لعلّ التجربة التي خاضتها شركة “فنشرش فارس” لوساطة إعادة التأمين خلال فترة الحجر الصحّي بسبب كورونا، هي الأكثر وضوحًا لتقييم المرحلة الماضية وكيف تعاملت شركات التأمين مع الواقع الذي استجدّ. ذلك أنّ المكتب الرئيس لهذه الشركة هو في اليونان، ومن هذه الدولة الأوروبيّة يتمّ توجيه خمسة فروع للشركة في كلّ من: السعودية، الإمارات، سلطنة عُمان، الكويت والأردن، علمًا أنّ “فنشرش فارس” في عمليات الإعادة تتعامل مع نقابات “لويدز” كونها شركة وسيط إعادة مسجّلة في هذا السوق بشكل رسمي، وهذا ما يسمح لها بالتعامل مع تلك النقابات بشكل مباشر.
ولمعرفة كافة التفاصيل عن هذه التجربة التي يمكن الركون إليها في أي دراسة قد تُعدّ عن مرحلة كورونا وكيف كان أداء شركات التأمين، سجّلنا عن بُعد، هذا الحوار مع المدير العام للشركة السيد محمد السيّد الذي أجاب عن أسئلتنا بوضوح وشفافية، كما عادته دائمًا.
فإلى التفاصيل..
س: أنتم كشركة وساطة إعادة متواجدة في عدد من الدول العربية، هل واجهتكم صعوبات في التعامل مع مركزكم الرئيسي والفروع في ظلّ أزمة كورونا، وخصوصًا أن لكلّ دولة عربيّة أسلوبها الخاص وإجراءاتها التي قد تختلف عن إجراءات دولة أخرى؟
ج: في الحقيقة أنّ أحدًا من الناس ما كان يتوقّع حصول جائحة كورونا وهذا الانتشار السريع لها في كافة أرجاء المعمورة، ولهذا كانت مفاجآت المؤسّسات والشركات في القطاعات كلّها، كبيرة ومربكة، سيما أنّها لم تكن مستعدّة لها. ولكن ما ينطبق علينا وعلى كثيرين مثلنا لا ينطبق على الملتحقين برَكْب التكنولوجيا المتقدّمة في قطاع التأمين مثل شركات الإعادة العالميّة: سويس ري، ميونخ ري، وغيرهما.. إنّ أمثال هذه الشركات، وفي قطاعات إنتاجيّة أخرى، لم يتغيّر عليها الكثير إذ أنّها أساسًا تعمل وفق أنظمة متطوّرة للـ Online، نظرًا لبعد المسافات بينها وبين الشركات التي تتعامل معها، علمًا أن موظفيها كانوا يعملونولا يزالون، أيّامًا معيّنة من منازلهم وأخرى من مكاتبهم قبل كورونا بسنوات لضرورات عدّة.
بالنسبة لـــ Fenchurch Faris، ولو أنّ مكاتبنا الرئيسة هي في اليونان، أي في القارة الأوروبيّة، فلم يكن لدينا نظام العمل من المنازل، ولكنّ كنّا نعمل على نظام VPNوالذي من خلاله، كان بإمكان الموظّف المتعامل معنا الحصول على جميع المعلومات الموجودة على حاسوبه في الشركة ونقلها إلى حاسوبه الخاصّ، وكنّا نحتاج لهذا النظام، لاضطرارنا أحيانًا للعمل بعد الدوام أو في أيام العطل الرسميّة في حالات الضرورة. لذلك، عند ظهورCovid-19 لم تتأثّر الشركة بشكل كبير، وظلّ العمل يسير بشكل طبيعي منذ اليوم الأوّل وذلك في جميع مكاتبنا في: الأردن، الكويت، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عُمان وطبعًا اليونان حيث المقرّ الرئيسي. بالنسبة لمكتبنا في أثينا لوساطة إعادة التأمين، فقد تابعنا العمل فيه على أكمل وجه، ولم نشعر أبدًا بأي تراجع في خدماتنا بدليل ردّات الفعل الإيجابيّة للشركات المتعاملة معنا في الدول العربية والتي أجمعت على أنّ “فنشرش فارس” كانت من أوائل شركات وسطاء إعادة التأمين التي عملت بجدّية خلال مرحلة كورونا، وتاليًا لم تشهد أيّ تراجع في عملها لا بل بالعكس، فقد شعر المتعاونون معنا بأنّ لدينا اصرارًا على العمل أكثر من الأيام العادية. نحن نعتزّ بهذه الشهادة ونفتخر بها. ولا أتكلّم هنا عن شركة تأمين معيّنة بل عن جميع الشركات التي نتعامل معها وفي جميع الدول.
هذا بالنسبة لعملنا، أما بالنسبة للويدز التي نتعامل مع نقاباتها مباشرة، لأنّ “فنشرش فارس” مسجّلة فيها كوسيط إعادة، فقد عرفت بعض الارباكات في الأيام الأولى لأزمة كورونا، لأّن نقاباتها لم تكن معتادة على نظام العمل عن بُعد، لأنّ طبيعة العمل يتطلّب حضور العملاء شخصيًا لشراء منتجاتهم ومن مكاتب النقابة في لندن، ولكن بعد فترة وجيزة من ظهور كورونا وانتشاره، تغيّرت الأمور وأقفلت جميع النقابات أبوابها وأصبح العمل من المنازل سهلاً.
