الصقيع بضرب محاصيل البندورة
التأمين متناهي الصغر موضوع طالما عالجه الإتحاد المصري للتأمين، سواء في نشرته الأسبوعية أو في الندوات والمؤتمرات التي يعقدها دورياً وسنوياً. ونظراً لأهمية هذا البرنامج التأميني الجديد، فقد خصّص النشرة ذات الرقم 259 للحديث عنه ولكن من زاوية مختلفة: دور هذا التأمين في الكوارث الطبيعية، انطلاقاً من التغيّر المناخي الذي قد يؤدي الى وجود مئة مليون شخص إضافي يعيشون في فقر مدْقِع بحلول العام 2030، جرّاء تأثيرات مخاطر المناخ على سبيل العيش الزراعي، وكذلك الأعمال التجارية والصحة، وحتى حياة الأفراد. ففي حالات الكوارث، يوفّر التأمين متناهي الصغر و يهدف التأمين متناهي الصغر تغطيات تُنقذ الثروة الحيوانية والمحاصيل في حالة حدوث فيضان أو إعصار أو أي كارثة طبيعية أخرى وبتكلفة منخفضة. لكن حتى يحقّق هذا النوع من التأمين الانتشار المطلوب، ستكون للحكومات أدوار رئيسية، بما في ذلك: الموافقة على المنتجات الخاصة بوثائق التأمين متناهى الصغر ودعم أو قيادة الاستثمارات على مستوى الصناعة في جمع البيانات والقدرة على تعويض الخسارة و تمويل الحملات الإعلامية المستمرة وجعل هذا التأمين تأميناً إجبارياً إذا لزم الأمر والالتزام بحدود المساعدة المالية بعد وقوع الكارثة لغير المؤمّن عليهم.
بداية عرّفت النشرة متناهي الصغر بالقول أنها حماية لذوي الدخل المنخفض من مخاطر معينة مقابل سداد أقساط منتظمة تتناسب مع احتمالية وتكلفة تلك المخاطر، التي يُمكن وكجميعها مشاكل صحية وفاة وأضرار تلحق بالممتلكات تأثير مالي على الشخص، وبموجب هذا التعريف الشائع، فإن التأمين متناهي الصغر هو ببساطة “تأمين ذوي الدخل المنخفض”.
وتُعتبر شركات التأمين وإعادة التأمين والحكومات، هي المقدَّم التقليدي لمنتجات التأمين متناهي الصغر، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية أحياناً التي تقدّم بعض الأشكال المختلفة من هذه التغطية. ومن هذا المنطلق، تسعى الهيئات الرقابية الى وضع لوائح خاصة تنظّم نشاط التأمين متناهي الصغر، والتي تختلف عن لوائح التأمين السائدة. وعلى سبيل المثال، أدخلت الهند اللوائح التي تنظّم نشاط التأمين متناهي الصغر في العام 2005، وقامت الفلبين بالشيء ذاته في العام 2010. كما أفردت هيئة الرقابة المالية فى مصر فصلاً كاملاً لتنظيم نشاط التأمين متناهي الصغر بصورة منفصلة في مشروع قانون التأمين الموحّد المنتظر صدوره قريباً.
وحتى تتمكن شركات التأمين من التوسّع في تقديم خدمة التأمين متناهي الصغر يجب أن تكون تلك المنتجات مربحة، بمعنى أنه يجب أن تغطّي الأقساط المفروضة، في حالة عدم وجود أي دعم، التكلفة التي تتحمّلها الشركة لتغطية الأخطار المؤمّن عليها، وتكاليف التسويق والإدارة.
ويتطلب زيادة نطاق التأمين متناهي الصغر أن يكون لدى شركات التأمين القدرة على التوزيع والإدارة المناسبة التي تقدّمها بنفسها أو بالتعاون مع الآخرين. فالتأمين متناهي الصغر يتمّ تقديمه فى مقابل أقساط صغيرة نسبياً، إلا أنه يتمّ تسويقه لدى أعداد كبيرة من حاملي وثائق التأمين، لذا تحتاج شركات التأمين إلى تطوير وسائل منخفضة التكلفة للوصول إلى قاعدة عملائها، وذلك من خلال الشراكة مع صناديق الاستثمار المجتمعية أو مؤسسات التمويل متناهي الصغر أو جهات أخرى ذات علاقة ومن خلال الاستفادة من التطورات في التكنولوجيا مثل زيادة استخدام الهواتف المحمولة لإجراء المعاملات المالية.
