الدولار في لبنان دولاران..فريش ولولار
د.الياس ميشال الشويري
شهد لبنان خلال السنوات الأخيرة انهيارًا اقتصاديًا وماليًا غير مسبوق، ترك آثارًا مدمّرة على جميع جوانب الحياة في البلاد. ولم تكن هذه الأزمة وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة لسنوات طويلة من السياسات الخاطئة والفساد المتجذّر في المنظومة السياسية والمصرفية الفاسدة. ويعتبر تحالف المصارف اللبنانية مع السلطة السياسية (الفاسدة) أحد أبرز العوامل التي أسهمت في تعميق هذه الأزمة، حيث تحولت المصارف من مؤسسات تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي إلى أدوات لتمويل الديون الحكومية بشكل غير مستدام.
المصرف المركزي، ومن خلال سياساته النقدية التي اعتمدت على الهندسات المالية والفوائد المرتفعة، جنبًا إلى جنب مع المصارف التي استثمرت بشكل مكثّف في سندات الخزينة، ساهم بشكل مباشر في تضخيم حجم الديون السيادية. وقد أدى هذا النهج إلى خلق فقاعة مالية هشة كانت محكومة بالانفجار، مجرد تراجع الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها. وكشف هذا الإنهيار عن عمق الأزمة الهيكلية في الاقتصاد اللبناني وعن دور المصارف في تأزيم الوضع بدلاً من تخفيفه.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على السياسات المصرفية والمالية التي قادت لبنان إلى هذا المنحدر الخطير، وفهم دور الأطراف المختلفة في صنع هذه الأزمة. من خلال ذلك، يمكن استشراف طرق الإصلاح وإعادة الثقة إلى النظام المالي والمصرفي في لبنان، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي يطمح إليه المواطنون الشرفاء، وليس بعض الساسة الذين امعنوا في الفساد ولا يزالون.
1-سياسات مالية فاشلة ومخادعة
بداية نشير الى أن السياسات المالية التي اعتمدتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة، لعبت دورًا كبيرًا في تأزيم الوضع الاقتصادي في البلاد، اذ أنها افتقرت إلى التخطيط السليم والرؤية طويلة الأمد، ما أوجد نظاماً اقتصادياً هشاً وغير مستدام، خاصة أن هذه السياسات بُنيت على الاقتراض الداخلي والخارجي، وتجاهلت الحاجة إلى تعزيز القطاعات الإنتاجية وتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات.
ولعلّ أحد أبرز الأخطاء المالية كان الاعتماد المتزايد على الدَيْن لتمويل العجز في الموازنة العامة. فبدلاً من محاولة ضبط الإنفاق وزيادة الإيرادات من خلال إصلاح النظام الضريبي وتحسين كفاءة إدارة الموارد، لجأت الحكومات المتعاقبة إلى الاقتراض الداخلي من المصارف، ما أدى إلى تراكم ديون ضخمة تمّ تمويلها بشكل رئيسي من خلال استثمارات المصارف في سندات الخزينة اللبنانية، التي كانت تقدّم فوائد مرتفعة للغاية. هذا النهج أدى إلى زيادة العبء على الميزانية العامة، وأوجد دورة مفرغة من الديون والفوائد المتصاعدة.
ورغم الديون الكبيرة التي تراكمت على الدولة، لم توجّه هذه الأموال نحو تطوير البنية التحتية أو دعم القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة. بدلاً من ذلك، تمّ توجيه معظم هذه الأموال لسدّ النفقات الجارية وخدمة الدين العام، في ظلّ غياب الإستثمار في القطاعات الإنتاجية، ما أدى إلى تراجع القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني وزيادة اعتماده على الاستيراد، ما زاد من العجز في الميزان التجاري وأدى إلى استنزاف احتياطات النقد الأجنبي.
ان السياسات المالية الخاطئة، ارتبطت بسياسات نقدية غير مستدامة اعتمدها المصرف المركزي، مثل رفع أسعار الفائدة بشكل مفرط لجذب الودائع بالدولار الأميركي، وهو إجراء كان الهدف منه في البداية، دعم الليرة اللبنانية، لكن حساب الحقل يطابق حساب البيدر، فاستُنفذت الموارد المالية وازدادت التزامات الدولة. ومع تراجع الثقة في الاقتصاد اللبناني، تحولت هذه السياسات إلى عامل رئيسي في انهيار الليرة وفقدان القدرة على سداد الديون.
وعلى رغم المؤشرات المتزايدة على اقتراب الأزمة وما يُمكن أن يحصل، لم تقم الحكومات اللبنانية بإجراء الإصلاحات المالية الضرورية. بل أن غياب الإرادة السياسية لمواجهة الفساد وتقليص الهدر في الإنفاق الحكومي أديا إلى تفاقم الوضع، اذ استمرت الحكومة في الإنفاق غير المنتج وتجاهلت الحاجة إلى إصلاحات هيكلية في النظام المالي. هذه السياسات المالية الخاطئة وضعت البلاد على مسار الانهيار الذي تجسد في الأزمة المالية الحادة التي يواجهها لبنان اليوم.
