منظر عام للمشاركين وبدا إلى اليمين ابراهيم مهنّا
جمعيّة شركات التأمين الأردنيّة تؤكّد يومًا بعد يوم، مواكبتها كلّ جديد في قطاعات التأمين العالميّة على رغم انشغالها دائمًا في أعمال وأنشطة ومؤتمرات غالبًا ما تخرج عن روتين العمل اليومي.
جديدها على هذا الصعيد تمثّل بالندوة التي نظّمها الاتّحاد تحت رعاية محافظ البنك المركزي حول “المعيار المحاسبي الجديد لعقود التأمين” المعروف اختصارًا بـ IFRS 17 والذي تحدّد موعد المباشرة بتطبيقه في 1/1/ 2023. وينقل المعيار الجديد شركة التأمين، عند تطبيقه، من قطاع محلّي صِرف إلى قطاع عالمي، إذا جاز التعبير، من حيث الدقّة في اعتماد المحاسبة المبنيّة على Software مرتبط بمجلس المعايير المحاسبيّة الدوليّة.
صحيح أنّ الاهتمام بهذه الندوة اقتصر، مبدئيًّا، على شركات التأمين وهيئة الرقابة على تلك الشركات (الأردنيّة)، وقد أصبح البنك المركزي الأردني هو الجهة الرقابيّة على هذا الصعيد، بعدما صدر القرار قبل أيّامٍ معدودة، إلاّ أنّ مواكبة التطوّر يتطلّب، ولو فضوليًا، الوقوف على هذه الخطوة التحديثيّة التي تعود إلى العام 2017 ولكنّ تطبيقها تأجّل بسبب جائحة كوفيد، بعدما كان مقرّرًا أن يبدأ هذا التطبيق في 1/1/2020.
فماذا تعني هذه الخطوة الجديدة وما هي أهميّة الندوة التي دعا إليها الاتحاد الأردني وحاضر فيها لبنانيّان خبيران في هذا الحقل هما: الاكتواري ابراهيم مهنّا، صاحب شركة MHANNA Foundation والنقيب السابق ايلي عبود لجمعيّة مدقّقي الحسابات في لبنان. وقد حاضر الاثنان في هذه الندوة واسترعيا الانتباه بالنظر إلى خبرتهما الطويلة ومواكبتهما كلّ جديد على صعيد اختصاص كلّ منهما. ولم يكن مفاجئًا بعدما ألقى النقيب عبود محاضرته وردّ على الاستفسارات، أن يطلب منه نائب محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور ماهر الشيخ، أن يتولّى تدريب العاملين في المصرف ليكونوا على بيّنة واطّلاع في ما خصّ هذا المعيار الجديد الذي لم يتعمّم عربيًا على الأقلّ كما يجب، ومن هنا كانت مبادرة الاتّحاد الأردني مع البنك المركزي كجهة رقابيّة على القطاع، لتقديم الشرح الكافي كي يُبنى عليه في ما بعد، قبل تطبيق المعيار الجديد وبعده.
ولأنّ هذا الموضوع دقيق جدًّا ويحتاج إلى مَن يتولّى شرحه بطريقة علميّة صحيحة، فكان لا بدّ من الاتّصال بالسيد ابراهيم مهنّا للوقوف منه على أهميّة هذه الندوة والفائدة منها ومستقبل التدقيق المحاسبي على صعيد شركات التأمين وربط هذا التدقيق بمجلس المعايير المحاسبيّة الدوليّة.
بداية، أشار السيد مهنّا إلى المسعى الذي قام به في لبنان، وكذلك في الأردن، لتعميم التفاصيل المتعلّقة بهذا المعيار الدولي الذي يخصّ التقارير الماليّة لشركات التأمين، ذلك أنّ المعيار المحاسبي الجديد في العالم IFRS 17 سيبدأ اعتماده بداية العام 2023، وهو ما يحتّم على تلك شركات التأمين أن تُقفل حساباتها في أواخر 2022، اعتمادًا على المعيارَيْن: الحالي IFRS 4 والجديد IFRS 17، ليُصار في العام 2023 إلى اعتماد المعيار الجديد مئة بالمئة.