من هنا، أدى التركيز على التأمين الزراعي مؤخراً، ولا سيما من قبل خبراء التنمية الاقتصادية، إلى تحفيز ابتكار منتجات تأمينية ذات أهمية لتحقيق الحماية من الكوارث الطبيعية، منها:
1-التأمين التقليدي القائم على التعويض، وهو يعني قيام الشركة بدفع المطالبة إلى المؤمّن له على خسارته فقط بموجب منتج التأمين التقليدي القائم على التعويض، بما في ذلك التعويض على بعض الكوارث ذات الصلة بالمناخ. من ذلك مثلاً: ان نظام تأمين المنازل ضد الزلازل في تركيا وخطة الفلبين لتأمين المنازل ضد الأعاصير، يقومان على تعويض الفرد بقدر خسارته، ومع ذلك، لا يبدو أن أساليب التأمين القائمة على التعويض ممكنة بصفة عامة لتغطية الكوارث واسعة النطاق. وبالنسبة للتأمين الزراعي، فإن وثيقة التأمين على المحاصيل المتعددة المخاطر (MPCI) تتيح للمزارع تقديم مطالبة إذا كان العائد الذي حققّه من محاصيل محددة على قطع أرض محددة، أقلّ من الحد المتفق عليه تعاقديًا.
إلا أن هذا النوع من الوثائق يعانى بعض جوانب القصور منها:
- أنه ينطوى على وجود خطر معنوي، اذ قد يتمّ تغطية أي انخفاض في العائد من خلال مطالبة التأمين احتيالية أو مضخمة.
- قد تتعرض شركة التأمين أيضًا لمخاطر الاختيار العكسي من قبل عملائها المحتملين حيث يقبل المزارعون الذين يعتبرون أنهم أكثر عرضة للخسارة (الاخطار الرديئة) على شراء التأمين، مما يؤدي إلى مطالبات أعلى من المتوقع و ارتفاع قيمة الأقساط، الأمر الذي سيثني المزارعين المعرضين لدرجة أقل من خطورة عن الحصول على تأمين (الاخطار الجيدة). لكن هذا النوع من المخاطر يمكن التغلب عليه من خلال جعل التأمين إلزاميًا.
- ارتفاع التكلفة الخاصة بالكشف عن السلوك الاحتيالي والتصدى له، ما يؤدى إلى تفضيل شركات التأمين لدفع جميع المطالبات والتجاوز عن المطالبات الاحتيالية بسبب صعوبة اكتشافها وارتفاع تكلفته ومن زيادة أقساط التأمين الأمر الذي يتحمل العبء الأكبر منه العملاء الملتزمون.
- التأمين على أساس المؤشر: المرتبطة مثلاً بهطول الأمطار، وهو أحد الأمثلة على وثائق تأمين المؤشر التي تمّ بيعها للمزارعين. وتحت هذا النوع من المنتجات، يكون المؤشر مقياسًا لهطول الأمطار في محطة طقس محددة، فقد يتسبب هطول الأمطار الغزيرة أو ندرتها في الوقت الخطأ في حدوث كارثة للمزارع، وبالتالي من الممكن تصميم وثيقة تأمين المؤشر التي من شأنها أن تسدّد تكاليف المطالبة في حالة ارتفاع مؤشر هطول الأمطار أو انخفاضه أو أي منهما. ونظرًا لأن المنتج يعتمد فقط على كمية المطر في المحطة المتفق عليها، يمكن بيع المنتج نفسه لعدد كبير من المزارعين الذين يعملون بالقرب من المحطة، والذين سيحصلون جميعًا على نفس دفعة المطالبة في نفس الوقت ذاته ويمكن استخدام مجموعة متنوعة من المؤشرات، ويمكن تكييفها مع محاصيل معينة، أو غيرها من المخاطر التي يتم التأمين عليها، فبعض المحاصيل حساسة لساعات من ضوء الشمس أو درجة الحرارة أو الرطوبة وقد تم تطوير المؤشرات بناءً على هذه المقاييس.
