كمال سيوفي… الجباية ومراقبة الحدود وتطبيق الأنظمة مثلّث ذهبي مطلوب
كيف يرى القناصل المعتمدون في لبنان، انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة.. هل سيؤدّي هذا الاستحقاق، إذا تمّ في موعده، كما يُفترض، إلى تغييرات جذريّة على مستويات عدّة سياسيّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة ومهنيّة؟
لا شكّ أن الأجوبة لا تتشابه، بل تتباين وهذا طبيعي، لأنّ كلاًّ من هؤلاء القناصل، يرى من منظار مختلف عن منظار الآخر، كذلك، رأيه وتجربته واتّصالاته التي يبني عليها عندما يتحدّث عن المرحلة المقبلة.
المهندس كمال سيوفي، القنصل العام لجمهورية Burkina Faso التي تقع في غرب افريقيا، له ما يقوله في هذا الشأن، استنادًا إلى معطيات يعيشها واتّصالات يجريها مع زملاء ومسؤولين في الدولة، وقد اختصر رأيه بجملة واحدة من ستّ كلمات “لا ذرّة تفاؤل في القريب المنظور!”…
فإلى حديث القنصل المهندس كمال سيوفي الناشط الاجتماعي في عدّة مؤسّسات خيريّة واجتماعيّة وصاحب مكتب هندسي له امتدادات في أكثر من 15 بلدًا. سألناه بداية:
– بعد أسابيع قليلة، يُنتخب رئيس جديد للبنان، قد ينتقل معه الوضع السيّء إلى أحسن، أيّ أنّ البلد سيشهد انفراجًا، ودولاب الاقتصاد يعود إلى الدوران. استنادًا إلى المعطيات التي تملك، هل نحن ذاهبون برأيك إلى انفراج؟
ج: بناءً على المعطيات التي أعيشها يومياً، وبناءً على بعض الإتصالات مع أصدقائنا من القناصل لبعض الدول الأوروبية والإفريقية ومع بعض جهات السلطة في لبنان، أستنتج إنّ لا ذرة تفاؤل في القريب المنظور.
إن تغيير رئيس الدولة ليس مفتاحاً للحلّ، ذلك أنّ كلّ الطبقة المحيطة به من حلفاء، أصدقاء وأقرباء لاتزال موجودة بقوّة في القطاع العام والإدارات الرسمية ومركز القرار، فكيف سيتمكّن الرئيس الجديد من إجراء أي تعديل في المسارَيْن السياسي والإداري دون إنقلاب جذري على الطبقة الحالية المتحكّمة بذمام الأمور؟
شروط الإنفراج تُختصر بتغيير النهج السياسي والعقلية الطائفية العشائرية والتبعية المتقدّمة على مصلحة الوطن، تزامناً مع إنتخاب رئيس للجمهورية غير منتمٍ إلى أفرقاء أمراء الحرب.
ولعدم تفاؤلي من المستقبل المنظور، أود أن أسرد الأسباب التي أدّت بنا على ما هو عليه والتي ستبقى من دون أيّ حلّ في ظلّ وجود هذه الطبقة الحاكمة:
١- إستمرار حكم أمراء الحرب.
٢- نهج الأحزاب الجديدة بعد الطائف، التي مارست عملها كباقي الأحزاب التقليدية.
٣- إعتماد الطائفية والمذهبية والمحاصصة في إختيار الكادرات في القطاع العام والإدارات العامة.
٤- عدم تطبيق القوانين.
٥- عدم تفعيل أجهزة الرقابة والمراقبة.
٦- عدم مراقبة الجهات المانحة للأموال التي يُفترض أن تكون لمساعدة اللبنانيين والتي انتهت وتنتهي هدراً ومن دون فائدة.
٧- إتخاذ القرارات وفقاً للمحسوبيات وليس بناء على دراسات إقتصادية وفنيّة، مع أنها موجودة وصالحة للتنفيذ.
٨- عدم مراقبة مالية الأحزاب ومواردها الخاصة .
٩- عدم مراقبة مالية الصناديق والمؤسّسات غير الحكومية والمؤسّسات العامة ومصرف لبنان.
١٠- إعتماد الديمقراطية التوافقية، وهذه بدعة جديدة في السياسات الدولية: إما الديمقراطية وإما التوافق. إنّ تطبيق الإثنين معاً يوقف كافة القرارات المصيرية.