يصِف السيد مهنّا المعيار المحاسبي الجديد بــ “المعيار المنطقي جدًّا”، ليس لأنّه يساعد مدقّقي الحسابات على إجراء مقارنة بين شركات تأمين في دولٍ أخرى، وفي شركات تمارس المهنة نفسها، وإنّما لأنّ إدارة الشركة المعنيّة يجب أن تطّلع على تفاصيل أوسع بالنسبة لمواضيع تتعلّق باكتتابات الوثائق وبالأرباح والخسائر.
يعترف السيد مهنّا أنّ دول الخليج كانت سبّاقة إلى البدء بتطبيق هذا المعيار، بل باتت تقريبًا، كما يقول، في المرحلة الأخيرة من هذا التطبيق. لكنّ الأردن لم يكن غائبًا عن هذا الحدث، كما الحال مع لبنان على سبيل المثال، بل أنّ هيئة الرقابة على شركات التأمين، وقبل أن تنتقل إلى البنك المركزي الأردني، طلبَتْ من الشركات أنّ تستعدّ لتطبيق هذا المعيار وتدرس أوضاعها وتطّلع على جاهزيّتها إلى حين تحديد موعد التطبيق. لكنّ انتشار كوفيد أخّر هذه الجاهزيّة سنة بالكامل وإن كان عدد من شركات التأمين الأردنيّة قد دخل المرحلتَيْن الثانية والثالثة في اعتماد هذا التطبيق. وكان من البديهي أن يتّخذ اتّحاد شركات التأمين المبادرة لعقد هذه الندوة في فندق كمبنسكي في منطقة العقبة على مدار يومَيْن 22 و23 حزيران الماضي بمشاركة خمسين مدعوًّا من 21 شركة تأمين، إضافة إلى ممثّلين عن البنك المركزي الأردني وآخرين عن شركات تكنولوجيا المعلومات ومكاتب تدقيق الحسابات الخارجيّة ومحاضرين من لبنان ودبي وفرنسا، فضلاً عن متحدّثين من السوق الأردني.
لقد تناولت الندوة موضوع IFRS 17 من زاويتَيْن. زاوية أولى، تناول فيها نائب محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور ماهر الشيخ أهميّة هذه الندوة التي تأتي بعد وقتٍ قصير من انتقال مهمّة الرقابة والإشراف على قطاع التأمين إلى البنك المركزي، مثمّنًا الجهود التي بذلها الاتّحاد، أعدادًا وتحضيرًا للندوة، بهدف تطبيق المعيار رقم 17 للمرحلة المقبلة ومساعدة الشركات والجهات الرقابيّة في الاطّلاع على المتطلّبات لهذا التطبيق وما سيعكسه من شفافيّة في المعلومات والبيانات الماليّة للشركات في إطار هذا التحديث للأدوات الرقابيّة والتنظيميّة. ولم ينسَ الدكتور ماهر الشيخ المهمّة المنوطة بالبنك لناحية المساعدة في اعتماد هذا التطبيق وذلك عن طريق تطوير التشريعات ذات العلاقة, وبشكلٍ يتناسب مع متطلّبات المعيار، وفي الوقت نفسه، مراعاة طبيعة أعمال قطاع التأمين الأردني، بما في ذلك متطلّبات هامش الملاءة والحَوْكَمَة وبالتعاون مع الاتّحاد ومدقّقي حسابات الشركات والاكتواريّين لضمان سلاسة وسلامة الالتزام بجوهر المعيار.