ويُعد غياب الشفافية والمحاسبة أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، اذ أدى إلى تآكل ثقة المواطنين في المؤسسات المالية والسياسية الفاسدة، وسمح بتفاقم الفساد وسوء الإدارة دون أي محاسبة حقيقية للمتورطين. وفي هذا السياق، كان للسياسات المالية والنقدية المتبعة أثر مدمر، اذ لم تُرافقها أي رقابة فعّالة أو مساءلة، ما ساهم في تفاقم الأوضاع، استناداً الى مؤشرات خمسة:
أ-دور المصرف المركزي والمصارف. ان حاكم المصرف المركزي، بصفته المسؤول الأول عن السياسة النقدية والرقابة على المصارف، كان من المفترض أن يضمن شفافية العمليات المالية وسلامة النظام المصرفي. لكن غياب الشفافية في إدارة السياسات النقدية، وخاصة تلك المتعلقة بالهندسات المالية والفوائد المرتفعة، أدى إلى خلق نظام مالي غير مستدام. أما المصارف التجارية التي استفادت من غياب الرقابة الفعالة، فقد استغلّت الوضع لتحقيق أرباح طائلة عبر استثمارات مشبوهة، دون أن تخضع للمساءلة أو التدقيق الكافي.
ب-تهريب الأموال وتضليل المودعين. أدى غياب الشفافية إلى تسهيل عمليات تهريب الأموال من لبنان، اذ قامت العديد من المصارف بتحويل أموال ضخمة إلى الخارج دون علم أو موافقة المودعين. هذه العمليات، التي تمّت في ظلّ غياب رقابة حقيقية، زادت من حدة الأزمة وجعلت استعادة أموال المودعين شبه مستحيلة. في الوقت نفسه، استمر تضليل المودعين حول حقيقة الوضع المالي للمصارف وحجم المخاطر التي يواجهونها، ما أدى إلى حالة من الصدمة والهلع عندما تفاقمت الأزمة.
ج-الفساد والمحسوبية. التحالف بين المصارف والسلطة السياسية، في ظلّ غياب الشفافية والمحاسبة، أسهم في تعزيز الفساد والمحسوبية على نطاق واسع. تمّ تمرير العديد من الصفقات والاتفاقات المالية التي خدمت مصالح الحثالة الحاكمة والمصارف، دون أي رقابة أو محاسبة من قبل الجهات المسؤولة. هذا التواطؤ بين السلطة والمصارف أدى إلى تبديد موارد الدولة واستنزافها، بدلاً من استخدامها في تحسين الخدمات العامة أو دعم الاقتصاد الحقيقي.
د-التهرّب من المسؤولية. عندما بدأت الأزمة في الظهور بوضوح، لجأت العديد من الجهات المسؤولة إلى التهرب من المسؤولية، حيث لم تتمّ محاسبة أي من المسؤولين الكبار عن القرارات التي أدت إلى انهيار النظام المالي. غياب المحاسبة خلق شعورًا لدى المواطنين بأن لا أحد يتحمل المسؤولية عن الأضرار الهائلة التي لحقت بالبلاد، ما زاد من حالة الاحتقان الاجتماعي وفقدان الثقة في المؤسسات.
ه-تأثير غياب الشفافية على الثقة العامة. إن غياب الشفافية والمحاسبة أدى إلى تآكل الثقة العامة في النظام المالي والمصرفي في لبنان. فالمواطنون الذين كانوا يعتمدون على المصارف لحفظ مدخراتهم وتأمين مستقبلهم، وجدوا أنفسهم فجأة محرومين من أموالهم دون أي تفسير واضح أو آلية قانونية لاسترداد حقوقهم. هذا الانهيار في الثقة لم يؤثر فقط في النظام المالي، بل امتد ليشمل جميع مؤسسات الدولة، ما جعل إعادة بناء هذه الثقة تحديًا كبيرًا في مسار الإصلاح.
2-الفساد السياسي والتحالفات المشبوهة.كان الفساد السياسي والتحالفات المشبوهة من العوامل الأساسية التي أسهمت في تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان مع تدخل مصالح المنظومة السياسية مع القطاع المصرفي بطريقة أضرت بالمصلحة العامة، وعمّقت الأزمات بدلاً من حلّها. تعكس هذه التحالفات كيف يمكن أن تؤدي السياسات الفاسدة إلى نتائج كارثية تؤثر على كل جوانب الحياة في البلاد، وعبر منافذ خمسة:
أ-تحالف المصارف والسلطة السياسية الفاسدة. إن أحد أبرز مظاهر الفساد السياسي في لبنان كان التحالف الوثيق بين المصارف الكبرى والطبقة السياسية والذي لم يكن مجرد تعاون اقتصادي، بل كان له تأثيرات عميقة على اتخاذ القرارات المالية والسياسية. فالمصارف استفادت من الفوائد المرتفعة والتمويل الحكومي، بينما حصلت السلطة السياسية على دعم مالي وتعزيز لموقعها من خلال تمويل الحملات الانتخابية وتوفير مصادر مالية أخرى. هذا التواطؤ ساهم في خلق بيئة اقتصادية غير صحية حيث كانت القرارات تُتخذ لمصلحة أصحاب النفوذ والمصارف بدلاً من المصلحة العامة.
