صورة جامعة من الندوة ويبدو إلى أعلى اليسار شكيب أبو زيد وإلى يمينه ماكس زكار فـ أحمد حسني. ويبدو في الوسط من اليمين وليدجشي، أدهم المؤذن وايلي نسناس وفي الصورة الثالثة من اليمين ايلي طربيه وفريد شديد
ــــــــــــــــــــــ
ندوة ناجحة بكل المقاييس هي التي أقامها الإتحاد العام العربي للتأمين حول “تداعيات إنفجار مرفأ بيروت” في الرابع من آب. وإذا كان من كلمة نقولها بهذا الخصوص فهي أن الأمين العام للـ GAIF السيد شكيب أبو زيد، الصديق الكبير للبنان، أدار هذه الندوة على مدى ساعتين، بالتعاون مع أحمد حسني المؤسس والمدير الاداري لمجموعة “Broknet Group MEA” ، بطريقة حَبَسًت أنفاس المتابعين وشدّتهم الى الشاشة الصغيرة للإستماع الى ستة من كبار رجال خبراء التأمين في لبنان وفي غير لبنان، بِحرَفيّة ومهنيّة وبتنسيق كامل بين الرجلين وبين الضيوف، حول تاثيرات هذا الإنفجار ومستقبل قطاع التأمين اللبناني.
تمثّل هذا النجاح في أعداد الذين تابعوا هذه الندوة، ففيما كان شكيب أبو زيد يتوقع وصول رقم المتابعين الى 300 شخص على أبعد تقدير، إذا به يُعلن أن الرقم وصل الى 425 شخص ليرتفع في أثناء الندوة الى حدود الـ 500 ، وهذا نادرا ما يحصل إذ ذكر ابو زيد، تأكيدا على وجهة نظره، أنه حتى في مؤتمرات الـ GAIF، لم يكن يصمد من المستمعين الى المحاضرات سوى عدد قليل، ونادرا ما وصل هذا العدد الى 300 شخص.
والى حرفية ومهنية شكيب أبو زيد وأحمد حسني، فإن الاشخاص المختارين لهذه الندوة كانوا على مستوى رفيع من الخبرة العميقة في قطاع التأمين، وقد إختارهم شكيب أبو زيد، لا على أساس الصداقة، والكثيرون غيرهم من أصدقائه هو الذي تعرّك في قطاع التأمين العربي، وإنما لأن لكلٍّ من هؤلاء نظرة ثاقبة إزاء تداعيات إنفجار المرفأ.
وبإستعراضنا أسماء الضيوف، نرى أن شكيب أبو زيد كان محقّاً في هذا الاختيار، وفي هذه “التشكيلة” إذا صحّ التعبير. فهو أولا، إختار رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان إيلي طربيه (الذي يشغل حاليا أيضا منصب نائب رئيس الاتحاد العام العربي للتأمين)، وكان هذا الإختيار في محله لأن طربيه يُمسك بهذا الملف ويتابعه ويعرف الشاردة والواردة لناحية كيفية تعاطي الشركات الضامنة من جهة مع هذه الكارثة، وكيف تتصرف شركات الإعادة المعنية بالتعويضات من جهة ثانية، بإعتبارها تتحمل المسؤولية الكبرى في تسديد المطالبات. وتصل النسبة كما ذكر الرئيس السابق لـ ACAL ماكس زكار، الى 92%.
والى طربيه الذي تناول الحديت في البداية وأعطى أرقاما عن نسب الأضرار وكلفتها وكيف تنظر الى الأمرشركات الاعادة وما هي توجّهاتها، إستضاف شكيب ابو زيد في هذه الندوة ايلي نسناس، وهو أيضا رئيس أسبق لـ ACAL ومدير عام لشركة رائدة في قطاع التأمين هي “أكسا الشرق الاوسط”. لقد شرح نسناس ببساطة، وبوضوح، الواقع الذي نتج عن هذا الانفجار الذي سمّاه بالكارثة، وهو فعلا كارثة! لقد ذكر أن شركات التأمين اللبنانية وبعد حصول الانفجار، قامت بواجباتها كاملة، وهذا ما يؤشر الى أن هذه الشركات، إذا استفادت مما حصل ستٌفتح أمامها أبواب إنطلاقة كبيرة في صناعة التأمين، لأنها ستؤكّد للداخل والخارج أن إستيعابها أزمة من هذا النوع تزامنت مع أزمتين أخريين هما جائحة كورونا والوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشه لبنان حاليا، ستشكل لها قوة لإعادة الانطلاق من جديد. وإشترط نسناس أن تكون الشفافية هي العنوان العريض الذي يجب أن تتبناه هذه الشركات مع الزبائن، كما مع شركات الإعادة، وبذلك يُمكن بناء قطاع ذي مصداقية محلية، عربية وعالمية. وبشّر أن إتصالات أجراها مع شركات إعادة عالمية تتعامل معها “أكسا الشرق الأوسط” أبدت إستعدادا للدفع.
