السياحة العلاجية ناشطة في دبي
هل تحلّ دولة الإمارات محلّ لبنان باستقطاب سياحة الاستشفاء؟
الجواب نعم، ونقولها بأسى، بعدما خسر لبنان كلّ ما بناه على مدى السنوات الماضية، خصوصًا في المجال الاستشفائي. ومَن عايَشَ العقود السّابقة، يعرف تمامًا أنّ بيروت كانت تنافس لندن على صعيد استقطاب المرضى العرب الذين كانوا يفضّلون المستشفيات اللبنانيّة على مستشفيات عاصمة الضباب، ومن هنا، بدأ، يومها، الحديث عن السياحة الاستشفائيّة لتواكب السياحة الترفيهيّة والدينيّة والسياحيّة بمعناها الحقيقي والواضح للكلمة. ومن ينظر إلى لبنان اليوم، ومن يزور مستشفياته ويطّلع على واقع أحوالها وما يقوله المسؤولون عنها، ينعى فعلاً السياحة الاستشفائيّة ويقول أنّ لبنان فَقَد موردًا ماليًا كبيرًا كان يأتي من العلاجات الصحيّة، والأهمّ أنّه خسِر سمعة طبيّة طبّقت شهرتها آفاق العالم. وما زاد من الألم والخسارة في آن، أنّ أطبّاء لبنان بدأوا يغادرون مواقعهم في مستشفياته، الكبيرة منها على وجه الخصوص، ويتّجهون إلى دولٍ عربيّة لا سيّما الخليجيّة منها كدولة الإمارات والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر، فضلاً عن دول افريقيّة واقليم كردستان في العراق. وكي نكون منصفين، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مستشفيات لبنان حاليًا، أو ما تبقّى من سمعة بعضها، لا تزال تستقبل رعايا من العراق لا يزالون يجدون في هذه المستشفيات مكانًا لتلقّي العلاج أو الخضوع لعمليّات جراحيّة.
ولكن كيف استطاعت دولة الإمارات، تحديدًا، في أن تحلّ محلّ لبنان وتستقطب هذا القطاع؟
تمّ كلّ ذلك بذكاء القيّمين عليها وخططهم المستقبليّة التي وضعوها قيد التنفيذ، وفق برنامجٍ مدروس وجاذب للسيّاحة الاستشفائيّة، من قبل شعوب الدول المجاورة، وربّما من شعوب دولٍ أوروبيّة وأفريقيّة وخصوصًا بعدما استقطبت الإمارات أطبّاء مَهَرَة وذوي خبرة عالية، وبينهم بطبيعة الحال الأطبّاء اللبنانيّون.
نشير بداية إلى أنّ نظام الرعاية الصحية في الإمارات يحتلّ مركز الصدارة في توفير المرافق الطبيّة ذات المستوى العالمي، وكذلك في وضع بروتوكولات السلامة وإجراءات التشغيل الصارمة، وكلّ ذلك لتقديم رعاية عالية الجودة. ونظرًا إلى جدّية هذا النظام، ووفقًا للمؤشر العالمي لعام 2021، احتلّت الإمارات المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الرعاية الصحيّة، والمرتبة الخامسة عشرة عالميًا في مقياس التعامل مع فيروس كوفيد.
وفي تقرير صَدَرَ حديثًا، فإنّ قطاع الرعاية الصحية الخاص في هذه الدولة نما بسرعة لمواكبة ازدياد شيخوخة السكان، واستيعاب أعباء المرض، وكذلك للمحافظة على مركزها كدولة يمكن أن تزدهر فيها سياحة الاستشفاء بعد الجهد الكبير الذي مارسه القيّمون على القطاع الصحّي، سواء بإنشاء المستشفيات الجامعيّة الطبيّة، أو بإقامة شَراكات صيدلانيّة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة لإنشاء مرافق صناعيّة في مناطق داخل هذه الدولة.
لكنّ هذه النهضة تعرّضت إلى بعض الانتكاسات بسبب التكلفة العالية في توفير الرعاية، ما قد يؤثّر على سعيَها إلى ترسيخ سياحة الاستشفاء على أراضيها. وهذه التكلفة العالية لم تكن العائق الوحيد، إذ لوحظ وجود ممارسات طبيّة غير منظّمة، فضلاً عن هَدْر مالي وضعف في البنى التحتيّة الصحيّة. وقد أدّت هذه التحدّيات إلى تزايد الكلفة الاستشفائيّة بنسبة 15 بالمئة سنويًا، ما أدّى إلى ارتفاع النفقات.
وبإزاء هذا الوضع الذي لا يليق بدولة كالإمارات، وقد حقّقت ما حقّقت في ميادين عدّة، خَطَتْ خطوة مهمّة للحدّ من الخسائر باستعانتها بشركة StratMed التي تعدّ من أهمّ شركات تحسين أداء قطاعات الرعايا الصحيّة في العالم، نظرًا لخبرتها الواسعة في هذا المجال، خصوصًا في دولٍ آسيويّة تطمح إلى أن تكون رائدة في التخطيط لسياسات استشفائيّة توفّر رعاية صحيّة لمواطنيها.