س: وبرأيك، كيف سيتبلور هذا العمل مستقبلاً؟ هل ستستمرّ “فنشرش فارس” في نظام العمل عن بُعد، وبالتالي هل ستمضون في تطوير نظامكم التكنولوجي على مثال الشركات الكبيرة؟
ج: بعد تجربتنا الناجحة جدًّا في العمل عن بُعد والتي لم تشهد أيّة إشكالات، بدأنا نفكّر، جديًّا، بتطبيقها الآن وفي المستقبل، أوّلاً لأنّها تخفّف الازدحام في المكاتب، فضلاً عن أنّ هذه التجربة خفّضت المصاريف، والأهمّ الأهم أنّ الأعمال أُنجزتْ بشكل منتظم وقدّمنا الخدمات كاملة. لذلك قرّرنا، في أوّل اجتماع يعقده مجلس الإدارة، أن ندرس هذه النقطة وقد يتمّ فرز نسبة معيّنة من الموظّفين لتطبيق هذا التدبير عن بُعد في المستقبل، بعد نجاح تجربة الأشهر الثلاثة الأخيرة التي سارت فيها الأمور من المنازل بشكل طبيعي جدًّا ولم نشهد أية مشكلة.
س: يُقال أن شركات التأمين كانت الأقلّ تضرّرًا خلال أزمة كورونا، فهل أنت من هذا الرأي؟
ج: أعتقد أن الأمر يختلف بين بلد وآخر. ووفق تجربتنا، فقد تبيّن أنّ انخفاضًا في الأعمال حصل في أسواق التأمين في بعض البلدان. ففي السعودية، مثلاً، لم يتضرّر العمل أبدًا حتى اليوم، وبإمكانا أن نعتبر أن الوضع جيّد جدًّا، ولو أنّنا عاجزون على تقدير ماذا سيحصل بعد انتهاء جائحة كورونا، بينما في دولة الإمارات، فقد شهدنا انخفاضًا بسيطًا لم يتعدَّ العشرة بالمئة. في سلطنة عُمان، ودائمًا وفق تجربتنا، حافظت سوق التأمين هناك على مكانتها من دون أي تراجع ولكن بلا أي زيادة في الانتاج. كذلك في قطر لم يتغيّر الوضع، أمّا سوق تأمين البحرين فقد تراجع قليلاً. وبالانتقال إلى الكويت فقد شهد سوق التأمين تراجعًا سببه قرار إغلاق أسواقها إغلاقًا تامًا فجأة ومن دون تحضير مسبق. وفي الأردن فالأوضاع مستقرّة، كما في فرعنا الرئيسي في اثينا الذي شهد إقبالاً جيّدًا على إعادة التأمين بفضل جهودنا وجهوزيتنا لكيفية التعامل مع الوضع الحالي.
س: إذا طُبّق نظام العمل عن بُعد من المنازل، فما هو الوفر المتوقّع؟ وألا تظنّ أن العالم سيصبح قرية تكنولوجيّة ويصبح التخاطب بين البشر عبر الانترنت؟ وأين سيكون دور الرابط الانساني وخاصة أن الزبون سيكون فقط عبر الانترنت؟ ألن يؤثّر ذلك سلبًا على الحياة الاجتماعية؟
ج: طبعًا سيؤثّر نوعًا ما، ولكن نرى أنّ بيع التأمين عبر الانترنت في الدول الأوروبية المتقدّمة يفوق بأشواط هذا العمل في الدول العربيّة، فمعظمهم يشتري التأمين عبر المنصات الالكترونيّة Platforms أو عبر التطبيقات على الهواتف الذكيّة. شخصيًا، لا أحبّ أن نصل إلى ما وصلت إليه الدول الاوروبيّة وذلك لسبب وجيه وهو العامل الانساني والاجتماعي الذي يتطلّب التعرّف إلى الزبائن وجهًا إلى وجه والتحدّث معهم وبناء علاقات شخصية، وإلاّ سنتعامل فقط مع أجهزة! وعندها ستضيع كلّ العلاقات الانسانية والحضارات والثقافة، وبالتالي ستتوقّف المؤتمرات التي هي ليست “للبزنس” فقط بل هناك الجوانب الثقافية والسياحية والاقتصادية والتاريخية.. وبالنسبة للوفْر الذي من الممكن أن يتحقّق في حال طُبّق نظام العمل عن بعد من المنازل فسيكون بحسب التقديرات حوالى العشرين بالمئة.
س: هناك عائدات لبرامج تأمينيّة تراجعت بسبب كورونا مثل فرع المركبات، فيما ازدادت عائدات فرع الاستشفاء مثلاً. هل لاحظتم ذلك في البوالص التي كانت تُكتتب؟ وهل حصلت أية حوادث للقرصنة وأنتم تستعملون التكنولوجيا الحديثة؟
ج: لم نشعر بذلك، فالتجديدات جميعها تمّت، ولكن بالنسبة للتأمينات الجديدة ومنها مثلاً اليخوت، فقد تراجعت طبعًا بسبب الكورونا، فمن سيشتري في الوقت الحاضر يختًا؟ ولكن في المقابل، لدينا منتجات جديدة مثل التأمين ضدّ الأوبئة، والتأمين ضد الخسائر الناتجة عن الأوبئة…
وبالنسبة لعمليات القرصنة، لم تسجّل أي شكوى عن أية حادثة قرصنة ولكنّنا تلقّينا طلبات للتغطية ضدّها..
في النهاية، أحب أن أوجّة كلمة لأحبّائي في لبنان الذين يعانون جائحتَيْن: الكورونا والأزمة الاقتصاديّة، متمنّيًا لهم نهاية هذه المآسي التي يعيشونها حاليًا، وأن لا يخسروا جنى عمرهم المودع في المصارف وأن تُصحى الضمائر وأن تسير الأمور بما يرضي الجميع!