يمكن رئيسًا جديدًا للجمهورية، تغيير بعض الأسباب الأساسية المنصوص عنها أعلاه للأزمة وللحالة التي اوصلتنا إلى الوضع المأساوي على كافة الصعد: المالية، الإقتصادية، التربوية، الصحية، المصرفية، الإجتماعية وخاصة الأخلاقية؟
س: الوضع الاقتصادي هو الأسوأ وهو الذي يحتاج إلى عملية إنقاذ فعليّة. كقنصل وكرجل أعمال وكمهندس تمارس مهنة حرّة، وكمراقب ومواطن ومتابع ولديك طموح لإنقاذ لبنان، ما هو الحلّ أو بداية الحلّ للخروج من النفق المالي الذي نحن فيه؟
ج: المشكلة لا تكمن في الوضع الإقتصادي، بل هي سياسية وإدارية بإمتياز تعتمد على صفاء النيات في الداخل والإنتماء الوطني، والتخلّي عن العلاقات التبعية للخارج التي تغلب على المصلحة الوطنية.
الحلول الإقتصادية واضحة جداً، ويمكن إقرارها وتطبيقها بسهولة، لأن كافة الخبراء الإقتصاديين مجمعين على خطط تسهّل الوصول إلى شاطئ الأمان. إذا لم تتوافر النية عند أفرقاء السلطة الحاكمة، فلا يمكن تطبيق أي خطة إقتصادية دون تزامنها مع الخطوات التالية:
١- إزالة كافة الأسباب التي وردت في ردّي على السؤال الأول.
٢- تفعيل القضاء المستقل وسلطات الرقابة.
٣- تطبيق القوانين الضرورية المفترض تزامنها مع الخطة الإقتصادية – المالية وإصدار القوانين اللازمة.
٤- تفعيل السلطات الرقابية.
٥- ترسيم الحدود والبدء بالتنقيب.
إن الخطوات الآلية لحل المعضلة الإقتصادية لا تتطبّق، برأيي المتواضع، إلّا بالشروط التالية:
١- حلّ الأحزاب السياسية بكاملها وإعادة تأسيسها، في حال رغب المنتسبون إليها بذلك، على أسس غير طائفية، ومبنية على مبادئ سياسية أو إيدولوجية معينة وغير طائفية.
٢- ضبط كافة الحدود البحرية والبرية والجوية.
٣- التوافق على عقد إجتماعي جديد.
٤- البدء بتطبيق إتفاقية الطائف بالبنود المتعلقة بإنشاء مجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، تحضيراً لإلغاء الطائفية السياسية.
إن هذه الشروط المفترض تزامنها مع أي خطة إقتصادية مالية معتمدة، لا يمكن الحصول عليها مع السلطة الحالية من حاكمة وغيرها، إلاّ بتدخل خارجي يفرض هذه الحلول على السلطة السياسية لتطبيقها مباشرة متل ما جرى في جنيف، وسان كلو والطائف والدوحة وغيرها.
ولكن اليوم، وبناء على التطورات السياسية والإقتصادية والحربية في الغرب وفي منطقتنا، فللقوى الغربية والإقليمية الفاعلة، أولويات أهم بكثير من وضع لبنان الإقتصادي الإجتماعي. لذلك لا أرى إن الإجراءات التنفيذية للحلّ في لبنان هي في القريب المنظور، إلا إذا تسارعت التفاهمات الإقليمية والدولية.
س: إذا صَدَقت التوقّعات بعودة لبنان إلى سابق عهده، هل تعتقد أنّ إعادة إعمار المناطق المتضرّرة مثل المرفأ وغيرها سيُعاد بناؤها وترميمها، ومن أين سيُؤتى بالأموال في ظلّ الأزمة العالمية التي اشتدّت مع اندلاع الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة؟
ج: إن كافة المرافق العامة هي مصدر تدفق أموال وأرباح لأنها تهتم بالخدمات التي لا بدّ من تأمينها للحياة الإجتماعية اليومية. فالمرفأ والمطار والكازينو، وشركات الإتصالات وكهرباء لبنان والميكانيك وغيرها من المرافق العامة يمكن إستثمارها من شركات دولية، وهي حالياً تقوم بإتصالات مع بعض الجهات المحلية لجمع المعلومات الضرورية لتحضير دراسات عن الجدوى الإقتصادية التي يعتبرونها، بشكل عام، مدخلاً لكل قرار مالي إقتصادي.
في كل هذه المرافق، الأساس هو ضمان الجباية (المداخيل) ومراقبة الحدود وتطبيق الأنظمة.
أنا مقتنع بسهولة تأمين الشركات المستثمرة، رغم الأوضاع الإقتصادية والمالية العالمية لأن الأرباح محتمة، ولكن المشكل الرئيسي هو الثقة بالسلطة التي ستؤمّن لهذه الشركات الضمانات اللازمة لحمايتها وتأمين مداخيلها ومراقبة الحدود وتطبيق القوانين دون تدخلات سياسية.