سُئل نسناس كيف تعاطت “أكسا” مع هذا الانفجار، وماذا تلقّت من مطالبات، وهل سُدّدت تلك المطالبات، فأجاب: “أنه حتى تاريخه تبيّن لنا أن هناك 1.200 حادث تعود الى أبنية ومنازل ومكاتب متضررة و250 سيارة، و10 حوادث بحري. أما قيمة هذه المطالبات فقد تتراوح بين 100 و110 ملايين دولار، بحسب دراسة أكتوارية للشركة، لكن مع مرور الآيام تبيّن أن هذه القيمة قد تكون أقل ونأمل ذلك. ولأننا لا نؤمن بسياسة الترقيع، فنحن لم نسدد بعد، ننتظر أن نأخد موافقة شركات الإعادة ، علما أن البعض ممن نتعاون معه من هذه الشركات أبدى استعداده للتسديد. طبعا إنفجار المرفأ يحتاج الى 8 أشهر لمعرفة أسبابه، ومع ذلك لابدّ أن نسدد الاضرار الصغيرة في القريب العاجل، وحبذا لو التزمت الحكومة بمهلة 5 أيام لإعداد التقرير حول هذا الانفجار، لكنّا اسرعنا في دفع التعويضات”.
أُعطي الكلام بعد ذلك للرئيس السابق لـ ACAL ماكس زكار الذي أعلن بعض الارقام عن أضرار ممتلكات وسيارات لزبائن مضمونين في شركته “كومرشال للتأمين” التي يترأس مجلس إدارتها. وبحسب ما ذكر، فإن عدد المطالبات التي تبلّغها، تصل الى 250 حادثا لسيارات وتضرّر أبنية قيمتها التقديرية الاجمالية حوالي 20 مليون دولار. ولأنها ملتزمة مع زبائنها، فقد بدأت بإصلاح السيارات المتضررة، كما الأبنية والشقق التي يمكن إعادة تأهيلها بسرعة. وعن رأيه بخصوص التعامل مع شركات الاعادة، قال: ” كان هذا التعامل ممتازا لأن تلك الشركات تعرف أهمية سوق التأمين في لبنان، كما ان لآصحابها صداقات متينة مع القيّمين على الشركات المحلية”.
ما تجدر الاشارة اليه هو أن شكيب أبو زيد كان بين كل محطة ومحطة يتدخل ويزوّد المستمعين بمعلومات يملكها، فضلا عن طرحه أسئلة لتحفيز هذه الندوة وتعزيزها، من ذلك إنه استفاض في الحديث عن ضيفين إختارهما لهذه الندوة، الاول هو رئيس مجموعة شديد ري، فريد شديد الذي لعب ولايزال يلعب دور وسيط إعادة التأمين بين السوق المحلي وبين شركات الاعادة. ولولاه، قال أبو زيد، لما سارت الامور كما يجب، إذ أنه كان وسيطا ناجحا في تسهيل الحوار بين الجانبين : بين الشركات المباشرة وشركات الإعادة. كذلك أثنى على الدور الذي لعبه الرئيس التنفيذي لشركة “هانوفر ري” و”هانوفر ري التكافل” -البحرين أدهم المؤذّن الذي كانت له مداخلة إنتهى فيها الى القول أن “شركات الاعادة ومنها الشركة التي يمثل، لايمكن بشكل قاطع أن تسدّد ما لم يتبيّن سبب الانفجار: هل هو حادث ناتج عن حريق مثلا، أم هو عائد الى عمل إرهابي؟”