الزاوية الثانية من هذه الندوة تمحوَرَت حول الحلول التكنولوجيّة المطلوب توافرها عند شركات التأمين المحليّة لأنّ الافتقار إلى هذه الحلول يحول دون تطبيق المعيار رقم 17. وبما أنّ شركات تكنولوجيا المعلومات شاركت في هذه الندوة إلى جانب مكاتب تدقيق الحسابات الخارجيّة، لتسويق برامج Software تخدم التطبيق، فقد طُلِب من السيد ابراهيم مهنّا أن يقدّم ورقة تقييميّة للعروض المقدّمة مقارنةً مع عروض أخرى من شركات عالميّة. وبالفعل، حقّق الأخير ما هو مطلوب منه بعدما قدّم تحليلاً بهذا الخصوص وأجرى مقارنة بين هذه الأنظمة الالكترونيّة لتطبيق المعيار TFRS 17 من الناحيتَيْن الماليّة والفنيّة.
سألنا رئيس شركة MHANNA Foundation عن الفارق بين المعيارَيْن IFRS 4 وIFRS 17 وكيف قيّم ندوة الأردن؟ أجاب:
– بالنسبة للنقطة الأولى، فإن المعيار الجديد يساعد المستثمرين على فَهْم المعالجة المحاسبيّة لعقود التأمين والمخاطر التي تتعرّض لها الشركات وأثر تلك المخاطر على ربحيّتها ومركزها المالي. إلى ذلك، فهو يحلّ مشاكل المقارنة التي كانت تظهر عند تطبيق المعيار رقم 4، إذ أنّ هذا المعيار لا يتطلّب أن تتمّ المحاسبة عن عقود التأمين المختلفة بطريقة متّسقة بل على العكس، فهي تتمّ بطرق مختلفة بين الشركات وأحيانًا بشكلٍ مختلف داخل الشركة نفسها. ونتيجة لذلك، فإنّ المستثمرين والمحلّلين يجدون صعوبة في: تحديد أي مجموعة من عقود التأمين في الشركة هي رابحة وأيّ منها خاسرة. صعوبة القيام بتحليل الاتّجاه (Trend analysis) حول معلومات عقود التأمين، بينما المعيار رقم 17 يوفّر أساسًا موحّدًا للمحاسبة عن جميع أنواع عقود التأمين بما في ذلك عقود إعادة التأمين، وبما يعود بالنّفع إلى كلّ من المستثمرين وشركات التأمين، فضلاً عن أنّ هذا المعيار يعزّز من قابليّة التقارير المالية للمقارنة في ما بين الشركات والأسواق المالية حول العالم. لذا فإنّ المحاسبة في المعيار الجديد ستتمّ باستخدام القِيَم الجارية (Current values) بدلاً من التكلفة التاريخيّة، كما يشترط أن تتمّ تحديث هذه القِيَم بانتظام ممّا سيوفّر معلومات أكثر فائدة لمستخدمي البيانات الماليّة.
بالنّسبة للشقّ الثاني من السؤال، فإنّ الندوة كانت موفّقة جدًّا خصوصًا عندما تكلّم النقيب السابق ايلي عبود وأجاب عن الأسئلة التي طُرحت عليه لاستيضاح بعض الأمور. وبناءً على مداخلته، طلب منه البنك المركزي الأردني أن يعدّ ندوات تدريبيّة لموظّفي البنك تتناول المعيار 17.
س: وماذا عن لبنان؟
ج: لقد وجّهتُ رسالة لعقد ندوة مماثلة لرئيس ACAL السابق السيد ايلي طربيه ولم يصلني جواب منه. ثمّ كرّرت المحاولة مع الرئيس الجديد السيد ايلي نسناس ولكنّني لم أحصل أيضًا على جواب على الأقل حتّى الآن. أذكر هنا أنّ هيئة الرقابة أرسلت منذ أسبوعَيْن كتابًا إلى شركات التأمين تستوضح من مدرائها أوضاعها في ما خصّ المعيار الجديد لإطلاع الجهات الرقابيّة الدوليّة على وضع قطاع التأمين في لبنان بالنسبة لتطبيق المعيار 17. وبحسب المعلومات التي وردتني، فهناك سبع شركات تأمين فقط باشرت في تطبيق المعيار، فضلاً عن 3 أو 4 شركات قرّرت البدء بهذا التطبيق، ما يعني أنّ السوق اللبناني متأخّر جدًّا بالنّسبة لتطبيق المعيار.