ب.استغلال النفوذ السياسي. استغل السياسيون نفوذهم لتحقيق مصالح شخصية ومكاسب مالية على حساب المواطنين. فبفضل التحالفات مع المصارف، تمكّن بعض المسؤولين من الحصول على امتيازات خاصة وتسهيلات مالية، ما أدىّ إلى تضخم الفساد. استغلال النفوذ السياسي لم يقتصر على المصارف فقط، بل شمل أيضًا الصفقات الحكومية والعقود العامة، حيث كانت هذه الصفقات تُمنح لأفراد وشركات مرتبطة بالمنظومة السياسية الفاسدة بشكل مباشر، مما خلق نظامًا من المحسوبية والفساد.
ج-التهرّب من المسؤولية. في ظل غياب الرقابة والمحاسبة، تمكنت المنظومة السياسية والمصرفية الفاسدة من التهرب من المسؤولية عن أفعالها. عندما بدأت الأزمة في التفاقم، لم يُحاسب أي من المسؤولين الكبار على القرارات السيئة التي اتخذوها، أو على سوء إدارة الأموال العامة. هذا التهرب من المسؤولية أضاف إلى تفاقم الأزمة، حيث لم يتم اتخاذ أي خطوات جدية لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، بل تمّ الحفاظ على الوضع القائم الذي يخدم مصالح الحثالة الحاكمة.
د-تأثير الفساد على المؤسسات. ان تأثير الفساد السياسي كان واضحًا في كل جوانب المؤسسات الحكومية والخدمات العامة. فالمؤسسات التي كان من المفترض أن تكون مستقلة وفعّالة في تقديم الخدمات وحماية حقوق المواطنين، أصبحت تابعة لمصالح الزمرة الحاكمة. هذا الفساد أدى إلى تدهور البنية التحتية، وعدم كفاءة الخدمات العامة، وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. انهيار المؤسسات أدى إلى ضعف القدرة على تنفيذ السياسات الاقتصادية السليمة والإصلاحات الضرورية.
ه-آثار الفساد على المجتمع. الفساد السياسي والتحالفات المشبوهة كانت لهما آثار مدمّرة على المجتمع اللبناني. فقد أدت هذه الممارسات إلى تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية والمصرفية، ما أوجد شعورًا عامًا باليأس والإحباط. المواطنون فقدوا الثقة في قدرة الحكومة على إصلاح الأوضاع، وتزايدت معاناتهم بسبب تدهور مستويات المعيشة والاقتصاد. الفساد لم يؤثر فقط في المنظومة السياسية والمصرفية، الفاسدة بامتياز، بل عمّق أزمة الفقر والبطالة وأثّر في جودة حياة المواطنين بشكل كبير.
3-خيانة وخداع حاكم المصرف المركزي وجمعية المصارف والمصارف ووزارة المالية
ان الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان لم تكن نتيجة أخطاء عابرة، بل هي نتاج خيانة وخداع منسق من قبل جهات أساسية كانت في موقع المسؤولية. لعب حاكم المصرف المركزي، بالتعاون مع جمعية المصارف والمصارف ووزارة المالية، دورًا محوريًا في تدمير الثقة العامة واستنزاف موارد الدولة والشعب، ما أدى إلى الانهيار الشامل الذي نشهده اليوم، وكلّ ذلك عن طريق:
أ-دور حاكم المصرف المركزي. الذي كان في موقع المسؤولية المباشرة عن حماية الاقتصاد اللبناني، ولكنه بدلاً من ذلك، اتبع سياسات نقدية ومالية خدمت مصالح المنظومة السياسية والمالية على حساب الشعب، من خلال اعتماده سياسة تثبيت سعر الصرف بشكل مصطنع، وتمويل العجز الحكومي عبر الهندسات المالية المشبوهة، اضافة الى تسبّبه في استنزاف احتياطات البلاد من العملات الأجنبية ودفع البلاد إلى حافة الإفلاس. خيانة الحاكم تمثلت في تقديم مصالح المنظومة الحاكمة على حساب استقرار الاقتصاد الوطني.
ب-تواطؤ جمعية المصارف والمصارف. جمعية المصارف والمصارف اللبنانية كانت شريكًا رئيسيًا في هذه الخيانة، حيث تواطأت مع المصرف المركزي والسلطات السياسية الفاسدة لتحقيق أرباح طائلة على حساب مصلحة البلاد والمواطنين. من خلال التلاعب بأسعار الفائدة واستغلال ودائع المواطنين في تمويل الديون الحكومية. لقد أسهمت المصارف في تعميق الأزمة المالية. هذا التواطؤ لم يكن مجرد استغلال للظروف، بل كان جزءًا من منظومة فساد ممنهجة تسعى لتحقيق مكاسب خاصة على حساب الأمن المالي للبنان.