وتنفيذًا لخطّة وضعتها، بادرت StartMed إلى اتّباع نهج نظامي قائم على البيانات وخاضع لحقوق الملكيّة تجاه التخطيط الذكّي للاستهلاك وإدارة الإنفاق، ما مكّنها من خفض الكلفة وفي مجالاتٍ أربع للرعاية الصحيّة:
– الرعاية الرباعيّة التي تشكّل مستويات متقدّمة من الطبّ عالية التخصص ولا يمكن الوصول إليها على نطاق واسع. ويعتبر الطب التجريبي وبعض أنواع الإجراءات التشخيصية أو الجراحية غير المألوفة رعاية رباعيّة. وفي العادة، يتمّ تقديم هذه الخدمات فقط في عدد محدود من مراكز الرعاية الصحية الإقليمية. وتمكّنت StartMed بتدخّلها وتنظيماتها من تخفيض كلفة هذه الرعاية بين 12 و15 بالمئة.
– الرعاية الثالثة وهي تعني رعاية تخصّصيّة يحتاجها المريض لدى دخوله المستشفى، إذ أنّها تتطلّب معدّات وخبرات عالية التخصّص، من ذلك إخضاع المريض لجراحة الشريان التاجي، الكلوي أو غسيل الكلى وجراحة الأعصاب، فضلاً عن بعض العمليّات التجميليّة والتي تشمل علاج الحروق الشديدة وأي علاجات معقّدة جدًّا، إذ قد لا يتمكّن مستشفى محلّي صغير من تقديم هذه الخدمات، ولذلك قد يحتاج المريض إلى مركزٍ طبّي يقدّم خدمات على مستوى عالٍ من التخصّص. وقد أدّى التدخّل في هذه الرعاية إلى تخفيض الكلفة من 13 إلى 16 بالمئة.
– مستشفيات أحاديّة التخصّص وقد تدنّت الكلفة بمعدّل تراوح بين 10 و13 بالمئة.
– تبقى المستشفيات العاديّة في الإمارات التي تنكبّ عليها حاليًا StratMed لتخفيض خسائرها عبر الاستفادة من أفضل الممارسات العالميّة عن طريق وضع معايير تلبّي احتياجات الرعاية الصحيّة الخاصة في منطقة الخليج. وبكلام آخر، فإنّها تهدف من وراء هذه الإجراءات مساعدة مستشفيات الإمارات إلى:
– خَفْض تكلفة المواد الاستهلاكيّة بنسبة 8 إلى 12 بالمئة، وقد تحقّق هذا الهدف.
– خَفْض تكلفة الغرسات والمستحضرات الصيدلانيّة بنسبة 6 إلى 10 بالمئة، وتحتاج هذه المبادرة إلى متابعة على المدى المتوسّط.
– تحضير الوصفات الطبيّة ومراقبتها، ومن شأن هذه الخطوة أن تخفّض الكلفة بين 5 و8 بالمئة وعلى مدى متوسّط أيضًا.
– وَقْف الهدر بنسبة 4 إلى 6 بالمئة وعلى مدى متوسّط أيضًا.
يُذكر أن StratMed خاضت هذه التجربة في تخفيض الكلفة مع مستشفيات مرموقة منها مستشفى كريشنا للعلوم الطبيّة ومستشفى الدكتور AGARWAL لجراحة العيون، ومعهد ومركز طبّي للدكتور RELA، فضلاً عن مستشفى CLOUD NINE وسواها. ويعمل فريق هذه الشركة بشكلٍ وثيق مع الفرق الطبيّة في المستشفيات التي يتعاون معها كتحضير وصفات طبيّة فعّالة وتجاوز عمليّة الشراء بالجملة التقليديّة، مع التركيز على تحسين العمليّات التجاريّة مع ضمانة عدم تأثّر النتائج السريريّة تأثّرًا سلبيًا بسبب انخفاض تكلفة تقديم الرعاية.
وتشمل خطط StratMed المستقبلية ما يلي: إنشاء قاعدة تصنيع في إحدى المناطق الاقتصادية الإماراتية لوضع العلامة البيضاء على المنتجات الاستهلاكية، تجهيز أكثر من 40 ألف سرير مستشفى في الإمارات العربية المتحدة والهند وإدارة حجم المشتريات بما يصل إلى 500 مليون دولار أميركي بنهاية هذه السنة المالية. كما تتطلع الشركة إلى زيادة رأس مال النمو لتمويل خطط التنمية التي تضعها ولتعزيز منصة تحليل نفقات الرعاية الصحية التي تُعرف باسم INTEGER ™،” وذلك حسب ما ذكره د. سمير أحمد خان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة StratMed.