الباخرة تُقفل الممرّ المائي
ما لم تَسْتَطِعْهُ الصحافة اليوميّة، نجح الاتحاد العام العربي للتأمين في إنجازه بين ليلة وضحاها. والمقصود بهذه المقدّمة، هو العدد الخاصّ الذي أُعدّ بإشراف الأمين العام للــ GAIF السيد شكيب أبو زيد حول “جنوح السفينة EVER GIVENفي قناة السويس”.
لقد عَكَس العدد الخاص مدى جديّة الأمانة العامة في ملاحقة الأحداث، صغيرها وكبيرها، المُرتبطة بقضايا تأمينيّة، ومنها ما حَصَلَ داخل القناة عندما هبّت رياح قويّة وكدّست الرّمال على الضّفتَيْن ليفْقُد طاقم الباخرة مع هبوب العواصف العاتية، سيطرته على هذه العملاقة التي انحرفت بشكلٍ جانبي ما أدّى إلى إغلاق الممرّ بأكمله تقريبًا.
في هذا العدد الوثائقي الذي يحتاجه خبراء التأمين بالدّرجة الأولى، والمهتمّون من المتابعين بدرجة ثانية، استقطب اهتمامًا ملحوظًا بالنّظر إلى المعلومات التي ورَدَت في مقالات عدّة تمكّنت الأمانة العامة من جمعها في سرعةٍ قياسيّة عجزت الصحافة، بما تملك من أرشيف ومعلومات، عن إعداد مُلحق بهذا الحجم، وهذا الإنجاز، إن دلّ على شيء فعلى الملاحقة الدقيقة للأمانة العامّة للـ GAIF لأحداثٍ ذات طابع تأميني قد تحصل في المنطقة العربيّة والعالم وتستوجب الملاحقة والمتابعة من منظارٍ تأميني – اقتصادي لا يستطيعه إلاّ الخبراء وأصحاب المعرفة والمتعمّقين بالتأمين البحري.
في افتتاحيّة العدد، تناول الأمين العام شكيب أبو زيد أهميّة هذه القناة التي أُغلِقت ثلاث مرّات في الأعوام 1956 و1967 و1973 ليُعاد فتحها بشكل تامّ بعد اتّفاقيّة السلام بين مصر واسرائيل في العام 1975. ولأنّ الموضوع يستأهل الاهتمام، فقد توسّع أبو زيد في إبراز أهميّة هذه القناة التي تكمن بالدّرجة الأولى في اختصارها الزمن، بمجرّد العبور منها، من عشرة إلى أربعة عشر يومًا، ما يسهّل التجارة العالميّة ويخفّف من معاناة التصدير، فضلاً عن أنّ هذا الاختصار في المسافة يخفّض الكلفة. من هنا فقد كان لهذا الإقفال عواقب كبيرة إذ أنّ توقّف حركة العبور تسبّب بتوقّف خطوط الإمداد، ولذلك الأمر تداعيات باهظة الكلفة جرّاء تلف البضائع أو تأخّر وصولها، فضلاً عن ضرر بيئي يتمثّل بانبعاث ثاني اوكسيد الكربون من السفن ما يشكّل مصدر قلق. لهذا ضغطت الدول على شركات النقل الكبيرة كي تستخدم أجهزة حديثة تنقّي تلك الانبعاثات، إضافة إلى إلزامها البحث عن طاقات بديلة من الديزل. ومن المعروف أنّ هذه القناة تُعتبر موردًا أساسيًا لمصر بشكلٍ خاص إذ أنّها تُدخل إليها ما يقرُب من 5،6 مليار دولار في السنة الواحدة.
تضمّن العدد المُشار إليه مقالات عدّة كتبها اختصاصيّون عالميّون في البرنامج البحري والشحن منهم Stephen Harris، الكابتن Rahul Khanna وVladimir Lgubisavlgevic، والأخير يشغل منصب مدير قسم البحري في شركة ASIA & AON، وهي شركة إعادة متخصّصة في هذا الحقل وفي دراسة المخاطر. وإلى ذلك، اعتمدت الأمانة العامّة على مصادر تأمينيّة عدّة للإحاطة بكلّ جوانب هذا الموضوع الذي شكّل ضجّة عالميّة وأحدث إرباكًا على مستوى النقل البحري.
يُذكر، وكما ورد في المؤتمر الصحفي لرئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، أنّ الأعماق في منتصف القناة تصل إلى 24 مترًا، ولكن على الجانبَيْن تتراوح تلك الأعماق بين 2 إلى 5 أمتار، ولذلك كانت عمليّات تجريف الرمّال مهمّة لتعويم السفينة الجانحة.
اللافت هنا أنّ أسامة ربيع في مؤتمره الصحفي، لم يستبعد فرضيّة الخطأ البشري أو الفنّي في هذا الجنوح، محمّلاً قبطان السفينة المسؤوليّة، ذلك أنّ التقارير أفادت أنّ الباخرة كانت تسير بسرعة تفوق المسموح به في القناة، مشيرًا إلى أنّ EVER GIVEN علِقت في مدخل قناة السويس الجنوبي، على بعد 30 كيلومترًا من مدينة السوَيْس، ولكن لو حدث هذا الأمر في القناة الجديدة لما حصلَت هذه المشكلة إذ كان سيتمّ تشغيل القناة الثانية. وهذا الاتّهام، إذا صحّ، قد يرفع المسؤوليّة عن شركات الإعادة الضامنة إذ لو كانت العواصف هي السبب لكان على تلك الشركات تحمّل مسؤوليّة الخسائر التي وقعت. وعلى أية حال، فإنّ التحقيقات قائمة على قدمٍ وساق وفي غضون أيّام قليلة قد تُكشف الأسباب الكامنة وراء هذا الجنوح نظرًا إلى حِرَفيّة المحقّقين ومهنيّتهم، وهذا ما يدعونا إلى تذكّر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، أي قبل أكثر من ستة أشهر، والتحقيقات لا تزال جارية لمعرفة السّبب، ولكن من دون نتيجة بسبب التدخلات المحليّة والخارجيّة التي أعاقت الوصول إلى النتيجة المتوخاة.