وبالانتقال الى مداخلة فريد شديد الذي طرح عليه أمين عام الـ GAIF عدة أسئلة، قال: “ما جرى في 4 آب لايمكن مقارنته بالحرب الاهلية التي شهدها لبنان في سنوات ماضية، ذلك أن تداعيات إنفجار مرفأ بيروت كانت اصعب وأخطر، بدليل أن مستشفيات عدة تضرّرت وأصبحت خارج الخدمة، في وقت وصل عدد الجرحى والمصابين الى سبعة الآف شخص، السواد الاعظم منهم عجزوا عن الحصول على الاسعافات اللازمة”. وعندما سُئل عن شركات الاعادة وما هي إمكانية المساعدة، ردّ بالقول: “الشركات ستساعد وتدعم مثل “هانوفر ري”، “سكور” “وسويس ري” وغيرها، ولكنني لا أقول ستُغطي على الاقل حالياً، إنما يجب أن ننتظر صدور التقرير. مع ذلك، اؤكد أن شركات الإعادة ستساعد الشركات اللبنانية لأنها تنظر الى القطاع نظرة جيدة ، وإذا كان البعض من تلك الشركات تخلّف عن تسديد المتوجب عليه بسبب صعوبة التحويل، واذا صحّ أن هذا الوضع مستمر منذ سنتين أو أكثر، فإن شركات الإعادة هذه تمكّنت في سنوات سابقة من جني أرباح كبيرة من السوق اللبناني ولهذا يجب عدم التوقف عند هذا التعثّر الطارئ في تسديد المطالبات”.
أخيرًا أُعطي الكلام الى مسوّي الاضرار الخبير وليد الجشي الذي شرح طريقة الكشف عن الاضرار، مطالبا بتسديد المطالبات لصغار المؤمّنين أو إعطائهم دفعة على الحساب. وبحسب معلوماته، فقد قامت شركات لبنانية عدّة بتسديد بعض المطالبات مثل “ليبانو سويس”، “أليانس سنا” وغيرهما .
هذا بإختصار ما دار في هذه الندوة التي سمحت للجميع بإبداء آرائهم، كما ردّت على أسئلة وردت من المتابعين عبر المنصّة الالكترونية. ولكن ما لفت أن شكيب أبو زيد كان دائما يلتقط فكرة يقولها أحد المحاضرين ويطالب في توسيعها. وفي هذا الإطار، طرح على رئيس ACAL ايلي طربيه سؤالآً يتعلق بنقطتين: تحديث قانون قطاع الضمان والدمج بين الشركات، فأبدى وجهة نظره، ليأخذ ايلي نسناس الكلام ويسترجع أحداث الفترة التي كان يتولى خلالها رئاسة ACAL . يومها، طرح قانون كندي لتبنيه في لبنان، ومن بنوده رفع رأسمال الشركة من مليون ونص دولار الى عشرة ملايين، فعلّق كلّ من ماكس زكار وايلي طربيه على هذا الإقتراح معتبرين أن هذا المبلغ يفوق قدرة الشركات. كذلك أستفاض رئيس ACAL في الحديث عن الوضع الذي تعيشه حالياً شركات التأمين بسبب إرتفاع أسعار الدولار وعدم تمكّنها من إستخدام الدولار المصرفي الا وفق السعر الرسمي محلياُ في حين أنها مضطرة الى تحويل مطالبات شركات الاعادة بدولار عالمي. ونفى ان تكون الشركات بدأت تقبض المطالبات بالـ Fresh money لآن هذه الشركات لم تتسلم بعد، ومنذ سنتين أو أكثر، الأموال المتوجبة على الشركات المحلية بسبب التدبير المصرفي المعروف بـ CAPITAL CONTROL. وما يفاقم الأزمة المالية أن شركات الإعادة ستُحسم حتما من مطالبات الشركات اللبنانية العائدات المتراكمة عليها.
وفي الدقائق الأخيرة أُعطي الكلام لكل محاضر أن يبدي وجهة نظره في دقيقة، فكان هناك إجماع على أن قطاع التأمين اللبناني متين وقوي وسيكون اقوى بعد هذه التجربة التي تعرّض لها بسبب إنفجار مرفا بيروت، إذا عرفت الشركات كيف توظّف المكتسبات المعنوية وتجعلها في خدمة هذه الانطلاقة.