عمليات التلقيح غابت عن لبنان
——————
سنتيا تبشراني
وَعْد وزير الصحّة حمد حسن بالنسبة لبدء توزيع لقاحات Pfizer وModerna في منتصف شباط المقبل، بدا وكأنّه يُشبه وَعْد رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب بكشف أسباب انفجار مرفأ بيروت في خمسة أيام، ذلك أنّ التّوقيع على هذه “الصفقة” تمّ قبل يومَيْن، وهو ما أثار الشكوك لدى البعض، بأنّ هذه اللقاحات لن تصل إلى لبنان إلاّ بعد أن يكون نصف اللبنانيّين قد أصيبوا، لا سمح الله، بـ Covid-19. صحيح أنّ وزير الصحّة ردّ على هذا التأخّر في التوقيع بطمأنة اللبنانيّين بأنّ وصول الكمية المرصودة للبنان سيحصل في الموعد المحدّد، لكنّ التجارب السابقة، لا على صعيد وزارة الصحّة وإنّما على صعيد مُجمل سلوكيّات الدولة بأجهزتها كافة، جعلت اللبنانيّين غير مقتنعين بكلام الوزير كي لا يصابوا، ربما، بخيبة أمل ثانية، بعد خيبة التحقيق في انفجار المرفأ، وهذا يعني، سواء وصلت الشحنات في الموعد المضروب أو تأخّر وصولها، وهو ما لا نتمنّاه، فإنّ لبنان سيكون على قائمة الدول العربيّة المتأخّرة على الصعيد الصحّي بسبب تأخّر اتّخاذ الإجراءات الصحيّة المطلوبة، وهو الذي كان دائمًا في طليعة الدول المهتمّة بالشأنَيْن الصحّي والاستشفائي، إلى درجة أنّ “سياحة الاستشفاء” كانت توازي، من حيث الأهميّة، السياحة العادية التي اشتهر بها والتي توقّفت منذ ثلاث إلى أربع سنوات، بفعل استهتار المسؤولين وتنافسهم على الكراسي والمناصب والمغانم. نقول أنّ لبنان بات على لائحة الدول العربية الأقلّ اهتمامًا بصحّة مواطنيها، لنشير إلى أنّ هذه القائمة ضمّت دولاً عربية باشرت بتلقيح مواطنيها أو هي في الطريق إلى بدء هذه المسيرة، أو هي حجزت حصّتها منذ أسابيع، وباتت وصول الشحنات إليها قاب قوسَيْن أو أدنى، تجنّبًا للمصير الغامض الذي يتسبّب به فيروس كورونا والذي بدأت طلائعه تظهر في المجتمع اللبناني.
على رأس قائمة الدول العربية الأكثر اهتمامًا بشعوبها، هناك ستّ دول خليجيّة بدأت فيها عمليّات التلقيح، أوّلها دولة قطر التي باشرت المهمّة في 24 كانون الأوّل الماضي معتمدةً لقاح Pfizer-Piontech، فالكويت ثمّ سلطنة عُمان، فالسعوديّة والبحرين، وهذه الأخيرة اعتمدت لقاح Sinopharm الصيني، فالإمارات التي اعتمدت على اللقاحَيْن معًا: الأميركي – الالماني والصيني. إلى ذلك، فثمة دولتان عربيّتان تلقّتا شحنات من ملايين جرعات اللقاحات من دون إعلان موعد محدّد لبدء التطعيم هما المغرب التي حصلت على 65 مليون جرعة من لقاحَيْ Astrazeneca وSinopharm، والسودان التي وصلتها ثمانية ملايين وأربعماية ألف جرعة من لقاحٍ لم يكشف رئيس وزرائها عبدالله حمدوك عن هوية اللقاحات التي وصلتها.
من جانب آخر، فإنّ دول عربية لا تزال تنتظر شحنات التطعيم بعدما تعاقدت مع شركات مُصنّعة هي: الأردن، العراق، تونس، الجزائر، ليبيا ولبنان. وكانت مصر قد تلقّت أوّل شحنة من اللقاح في بداية الشهر الماضي، هي عبارة عن 50 ألف جرعة. وبهذا الصدد، أشارت وزيرة الصحّة المصريّة هالة زايد أن التطعيم سيبدأ عند وصول الدفعة الثانية وهي أيضًا 50 ألف جرعة في نهاية الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، علمًا أنّ المستفيدين الأوائل من اللقاحات سيكونون أعضاء الفرق الطبيّة، ثمّ المواطنين الذين يعانون أمراضًا مزمنة. ومن المعروف أنّ عدد سكّان مصر يصل حاليًا إلى مئة مليون نسمة وأنّ وزارة الصحّة ستشتري 40 مليون جرعة من اللقاح الصيني وعشرين مليونًا من اللقاح البريطاني-السويدي Astrazeneca Oxford، فضلاً عن 40 مليون جرعة من منظمة الصحة العالميّة. وبحسب الوزيرة المصريّة، فإنّ التطعيم “لن يكون بلا مقابل للجميع” وأنّ “القادرين على دفع ثمنه سيشترونه وأنّه ستكون هناك آلية لتوفيره مجانًا لغير القادرين”.
إلى ذلك، فإنّ فلسطين وموريتانيا، ووفق آلية Covid-19 لتوزيع اللقاحات، ستحصلان على شحنات من لقاحات مجانية من منظمة الصحة العالمية. وأخيرًا هناك خمس دول عربية هي: سوريا، اليمن، جيبوتي، الصومال وجزر القُمر لا تزال المعلومات عن شراء اللقاحات يلفّها الغموض، إذ لكلٍّ منها سببها الخاص.
نعود إلى لبنان لنقول أنّه كان على الحكومة بسبب الضائقتَيْن المالية والاقتصادية أن تعتمد التجربة المصرية الأخيرة، أو تسمح للقطاع الطبّي الخاص شراء اللقاحات وبَيْعها في مراكز صحيّة واستشفائيّة معيّنة لقاء بدل مدروس، لمن تتوافر عنده الامكانات الماديّة، على أن تتولّى هي، عبر وزارة الصحّة، استيراد لقاحات للطبقات غير الميسورة من ميزانية الدولة أو مجانًا من منظمة الصحة العالمية، وكلّ ذلك ضمن مراقبة متشدّدة كي لا يصبح هذا اللقاح سلعة للمتاجرة في السوق السوداء، كما حصل مؤخّرًا مع لقاحَيْ الانفلونزا اللذَيْن كان يُباع الواحد منهما في السوق السوداء بسعر وصل إلى 30 دولارًا، بينما لم يتعدَّ سعره الرسميّ الـ 15 ألف ليرة لبنانية.