من اجتماعات جمعية تجار بيروت برئاسة نقولا شماس
تحت عنوان “تسارع في نسبة التدهور الاقتصادي”، صدر مؤشّر جمعيّة تجار بيروت – فرنسبنك لتجارة التجزئة للفصل الثّاني من العام الحالي 2021. ويكفي أن نقرأ عنوان التقرير لنعرف مسبقًا ما تضمّنه من أرقام لا تفاجئ متتبّع الأخبار الاقتصاديّة، ولا مَن يُقيم في لبنان ويُدرك الواقع عن كثب.
والتقرير الذي وُزّع اليوم جامع وشامل، وإذا حاولتَ تلخيصه وجدتَ صعوبة، بل استحالة، لأنّ في كلّ مقطع من مقاطع هذا التقرير، معلومات وأرقامًا تستوقفك. ومن ذلك أنّ 40 بالمئة من المحال والمؤسّسات التجاريّة، إمّا أقفلت أبوابها نهائيًّا أو علّقت نشاطها، وما تبقّى منها، استجمع قواه بحثًا عن سُبُل لاستعادة ولو جزء ضئيل من هذا النشاط، في ظلّ الارتفاع الكبير للأسعار وضآلة النقود بين أيدي اللبنانيّين المقيمين، وتركيز المستهلك على المواد المعيشيّة الأساسيّة من غذاء ودواء ووقود، خصوصًا مع تخطّي الدولار عتبة الـ 15 ألف ليرة مقابل الليرة الواحدة.
وبعدما استعرض التقرير أرقام غلاء المعيشة (إستنادًا إلى دائرة الاحصاء المركزي) منذ العام 2011 حتى العام الحالي، وبعدما حدّد معدّلات نسبة التضخّم في كلّ قطاع على حدة (المطاعم والفنادق، المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة، التجهيزات المنزليّة، النّقل، الألبسة والأحذية وغيرها)، انتهى إلى خلاصة هي أنّ مؤشّر الفصل الثاني للعام الحالي يواصل هبوطه، ولو بوتيرة أبطأ بسبب المستويات المتدنية جداً التي سبق وبلغها في الفترة السابقة، عاكساً إستمرار الأزمة التي تعيشها البلاد والخسائر الفادحة التي تتكبـّـدها كافة القطاعات الإقتصادية، ولا سيما التجارية منها، والتدهور في الأوضاع الإجتماعية والمعيشية، من دون أن تُقدم حكومة تصريف الأعمال على أي خطوة، ولو لوقف التدهور أو المبادرة بأي برنامج خلاص وإنقاذ، ولا بإطلاق البطاقة التمويلية للبنانيين بدلاً من الدعم المقطوع، على رغم نداءات الإستغاثة المتكرّرة التي تطلقها جمعية تجار بيروت والهيئات الإقتصادية بشكل عام. من هنا -يقول التقرير- يبقى الحلّ الوحيد للخروج من هذه الأوضاع المأساوية هو في تأليف حكومة جديدة (وقد تألّفت)، تكون مهمّتها الأولى إعادة التواصل مع الجهات الدوليّة ولا سيما البنك الدولي وصندوق النقد ومجموعة البلدان المانحة، بعد العمل على إعادة الثقة في الأداء وفي حوكمة البلاد المالية والنقدية والإقتصادية.
جدير بالذكر أنّ “مؤشـر جمعيـة تجـار بيـروت – فرنسـَبنك لتجـارة التجزئـة” هو في طليعة المؤشرات التى بدأ القطاع الخاص بإصدارها (أواخر 2011) لسدّ ثغرة مزمنة في المعلومات المتاحة بشكل دوري ومنتظم لقطاعات محدّدة في الإقتصاد اللبناني. ويهدف هذا المؤشّر إلى تزويد المجتمع التجاري بأداة علمية تعكس المنحـى الـذي يشـهده نشـاط التجـارة بالتجزئـة بشـكل فصلـي (كـل 3 شـهور)، علماً بـأن هذا المؤشـر يتمّ إحتسابه من خلال الإحصاءات التي يتمّ التزوّد بها من أهـم قطاعـات تجـارة السـلع والخدمـات (45 قطاعًا بحسب تصنيف إدارة الإحصاء المركزي).
وفي الخلاصة، فإنّ عودة الحركة إلى الأسواق كان أكثر من خجول، لا سيما في ظلّ إستمرار التراجع في القدرة الشرائيّة لدى الأُسر اللبنانيّة، وغلاء الدولار، والتخبّط في خطّة الدعم وصعوبة الحصول على مواد مدعومة، لا سيما من دواء ومستلزمات طبيّة ووقود للسيارات أو مازوت، التي ما زال تهريبها إلى البلاد المجاورة ناشطًا نظرًا للفروق الكبيرة في أسعارها، الأمر الذي أدّى إلى أزمات تموينيّة حادّة لدى المواطنين اللبنانيّين، علاوة على الإدراك من أنّ قسمًا كبيرًا من الأموال التي يخصّصها البنك المركزي للدعم – والتي تُغرَف من إحتياطات ودائع اللبنانيّينن، تعود للأسف بالنّفع لغيرهم، ممّا استدعى وقفة صارمة من قبل جمعيّة المصارف مؤخّرًا، لا سيما عندما بات الأمر يمسّ باللجوء إلى الإحتياطي الإلزامي، كما استدعى مقاربة مستجدّة من قِبل البنك المركزي لجهة إمداد خزينة الدولة فقط مقابل نعهّدات رسميّة بالإيفاء وفقًا للقوانين السارية.