البنك المركزي هل يعرقل البعض خطّته؟
هل نحن فعلاً على أبواب التخلّي عن العملة الورقيّة واستبدالها بالبطاقات الإئتمانيّة، إذا لم يكن في المدى القريب ففي المدى البعيد؟ واستطرادًا.. هل سيتمّ التخلّي عن الليرة الورقيّة وتحويلها إلى عملة رقميّة، حسبما ذكر لنا مرحبًّا ومؤيّدًا، السيد رمزي الصبّوري، الرئيس التجاري في شركة areeba؟
يبدو أنّ هاتَيْن الخطوتَيْن أصبحتا على قاب قوسَيْن أو أدنى من التنفيذ بعدما حدّدت المصارف سقف السحوبات بالعملة اللبنانية، وكذلك مع بدء الحديث بشكل رسمي عن إطلاق البنك المركزي في لبنان هذه العملة الرقميّة في بحر العام المقبل 2021، بعدما كان كشف حاكم المركزي رياض سلامة قبل سنتَيْن في اجتماع له مع جمعيّة المودعين اللبنانيّن، أنّ هذه الخطوة ستساعد على تطبيق الـ system Cashless الذي يتيح تحريك سوق النقد، محليًا وخارجيًا.
فما هي هذه العملة المقترحة على اللبنانيّين؟ هل هي إنقاذيّة للوضعَيْن المالي والاقتصادي؟ أم هي “خدعة”، كما وصفها كثيرون لوضع اليد على الودائع بالليرة اللبنانية، كما وُضعت، قبلاً، على ودائع الدولار وسائر العملات الأجنبيّة؟
إذا استمعنا إلى المؤيّدين لهذه الخطوة نفهم منهم أنّ “العملة الرقميّة هي حلم الحكومات، نظرًا لفوائدها الناتجة عن التعامل بها“، كما يقول البروفسور جاسم عجاقة، الأكثر تحمّسًا وتأييدًا، على ما يبدو، للتداول بهذه العملة، التي “ستحدّ من التضخّم وتكافح التهرّب الضريبي وتبييض الأموال“، تمامًا كما ذكر لنا السيد رمزي الصبّوري، في مقابلة معه، سمّى خلالها تركيا كدولة تعتمد على أسلوب الدفع ببطاقات الائتمان، وبسبب ذلك، تمكّنت من تحقيق ازدهار اقتصادي مشهود له.
ولكن ما هي حسنات العملة الرقميّة بعدما تناولنا بإسهاب فوائد استخدام البطاقات الائتمانيّة مع السيد رمزي الصبّوري، صاحب الخبرة الطويلة في المجالَيْن المصرفي وبطاقات السحب الالكتروني؟
الحسنات عديدة، وفق الخبراء المؤيّدين لهذه الخطوة. فالعملة الرقميّة تتمّ مباشرة بين المصارف، وتاليًا ينتفي أي دورللشيكات المحرّرة وما تتطلّبه هذه المقاصة من وقت. وهي تمامًا كالعملة الورقيّة، بمعنى أنّها تحتاج إلى حساب يفتحه العميل في المصرف ويغذّيه من حسابه بالليرة اللبنانية بعد تحديد قيمة الليرة الرقميّة. أمّا طريقة الدفع، فتتمّ عن طريق تطبيق على الهاتف الذكي، سواء للشراء المباشر، أو على الانترنت للشراءعن بعد، ممّا يوفّر على صاحب العلاقة عمليّات التدوير مع تأمين مزيد من الأمان. وبالطبع، لن تكون إلزاميّة لأنّ طابعها اختياري، فضلاً عن أنّ العملة الورقيّة ستبقى بين أيدي الناس لمن لم يفتح حسابًا في المصارف بالعملة الرقميّة. ومن المعروف أن ثمة ضريبة مخفيّة من طبع العملة، وهذا يعني أنّ المواطن سيتجنّبها إذا اعتمد الطريقة الجديدة في الدفع بعد إنزال التطبيق على الجوّال أو الكمبيوتر، علمًا أنّ هذه الوسيلة تتمتّع بأمان في حال تمّت سرقة الهاتف المحمول لأنّها ستكون مشفّرة، وهذا التشفير يحفظ خصوصيّة المواطن لأنّ الإستخدام يتمّ عبر بروتوكول التواصل الإلكتروني بحيث أنّ ما يسري من سريّة على وسائل الدفع الأخرى يسري على هذه العملة الورقيّة.
على أنّ السؤال المهمّ، وفي هذا الظرف بالذّات، يتمحور حول التالي: هل هذه العملة الرقميّة قادرة على حماية الاقتصاد بعد خروج العملات الصعبة؟
يجمع المؤيّدون والمشكّكون بهذه الخطوة على القول أن استخدام الليرة الرقميّة سيحدّ من التهافت على طلب الدولار إذا تحقّق شرطان: الأوّل وضع سقف للسحوبات النقديّة، والثّاني إقرار قانون الـ Capital Control الموجود في المجلس النيابي، طبعًا مع حَفْظ حقّ المودع الكامل بالتصرّف بأمواله بالعملة الرقميّة أو بوسائل الدفع الإلكترونيّة الأخرى.
