يُعرف فيروس كورونا الجديد، تمييزا له عن فيروس كورونا الذي انتشر قبل عدة سنوات، باسم Covid-19، كونه من عائلة جديدة من الفيروسات التاجية التي تنتقل من الحيوانات الى البشر، وهذه المرة من الثعابين والافاعي وليس من الطيور والخنازير والجِمال. ويصيب هذا الفيروس الجهاز التنفسي العُلْوي،مسبّبًا متلازمة تنفسية حادة. وكانت وراء هذه التسمية الجديدة، مجموعة من الدراسات المعنية بفيروس كورونا والتابعة للجنة الدولية لتصنيف الفيروسات.أشير بداية إلى أنّ فيروسات الكورونا هي زمرة واسعة من فيروسات قديمة بينها ما تسبّب بمجموعة من الاعتلالات التي تتراوح ما بين نزلة برد عادية تُصاحَب بارتفاع درجة الحرارة وبالعطاس وبالسعال وبين متلازمة تنفسية حادة انتشرت في السعودية في وقت سابق واعتبرت الجِمال مصدرها.
في جميع الحالات، فإن فيروسات “الكورونا” تَحوِّر فيروسات حيوانية لتصيب وتُعدي البشر. ويتوقع العلماء انه حَدَثَ تطوّرٌ جيني في الفيروسات، ويُعزى الامر، من الناحية المبدئية، إلى تناول لحوم حيونات او العدوى من حيوانات مصابة بالفيروس عن طريق الرذاد او البقايا الجافة، وبخاصة ان للفيروسات قدرة على العيش لمدة تزيد عن تسعة أيام على الاسطح.
يأتي اسم فيروس كورونا المعروف علميًا باسم “الفيروس التاجي”، من شكله الذي يُشبه التاج أو التاج الشمسي عند تصويره باستخدام مجهر إلكتروني. وتُظهر الصورة المجهرية الإلكترونية كامل التفاصيل الهيكلية لشكل التاج الذي سُمي الفيروس نسبة إليه. وقد لوحظ ثمة تشابه مع المتلازمة التنفسية الشرق أوسطية “ميرس” (MERS)، بحسب المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية.
وتشير المعلومات العلمية المتوافرة أنّ فيروس كورونا الجديد ينتقل عن طريق الهواء ويصيب في المقام الأول الجهاز التنفسي العُلْوي والجهاز الهضمي للثدييات والطيور. وهو ينتمي الى إحدى العوائل الفيروسية الكبيرة المعروفة بتأثيرها على الإنسان والحيوان وتسمى باسم Coronaviridae. تمّ اكتشاف أول فيروس من هذه العائلة في العام 1960، وتبيّن أنّ مادته الوراثية تتميّز بأنها عبارة عن خيط مفرد موجب القطبية يسمى بحمض ريبي نووي (RNA). وكورونا كلمة لاتينية تعني التاج (Crown)، وهي مأخوذة، كما أسلفنا، من شكل الفيروس الذي بدا بالمجهر الالكتروني تاجًا. ويتراوح طول قطر الفيروس بين 120 إلى 150 نانو مترًا، في حين يترواح حجم المادة الوراثية بين 27 و32 ألف قاعدة نيتروجينية.ولكن ماذا عن مصدره وكيفية انتقاله، وإعادة انتشاره؟
بينما يُعتقد أن فيروس كورونا الجديد حيواني المنشأ، ومن المحتمل ان تكون الثعابين- وتحديدًا أفعى “كرايت” أو ما تُعرف بـ«الكوبرا الصينية”- السبب وراء تفشّي هذا الفيروس القاتل وتجاوزه خارج حدود الصين، فإنّ هذا النوع من الثعابين – المعروف أيضًا بـ “الأفعى التايوانية أو الأفعى الصينية”- معروف بأنه من الأنواع شديدة السُميّة التي توجد في وسط وجنوب الصين وفي جنوب شرق آسيا. وقد أبلغت الصين عن حدوث حالات عدوى بشرية مؤكدة بفيروس كورونا الجديد المسبِّب للمتلازمة التنفسية الحادة في مدينتَيْن تمّ تشديد الرقابة الصحية عليهما. وتمّ الإبلاغ عن حالة اميركيّة تبيّن أنّها تعود لشخص كان في المدينة الصينية المصابة.