ج-وزارة المالية: التستّر والتواطؤ. وزارة المالية، المسؤولة عن إدارة المال العام وسياسات الدولة المالية، لم تكن بعيدة عن هذه الخيانة. بدلاً من فرض الرقابة والإشراف على سياسات المصرف المركزي والمصارف، تورطت الوزارة في سياسات مالية غير مدروسة أدت إلى تراكم الديون بشكل غير مسبوق. كانت الوزارة شريكًا في التستّر على الانتهاكات المالية ولم تتخذ أي خطوات جادة لضبط الإنفاق الحكومي أو محاسبة المتورطين في إهدار المال العام. هذه الخيانة تسببت في تفاقم العجز المالي وعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.
د-الاستفادة الشخصية على حساب الاقتصاد الوطني. ما يجمع بين هذه الأطراف الأربعة هو الاستفادة الشخصية والفئوية على حساب الاقتصاد الوطني. من خلال سياسات مالية غير شفافة، وتقديم قروض بفوائد مرتفعة للحكومة، وتحقيق أرباح طائلة من خلال استغلال أموال المودعين، شاركت هذه الأطراف في تخريب الاقتصاد اللبناني. هذه الخيانة المنهجية لم تترك للمواطنين سوى الفقر والبطالة وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة.
لا بدّ هنا من الإشارة الى أن جزءاً كبيراً من ديون الحكومة اللبنانية كان يُستخدم لتمويل العجز في قطاع الكهرباء. هذه الديون كانت تُموّل من ودائع الناس في البنوك اللبنانية. البنوك، التي كانت تشتري سندات الخزينة اللبنانية وتمنح القروض للحكومة، كانت تعتمد بشكل أساسي على ودائع المواطنين. إن قضية استخدام أموال المودعين لتمويل قطاع الكهرباء، على سبيل المثال لا الحصر، في لبنان تسلّط الضوء على التداخل بين الأزمات المالية، الفساد، وسوء الإدارة في البلد. الأموال التي كانت مخصّصة لدعم النظام المالي استُنزفت بشكل غير مستدام لدعم قطاع يعاني فشلاً مزمناً.
تجدر الإشارة هنا الى أن الوزير الراحل جورج إفرام، (عندما تولّى وزارة الموارد المائية والكهربائية من 30 تشرين الأول 1992 الى 11 حزيران 1993، أقيل من منصبه لخلاف بينه وبين رئيسي الجمهورية والحكومة أنذاك، كما حصل تماماً مع الوزير شربل نحّاس، الذي عُرف بنزاهته واستقامته في الحياة السياسية؛ إستقالته من منصب وزير العمل كانت خطوة جريئة تعكس التزامه بمبادئه ورفضه التنازل عن حقوق العمال أو الرضوخ للضغوط السياسية السافرة)، قدّم عرضًا مهمًا وبتكلفة جد زهيدة (لا تكاد تصل الى 2% من ما هُدر على قطاع الكهرباء في الثلاثين سنة الماضية ولغاية تاريخه) لإصلاح قطاع الكهرباء في لبنان. هذا العرض كان يهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية المتضررة وتحديث الشبكة الكهربائية لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة. تضمّن هذا العرض:
-إعادة تأهيل محطات الطاقة: كان من أولوياته إعادة تأهيل المحطات القائمة التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال الحرب، وضمان استمرارية التوليد الكهربائي بكفاءة.
-تحسين شبكات التوزيع: كان يعمل على تحسين شبكات التوزيع لتقليل الفاقد الكهربائي وضمان وصول الكهرباء بشكل أفضل إلى مختلف المناطق اللبنانية.
-تعزيز الجباية: حاول الوزير افرام تعزيز نظام الجباية لضمان تمويل مستدام لشركة كهرباء لبنان، وتقليل الفاقد المالي الناتج عن عدم دفع الفواتير أو السرقات. تجدر الإشارة هنا الى أن مسألة دفع فواتير الكهرباء كانت ولا زالت مشكلة معقدة تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والطائفية. هناك تصوّر بأن بعض الفئات، مثل المسيحيين، وبعض المناطق أو المجتمعات الأخرى تدفع فواتير الكهرباء بانتظام، بينما تميل فئات أو مناطق أخرى إلى عدم الدفع أو الاعتماد على سرقة الكهرباء. هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة اقتصادية بل تعكس التفاوتات الموجودة في النظام الاجتماعي والسياسي اللبناني.
-الشفافية ومحاربة الفساد: كان الوزير إفرام مؤمنًا بأهمية الشفافية في إدارة موارد الدولة. سعى لمكافحة الفساد المتفشي وضمان أن الأموال العامة تُستخدم بشكل صحيح لإعادة بناء القطاع.
ولكن، على رغم الجهود الكبيرة التي بذلها الوزير إفرام، فقد واجه تحديات كبيرة، منها:
-الفساد المستشري الذي أدى إلى عرقلة العديد من الإصلاحات التي حاول تنفيذها.