وللتأمين القائم على المؤشر مزايا عدة منها تخفيض الاحتيال في التأمين وبالمقابل ثمة عيوب عدّة: صعوبة بيع التأمين على أساس المؤشر، نظرا لشعور العملاء بالقلق بشأن تكبد خسائر كبيرة، وعدم الحصول على تعويضات بسبب مؤشر تمّ تصميمه بشكل غير لائق.
وفي ختام هذا العرض المتكامل تنتهي النشرة بعرض رأي الاتحاد المصرى للتامين الذي وعا خطورة الكوارث الطبيعية والأخطار المرتبطة بتغيرات المناخ وما تتسبب فيه كل عام من خسائر بشرية ومالية جسيمة فى جميع انحاء العالم، بدليل ازدياد التكاليف الاقتصادية للكوارث الطبيعية في العقدين الأخيرين. وفي هذا المجال، يُنبّه الاتحاد لضرورة بحث ودراسة الآليات المناسبة لمحاولات الوقاية أوالتخفيف من أثر تلك الكوارث حيث أصبح هذا الأمر من أهم الأولويات على مستوى العالم. ونظراً لأن هناك بعض الكوارث التى لا يمكن تجنبّها أو تجنّب آثارها بالكامل، لذلك فقد أصبح من الضرورى الاستعداد لها على النحو الصحيح. ومن ثم فقد قام الاتحاد بإتخاذ الخطوات التالية فيما يتعلق بالتعامل مع الكوارث الطبيعية والتيرات المناخية:
– تبنّى مشروع إنشاء مجمعة الأخطار الطبيعية بالسوق المصرى وذلك إيماناً من الاتحاد بأهمية إتخاذ مثل هذه الخطوة.
– عقد عدة ندوات ولقاءات وورش عمل مع عدد من شركات إعادة التأمين العالمية وشركات وساطة إعادة التأمين العالمية من المهتمين بالتعاون مع سوق التأمين المصرى من أجل وضع أفضل استراتيجية عمل ممكنة لهذة المجمعة وكذلك التعرف على التجارب الدولية فى هذا الشأن وقد قام الاتحاد حتى الآن بعقد لقاءات بخصوص مجمعة الأخطار الطبيعية مع كبرى شركات إعادة التأمين ووسطاء إعادة التأمين .
– كذلك قام الاتحاد بإفراد إحدى جلسات ملتقى شرم الشيخ السنوى للتامين وإعادة التأمين (شرم راندفو) الرابع لمناقشة مخاطر التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية وكيفية غلق الفجوة التأمينية الخاصة بتلك المخاطر. اذ يتمّ إلقاء الضوء خلال تلك الجلسات على حجم الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية المتوقعة على مستوى العالم وكذلك دور التأمين فى التصدى لتلك الكوارث.
– قام الاتحاد بإتخاذ الخطوات اللازمة نحو مشاركة قطاع التأمين فى مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية COP 27 والذى سيعقد فى تشرين الثاني (نوفمبر) القادم بمدينة شرم الشيخ. ويهدف الاتحاد من خلال تلك المشاركة إلى الإجتماع مع كافة الأطراف المعنية لبحث سبل التعاون الممكنة من أجل مجابهة الأخطار الناتجة عن التغيرات المناخية والأخطار الطبيعية.
والى جانب الاهتمام بقضايا المناخ والتأمين الزراعي فهناك اهتمام خاص من قبل الاتحاد المصري بالتأمين على متناهي الصغر والذي انعكس في تأسيس لجنة للتأمين متناهي الصغر عام 2019، بالإضافة إلى توقيعه لبروتوكول تعاون مع شبكة التأمين متناهي الصغر والذي يتضمن ترجمة تقرير تصدره الشبكة سنوياً للغة العربية تحت إسم “المنظور العالمي للتأمين متناهي الصغر”.