وهل ستكون العملة الرقميّة شبيهة بالــ Bitcoin؟
جواب الخبراء واضح في هذا المجال، وهو أنّ الـ Bitcoin عملة لا أساس إقتصاديًا لها، فضلاً عن أنّ سعرها يُحدّد بالعرض والطلب، في حين أنّ العملة الرقميّة اللبنانية ستكون مدعومة من المصرف المركزي والإقتصاد اللبناني، وتاليًا لا مجال لأية مخاطر. وما يشجّع على تحسّن الوضع الاقتصادي، والمالي تحديدًا، أنّ هذه الطريقة ستغذّي المالية العامة بمنعها التهرّب الضريبي. وهل سيكون نصيبها النجاح؟ لا، فثمة خطورة هنا تكمن في تصدّي العديد من اللاعبين الاقتصاديّين لها، نظرًا للطابع الرقابي الذي تتميّز به. وعليه، إذا فشلت المحاولة فلن يتحسّن الإقتصاد، علمًا أنّ صندوق النقد الدولي، وكما قال لنا السيد رمزي الصبّوري، سيصرّ عند تفاوض الحكومة معه، على اعتماد بطاقات الائتمان والعملة الرقميّة اللذيْن يشكّلان المرحلة الأهمّ من الإصلاحات!
وماذا يقول غير المحبّذين كثيرًا هذه الخطوة في الوقت الراهن؟ يعتقد الخبراء غير المؤيّدين للخطوة أنّ الأجواء الحالية لا تسمح باعتماد العملة الرقميّة، فضلاً عن أنّ الوضع المصرفي، كما السياسي، غير واضحَيْن، علاوة على أنّ مصير ودائع الناس لا يزال مجهولاً، ولا بدّ من إعادة هيكلة النظام المصرفي ككل، كي تُستعاد ثقة الناس بالمصارف بعدما أصبحت هذه الثقة شبه معدومة. فكيف سيطمئنّ المواطن ويتعامل مجدّدًا مع هذه المصارف، سواء بالعملة النقديّة أو الرقميّة؟
يُضاف إلى ما تقدّم أنّ حاكم البنك المركزي أبلغ المصارف اللبنانيّة زيادة رأسمالها بنسبة 20 بالمئة بنهاية شباط 2021، وإلاّ سيتعيّن عليها الخروج من السوق، فهل ستستجيب وتنفّذ؟ وهل سيؤدّي الأمر إلى انخفاض عدد المصارف من حوالى 60 مصرفًا إلى 20 أو 25 بسبب عمليّات دمج أو استحواذ،لصعوبات قد تشهدها البنوك الصغيرة في الالتزام بمطلب المركزي؟
الباحث الاقتصادي الدكتور روك انطوان مهنّا المعارض لخطّة سلامة بالاعتماد على العملة الرقميّة، ذهب إلى حدّ القول أنّ العملة الرقميّة “بلا معنى“، فضلاً عن أنّها قد تخلق هامشًا بين سعرها وسعر العملة الورقيّة!
خلاصة القول، أنّ هذه العملة، كما يرجّح كثيرون، لن تحلّ الأزمة الإقتصاديّة الحاليّة، وبالتالي فهي إجراء آني وقصير المدى، فضلاً عن أنّ التداعيات ستكون سلبيّة، إذ بدلاً من توحيد سعر الصرف، سيضاف باب آخر جديد لسعر الصرف عبر هذه العملة. وإذا كان مصرف لبنان يعتقد أنّه بهذه الطريقة سيسحب الـ 10 مليارات دولار من المنازل، يقول هؤلاء، فهذا لن يحصل بتاتًا. ويتلاقى هذا الرأي مع آراء مصرفيّين عدّة يرون أنّ الناس يتحفّظون لناحية إعادة أموالهم إلى المصارف ويفضّلون الاحتفاظ بها في منازلهم، ما دامت الثقة مفقودة. ويسأل هؤلاء: هل ستكون هذه العملة ليرة رقميّة؟ وما صحّة ما يقوله حاكم المصرف عن أنّها قابلة للتحويل للخارج؟ فهل ستكون دولارًا؟ وعلى أيّ سعر صرف؟ وهل ستغطّيها المصارف بالسيولة؟ وهل الناس مستعدّة لإعطاء ثقتها بعملة جديدة؟ وإذا كانت تساوي قيمة الدولار، هل الناس سيشترونها ويلتزمون بهاويتخلّون عن الـ Fresh Money المخبّأ في بيوتهم؟
أسئلة متروكة الإجابة عنها للأيّام المقبلة…
تبقى إشارة إلى أنّ العملة الرقميّة عبارة عن نقود ونوع من أنواع العملات لكنّها غير موجودة بأشكال فيزيائية ومادية، بل إنّها افتراضية وتتواجد في العالم الافتراضي أو فضاء الإنترنت. ظهرت قبل سنوات وعددها يزداد يوماً بعد يوم مع إطلاق المزيد منها بتسميات مختلفة، و”Bitcoin هي أشهرها لكنّها ليست الوحيدة، فضلاً عن أنّ حجم التداول العالمي بها تخطّى التريليون دولار. ويهدف إطلاقها إتمام الدفع الإلكتروني في المعاملات التجارية وعبر الانترنت، كذلك نقل الأموال وتحويلها بسرعة من أي بلدٍ لآخر، من دون حدود ومعوقات.العملات الرقمية لا مركزية، أي لا يمكن لحكومة أو مؤسسة ما،أن تتحكّم في إنتاج المزيد منها. ويتمّ التحكّم فيها عن طريق تكنولوجيا الـ Blockchain.
إنّ نظام العملات الرقمية يتميّز بعدّة أمور: السرعة الفائقة، التكلفة المنخفضة جداً، الحماية ما والشفافية، إذ أنّ كلّ عملية اقتصادية أو مالية يتمّ توزيعها على ملايين الحواسيب حول العالم، ما يجعل عملية اختراقها مستحيلة عملياً، فضلاً عن أنّها لا مركزية، أي أنّها غير تابعة لأي بنك مركزي.