-المقاومة السياسية: من بعض الأطراف التي لم تكن ترغب في تغيير الوضع القائم الذي يتيح لها الاستفادة من الفوضى والفساد في القطاع. تورّط السياسيين في قطاع الكهرباء، وغيره من القطاعات، هو جزء لا يتجزأ من الأزمات التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي. منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، أصبحت الكهرباء إحدى القضايا الأكثر تعقيدًا نتيجة للفساد وسوء الإدارة، وارتباط هذا القطاع بمصالح سياسية واقتصادية لأطراف مختلفة. من مظاهر تورّط السياسيين في قطاع الكهرباء، نورد ما يلي:
–المحاصصة السياسية. فالنظام السياسي اللبناني قائم على التوزيع الطائفي للمناصب والموارد، مما أدى إلى تقسيم السيطرة على قطاعات الدولة بين الأحزاب والطوائف المختلفة. هذا النظام أدى إلى تعيين مدراء ومسؤولين في قطاع الكهرباء بناءً على الولاءات السياسية والطائفية بدلاً من الكفاءة، مما عزّز من سوء الإدارة والفساد.
-الاستفادة من المولدات الخاصة. بسبب الانقطاعات المستمرة في الكهرباء، ظهرت سوق ضخمة للمولدات الخاصة. تشير التقارير إلى أن العديد من السياسيين والمسؤولين قد يكونون مستفيدين ماليًا من هذه السوق عبر امتلاكهم للمولدات أو تورطهم في شبكات التوزيع. هذا الوضع جعل بعض الأطراف السياسية غير مهتمة بتحقيق إصلاحات جذرية في القطاع، إذ أنهم يستفيدون من الوضع الراهن.
-العقود المربحة: هناك اتهامات متكرّرة بأن السياسيين يتورطون في إبرام عقود غير شفافة لتأمين الكهرباء، مثل عقود استيراد الوقود أو بناء محطات توليد الطاقة. غالبًا ما تتضمن هذه العقود شروطًا غير عادلة أو تضخيم في التكاليف، مما يؤدي إلى هدر الأموال العامة وتعزيز الفساد.
–تأخير الإصلاحات المتعمد. على رغم وضوح الحاجة لإصلاحات جذرية في قطاع الكهرباء، فإن الكثير من السياسيين قاموا بتأخير أو تعطيل تنفيذ هذه الإصلاحات. قد يكون هذا التأخير بسبب المصالح الشخصية أو لضمان استمرار النفوذ السياسي عبر التحكم في توزيع الكهرباء كأداة للضغط على المواطنين أو المنافسين السياسيين.
-إدارة كهرباء لبنان :شركة كهرباء لبنان التي تدير معظم الشبكة الكهربائية في البلاد، تعتبر واحدة من المؤسسات الحكومية التي تعاني الفساد وسوء الإدارة. يقال إن التدخلات السياسية المتكررة في عمل الشركة تعيق قدرتها على العمل بشكل فعال، حيث يتم استخدام الشركة لتحقيق مكاسب سياسية وطائفية بدلاً من تلبية احتياجات المواطنين.
-القوانين واللوائح: مرارًا، جرى تعديل القوانين أو إصدار قرارات حكومية تتعلق بقطاع الكهرباء بناءً على مصالح سياسية أو شخصية. على سبيل المثال، تمرير قوانين لصالح استيراد وقود معين أو تأخير مشاريع الطاقة المتجددة التي قد تقلل من الاعتماد على المولدات الخاصة التي يملكها بعض السياسيين.
-نقص الدعم الدولي. على رغم الدعم الدولي لإعادة إعمار لبنان، إلا أن الموارد كانت محدودة مقارنة بحجم الدمار والحاجة لإصلاح البنية التحتية.
على أي حال، إرث الوزير الراحل جورج إفرام يتمثّل في كونه رمزًا للمسؤول النزيه الذي حاول بإخلاص تحسين أوضاع بلاده رغم الظروف الصعبة. عروضه ومبادراته لإصلاح قطاع الكهرباء لا تزال تذكر كجزء من الجهود المبذولة لإعادة بناء لبنان في فترة ما بعد الحرب. ورغم أن قطاع الكهرباء في لبنان لا يزال يواجه تحديات كبيرة، آخرها إنقطاع التيار الكهربائي عن كل لبنان خلال اليومين الماضيين، فإن ذكرى جهود الوزير إفرام تظّل حية كنموذج لما يمكن أن يحققه التفاني والإخلاص في الخدمة العامة.
–انهيار الثقة وتفاقم الأزمة. تواطؤ حاكم المصرف المركزي، وجمعية المصارف، والمصارف، ووزارة المالية أدى إلى انهيار كامل في الثقة العامة بالمؤسسات المالية والحكومية. مع تزايد الأزمة، واجه المواطنون صعوبة في الوصول إلى ودائعهم، وشهدت العملة المحلية تدهورًا غير مسبوق في قيمتها، مما أدى إلى تضخّم هائل وتفاقم الفقر. انهيار الثقة هذا لم يؤثّر فقط على الحياة اليومية للبنانيين، بل أدّى إلى عزلة لبنان ماليًا وسياسيًا على المستوى الدولي.
