الرئيس عبد الفتّاح السيسي
بقلم فضلو هدايا
ما نحتاج إليه، وِسْط هذَيْن الضياع والإرباك، هو مبادرة ماليّة إنقاذيّة، تحدّثنا عن واحدة في عددٍ أسبق (237-238)، وقد نُشرت المبادرة في هذه الزاوية بالذّات تحت عنوان “بين الـ Haircut الذّاتي للأموال وبين عقوبات تجمّد الودائع”.
المبادرة الثانية الجديدة المُقترحة، مستوحاة من صندوق “تحيا مصر”، وقد تكون أكثر عمليّةً من المبادرة الأولى، إذ أنّها طوعيّة لا إجباريّة وقد يشارك فيها معظم اللبنانيّين، مقيمين ومغتربين، فضلاً عن أنّها تُشبه، إلى حدّ ما، خطوة قيادة الجيش الأخيرة التي قَضَتْ بتسيير رحلات جويّة مُخصّصة لـ 3 مدنيّين للتجوّل فوق لبنان مدّة 15 دقيقة مقابل بدل مادي قيمته 150 دولارًا تُدفع نقدًا عن كلّ راكب، وذلك في مسعى للبحث عن مصدر تمويل خاص لمواجهة الأزمة التي تعصف بالمؤسّسة العسكريّة جراء الانهيار.
فماذا أوّلاً عن “صندوق تحيا مصر”؟
في 24 حزيران 2014، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي تنازله لصالح مصر عن نصف راتبه البالغ 42 ألف جنيه مصري، أي ما كان يعادل نحو 5,900 دولار، آنذاك، فضلاً عن نصف ما يمتلكه من ثروة، مطالباً المصريين ببذل الجهد والتكاتف خلال تلك المرحلة.
وفي الأوّل من أيلول 2014، أعلنت رئاسة الجمهورية عن تدشين صندوق “تحيا مصر”، تفعيلًا للمبادرة المُشار إليها، كما لمواكبة الظروف الإقتصادية والإجتماعية الحرجة، يومذاك. ولحسن تطبيق هذه المبادرة والسَيْر بها بشفافية مطلقة، تمّ إنشاء حساب في البنك المركزي لتلقي مساهمات المصريين في الداخل والخارج. وكان من أهداف الصندوق: النمو الاقتصادي المستمر والشامل والحدّ من الفقر، تلبية احتياجات الفئات الأكثر فقراً، عَقْد شراكات بين القطاعات المحلية والإقليمية والدولية كمدخل للتنمية المستدامة، فضلاً عن تشجيع مشاركة القطاع الخاص كمحور أساسي لدفع عجلة التنمية بالاشتراك مع الجهات الحكومية المسؤولة.
وانطلاقًا من شعار صندوق “تحيا مصر” وهو: “نجاح الأمة يبدأ ببناء المجتمع”، فقد اشتغل القيّمون على الصندوق، ومنذ تأسيسه على الدعم المادي والمعنوي لأكثر المحتاجين، وإعطاء الأولوية للحفاظ على بنية العائلات المصريّة والقضاء على الظواهر الاجتماعية التي أزعجت المجتمع لسنوات طويلة، ومنها: حماية الأطفال الذين بلا مأوى، فـك كـَـْرب الغارميــن والغارمــات بالســجون، وقد رصد الصندوق لهذه الخطوة مبلغ 42 مليون جنيه، مبادرة “بالهنا والشفا“، وتهدف إلى توفيــر المــواد الغذائيــة للفئــات الأكثــر احتياجـاً مـن أهالـي قـرى ونجـوع مصـر، إعانة مؤسسات الدولة في توفير المسكن الملائم والمتكامل الخدمات لقاطني المناطق العشوائية والقرى الأكثر احتياجاً وتحسين المستوى الاجتماعي والمعيشي لمواطنيها، بنــاء مــدن بشــائر الخيــر لرفــع المعانــاة عــن كاهــل ســكان المناطــق العشــوائية بالاســكندرية، تطوير المناطق ذات الخطورة الداهم، إلى ما هنالك من مشروعات مشابهة.
وإلى ذلك، كان للصندوق جانب صحّي، مثل توفير خدمـة الكشـف والعـلاج لغيـر القادريــن فــي محافظــات جنوب الصعيد مجانًا، وكذلك في تخصيص ألف وحدة غسيل كلوي لمواجهة ارتفاع نِسَب الإصابة بأمراض الكلى على ثلاث مراحل على مستوى الجمهورية، مكافحــة ضعــف وفقــدان ابصــار مــن خــلال التشــخيص والعــلاج المبكــر، وضمــان حصــول المريــض علــى خدمــة طبيـّـة متكاملــة، مع الإشارة إلى أنّ هذا الصندوق يوفّر دعمًا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في تنمية الإقتصاد ومحاربة مؤشرَي الفقر والبطالة، وتوفيـر ألف فرصـة عمـل للشـباب، وذلـك مـن خـلال توزيع ألف تاكسي في 10 محافظات، إلى مساعدات أخرى يوفّرها الصندوق للتعليم والتأهيل ولمواجهة الكوارث والأزمات، وكلّ ما تحتاجه مصر.
ترى، ألا نحتاج في لبنان، وفي هذا الظرف الصّعب، إلى مبادرة تُشبه مبادرة الرئيس السيسي التي أنقذت شعب مصر من براثن الأزمة الاقتصاديّة وسمحت له بانطلاقة جديدة ظهرت ملامحها منذ العام 2019 عندما سجّلت البلاد نموًّا ما كان يخطر في البال مع وصول عدد السكّان إلى مئة مليون شخص؟
إنّ التشبّه برئيس أكبر دولة عربيّة ليس عيبًا بل نراه واجبًا، إذ المطلوب فقط خطوة من رئيس الجمهوريّة مماثلة لخطوة السيسي، وإذا كان، لسبب أو آخر، لا يجد فخامته في هذه الفكرة ما يلبّي الطموح، وهو الذي وعدنا بأن يسلّم لبنان، بعد انتهاء ولايته، أفضل ممّا كان عليه، فنحيل الاقتراح إلى الحكومة العتيدة التي ننتظر ولادتها بفارغ الصبر، لعلّ وعسى.
إن صندوق “يحيا لبنان” هو الأمل والرجاء ولا خلاف عليه بين هذا المعسكر أو ذاك، إذ هو صُنِع في لبنان ومساهماته الماديّة من لبنان وتوجّهه تحت إشرافٍ مُحْكَم … للّبنانيّين!