مموّلة.
والسؤال الآن: من هي الدول الأكثر مساهمة في إنتاج انبعاثات كربونية؟ والجواب: لقد أصبح المستهلكون حالياً، لاسيما في الدول المتقدمة، أكثر وعيًا بالآثار البيئية للمنتجات التي يشترونها من السوق. ووفقاً لاستطلاع YouGov لعام 2020 لأكثر من 10 آلاف مستهلك حول العالم، يؤيد ثلثا المستهلكين (64٪) مفهوم وضع العلامات الكربونية على المنتجات لإظهار أن المنتجات قد تمّ تصنيعها مع الالتزام بقياس وتقليل انبعاثات الكربون.
كذلك، يمكن أن يقوم الفرد بمراقبة وقياس بصمته الكربونية الفردية للمساهمة في التخفيف من آثار تغيّر المناخ اذ ينتج بعض الافراد كميات من ثاني أكسيد الكربون أكثر من غيرهم، وفقاً لنمطهم السلوكي. وعلى سبيل المثال يبلغ متوسط البصمة الكربونية للفرد في الولايات المتحدة ستة عشر طناً، وهي واحدة من أكبر البصمات في العالم، فيما يمثل متوسط البصمة الكربونية على نطاق عالمي حوالى أربعة أطنان. وللحصول على أفضل فرصة للحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، يجب قياس بصمات الكربون على مستويات متعددة.
يبقى معرفة رأي الإتحاد المصري للتأمين الذي ختم نشرته الأسبوعية ذات الرقم 282 بالقول: تحتاج صناعة التأمين إلى تسريع جهودها تجاه المناخ، والتي بدورها ستتطلب فهماً أوسع وأعمق للمخاطر والفرص المتعلقة به، اذ يُعدّ فهم كيفية ملاءمة أجزاء مختلفة من أعمال التأمين مع أطر الاستدامة المحددة، خطوات أولى حاسمة للقدرة على تحديد أهداف التخفيض المستندة إلى العلم، وبالتالي المساهمة في إجراءات مناخية هادفة.
ومن الجدير بالذكر، فإن لجنة التأمين المستدام بالاتحاد، تقوم بدراسة ما يحتاجه سوق التأمين حالياً لفهم المتطلبات ومساعدة شركات التأمين لتسريع جهودها تجاه المناخ. كما يقوم الاتحاد المصري بإعداد دليل للتأمين المستدام بحيث يكون دليل استرشادي لشركات التأمين.