4-تخاذل القضاء في اتخاذ قرارات تحمي المودعين.تخاذل القضاء في اتخاذ القرارات الحاسمة التي من شأنها حماية المودعين والحد من تفاقم الأزمة ساهم في زيادة معاناة المواطنين وأدى إلى فقدان الثقة في النظام القضائي.
أ-تقصير القضاء في محاسبة المتورطين. من أبرز أوجه الخيانة والتخاذل التي شابت أداء القضاء هو تقصيره في محاسبة الأفراد والمؤسسات المتورطة في الأزمة المالية. على الرغم من الأدلة الموثقة على الفساد وسوء الإدارة من قبل حاكم المصرف المركزي، وجمعية المصارف، ووزارة المالية، لم يتخذ القضاء إجراءات حاسمة لمحاسبتهم. هذا التقاعس أدى إلى تفاقم الأزمة دون أي مساءلة جدية للمسؤولين عن الفساد والإضرار بمصالح المودعين.
ب-عدم اتخاذ قرارات لحماية المودعين. القضاء كان بوسعه اتخاذ قرارات لحماية المودعين، مثل فرض قيود على السياسات المالية غير الشفافة للمصارف، أو إلزامها بإعادة الأموال إلى المودعين. هذا التخاذل ساهم في استمرار معاناة المواطنين وجعل من الصعب عليهم استعادة أموالهم أو الحصول على تعويضات عادلة.
ج-الفشل في التعامل مع القضايا المالية المعقدة. الأزمة المالية في لبنان كانت تتطلب معالجة قضايا مالية معقدة تتعلق بسوء الإدارة وفساد المصارف. للأسف، لم يتمكن القضاء من تقديم حلول فعالة وسريعة لهذه القضايا. هذا الفشل في التعامل مع القضايا المالية كان له تأثير مباشر على قدرة المودعين على استعادة أموالهم واسترداد حقوقهم، مما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية على مستوى الأفراد والعائلات.
د-ضعف الرقابة القضائية على المصارف. ضعف الرقابة القضائية على المصارف ساهم في تفاقم الأزمة. هذا القصور في الرقابة سمح للمصارف بمواصلة سياساتها المدمرة دون أي محاسبة، مما زاد من فقدان الثقة في النظام المالي وحرمان المودعين من حقوقهم المشروعة.
ه–تآكل الثقة في النظام القضائي. تخاذل القضاء في حماية المودعين ومحاسبة المسؤولين عن الأزمة أدى إلى تآكل الثقة في النظام القضائي. عندما يرى المواطنون أن القضاء لا يتخذ خطوات فعالة لحماية مصالحهم أو محاسبة المسؤولين عن الفساد، يتفاقم شعور الإحباط وفقدان الثقة في العدالة. هذا التأثير السلبي على ثقة المواطنين أثر بدوره على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
5-آثار الأزمة على المجتمع.
الأزمة الاقتصادية والمالية التي شهدها لبنان كان لها تأثيرات عميقة وشاملة على المجتمع اللبناني، حيث تجلت آثارها في مختلف جوانب الحياة اليومية. هذه التأثيرات شملت كل من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وخلقت تحديات غير مسبوقة للمواطنين.
أ-تدهور مستويات المعيشة. أحد أبرز آثار الأزمة كان الانهيار الكبير في مستويات المعيشة. تسببت الأزمة في انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق. فقدت الأسر قدرتها الشرائية، مما جعل من الصعب عليها تأمين الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والدواء. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل ملحوظ، مما زاد من معاناة الأسر التي تعاني أصلاً من ضغوط اقتصادية.
ب-ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. الأزمة الاقتصادية أدت إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر والبطالة. مع انهيار الاقتصاد، فقد العديد من اللبنانيين وظائفهم، مما أسهم في تزايد عدد العاطلين عن العمل. الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد اللبناني، عانت من الضغوط الاقتصادية الكبيرة، مما أدى إلى إغلاقها وتسريح موظفيها. هذا الارتفاع في معدلات الفقر والبطالة أثر بشكل مباشر على حياة الناس، وأدى إلى تفشي مشكلات اجتماعية أخرى مثل عدم الاستقرار السكني والافتقار إلى الرعاية الصحية الأساسية.
ج-تدهور الخدمات الصحية والتعليمية. الأزمة أثرت بشدة على جودة الخدمات الصحية والتعليمية في لبنان. مع تزايد الضغوط المالية، أصبحت المستشفيات والمراكز الصحية تواجه صعوبات في توفير الرعاية الطبية الأساسية، حيث تأثرت قدرتها على استيراد الأدوية والمعدات الطبية. في قطاع التعليم، أدى نقص التمويل إلى تدهور جودة التعليم، مما جعل من الصعب على الطلاب الحصول على تعليم جيد، وزاد من الفجوة التعليمية بين مختلف طبقات المجتمع.