جدير بالذكر أنّ الصحف المصريّة (وغير المصريّة) تتابع حاليًا هذا الموضوع من زاوية “من سيتحمّل خسائر EVER GIVENوماذا يقول خبراء التأمين”. وممّن أدلوا بدلوهم في هذه القضيّة نذكر: رئيس اللجنة العامة للتأمين البحري بالاتّحاد المصري للتأمين نظمي حسين الذي ذكر أنّ التأمين البحري يتضمّن 3 أنواع: تأمين أجسام السفينة، تأمين البضائع وتأمين المسؤوليّات للمؤمّن له تجاه الأطراف الأخرى، فتأمين أجسام السفن يوفّر الغطاء والحماية لجسم السفينة من الأخطار أثناء قيامها برحلات بحرية بين الموانئ أو أثناء عملها داخل الموانئ أو عند توقفها فى الميناء أو خلال عملية التشييد أو البناء في إحدى الترسانات.
ويختلف نوع التأمين على أجسام السفن باختلاف نوع السفينة المطلوب التأمين عليها وطبيعة المخاطر التي يتمّ تغطيتها والمدة الزمنية للتغطية وطبيعة الرحلة وغيرها من العوامل الأخرى. من الأخطار المُغطّاة: غرق السفينة، الجنوح، التصادم البحري، الحريق، وتغطي الوثيقة أيضاً الأخطار التى تقع فى البحر أثناء الرحلة البحرية مثل: الانفجار، السرقة، القرصنة البحرية، الأسر والمصادرة، وبطبيعة الحال تأمين البضائع الموجودة على السفن ضد التلف أو الهلاك وغيرها. ووفقًا لحسين، تتضمن تغطيات النقل البحري كذلك، تأمين مسؤولية المالك، ومسؤولية القائمين بعمليات الإصلاح، إضافة إلى تأمينات أخرى كتأمين رسم الشحن، لافتًا إلى أن نوادي الحماية والتعويض التى تتشكّل عضويتها بشكل أساسي من ملاّك السفن، تقوم بتغطية بعض الأخطار الأخرى التى لا تغطيها وثائق تأمين أجسام السفن.
أمّا الاستثناءات فهي: أعمال الشغب والإضرابات والأعمال الإرهابية، إضافة إلى عدم صلاحية السفينة للملاحة، والخسارة الناتجة عن عدم ملاءمة السفينة الناقلة للبضائع المنقولة عليها والأخطار النووية، هذا إذا لم تكن هذه الأخطار مسجّلة كبنود إضافيّة.
إلى ذلك، صرّح أنّ إجمالي التأمين البحرى عالميًا عن العام 2019 بلغ نحو 28.7 مليار دولار، تمثّل البضائع منها 57.5%، وتمثّل أجسام السفن 24%، والبترول 11.6%، والمسؤوليات بدون الأقساط المسندة إلى نوادي الحماية 6.8%، وذلك حسب الإحصائيات الصادرة عن الاتحاد الدولى للتأمين البحري.
من جهة أخرى، أشار نائب العضو المنتدب بشركة “مارش” للوساطة التأمينية سمير الشربيني إن حادث السفينة إيفر غيفن يطرح عدد من التساؤلات منها كيفية تقدير قيمة خسائر وأضرار مالكي السفن الأخرى التى انتظرت مدة طويلة أو التى أخذت طريقًا أطول وتكبّدت مصروفات زائدة عن المعتاد، وهل سوف تنجح فى الحصول على تعويضات من ملاّك السفينة ، وما هي إجمالي قيمة تلك التعويضات مجتمعة؟ أضاف: إن السفينة EVER GIVEN مؤمّن عليها لدى نادي المملكة المتحدة للحماية والتعويض UK P&I، والذي يعد أحد أقدم نوادي الحماية والتعويض فى العالم حيث تمّ انشاؤه عام 1869 والذى يُدار من خلال Thomas Miller، وهو عضو فى المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض (International group of P&I) والتي تتضمّن 13 نادي حماية وتعويض من بينها UK P&I.
إلى ذلك، لفت الشربيني إلى أن النادي قام بتعيين خبراء الإنقاذ Smit Salvage لمتابعة موقف السفينة منذ حدوث الأزمة، متوقعًا أن تتعدد الجهات المتوقع أن تطالب الشركة المالكة للسفينة بالمسؤوليّات، ومنها على سبيل المثال، ملاّك البضائع المنقولة على السفينة وهيئة قناة السويس وكذلك ملاّك السفن التي تأخرت فى القناة والبضائع المحمّلة عليها.
ورهن قدرة النادي على تغطية المسؤوليات المتوقعة عن الحادث والتي لم تُحصر بعد، ولم تقدّم للشركة إلى الآن على حدّ قوله، بالملاءة المالية للنادي، والبالغ احتياطياته 559 مليون دولار أميركي، فضلا عن أسباب الحادث الفنية وهي لم تحدّد بعد كذلك.
تبقى إشارة إلى أنّ الصدف شاءت أنّ يَعْقُد الاتحاد العام العربي للتأمين، وقبل أيام من حصول حادث قناة السويس، ندوة افتراضيّة، هي السادسة له، عن “الكوارث الطبيعيّة والكوارث من صنع الإنسان: كيف يمكننا تجاوز التحديّات الحالية، والاستفادة من الفرص المستقبليّة”.