اللولار ليرة ودولار معًا!
إعداد: ندى معوّض أبو جمره
الخبيرة في التأمين السيدة ندى معوّض أبو جمره تتابع الردّ على أسئلة القرّاء التي ترد على بريد المجلة. في هذه الحلقة، تتناول موضوعًا يهمّ الجميع: تعويضات انفجار الرابع من آب. كيف تسدّدها شركات التأمين، وعلى أيّ سعر صرف للعملة اللبنانيّة بإزاء الدولار؟ اللافت في سؤال القارئ أنّه طرح نقطة في إطار سؤاله على قدر كبير من الأهميّة هي: هل هناك تأمين على تدنّي العملة؟ والجواب نعم، لكن كيف؟ هذا ما تخبرنا عنه محرّرة هذه الزاوية.
- من روي. ج، الأشرفية، وردتنا الرّسالة التالية: أنا من سكان مدينة بيروت (الأشرفية تحديدًا). تضرّر منزلي جرّاء كارثة إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، وكانت الأضرار بسيطة، والحمدلله، مقارنة مع من دُمّر منزله بالكامل أو فَقَد أحد أفراد عائلته. لقد تحطّم زجاج النوافذ، كما الأبواب المواجهة لجهة الإنفجار.
اتصلت على الفور بشركة التأمين التي كنت قد اكتتبتُ لديها عَقْد تأمين لمنزلي يغطي جميع المخاطر، بما في ذلك أحداث الشغب والانفجارات، فأرسلت الشركة خبيرًا كَشَفَ على الأضرار وقيّمها.
ونظرا” للوضع المالي بالبلد، وبالأخص تدني سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، لم أجد أيّ شركة تعهّدات تقبل أن تأخذ شيكًا مصرفيًا. الشرط الأوحد لدى كل المتعهّدين هو الدفع نقدًا وبالدولار!
كلفة الترميم والتصليح تحتاج إلى ثلاثة آلاف دولار، كما أبلغني أحد المتعهّدين، ولتسديد المبلغ، اضطررتُ لشراء العملة الصعبة من السوق السوداء والمباشرة فورًا بعملية التصليح قبل حلول الشتاء وأمطاره، ولأتمكّن من السكن مجدّدًا في منزلي، من دون انتظار جواب شركة التأمين في ما خصّ التعويضات.
بعد مرور شهر تقريبًا على الحادث، قرّرت شركة التأمين التعويض على المتضررين والمؤمّنين لديها، فدفعت لي كامل المبلغ، لكن بواسطة شيك مصرفي بالدولار.
من جهة، كنتُ سعيدًا جدًا لأن شركة التأمين التي أتعامل معها كانت من أولى الشركات التي عوّضت على زبائنها، لكن، من جهة ثانية، كنت حزينًا، لأن الشيك يمثِّل أقل من نصف قيمة المبلغ نقدًا. يعني، في المحصلة، أنني وعلى رغم التأمين على ممتلكاتي ضد جميع المخاطر، تحملّتُ خمسين بالمئة من قيمة الخسائر!
سؤالي الأول لكم: ما العمل وأيّ نوع من التأمين ألجأ إليه لتفادي الوقوع بوضع مماثل، لا قدّر الله، في المستقبل؟ إذ على ما أذكر مرّت بلبنان سابقًا أحداث مماثلة وتدنّت قيمة الليرة، ولم أستفد، كما غيري من التجارب لتفادي هذا النوع من الخسائر. فهل يوجد تأمين يغطي تدنّي العملة ببلد ما؟
أمّا سؤالي الثاني فيعود إلى ما سمعت من أخبار عن شركات تأمين ستعوّض على المتضررين من إنفجار المرفأ بالدولار الأميركي نقدًا (Cash Money). فما صحة هذا الكلام؟
ج: إن الوضع الإقتصادي الصعب الذي يمر بلبنان، إنعكس على القطاعات كافة: الصناعية، الزراعية، السياحية وغيرها، كذلك سبّب بلبلة وقلقًا وحالة ضياع، وكان لهذا الوضع تأثير سلبي في جميع القطاعات، وبخاصّة، قطاع التأمين الذي تأذّى مباشرة لأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقطاع المالي من جهة، وبطبيعة دوره الأساسي، من جهة ثانية، الذي هو حماية المتعاقد عند حصول أيّ مكروه من خلال إعادة الأشياء المتضررة إلى حالتها السابقة قبل حصول الحادث، وهذا الدور عجزت شركات التأمين عن أدائه، فكيف يمكنها التعويض على أساس سعر الدولار في السوق السوداء الذي يناهز 7000 ليرة، فيما هي تحصّل أقساط التأمين على أساس الصرف الرسمي 1515، علمًا أنّ على هذه الشركات دفع بدلات إعادة التأمين المتوجب عليها بالعملة الصعبة. ومع استمرار هذه الأزمة، سعت شركات الضمان، كلّ على حدة، إلى محاولة إيجاد حلول تكون مناسبة لكلا الطرفين. وهذه الحلول مختلفة كليًا عن تلك التي اتخذت في أوائل التسعينيات عندما انهارت الليرة أمام الدولار. حينها كانت العقود بالليرة اللبنانية، سواء من ناحية المبالغ المؤمَّن عليها أو الأقساط. وعندما ارتفع سعر الدولار الواحد من 500 إلى ألف ليرة سنة 1991، فإلى 2400 سنة 1992، تدنّتْ عقود التأمين وأصبحت من دون جدوى.