د-زيادة الهجرة والاغتراب. نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة، شهد لبنان زيادة ملحوظة في معدل الهجرة والاغتراب. العديد من الشباب اللبنانيين الذين فقدوا الأمل في تحسين الأوضاع داخل البلاد قرروا البحث عن فرص أفضل في الخارج. هذا النزيف البشري لم يؤثر فقط على الاقتصاد المحلي، بل أضاف إلى التحديات الاجتماعية التي يواجهها لبنان، حيث فقدت البلاد العديد من الأفراد المؤهلين والموهوبين.
ه-تآكل الثقة في المؤسسات. الأزمة أدت إلى تآكل كبير في الثقة في المؤسسات الحكومية والمصرفية. الفساد المستشري وسوء الإدارة ساهموا في فقدان الثقة لدى المواطنين في قدرة الحكومة على إدارة الأزمات وحل المشاكل الاقتصادية. هذا التآكل في الثقة أدى إلى زيادة الإحباط والتشاؤم بين المواطنين.
و-تفشي مشكلات اجتماعية ونفسية. أثرت الأزمة على الصحة النفسية والاجتماعية للعديد من اللبنانيين. الضغوط الاقتصادية وعدم الاستقرار المالي أدت إلى زيادة مستويات القلق والاكتئاب. مشكلات مثل فقدان الأمل، والضغوط النفسية الناتجة عن صعوبات الحياة اليومية، تفشت بشكل كبير في المجتمع، مما زاد من حاجة الناس إلى الدعم النفسي والمساعدة الاجتماعية.
6-الخاتمة
استعادة الثقة في لبنان يتطلب تنفيذ استراتيجيات متكاملة تستهدف إعادة بناء المؤسسات، تعزيز الشفافية، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية. في ما يلي بعض الاقتراحات التي يمكن أن تساهم في استعادة الثقة وتعزيز الاستقرار في لبنان:
أ-التخلّص من الحثالة الحاكمة كخطوة أولى. في ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة التي تعصف بلبنان، يتضح أن الخطوة الأولى نحو التعافي والازدهار هي التخلص من المنظومة الحاكمة الفاسدة التي أسهمت في تفاقم الأزمة. لقد أدى الفساد السياسي والتحالفات المشبوهة إلى تقويض الثقة في المؤسسات وإهدار الموارد الوطنية. لذلك، من الضروري البدء بإصلاح جذري للنظام السياسي والمالي لضمان إعادة بناء نظام مؤسسي عادل وفعال.
ب-إصلاح النظام المالي والمصرفي. بمجرد التخلص من المنظومة الحاكمة، يجب التركيز على إصلاح النظام المالي والمصرفي. يتطلب ذلك إعادة هيكلة المصارف المتعثرة، وضبط السياسات المالية والنقدية لتحقيق الاستقرار. يتعين على لبنان تنفيذ استراتيجيات مالية جديدة تعزز من الشفافية وتمنع استنزاف الموارد من خلال وضع ضوابط صارمة وإجراءات رقابة فعالة. إصلاح النظام المالي هو عنصر أساسي لضمان استعادة الثقة من قبل المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
ج-إصلاح القضاء والجسم القضائي. من الضروري أن يشهد النظام القضائي إصلاحات جذرية. يتطلّب الأمر تعزيز استقلالية القضاء، وتطوير قدراته في التعامل مع القضايا المالية المعقدة، وضمان المساءلة الفعالة للمسؤولين عن الفساد. يجب أن يكون هناك أيضاً تركيز على تعزيز الشفافية في الإجراءات القضائية لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق المودعين بشكل فعال. تجدر الإشارة الى أن الفساد في النظام القضائي اللبناني يعرقل تقدّم التحقيقات في قضايا كبرى. هناك تقارير عن تلاعب بالشهود، ضياع الأدلة، أو حتى التأثير على مسار التحقيقات من خلال الرشاوى والضغوط. التبديل المستمر للقضاة، والتأخير المتعمّد في إجراءات التحقيق، وتقديم طلبات لنقل القضية من قاضٍ لآخر، كلها أمور تهدف إلى تعطيل وإطالة أمد التحقيقات، في محاولة لدفن الحقيقة.
المطلوب أولاً وآخراً قضاة على وزن جيوفاني فالكون (Giovanni Falcone) ، قاضٍ إيطالي وُلد في 18 أيّار 1939 في مدينة باليرمو في صقلية، وكان أحد أبرز الشخصيات في مكافحة الجريمة المنظمة والمافيا الصقلية، المعروفة باسم “كوزا نوسترا”. جيوفاني فالكوني كان رمزًا للنزاهة والشجاعة في مواجهة قوى الفساد والعنف. إرثه لا يزال حيًا، حيث تم إنشاء العديد من المؤسسات والمنظمات التي تحمل اسمه، وتعمل على تعزيز سيادة القانون ومكافحة الجريمة المنظمة في إيطاليا والعالم.
د-تحفيز النمو الاقتصادي وتنمية القطاعات الإنتاجية. لإعادة بناء الاقتصاد، يجب على لبنان التركيز على تحفيز النمو الاقتصادي وتنمية القطاعات الإنتاجية. الاستثمار في البنية التحتية، دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز بيئة الأعمال هي خطوات ضرورية لتوليد فرص العمل وتحقيق نمو مستدام. من خلال تحسين جودة الاستثمار وتطوير القطاعات الرئيسية مثل الصناعة والزراعة، يمكن للبنان أن يخلق قاعدة اقتصادية قوية تدعم الاستقرار والنمو على المدى الطويل.
