وَقْع جائحة كورونا على المجتمع وعلى الأفراد، كما على المؤسّسات بمختلف أنواعها، بات وقعًا مدمّرًا تزايَد وتضخّم مع مرور الأيام والأسابيع والأشهر. وإذا كانت التداعيات طاولت الكلّ من دون استثناء، فإنّها تركّزت بشكل صارخ على الوضع الاقتصادي العالمي، ولأوّل مرّة بهذه الحدّة في التاريخ الحديث.
وإذا كانت الأرقام المتعاقبة أشارت، بداية، إلى أنّ أزمة الاقفال المعمّم عالميًا بسبب هذا الوباء قد سجّل انخفاضًا بالحركة تراوحت بين 25 و30 بالمئة، وعلى مستوى أسواق الدول عامة، فإن الانتكاسة التي طاولت أسواق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بَدَتْ مضاعفة بسبب العمالة الأجنبيّة التي أُجبرتْ على المغادرة مع توقّف الأعمال وتعليق الاستثمارات، بينها دولة عظمى هي بريطانيا لم تتمكّن من الصمود، فسرّحت مؤسّساتها عمّالاً أجانب، ومن كانوا من المواطنين أُلزموا بإجازات جبريّة بانتظار أن يمرّ الانكماش الحادّ وتعود الأمور إلى طبيعتها. لكن Covid-19 ظلّ في المرصاد وأطلّ برأسه من جديد ليعيد إدخال الأسواق في دوامة الشلل. وإذا كانت دول الشرق الأوسط وآسيا بدت الأكثر تأثيرًا فلإنّ أسعار البترول، المادة التي تُبنى عليها ميزانيات معظم الدول العربيّة كي لا نقول كلّها، تراجعت 50 بالمئة من قيمتها، وهذا الانخفاض هو الأدنى من نوعه منذ عشرين عامًا.
في ظلّ هذا الواقع المأساوي، أجريت دراسات عديدة، منها واحدة على قطاعَي التأمين والإعادة العالميَّيْن، أظهرت أنّ تداعيات جائحة كورونا على قطاع التأمين المباشر ستأخذ وقتًا لا يقلّ عن سنتَيْن وقد تمتدّ إلى خمس سنوات، وهذا ما يجب أن تعرفه الشركات. وإلى ذلك، أشارت الدراسة نفسها إلى أنّ معيدي التأمين سيتأثّرون من ناحية الخسائر الاكتتابيّة أكثر من تأثّرهم بالاستثمارات، لا سيما في مجال التأمينات العامة على وجه الخصوص، وفي التأمينات على الحياة وإن بنسبة أقلّ.
على أنّ هذه الخسائر تبقى غير محدّدة بشكل واضح، وثمّة من يتوقّع وصولها إلى حدود مئة مليار دولار وربّما 150 مليارًا. وبالفعل، فمنصّات البورصة العالميّة والعربيّة وشاشات وسائل الإعلام الغربي والعربي دأبت منذ أشهر على نشر أرقام جديدة تكشف خسائر شركات معيدي التأمين التي بدأت تعي أنّ الفصلين الثالث والرابع من هذا العام سيكونان مُثقَلين بالخسائر، وربما تمدّد هذا الواقع إلى 2021 وحتى 2022.
من الأمثلة على حجم خسائر معيدي التأمين، هي أنّ شركة Swiss Re أعلنت في بيان لها، أنّها في الربع الأوّل من 2020، تكبّدت خسائر كبيرة، إذا أضيفت إليها خسائر النتائج المالية للفصل الثاني لهذا العام، قد تصل الحصيلة إلى 1،1 مليار دولار!
أمّا SCOR، شركة الإعادة الفرنسيّة، فقد بدت متفائلة، أوّلاً، عندما صرّحت أنّ مداخيلها الصافية ارتفعت إلى 24 بالمئة، أي ما قيمته 162 مليون يورو وذلك في الربع الأوّل من هذه السنة. لكن سرعان ما تبيّن لها، وهي رابع أكبر معيد تأمين في العالم، أنّ خسائرها في الربع الثاني قد وصلت إلى 136 مليون يورو، وكلّ ذلك بسبب الجائحة.
أمّا Munich Re فقد أعلنت عن تسجيل خسائر تصل الى 700 مليون يورو في الربع الثاني من السنة جراء تداعيات كورونا.
وبالانتقال إلى المعيد QBE، فقد سجّل خسائر وصلت إلى 750 مليون دولار في النصف الأوّل من السنة في فروع تأمينيّة مختلفة.
لذلك، وفي ظلّ هذه الأوضاع الاقتصاديّة غير المسبوقة لقطاعَي التأمين المباشر والإعادة، فإنّ على هيئات الإشراف والرقابة على شركات التأمين في دول العالم كافة، ولا سيّما في دولنا العربية، أن تلعب دورًا انقاذيًا باختراعها حلولاً ومخارج كي لا تتهاوى أعمدة هذا القطاع، مع التشدّد الرقابي ومضاعفته، فضلاً عن ضرورة إطلاقها حملات لتنشيط القطاع والتدقيق في كيفيّة سير العمليّات التأمينيّة بشكل سلس وواضح، منعًا لانهيار البعض من الشركات التي تفتقر إلى خطّة عمل تمنحها الاستمراريّة، في ظلّ هذه الكارثة وأي كارثة من نوع آخر قد تحصل.
لقد بدا فيروس Covid-19 بمثابة جرس انذار لتحذير الشركات وإلزامها بخطط إنقاذيّة بديلة إذا ما حصلت كارثة، وإذا استمرّت الفيروسات في التوالد، فإن مستقبل القطاعات الاقتصاديّة برمّتها، وأوّلها قطاع التأمين، سيكون مظلمًا للغاية إن لم يتمّ تدارك الأمور. وما تجدر معرفته هنا هو أنّ هيئات التصنيف العالميّة Rating Agencies، وعلى رغم نظرتها السلبية لقطاع التأمين، فإنّ رقابة متشدّدة ودائمة ستؤدّي إلى إعادة نظر تلك الشركات في تصنيفها من سلبي إلى إيجابي، ومنها: AM Best، S&P، FITCH وغيرها.