لتفادي هذه المشكلة حينها، تمّ تبديل التعامل بالعملة المحليّة المعتمدة في عقود التأمين لتصبح بالدولار الأميركي. وكان هذا القرار صائبًا، فنحن في بلد يعتمد على الإستيراد. نستورد جميع المواد الأولية اللازمة للبناء، وكذلك قطع السيارات، وما إلى هنالك، وبالتالي فإن كلفة تصليح الأشياء المتضررة المؤمّن عليها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذه العملة.
ولو كان سعر صرف الدولار قد حُرّر في مقابل الليرة في السنوات السابقة، لما وقعنا، ربما، في هذه الأزمة. فالعقد إذا اكتتب بالدولار، يبقى على قيمته، سواء ارتفع أو انخفض، وتاليًا يبقى التعويض على قيمته.
إنّ الوضع الذي نحن فيه، وضعٌ استثنائي جداً وغير طبيعي، وقد جَعَلَنا نصل إلى درجة إختراع إسم لعملة وهمية سميناها “اللولار”، أي الدولار المحبوس في المصارف والعملة اللبنانيّة معًا.
وبالعودة إلى الحلول التي تحاول شركات التأمين إيجادها، فهي مرتبطة بعدّة أمور، منها طبيعة عقد التأمين، قيمة المبالغ المؤمَّن عليها، نسب إعادة التأمين والإتفاقيات مع معيدي التأمين.
وبعض هذه الحلول هي:
- زيادة قيمة الأشياء المؤمّن عليها حسب قيمة “اللولار”.
- تأمينها على قيمتها حسب الدولار نقدًا.
وفي كلتا الحالتَيْن تُعوِّض شركة التأمين حسب طريقة تسديد قسط التأمين.
في جميع الأحوال، عليك، عزيزي القارىء، قبل تجديد عقد التأمين، مراجعة المبالغ المؤمَّن عليها والإتفاق مع شركة التأمين على طريقة تسديد الأقساط لكي تضمن، في حال حدوث أي طارىء، الحصول على التعويض المناسب. ونصيحتي لك أن لا تغض النظر عن التقدير الصائب لقيمة الأشياء المؤمّنة، لأنها إذا كانت منخفضة ولا تمثّل الواقع، من حقّ شركة التأمين تطبيق مبدأ القاعدة النسبيّة.
من ناحية أخرى وجوابًا عن سؤالك حول وجود عقد تأمين يغطي أخطار تدني العملة، فالجواب هو نعم. هناك عقد تأمين اسمه “Foreign exchange risk insurance” يُغطي حصرًا عمليات التصدير، وهو مخصَّص لعقود التصدير الصادرة من بلد المنشأ بعملة البلد المستورد. ويضمن هذا النوع من التأمين سعر الصرف للعملة خلال عملية التصدير، ويعوِّض على المؤمن أي تفاوت في سعر الصرف. لكن هذا النوع من التأمين يغطي عددًا محددًا من العملات مثل الدولار الأميركي، الفرنك السويسري، الجينيه الإسترليني، الين الياباني… بالإضافة إلى بعض العملات الأخرى، لكنه بالطبع لا يشمل الليرة اللبنانية. إنّ هذا العقد يعتمد على كامل مبلغ الشحنة ويتضمن مبلغ اقتطاع Franchise يتراوح بين 2.5% و1%.
أخيرًا وفي ما خصّ سؤالك عن التعويضات العائدة إلى إنفجار المرفأ، فالكلّ بإنتظار القرار الرسمي الذي سيحدّد السبب ولكن شركات تأمين اتّخذت قرارًا بالتعويض عن الحوادث التي لا تتخطّى سقفًا معينًا، البعض من هذه التعويضات نقدًا والباقي شيك مصرفي، وهذا مرتبط باتفاقيات إعادة التأمين التي كانت قد عقدتها مع الشركات الأجنبية.