اما كيف انتشر هذا الفيروس وانتقل الى البشر، فلا تزال الطريقة غير معروفة، الا ان تتبع الاثار قاد الى أن ثعابين بيعت في سوق المأكولات البحرية المحلي في ووهان، الأمر الذي زاد من احتمالية أن يكون فيروس كورونا الجديد انبثق من أحد الحيوانات الحاملة له من الخفافيش إلى الثعابين ثم إلى البشر. وقد تمّ إغلاق هذا السوق لافتقاره الى الشروط الصحية والذي يُعتبر، كما اشارت تقارير صينية، بأنه سوق فوضوي وقذر. وتستهدف هذه العائلة من الفيروسات، الجهازَيْن التنفسي والهضمي لدى الإنسان والثدييات والطيور. وإلى ذلك، فإنّ فيروسات الزكام العادي تنتمي إليها أيضًا.
عن أعراض هذا الفيروس الذي تفشّى سريعًا، تشير الأبحاث إلى أنّه يختلف عن غيره من فيروسات الكورونا في بنيته الجزيئيّة، ويتشابه معها في الأعراض، إذ غالباً ما يصيب الجهاز التنفسي. وتشمل الأعراض: الحمّى والسعال وضيق النَّفَس بما يتشابه مع أعراض ذات الرئة والتي قد تكون حادة وشديدة، وقد تؤدّي إلى الوفاة، أو قد تكون خفيفة الشدّة تشبه أعراض الأنفلونزا، بحيث يصعب ملاحظتها. لذلك ينبغي على موظفي مؤسسات الرعاية الصحية من باحثين وأطباء ومخبريين وممرضين اتباع أقصى درجات الحذر عند وصول حالات خفيفة الشدة من الإصابة بالفيروس.
وينتقل المرض بالتعامل المباشر مع المريض (من إنسان إلى آخر)، وفي دراسات جديدة، فقد تمّ اكتشاف بعض حالات العدوى من الحيوانات إلى الإنسان بشكل مباشر عن طريق التنفّس (استنشاق الرذاذ) أو عن طريق الأسطح الملوثة، مثل الوسائد والشراشف وغيرها، ومن هنا ضرورة غسل اليديْن جيّدًا بالصابون، واستعمال المطهّرات الكحولية والمناديل عند العطاس، بدلا من الايدي.
وقد ثبتت قدرة هذا الفيروس على الانتقال بين الناس، كما ثبتت إصابة عدد من العاملين في المجال الصحي به عن طريق العدوى من المرضى، وتوصي منظمة الصحة العالمية العاملين في مجال الرعاية الصحية باستخدام الإجراءات الوقائية من الأمراض التنفسية عند الكشف على المصابين به.
وعلى رغم أن معظم فيروسات كورونا لا تظهر على المُصابين بها، إلا ان أعراضه شبيهة بأعراض الأنفلونزا العادية، ولكنّها أشدّ إيلامًا. ويمكن لفيروسيّ SARS (2003) وMERS (2012) أن يُسبّبا أمراضًا تنفسية شديدة ومضاعفات أخرى قد تصل إلى الوفاة بالنسبة للبشر، علمًا أنّ فيروس كورونا الجديد يُسبب أعراضًا تُشبه أعراض SARS وMERS، إذ يُعاني المُصابون به التهابًا رئويًّا حادًّا.