ه-استعادة الثقة وتعزيز الشفافية. استعادة الثقة في المؤسسات هو مفتاح نجاح الإصلاحات. يتطلب ذلك تعزيز الشفافية والمحاسبة في جميع جوانب الإدارات والمؤسسات العامة. يجب أن يكون هناك جهود واضحة لضمان وصول المعلومات المالية والإدارية إلى الجمهور، وإنشاء آليات فعالة للرقابة والتدقيق. تعزيز الشفافية سيساهم في بناء نظام مؤسسي يثق به المواطنون ويشجع على المشاركة الفعالة في عملية الإصلاح.
و-الاستجابة للتحديات الاجتماعية والنفسية. في خضم الإصلاحات الاقتصادية، من الضروري أن تكون هناك استجابة فعالة للتحديات الاجتماعية والنفسية التي يواجهها المواطنون. دعم الفئات الأكثر ضعفًا، تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتقديم المساعدات الاجتماعية يمكن أن يساعد في تخفيف معاناة المواطنين ويعيد الثقة في النظام. إن تحسين جودة الحياة وتوفير الدعم اللازم سيعزّز من استقرار المجتمع ويعزّز من جهود الإصلاح الاقتصادية.
ز-التعاون الدولي والمشاركة المجتمعية. تحقيق الإصلاح يتطلب التعاون الدولي والمشاركة المجتمعية. يمكن أن تسهم الشراكات مع المؤسسات الدولية في تقديم الدعم المالي والفني، بينما يساهم إشراك المجتمع المدني في ضمان أن تكون السياسات متوافقة مع احتياجات المواطنين وتطلعاتهم. التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف المعنية يمكن أن يعزّز من فعالية الإصلاحات ويسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
ج-اعتماد الحياد كدولة وعدم الزج بلبنان في صراعات إقليمية. في ظل الأزمات المتتالية التي يعاني منها لبنان، أصبح من الضروري إعادة النظر في سياسات البلاد الخارجية واعتماد نهج الحياد كاستراتيجية لتحقيق الاستقرار الداخلي والازدهار. إن الحياد يتيح للبنان الفرصة للنأي بنفسه عن الصراعات الإقليمية التي لا تجلب له سوى المزيد من التوتر والانقسام.
ط-تجنّب الزج بلبنان في الصراعات الإقليمية. الزج بلبنان في صراعات إقليمية لا تعنيه بشكل مباشر يزيد من تعقيد الأوضاع الداخلية ويؤدي إلى تفاقم الانقسامات السياسية والطائفية. هذه الصراعات تجعل لبنان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، مما يعرضه لمخاطر كبيرة على الصعيدين الأمني والاقتصادي. اعتماد الحياد سيساعد في تجنيب لبنان هذه المخاطر ويوفّر بيئة أكثر استقرارًا للتركيز على التحديات الداخلية.
ي-تعزيز الوحدة الوطنية. اعتماد الحياد كسياسة رسمية يمكن أن يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية بين مختلف الطوائف والمكونات اللبنانية. عندما يلتزم لبنان بالحياد، فإنه يرسل رسالة واضحة بأن مصالحه الوطنية تأتي أولاً، وأنه ليس طرفًا في أي صراع خارجي. هذا الالتزام يسهم في تقليل التوترات الداخلية ويوفر أرضية مشتركة للعمل على حل القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تمس حياة جميع اللبنانيين.
ك-حماية الاقتصاد اللبناني. الصراعات الإقليمية غالبًا ما تؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة، بما في ذلك فرض عقوبات، تعطل التجارة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية. من خلال تبني سياسة الحياد، يمكن للبنان تجنب هذه التداعيات وحماية اقتصاده من التأثر بالصراعات الخارجية. كما أن الحياد يمكن أن يجذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة، مما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
ل-تعزيز علاقات لبنان الدولية. تبني الحياد سيعزز من علاقات لبنان مع المجتمع الدولي والدول الإقليمية. بدلاً من الانحياز إلى طرف على حساب آخر، يمكن للبنان أن يلعب دورًا دبلوماسيًا بناءً، يسعى لتعزيز الحوار والسلام في المنطقة. هذا الدور الإيجابي يمكن أن يزيد من مكانة لبنان الدولية ويساعد في تحقيق الدعم الدولي لإعادة بناء اقتصاده واستقراره.
م-تقوية السيادة الوطنية. اعتماد الحياد يعزز من سيادة لبنان ويؤكد استقلالية قراره السياسي. عندما يبتعد لبنان عن التورط في النزاعات الخارجية، فإنه يحافظ على قراره السيادي بعيدًا عن الضغوط والتدخلات الخارجية. هذا النهج يضمن أن تكون قرارات لبنان مبنية على مصالحه الوطنية وليس على تأثيرات أو ضغوط أو تدخلات خارجية.