القرصنة الالكترونية وكورونا
القرصنة الالكترونية ازدادت بشكلٍ كبير مع اعتماد اسلوب العمل عن بُعد بسبب جائحة Covid-19 التي ألزمت الجميع بالابتعاد عن مراكز التجمّع، سواء في العمل أو في المدارس أو في المطاعم وحتّى في المتاجر الكبيرة التي تشهد ازدحامًا في داخلها.
هذا الواقع المستجدّ دَفَعَ موقع Atlas Magazine (المجلة الإلكترونية التي تنطق باللغتَيْن الفرنسية والانكليزية وتوزّع على مهتمّين في خمسين بلدًا في أفريقيا، الشرق الأوسط، آسيا وأوروبا) إلى إصدار عدد الكتروني خاص بالقرصنة الإلكترونيّة وكيفيّة تعامل شركات الإعادة العالمية معها، كما شركات التأمين المباشر.
وللمقارنة بين ما شهدته أسواق التأمين في العام 2019 و2020، عرضت Atlas Magazine بداية، تقريرًا للاتحاد الفرنسي للتأمين ورد فيه أنّ القرصنة الإلكترونيّة كانت ولا تزال الخطر الأكبر على مؤسّسات التأمين المباشر وشركات إعادة التأمين، وبوتيرة أشدّ وقعًا مع الأيام، مسجّلة خسائر للقطاع لا يُستهان بشأنها. وتكمن الخطورة بأنّ ملايين الشركات في مختلف أنحاء العالم قد تعرّضت ولا تزال لهذا الخطر الذي يستطيع شلّ مدن بكاملها من خلال “الفتك” والتضليل بالمعلومات المخزّنة في مستشفيات (كما حصل في لندن)، في قطاعات الأمن، في مؤسّسات الدولة، وبكلّ ما تصل إليه أيدي هؤلاء المخرّبين، وما أكثرهم.
وبالتفاصيل التي ذكرتها Atlas Magazine، نقلاً عن بعض التقارير، فإنّ الشركات الضامنة تواجه خطرًا صعبًا يتطوّر ويزداد وتاليًا يرفع من حجم الكلفة. وبحسب معطيات شركة Munich Re، فإنّ محفظة التأمين قُدِّرت في نهاية العام 2018 بــ 3.5 مليار دولار، وبسبب جائحة كورونا ومواجهة القرصنة ببوالص تأمينيّة، فإنّ حجم الأعمال في الولايات المتحدة وحدها قد تصل في نهاية 2020، ودائمًا بحسب Munich Re، إلى 20 مليار دولار صعودًا حتى العام 2025. ولمواجهة هذا الخطر، فقد اعتُمدت حلول أكثر تطوّرًا من قبل شركات إعادة كبرى. وعلى سبيل المثل، فإن شركة Suiss Re أطلقت مؤخّرًا منتجًا جديدًا تحت اسم Decrypt في وقتٍ بدأت شركتا CHUBB وAXA تغطّيان معًا أكثر من 30% من أخطار القرصنة في السوق الأميركي. ولم تَغِبْ شركة Trust Re ومركزها البحرين عن هذا المعترك إذ بادرت إلى تغطية القرصنة لمؤسّسات وشركات في دول مجلس التعاون الخليجي. وغنيّ عن القول أن أسعار هذه التغطيات قد ارتفعت خصوصًا بعد هجوم الفيروسَيْن WannaCry وNotPetya اللذَيْن صوّبا أهدافهما على الملفات الشخصيّة، وقد أدّى هجومهما في العام 2017، إلى سرقة معلومات 500 ألف حاسوب في 150 دولة. وبسبب ذلك، ازدادت الأقساط بنسبة تفوق الـ 50 بالمئة عام 2019.