وماذا عن الوقاية؟من النصائح المهمّة للوقاية منه هو عدم إهمال الاعراض ومراجعة المستشفى في حال تطوّر الحمّى وأعراض عدوى السبيل التنفّسي السفلي (كالسعال وضيق التنفّس)، وعدم تراجعها خلال 14 يوماً من زمن بدئها. وعند الشكّ في وجود مخالطين بالسفر، يجب عليه أن لا يتردّد بإجراء الفحوص والتي منها البلمة الجزينيّة P.C.R، على أن يُعاد أكثر من مرّة لأنّ النتيجة إذا كانت سلبيّة لا تعني أنّه غير مُصاب. ومن النصائح الأخرى الموجّهة للعامّة: المثابرة على غسل اليدَيْن بالماء والصابون لمدّة كافية، واستعمال المناديل عند العطاس بدلا من الايدي وغسلها جيدًا، ويُفضّل استعمال المطهّرات الكحولية وعدم لمس العينَيْن والأنف والفم بيدَيْن ملوّثتَيْن، وأيضاً تجنّب التماسّ مع الأشخاص الذين تظهر تلك الأعراض التنفسية عليهم.أيضًا، يجب تفادي التماس المباشر مع الحيوانات في الأماكن المرتفعة الخطورة للإصابة بالفيروس. وإلى ذلك، يُفضّل ارتداء الكمامات للوقاية من العدوى. ويمكن ان يكون غطاء الراس كالشماغ والعمامة في بلاد الشام، مساعدا في منع العدوى للرجال والخُمار غطاء الوجه للنساء مساعدا قويا في منع العدوى، وهذا يفسر سبب منع انتشار الانفلونرا التنفسية للشرق الاوسط MERS في اصابة النساء في السعودية.لا يوجد لقاح للمرض حتى الآن، علمًا أنّ إنتاج أيّ لقاح يستغرق على الاقل سنة. ومن المتوقع ان يكون على عدة جرعات كمطعوم الكبد الوبائي، أو سنوي كمطعوم الانفلونزا، لان الفيروس شديد الطفرات، وهذا قد يفسر الاصابات الكبيرة في اوروبا التي اضحت بؤرة للمرض، بالاضافة الى الصين (التي تعافت إلى حدّ كبير) وايران التي لا تزال تشهد سقوط ضحايا بسبب هذه الجائحة. ومع ذلك فقد نجحت بعض التجارب على الحيوانات، ولا تزال الأبحاث جارية في هذا السياق، مع التذكير أنّه لكشف الفيروس لا بدّ من إجراء أحد الفحصَيْن:1- PCR (Polymerase Chain Reaction)٢- (ELISA (Enzyme Linked Immuno-Sorbent Assayفي ما خصّ الادوية التي يجري استخدامها حاليا، فإنّ أبرزها هو hydroxy chloride دواء الملاريا المعروف، بعدما تبيّن تداخله مع المستقبلات للفيروس على جدار الخليه، حائلاً دون اختراقه الخلية. وممّا بات متعارفًا عليه، هو ان يُعطى في البداية قبل ان تتكاثر اعداد Covid-19. وقد أجازت منظمة الصحة العالمية استعماله كحلّ متاح، إذ اما يموت المريض او يستعمل الدواء، وليس شرطا ان يتحسن، لانه في الاردن، مثلاً، استخدم الدواء للمرضى فاستفاد بعضهم والقلة لم تستفد.جاري العمل حاليا على تجربة ادوية الفيروس المعروفة ومشتقاتها مثل Tamiflu وRemadesphere في علاج فيروس MERS في الخلايا المزروعة معمليًّا وكذلك في الفئران. أوضحت النتائج أن الاستخدام الوقائي والعلاجي للعقار أدى إلى تحسين وظائف الرئة وتقليل مدى تأثرها بالفيروس، كما ساعد العقار “قرود المكاك” (قرود الثلوج) على العلاج والوقاية من بعض الفيروسات مثل الإيبولا. وفي الصين تستخدم أدوية Favipravire، Ritonavir وLopinavir التي استخدمت في علاج الايدز، والأخيران مضادات متلازمة نقص المناعة البشري. وعند الحاجة يُستعان بمضاد حيويّ مثل Ritonavir وLopinavir كما يقترح دواء Tocilizumab المضاد للإلتهاب لعلاج العوارض الصعبة في حالات المرض المتقدمة. كما يقترح الروس الثلاثي الدوائي من Ribavirin وRitonavir /Lopinavir وInterferon Betta B1 في علاج الفيروس.لا تزال مضادات فيروسات أخرى قيد البحث عن فعاليتها في علاج الفيروس الجديد. قد يترك للطبيب أو المشفى تقدير الخطر والمنفعة من إعطاء الدواء حسب حالة المريض. يمكن القول أن علاجا ناجحا مجمعا عليه ومثبتا بالتجارب الإكلينيكية، لا يزال مبكراً. يجدر العلم بأنه في أكثر من 80% من حالات الإصابة بالفيروس لا يحتاج المريض أصلا للذهاب أو البقاء في المستشفى ويكتفي بالحجر المنزلي واستخدام خافض حرارة ومسكن مثل Paracetamol إن لزم الأمر.