وفي دراسة لشركة AIG على مستوى منطقة EMEA (اوروبا، الشرق الأوسط وأفريقيا) أجريت في العام 2018، تبيّن أن خطر القرصنة يُمكن تغطيته بطريقتَيْن، إمّا عن طريق بوليصة تأمين تقليدية لا تستثني الخطر الالكتروني، وهذه التغطية تسمّى صامتة، ولكنّها مقلقة للقيّمين على القطاع التأميني. فشركة LLOYD’S، (على سبيل المثال) تخوّفت من البوالص التي لم تُستثنَ منها خطر القرصنة، لذلك تباحثت مع زبائنها في موضوع التزام الشفافية في عقودهم التأمينية. ومتابعة لخطوتها، ألزمت الشركات خلال العام الحالي توضيح بنود العقد التأميني في ما إذا كانت القرصنة الالكترونيّة مغطّاة أو لا، وإلى أي مستوى. وقد تبعتLLOYD’S في هذا الاتجاه كلّ من Allianz وAIG للسبب نفسه. أمّا الطريقة الثانية في التغطية، فتأخذ بعين الاختبار حوادث القرصنة، بحيث أن البوليصة ترافق المؤّمّن له قبل وأثناء وبعد حصول القرصنة ومدى فاعليّة الاجراءات المتّبعة، علمًا أنّ التعويضات المالية تتوقّف على نقطتَيْن: هل القرصنة أصابت المعلومات (الداتا) أو البرامج بشكل عام، إضافة إلى أمور أخرى؟
وبحسب وكالة التصنيف العالمية Standard & Poor’s، فإنّ خطر القرصنة قد تزداد نسبته من 20 إلى 30 بالمئة سنويًا على مدى السنوات العشر المقبلة. ورأت الوكالة أنّ عدم التأمين ضدّ القرصنة الالكترونية من قبل المؤسّسات قد تكلّفها سنويًا 700 مليار دولار أميركي، في حين أنّ هذه الخسائر تتدنّى إلى 5 مليارات إذا اعتُمدت التغطيات التأمينيّة. وترى شركة AXA في الإطار نفسه أن قطاع التأمين لا يستطيع أن يتولّى التغطية وحيدًا، ومن هنا المطلوب هو توفير دعم من الجهات الرسميّة لمواجهة هذا الخطر الداهم.
في هذا السياق أيضًا، فإنّ شركة إعادة التأمين Willis Re التابعة لشركة إعادة التأمين Willis Towers Watson، أعدّت دراسة إستقصائية حول تأثير وباء كورونا على الخطر الإلكتروني. وقد تبين أن الإنتقال السريع نحو العمل عن بعد على الكمبيوتر ضاعف حجم تعرّض شركات للقرصنة الإلكترونية. كما أن سرقة البيانات باتت من العوامل التي تزيد من إحتمالات القرصنة. ومن بين الأشخاص الذين تمّ استجوابهم من قبل Willis Re، تبيّن أنّ 75% منهم يتوقعون زيادة الطلب على تغطية مخاطر القرصنة، في حين رأى 74% منهم، أن أسعار هذه التغطية سترتفع في الأشهر المقبلة، كما قد يرتفع المبلغ المتوقع للخسائر نتيجة القرصنة الإلكترونية إلى حدود عشرة مليارات دولار.
من جهة أخرى، فإنّ شركة Axa أدرجت في بيانها للعام 2020، أنّ عمليات القرصنة الإلكترونية في المرتبة الثالثة بعد الخطر الصحي والتغيّر المناخي البيئي، علمًا أن جائحة كورونا زادت ولا تزال من ظاهرة هذه القرصنة بسبب العمل عن بُعد والذي يُعتبر هدفا” مهما” للقراصنة عبر الإنترنت.
في ما خصّ القطاع المالي الفرنسي، وضمن دراسة من قبل بنك اللوائح الدولية Banque des Règlements Internationaux (BRI)، أجريت على عينة من 115415 عملية قرصنة الكترونية تمّت بين 2002 و2012 ، فإنّ 27792 عملية منها استهدفت القطاع المالي.
وفي الولايات المتحدة، فإن القرصنة الإلكترونية قد ازدادت بنسبة 25% في الفصل الأول من العام 2020، مقارنة بالفصل الأخير من 2019، وقد استُهدفتْ المصانع بشكل خاص، كذلك قطاعات المال والصحة. بالنسبة لشركة Beazley، فإنّ هذه القفزة النوعيّة للقرصنة الإلكترونية في أوج جائحة الوباء، تعود إلى انخفاض اليقظة عند الأميركي بعد القلق الذي أصابه بسبب التداعيات الصحية.